#صباح كنجي#
اهداء.. الى الصديق نبيل فياض
الكتابة عن الإيزيدية وتواجدهم التاريخي في سوريا لا تخلو من مصاعب بحكم قلة المصادر التي تتحدث عنهم تحت هذا العنوان.. أي حقيقة تواجدهم في سوريا التي شملها الكثير من الغبن والتجاهل والإلغاء المتعمد رافقها الكثير من التلفيق عبر كتابات تشوه هذا الوجود وتتناساه تنحو لخلق البديل المزعوم لسلسلة تحركات وانتقالات نجمت من شدة الهجمات الهمجية التي مورست ضدهم وطالت المجموعات السكانية الأخرى التي اشتركت معهم في المحن والويلات التي تعرضوا لها في حقب تاريخية متعددة..
والكتابات التي تناولت وجودهم في سوريا.. باستثناءات قليلة.. لا تعكس طبيعة تواجدهم التاريخية وتفصل محطات وجودهم وتلغيها بحكم ملابسات تاريخية ترافقت بتهم واكاذيب عن اصولهم وجذورهم التي ما زال هناك من يعتقد ويسعى لربطها بالإسلام ويجعلهم مجموعة منشقة عنه متناسين انهم يغالطون انفسهم.. قبل ان يفرضوا علينا مغالطاتهم عن التاريخ..
لأن الحقائق عن التواجد التاريخي للإيزيدية في سوريا تشمل اولاً فترة ما قبل الاسلام والتواجد العربي فيها بكثير.. يمتد لما قبل الميلاد سنتحدث عن بعض من معالمها التي تؤكد تواجدهم في بلاد الشام ليس من خلال الاستنتاجات.. بل بالاستناد على مكتشفات آثارية وما انجز في حقل الفيولوجيا التي اصبحت برهاناً ودليلا على تسلسل الشعوب التي تجمعها الثقافة ومفردات التشارك في اللغة في عدة مجالات.. في المقدمة منها المفردات الميثولوجية التي لها علاقة بالدين والعبادات والطقوس الاجتماعية ..
في هذا السياق يمكن الحديث عن ظاهرة عبادة الشمس في سوريا.. ابتداء من التسمية.. تسمية.. سوريا ومدلولها اللغوي وعلاقتها بالشمس وصلة هذه التسمية بالمجموعات السكانية التي نشأت أو تواجدت في بلاد الشام .. فسوريا ( Surya ) وفقاً لهذا التحليل.. هي الشمس التي تزوجت من القمر شام (ٍSam) كما جاء في نص اغنية من اغاني الزفاف في ( الرّيجفادا ) في الأسطورة التي جمعت بين كلا التسميتين .. سوريا و الشام.. لأول مرة في مصدر ميثولوجي تاريخي 1..
وسوريا لدى الايزيديين وفقاً للغتهم الى اليوم هي الإله الأحمر أو الشمس الحمراء.. سور أو صور = الاحمر ... ومنها يمكن الاستدلال على عمق هذه التسمية وامتداداتها في عدة تسميات لمدن ومواقع شملت بعلبك وحلب وحمص التي تميزت بوجود اله الشمس الحمصي ..
تتداخل الميثولوجيا في التعبير عن اله الشمس في عدة لغات شرقية تواجدت في سوريا والعراق تجمع بينها تجليات لمرادفة كوكب الشمس المؤله وقد يستغرب المرء من الحديث عن هذا التشارك بين العرب والايزيديين الذين يتحدثون الكردية ويطلقون على الشمس تسمية .. روژ .. أي الشمس و روژ هلات.. بمعنى الشمس المشرقة.. وهي في العربية هلت الشمس.. نتوقف عند الشروق وتعبير هلت بمعنى شرقت في العربية و هلات الكردية بذات المعنى الإشراق او الشروق والظهور..
كيف حدث هذا؟.. من أين جاءت الصلة؟ هل لسوريا وتاريخ المجموعات البشرية التي تواجدت فيها او مرت منها قبائلهم وتجارتهم علاقة بالموضوع؟ .. يقول فراس السواح في الجزء الثاني من موسوعة الاديان.. في باب ديانات العرب قبل الاسلام في هذا الشأن:..
