هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (1)
د. مهدي كاكه يي
إعتنق قسمٌ من سكان جبال وقرى ومدن كوردستان المذهب النسطوري للديانة المسيحية، نسبةً الى الأسقف (نسطوريوس) أسقف القسطنطينية الذي أسّس هذا المذهب في سنة 431 ميلادية، بعد حُرمانه وطرده من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة. من الجدير بالذكر أنه يتم إطلاق إسم (الكنيسة الشرقية) على كنيسة النساطرة.
في القرن الخامس عشر الميلادي، قامت الكنيسة الكاثوليكية بجهودٍ كبيرة من أجل إقناع أتباع الطائفة النسطورية الشرقية أن يقوموا بِتغيير مذهبهم النسطوري الى المذهب الكاثوليكي. هذه الجهود نجحت في إقناع قسمٍ من النسطوريين أن يعتنقوا المذهب الكاثوليكي، وتمّ إطلاق إسم (الكلدانيين) على هؤلاء وذلك لِكون الكلدانيين القدماء كانوا من سُكّان بابل الكلدانية وليس لأنّ هؤلاء من سُلالة الكلدانيين الذين ذابوا في الشعوب الأخرى ومنه الشعب الكوردي، ولم يبقَ لهم أي وجود، حيث أن إطلاق هذه التسمية عليهم هي مُجرّد تسمية تعرّفية جغرافية. من هنا ندرك أن الناس الذين يتم إطلاق إسم الكلدانيين عليهم ليس لهم أي إرتباط بالكلدانيين القدماء.
أما عن جذور الإسم ( آثور) من (آشور)، فأنه في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ظهر مطران مسيحي ( كلداني - كاثوليكي) إسمه المطران (أدي شير) وقام بِتأليف كِتابٍ بِعنوان ( كلدو - آثور)، ومن هنا إبتدأت هذه الاقوام تداول المصطلح (آثور) كنوع من تأسيس هويةٍ لأفرادها، تحفظ لهم كينونتهم، بعد إشتداد الضغط على الأقليات العِرقية والدينية بسبب إندلاع الحرب العالمية الأولى ووقوع أحداث مذابح الأرمن بعد سنة 1915 الميلادية نتيجة موقفهم المناؤي للدولة العثمانية حينها و مساندتهِم لِروسيا القيصرية.
شمِل البحث عن الهوية، جميع المكوّنات المعتنِقة للديانة المسيحية في بلاد ميزوپوتاميا في ذلك الوقت، حيث أخذ كل مذهب يحاول تأسيس هوية خاصة بها للتعريف والتمييز والحفاظ على كينونته من الإختفاء والإنقراض، فوجدَ النساطرة ضالتهم بالتسمية التي أطلقها المطران (أدي شير) عليهم، وهي (الاثوريون(.
يذكر السير (سدني سمث) بأن زوال الشعب الآشوري وكيانه السياسي سيبقى ظاهرة غريبة وملفتة للنظر في التأريخ القديم، حيث أن ممالك وإمبراطوريات أخرى قد إختفت، إلا أن شعوبها إستمرت في الوجود. يستطرد السير (سدني سمث) في حديثه قائلاً بأنه لم يحصل في التأريخ أن سُلِبَت ونُهِبَت أية بلاد أخرى وأُبيد شعبها بالكامل كما حصل لبلاد آشور(a).
كما أن عالِم الآثار (نيكولاي بوستغيت) يذكر أن الإنحطاط السياسي للدولة الآشورية لم يكن مُتوَقعاً أن يحدث بهذه السرعة، إلا أنه مع ذلك لم يكن سقوطها مفاجئاً وأن إختفاءها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً، حيث أن ممالك وإمبراطوريات مماثلة عديدة قد ظهرت ثمَّ إنهارت كالمملكة الهيتية العظيمة، إلاَ أنها لم تختفِ إختفاءً تاماً كما حدث للدولة الآشورية(1).
يذكر المؤرخ اللبناني (جرجي زيدان) أنّ الآشوريين كانوا يقيمون قديماً في بابل نحو سنة 2500 قبل الميلاد، ثم إمتدوا على دجلة إلى ما وراء نينوى، وكانوا يتكلمون لغة سامية يكتبونها على الحرف المسماري طبعاً على القراميد وقد إنقرضت هذه الامة في القرن السادس قبل الميلاد(1).
عالِم الآثار الإنگليزي (اوستن هنري لايارد) مُكتشِف آثار نينوى و آثار المدن الآشورية القديمة والذي أقام بين النساطرة، يقول أنّ هذه الآثار تعود الى شعب مُنقرِض.