( من الآلهة الرافدينية التي احتلت مكانة بارزة في الباثون التدمري الإله نبو ... وكانت اللات على رأس الآلهة العربية التي عبدت في تدمر .. ولا أدل على شعبيتها من شيوع أسماء العلم المركبة التي تحتوي على اسم للات في شكرها الثاني مثل تيم اللات وعبد اللات ووهب اللات ص283.. ويضيف في الصفحة التالية على الرغم من اننا نستطيع وصف اللات بأنها إلهة العرب الكبرى، إلا أن اصولها البعيدة ليست عربية .. وفي فينيقيا عبدت هذه الآلهة تحت اسم ايلات .. عندما تبنى العرب هذه الآلهة أدخلوا على الاسم سابقة التعريف ﮪ أو ال فدعيت إلات أو الإلات، ومنها جاء اسم اللات بعد ادغام اللامين ..
وفي هذا يقول المؤرخ الإغريقي هيرودوتس بأن العرب كانوا يعبدون الآلهة إفروديت أورانيا وكانوا يسمونها إلإلات .. تتضارب الآراء حول طبيعة اللات لدى الانباط فبعض المصادر القديمة مثل سترابو يقول بأن اللات هي الشمس ص285.. واختلف الاقدمون في اصل الاسم ومصدره.. ويؤكد.. اللات هي الشمس ص291)2..
في هذا الاطار ايضاً نستطيع ان نتوسع في البحث لبقية المرادفات التي لها علاقة بالموضوع تحديداً من خلال اللات كرمز من رموز العبادة لدى القبائل العربية قبل الاسلام وصلته بالشمس وعبادتها وهو امر بات معروفا لا يستطيع الكتاب الشوفينيين او الاسلاميون انكاره..
يؤكد الباحث السوري حسو أومريكو من خلال الصور والوثائق التي يمتلكها: ان ختماً أسطوانياً يعود لسنة 2800 قبل الميلاد لإمارة ماري على شكل سنجق الأيزيديين.. يتواجد في المتاحف السورية وسبق له وان نشر صورة الختم والرقم الآثاري الخاص به.. ويعد هذا اكتشافاً مهماً وتاريخياً يثبت وجود السنجق.. كبيرق ورمز للإيزيديين في حقب ما قبل الميلاد .. وهذا يتطابق مع المكتشفات الاثرية في العراق التي اماطت اللثام عن معبدان ل ( إيزيدا ) في ايسا كيلا في الحلة/بابل والآخر في الموصل وكلا المعبدين للإيزيد يعودان للحقبة السومرية ..
مع التأكيد إن البحث الأركولوجي في مناطق عفرين.. أكد وجود نحت دائري للشمس مع طاووسين في قمة جبل في منطقة جبل ليلون .. إذ يقول الباحث.. مروان بركات في كتابه المعنون.. جبل ليلون في مرآة التاريخ .. وليلون هي التسمية الثانية لجبل شيراوا التي ما زال يقطن فيها الايزيديون في مجموعة قرى..
(جبل ليلون شيراوا كان مأوى للإنسان حينما كان يقطن الكهوف، ويتغذى بالنباتات ولحوم الحيوانات البرية، وسنلاحظ أيضاً أن هذه البقعة الصغيرة من بلادنا كانت مركزاً لمعتقدات وأديان مختلفة من وثنية ويزيدية ومسيحية، في القرون التي سبقت الميلاد ... كما ورد ذكره تحت اسم (جبل نابو)، وذلك نسبة للإله الرافدي الذي اشتهر خلال القرن التاسع قبل الميلاد في منطقة بلاد ما بين النهرين موطن الإمبراطوريات الكردية القديمة و نابو هو إله الكتابة والحكمة، تدعى معابده إزيدا .. وفي تأكيد آخر يقول: .. اذا تجول المرء بين آثار منطقة جبل الكرد ( عفرين ) وبخاصة في المنطقة الجنوبية الشرقية (جبل ليلون) يلاحظ الكثير من الأبنية والمعابد القديمة التي تعود على فترات ما قبل الميلاد منقوش علي نجفاتها أقراص الشمس ومن هذه المعابد والأبنية في هذه المنطقة معبد يوجد في قرية خراب شمس الواقعة إلى الشرق من قلعة سمعان، قالت بعثات التنقيب عنه بأنه معبد وثني وعشرات النجفات في قرية براد الأثرية تحتوي على أقراص الشمس وإن دل هذا على شيء إنما يدل على أن عبادة إله الشمس لربما كانت منتشرة حتى القرون الأولى من الميلاد، لأن هذه المنطقة أي شمال غربي سورية / جبل الكرد / كانت ولفترة طويلة تحت النفوذ الحوري (هوري) وكان إله الشمس هو الإله الشبه مطلق عند الميتاهوريين ... وفي متابعة للموضوع يورد..
إذا تجول المرء في منطقة شمال غربي سورية وبخاصة في منطقة جبل الكرد يلاحظ حتى الآن الكبار والصغار حين يريدون القسم.. يقسمون بالشمس .. حيث يقولون: ( Bi v roy ) معناها وحق الشمس وأحياناً يقولون ( Bi q roy. )أي (وحق نور الشمس) طبعاً يأتي هذا القسم في جملة تغليظ الايمان . وهذا القسم موجود لدى عموم الشعب الكردي أينما وجدوا . وهناك عائلات كبيرة تعرف بهذا الاسم .. مثلاً في قرية كيمار عائلة كبيرة تعرف باسم (آل نبو) ولا يزال قسم من هذه الأسرة يعتنق الديانة اليزيدية... ويوظيف .. العقيدة الايزدية (أزداهي) قديمة تعود إلى القرون التي سبقت الميلاد ، حيث تشير بعض المصادر التاريخية أنها أقدم من الزرادشتية ، وبعض المؤرخين يعتبرون الايزدية (أزداهي) من الزرادشتية والحقيقة أن الزرادشتية امتداد من الأزداهية... و يفصل ..
ففي قرية كيمار يوجد معبد يزيدي يعود إلى القرن الخامس للميلاد، وهو يقع في الطرف الشرقي من القرية قرب دار اليزيدي المرحوم (خليل علو). وما زال المعبد قائماً بأساساته وحنيته ومنقوش عليه صورة لطاووس ملك فالمعابد اليزيدية التي تعود إلى فترة ما قبل الميلاد منقوش على نجفاتها أقراص الشمس والصلبان المتساوية الأذرع .
في موقع خراب الشمس يوجد معبد يزيدي يعود إلى فترة ما قبل الميلاد. على نجفته قرص شمس وصليب متوازي الأطراف. وأورد بعض الباحثين في دراستهم بأن هذا المعبد وثني دون أن يشيروا بأنه معبد يزيدي . ويشيرون أيضاً بأن أغلب الكنائس التي بنيت في منطقة جبل ليلون منذ القرن الثاني الميلادي وحتى القرن السابع قد بنيت على أنقاض معابد وثنية وعلى الأرجح كانت معابد يزيدية .) 3.
يمكن التأكيد ايضاً..
ان البحث لم يتوقف عند هذه الاكتشاف المهمة.. بل تواصلت الجهود في عدة دراسات و بحوث.. في مجال فقه اللغات والتاريخ من قبل الباحث مرشد اليوسف المختص بالآثار الذي تمكن من خلال علم الفيولوجيا ان يثبت وجود صلة بين اللغة السومرية ولغة الايزيديين الكردية واعتبر الديانة الإيزيدية امتدادا للسومرية عبر توثيقه الفيولوجي لعدة مرادفات لغوية مشتركة وبالذات منها ما يتعلق بالميثولوجيا والعبادات الشمسية والإله دوموزي الذي يتطابق مع طاووس ملك لدى الايزيديين4..