العلّامة المطران (اسحق أرمله) أسقف الكنيسة السريانية الكاثوليكية في ماردين، كان شاهد عيان على المجازر التي إرتكبها العثمانيون ضد المسيحيين خلال الحرب العالمية الأولى. ألّف هذا االمطران كتاباً يسرد فيه تلك المجازر، يذكر فيه الكلدان و السريان و الأرمن و اليونانيين الذين تعرضوا للمجازر التي قام بها العثمانيون ضد المسيحيين، إلا أنّ الكتاب المذكور يخلو من إسم (آشوريين) أو (آثوريين) (3).
من جهة أخرى، يقول المؤرخ (جيمس موريس) بأنه ليست هناك أية علاقة عِرقية للآثوريين (النساطرة) بآشوريي نينوى، الذين تمت إبادتهم في عام 612 قبل الميلاد على يد الميديين و البابليين(4). يستطرد هذا المؤرخ بأنه بعد إنتﮪاء الحرب العالمية الأولى و تأسيس مملكة العراق من قِبل بريطانيا في عام 1920، قام الإنگليز بجلب النساطرة الى العراق.
الپروفيسور الأمريكي (كيلي روس) الذي كان أستاذاً في جامعة كاليفورنيا، نشر مقالاً في سنة 2010 ميلادية بعنوان (ملاحظة في الآشوريين الجدد)، حيث أنه إنتقد فيه ما يقوم به الآشوريون الجدد من تحريف متعمّد للتاريخ و إدعائات باطلة فيما يتعلق بالحضارات القديمة، قائلاً أنّ تسميتهم الحديثة لم تكن إلا نتيجة تعاونهم مع الانگليز .كما أنّ الپروفيسور المذكور نشر أبحاثاً في سنة 2001 ميلادية، يُثبت فيها أنه ليست هناك أية علاقة عرقية تربط الآشوريين الجدد بالآشوريين القدماء.
فناء (آشور) و(نينوى) مذكورٌ أيضاً في الكتاب المقدس، حيث جاء في (سفر صفنيا) ما يلي: ويمد يده على الشمال ويُبيد أشور، ويجعل نينوى خرابا يابسة كالقفر (الاصحاح 13:2). كما يذكر النبي (ناحوم) في التوراة بأن نينوى تتعرض للدمار بسبب عبادتها للأصنام وفظاظتها وجرائمها وأكاذيبها وخيانتها وخرافاتها ومظالمها وأنها كانت مدينة مليئة بالدم ومثل هذه المدينة لا تستحق الحياة، حيث يتنبأ بدمار وفناء آشور لتلك الأسباب قائلاً: وها الرب قد أصدر قضاءه بشأنك يا آشور، لن تبقَ لك ذرية تحمل إسمك (الاصحاح 1:3).
إن فناء الآشوريين الذي يشير إليه المؤرخون والكتاب المقدس، لا يعني فناء الشعب الآشوري الذي كان أسلاف الكورد من سوباريين وهوريين – ميتانيين وسومريين وغيرهم يُشكلون الغالبية العظمى من هذا الشعب، حيث تأسست مملكة آشور على أرض أسلاف الكورد، كوردستان. بالطبع لم تبتلع الأرض الشعب الآشوري، حيث ليس من المعقول أن تتم إبادة شعب بأكمله. في الحقيقة فأن ما جاء في الكتاب المقدس ودراسات المؤرخين حول فناء الآشوريين، القصد منه هو زوال إسم الآشوريين كشعب وذوبان العناصر الأكدية والبابلية في أسلاف الكورد الزاگروسيين، حيث هاجرت تلك العناصر من الصحراء السورية وجنوب بلاد ما بين النهرين الى بلاد سوبارتو وبعد قرونٍ عديدة من إستيطانها في كوردستان، إستطاعوا السيطرة على الحُكم في مملكة آشور.
المصادر
1. نيكولاي بوستغيت. حضارة العراق وآثارُه – تاريخ مصور. ترجمة سمير عبد الرحيم الچلبي، بغداد، 1991، صفحة 122.
2. جرجي زيدان. طبقات الأمم – السلائل البشرية. دار التراث، بيروت، 1969.
3. اسحق أرمله. القصارى في نكبات النصارى. 1919.
4. جيمس موريس: الملوك الهاشميون. دار الأهلية للنشر والتوزيع، 2011، صفحة 105.
a. Smith, Sidney (1928). Early history of Assyria. Londo
[1]