وهذا تعزيز وتطوير لما ورد في كتاب الراحل جورج حبيب وعلاقة نابو بطاووس ملك وفقا لما ورد في كتاب حبيب ( الإيزيدية بقايا دين قديم) ..
الذي ترافق هو الآخر مع ما توصل اليه الباحث خليل جندي بالتنسيق والتعاون مع الباحث الآثاري الايزيدي الشيخ نابو من سوريا عن.. مرادفة إيزيد او ايزيدا في اللغة السومرية معناها الطريق المستقيم أو الصراط المستقيم.. علما ان مرادفة الصراط المستقيم ليست هي الأخرى عربية كما كان يعتقد بل ثبت علم الفيولوجيا انها كلمة اغريقية الأصل دخلت العربية من خلال مفردة ستريت أي الطريق وهي ذاتها في الانكليزية والألمانية ..
نعود للحديث عن التواجد الايزيدي في سوريا.. من خلال ما توصل اليه الباحث والقاضي المعروف زهير كاظم عبود وتأكيده .. وجود الطاووس في ركن من اركان الكعبة قبل الاسلام .. هذا الطاووس الذي تمكن من انقاذه معاوية بن ابي سفيان ونقله الى الشام ويؤكد.. ان التمثال الخاص بالطاووس بقي في دمشق بعد نشوء واعلان الاسلام كدين جديد وفقاً لما ورد في المصادر العربية الاسلامية وينوه الى لقطات من فيلم الرسالة ثبتت هذه الحقيقة ..
(كان تقديس الطواويس منتشراً بين العرب قبل الإسلام، حين كان العرب يعبدون الأصنام والأوثان والرموز، وكان من بين كبار العرب من يعبد الطواويس، وموضع الطواويس في داخل حجرة الحجر الأسود، ومن بين من كان يقدس الطواويس ويتعبدها أبو سفيان صخر بن حرب، ومن يتابع مشاهد فلم ( الرسالة ) الذي أخرجه مصطفى العقاد سيلمح مشهداً ثابتاً يتمثل في قيام ابو سفيان وزوجه بنقل الطواويس من دارة الكعبة الى دارهم، حيث بقيت هناك حتى أستلمها عنه ابنه معاوية، ويقال انه نقلها معه الى الشام حيث كان يعبدها حتى وهو خليفة للمسلمين في دمشق، وتلك قصة أخرى يراد تدقيقها وتمحيصها وأثبات مصادرها قد نتعرض لها في مجال أخر)5. ..
و جاء في بحث لاحق مكمل له نشره في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان.. (هل كان ابو سفيان ايزيدياً ؟) ..
(كان ابو سفيان ( صخر بن حرب 57 ﮪ - ) من أسياد مكة وكان يعبد تمثالا يجسد الطاؤوس يضعه تارة داخل حجرة الكعبة، ويميز مكانه وموضعه، ويشرف على تنظيفه وتقديسه، ولطالما انسحب من بين الجموع التي تقف خاشعة أمام اللات والعزى وهبل ليدخل الى داخل حجرة الكعبة ويجثو على ركبتيه، أمام الطاووس رافعا كلتا يديه اليه، يرجوه إن يشفع له عند الله، وكان أحيانا ينقله معه الى حجرته في بيته يتعبده مع أهله، وحين شعر أن هجوم الجيش الاسلامي وشيك لفتح مكة، وحين تأكد له أن الرسول محمد (ص) وجيش المسلمين قادم لا محال، وانه سينتصر عليهم، قام بنقله بمعاونة ولده معاوية الى بيته القريب من دارة الكعبة، وبقي التمثال في بيته دون إن يتعرض له بالرغم من زعمه الدخول في الدين الجديد تحت وطأة الخوف من القتل...
واللافت للنظر إن فكرة الإسلام لم تدخل عقل ابا سفيان فبقي لا يؤمن بالنبوة حيث يعتبرها ملكا عضوضا، ولا يؤمن بجنة أو نار الاسلام، غير إن احدا لم يبحث عن الدين الخفي الذي بقي يتمسك به، وعن مصير تلك الطواويس التي كان يتعبد بها الله.. كانت القبائل العربية تعبد الأصنام ولكل قبيلة صنمها الخاص، فما علاقة الطاؤوس بأبي سفيان، وهو المعروف بكثرة أسفاره وترحاله التجاري في مدن تقدس الطاؤوس وتتبرك به الى الله، ومدن أخرى تدين بديانات أخرى، خصوصا وأن القوافل العربية كانت تمر بمناطق عديدة للوصول الى الشام، والديانة الإيزيدية كانت موجودة حتى حدود تكريت التي خصص لها رجال الدين سنجقاً خاصاً يدعى ( سنجق تكريت )، والسنجق الثالث كان على تكريت وسامراء كما يقول اسماعيل بك جول في الصفحة ( 79 ) من كتابه اليزيدية قديماً وحديثاً، بالإضافة الى انتشار الإيزيدية في سوريا وتركيا ضمن طريق القوافل التجارية... ) . 6..
في مجرى المتابعة لحفريات الثقافة الميثولوجية بالذات ما يتعلق بسوريا تستوقفني عبارات ومفاهيم ما زالت تتردد من خلال الأمثال والتعليقات الشعبية وبعضها تكرر استخدامه في المسلسلات الدرامية منها على سبيل المثال .. (انا وانت و بس .. واللي مو معانا يأكل خس ) او كما يقول الشاميون في تعليقهم الساخر على اهل حمص.. ( هذا مثل الحماصنة عطلته يوم الأربعاء) وصلة ذلك بجذور الديانة الإيزيدية وتحريمها لتناول الخس بالإضافة الى أن عطلة الايزيديين هي الأربعاء وهي امتداد ليوم العطلة والتوقف عن العمل من العهد السومري كما ثبتت مختلف الدراسات والبحوث عنهم.. هذا من ناحية الميثولوجيا والدين..
اما الصلة بين العرب والكرد وما يجمع بينهم فتستوقفني عدة كلمات ومرادفات متساوية ومتطابقة المعنى والمنحى والدلالة واللفظ المتقارب او المتشابه.. بالإضافة الى الملبس والعادات المشتركة التي لها الأولوية من حقبة ما قبل الاسلام واتوقف عند تسميات معروفة في اطراف دمشق .. لا بل في قلبها وسنترها المرجه .. المرجي كما ينطقها الشاميون .. او ساحة المرجه .. التي ماهي الا الميركه أي المروج والبساتين والزرع .. او هي الشمس لدى الايزيديين .. ايضاً توجد في اطراف دمشق .. بْرْشين .. بْرْزة .. والكثير من التسميات التي لها علاقة بالديانة الإيزيدية ولغتهم واهمها وقبل كل شيء وجود قرية باسم (الداسنية او الاكراد الداسنية ) في اطراف حمص وهي التسمية القديمة السابقة للإيزيديين.. تشكل دلالة جغرافية مهمة تثبت تواجدهم التاريخي في سوريا تتطلب البحث والتدقيق في تاريخ البلدة ومعرفة اصول ساكنيها وجذورهم والتحولات التي طرأت عليهم وقد تكشف المعالم الجغرافية في المدينة الكثير من حقائق التاريخ المغيب للإيزيديين في سوريا من خلالهم ..
ومن المؤكد ان وجودهم في هذه الرقعة الجغرافية ليس صدفة ويترافق مع وجود معبد الشمس الحمصي اضافة الى مجموعة قرى كردية سابقة في وادي خالد يثبت ان اصولهم وجذورهم الدينية السابقة للإسلام كانت من قرى الايزيديين .. وهذا امر يحتاج للمزيد من البحث والتقصي والتحقيق..
تبقى رأس العين .. سري كاني وتاريخها هي الأخرى من المدن المهمة التي ما زال يسكنها الايزيديون وارتكبت بحقهم جرائم من قبل دولة الخلافة الاسلامية داعش والمتطرفين الاسلاميين المدعومين من تركيا الذين هاجموها بحكم تواجدها على الحدود التركية.. لهذه المدينة تاريخ عريق يثبت ان التواجد الايزيدي يسبق الاسلام.. سبق وأن تعرضت لهجوم من قبل الفرس وغزواتهم وفقاً للمصادر التاريخية الموثقة في حقب تاريخية متتالية قبل وبعد الميلاد سبقت التواجد العربي فيها.. هي الاخرى تستحق المزيد من الدراسات والتنقيب..
لا يفوتني ان اذكر بان امارة كلس والتواجد الايزيدي في اطراف حلب في فترة الدولة العثمانية في على امتداد قرنين من الزمن ... يشكل مفصلا تاريخياً مهما عكس طبيعة الصراعات التي خاضها الايزيديون مع سلاطين الدولة العثمانية وتدخلاتهم السافرة في شؤون الايزيديين بمن فيهم عائلة جان بيلات/ جان بيلاط لاحقاً التي كانت تشكل ركناً من اركان عائلة مندو الإيزيدية في امارة كلس قبل اضطراهم لمغادرتها الى لبنان والانخراط في نسيج مجتمع الموحدين/ الدروز ويرتقوا ليصبحوا قادة وشيوخاً ومن ثمة زعماء لهم، بعد مقتل علي بك ابن جان پولات بعد فشل ثورته على الدولة العثمانية سنة 1607 م وكان آخر أمراء الأسرة المندية أصحاب إمارة كلس..
بعد مقتل علي بك أصبح حكام كلس يعينون من قبل الباب العالي في استنبول، فأرسلت السلطات العثمانية كردياً متفاهماً مع العثمانيين من عشيرة البرواري في هكاري كان ذا مكانة عالية في استنبول ليدير شؤون امارة كلس ويحكمها عام 1620 م...
ان هذا الانتقال للعائلة الجانبولاتية من بين الايزيديين وتزعمهم للدروز لاحقاً لا يشكل استثناء .. فثمة تجارب مماثلة سبقتها تستدعي التوقف عندها تتعلق بحركة وانتقال عدي بن مسافر وتواجده بين الايزيديين واندماجه بشخصية آدي التي تشكل لغزاً ميثولوجياً ما زالت الحاجة لفك طلاسمه تحتاج للمزيد من الجهد والبحث والتقصي ..
والثالثة تخص وجود شخصية الشيخ محمود الحفيد البرزنجي الذي قاد الثورة الكردية وتزعمها في الوقت الذي تؤكد كل الدلائل التاريخية انه من جذور ومنشأ عربي اسلامي ورد الى المنطقة الكردية واندمج بالمجتمع وهذا ما يؤكده احفاده من خلال تسجيل متلفز اذ يتحدثون عن تفاصيل انتقال عائلتهم العربية الى المناطق الكردية وانصهارهم في المجتمع الكردي..
والرابعة تتعلق بحركة وانتقال بابك الخرمي من العراق وقيادته لثورة تحررية اممية مسلحة ضد الدولة الاسلامية لأكثر من 22 عاماً من 201-223 ﮪ في مناطق اذربيجان وارمينيا في زمن خليفتين في الدولة العباسية هما المأمون ومن بعده المعتصم ..
اما حمو شرو زعيم سنجار فهو الحلقة الوحيدة التي تحركت ضمن اطار نفس الدين بين الإيزيدية لكنه يشكل هو الآخر تحولاً كبيراً في مجرى الصراع بعدما هاجر حمو شرو من مناطق سميل في دهوك الى جبل سنجار واصبح مع مرور الزمن القائد الفعلي والزعيم القوي فيها.. اضطرت الدول بما فيها بريطانيا للتعامل معه وتنصيبه زعيماً على سنجار ..
نعود للجزء المتعلق بحركة الانتقال بين الإيزيدية لنثبت ان المعلومات المؤكدة عن حركة الشيخ عدي بن مسافر الذي اختلف الباحثين في اصوله وجذوره لكنهم لم يختلفوا في مناطق انتقاله بين بعلبك والشام وهكاري ومن ثم استقراره في لالش وما صاحبها من اندماج في المجتمع الايزيدي وما نتج من الغاز ما زالت تستدعي الاستقصاء والتحري لا يمكن القبول ببعض ما ينسب لهذا التواجد والانتقال منها.. ان القوالين او الايزيديين في بعشيقة وبحزاني اتوا معه ورافقوه .. أي انهم شاميون دخلوا في الديانة الإيزيدية مع عدي بن مسافر..
يمكن تخطئة وتفنيد هذا الادعاء.. بالتأكيد:
ان لغة بعشيقة وبحزاني التي يتحدثون بها ليست لغة شامية خالصة بل خليط من الكردية والعربية يتحدث بها آخرون في مناطق زاوه تقترب من الميردلية وسبق وان كتبنا عن هذه اللغة ويمكن العودة الى ذلك في موقع كلكامش.. ايضاً وهذا من الحقائق التي لا تقبل التأويل والنقاش بخصوص الايزيديين في بعشيقة وبحزاني ووجود القوالين فيها حيث لم يثبت التاريخ وجودهم الا في هاتين المدينتين ولو كان الرأي المذكور صحيحاً وصائباً لسمعنا بوجود القوالين بين الايزيديين في قرى ومدن سوريا او غيرها من الاصقاع التي يتوزع عليها الايزيديون في اكثر من 7 بلدان..
هذا ايضاً وضمن جوهر الموضوع المتعلق بالتواجد التاريخي للإيزيديين في سوريا يشكل نقطة دالة على ان هذا التواجد ليس عابراً او جديداً وما ورد عن دخول الاسلام بحد السيف بين المجموعات السكانية المختلفة في بلدان الشرق بمن فيهم الكرد لا يتعدى هذه الحقيقة فالجذور الإيزيدية للكرد المسلمين لا يمكن الغاؤها او القفز عليها .. ومن يسعى لتثبيت الحقوق الاثنية للكرد كمواطنين في سوريا اليوم عليه ان يستند لهذا السيل من المعلومات التاريخية التي تعكس جذور هذا التواجد وعراقته .. على سبيل المثال في منطقة جبل ليلون يمكن الحديث عن المعلومات التاريخية الدالة على هذا الأثر من خلال ..
آثار كنيسة جوليانس في براد التي شيدت على أساسات مزار جل ميره للإيزيديين وقد تحول موقع الكنيسة إلى مقبرة حديثة .. كذلك يمكن التثبت من أهم مزار على القمة يدعى مزار الشيخ بركات الذي تقام مراسيم الزيارة له في نيسان مع حلول الأربعاء الأولى من شهر نيسان الشرقي ولا يزال السكان في ليلون يقسمون بشاهدة قبره عند حلفهم اليمين.. إن وجود هذه المعابد اليزيدية في الفترة التي سبقت الميلاد والفترة الميلادية حتى اليوم في منطقة جبل ليلون إن دلت على شيء إنما تدل على أنهم سكنوا فيها من آلاف السنين .
ويوجد في الطرف الشرقي من قرية كيمار معبد ما زال قائماً بأغلب أساساته وحنيته تحمل في أعلى قوسيها رمز الصليب وقرص الشمس يحيطهما طاووسان يعود بناء هذا المعبد إلى /572م/ يبين ذلك من خلال النقش الموجود قرب الباب انه معبد يزيدي لان الصليب المتساوي الأطراف مع قرص الشمس وصور الطاووس أو رؤوس الثيران تعود للميثولوجيا الإيزيدية .
علماً أنه مازالت باقية حتى الآن في القرية عائلة إيزيدية وقبل مئة سنة خلت .. كان اهالي كيمار كلهم إيزيديون .. والدليل ان بيت خليل علو نبوكة نسبة ل نبو اعتنقوا الإسلام من فترة لا تتجاوز الأربعة عقود وما يزال بينهم من يعتنق الإيزيدية من أبنائه.
قبل ان اختم هذه الاسطر لا بد ان أشير الى موضوع في غاية الاهمية يتعلق بوجود صلة تاريخية وميثولوجية مهمة بين ثقافة بحزاني وبعشيقة ومفردات لغتهم الخاصة المركبة وعاداتهم من الايزيديين مقارنة بمدينة معلولة الجبلية على بعد 60 كلم من دمشق.. التي يسكنها المسيحيون الذين يتحدثون الآرامية باللهجة السريانية القديمة..
اذ وجدت انهم يطلقون على قمة الجبل مفردة العقبي او عقبة الجبل وهي ذات التسمية في لغة بحزاني وبعشيقة ومنها اخذت العربية مفردة عقب الجبال كما انهم يستخدمون تسمية سن الجبل ..أي قمة الجبل واهالي بحزاني ايضا يسمون احدى قمم الجبل بالسنكي او سن الجبل.. وقد يعتقد ان المفردة عربية من سنن الجبال.. لكن وجدتها في القاموس الكردي/الكردي لدى الباحث الدكتور خليل جندي مفردة كردية مدرجة في القاموس الكردي ايضاً ..
الأهم من كل هذا .. اطلعني الباحث نبيل فياض على صورة لنساء كانت اقرب الى جدارية معلقة في بيته .. توقفت امامها مذهولاً.. إذ تصورت انها لنساء من بعشيقة وبحزاني.. لكنه قال لي :.. هذه صورة نساء من معلولة.. وملابسهن تتطابق 100% من الفيز في الرأس والميزر وكل شيء مع ملابس النساء في بحزاني وبعشيقة .. هذا وحده يحتاج بحثاً وتدقيقاً يستحق المتابعة وحتماً سيكون للبحوث والدراسات القادمة المزيد من الفرص للتنقيب عن التواجد الايزيدي في سوريا..
صباح كنجي
ايلول/2016
الهوامش
1 الشمس في الشعر الجاهلي اطروحة ماجستير كمال فواز أحمد سلمان.. اشراف الدكتور إحسان الديك.. جامعة النجاح الوطنية ص43 .. موضوعة في شبكة الانترنيت.
2 فراس السواح موسوعة تاريخ الاديان الكتاب الثاني ديانات العرب قبل الاسلام ص 281 الطبعة الاولى 2004 دار علاء الدين دمشق
3 مروان بركات.. جبل ليلون في مرآة التاريخ كتاب من شبكة الانترنيت
4 مرشد اليوسف .. دوموزي (طاووسي ملك) بحث في جذور الديانة الكردية القديمة الطبعة الاولى موضوعة على الانترنيت في مكتبة بحزاني
5 زهير كاظم عبود التنقيب و النبش في التأريخ الإيزيدي القديم
6 زهير كاظم عبود .. هل كان ابو سفيان إيزيدياً ؟ الحوار المتمدن
الدراسات والكتب الصادرة عن الايزيديين وتواجدهم في سوريا محدودة ولا تتعدى الكتب التالية :
1 هوشنك بروكا.. دراسات في ميثولوجيا الديانة الإيزيدية، الطبعة الأولى ألمانيا 1995
2 خلف الجراد..اليزيدية واليزيديون.. الحوار للنشر و التوزيع.. اللاذقية.. الطبعة الأولى
3 مرشد اليوسف دوموزي (طاووسي ملك) بحث في جذور الديانة الكردية القديمة الطبعة الاولى موضوعة على الانترنيت في مكتبة بحزاني بالإضافة الى كتاب ثاني بعنوان
4 حسين سينو .. الإيزيدية عبر العصور
5 درويش حسو .. الإزداهيون اليزيديون، ألمانيا، بون، الطبعة الأول
6 كتابات نبيل فياض المتفرقة عنهم
7 روايات سليم بركات.. الاولى.. دلشاد (فراسخ الخلود المهجورة) .. الثانية (سبايا سنجار) توثق جرائم داعش
8 مع بعض الدراسات النادرة على شبكة الانترنيت ..[1]