مطبعة كردستان في القاهرة
أول مطبعة كردية
فارس عثمان
مجلة الحوار- العدد 74- عام 2020
ساهم اختراع الأحرف المعدنية المتحركة على يد الألماني يوحنا غوتنبرع عام 1436م على تطور الطباعة التي أدت إلى تطور الكتابة وحركة البحث العلمي في مختلف المجالات، وازدياد الاقبال على القراءة والترجمة والتواصل الحضاري بين مختلف الثقافات. وبذلك كانت الطباعة الحديثة ثورة بكل ما للكلمة من معنى في التاريخ العالمي. وكبقية شعوب العالم عرف الكرد الطباعة، وولجوا هذا المجال حتى وإن جاء متأخرا إلى حد ما، وحملت أول مطبعة كردية أسم (كردستان) التي أسسها فرج الله زكي الكردي في القاهرة في بداية القرن العشرين باسم مطبعة (كردستان العلمية) بالتعاون مع صديقه محي الدين صبري، الذي ربما اقتبس مؤسسها الاسم من اسم أول صحيفة كردية (كردستان) التي أصدرها مقداد مدحت بدرخان في القاهرة عام 1898.
تعتبر مطبعة كردستان العلمية أول مطبعة ودار نشر كردية، رغم أن الامير #مقداد مدحت بدرخان# يشير إلى أنه طبع العددين الرابع والخامس من جريدة كردستان 1898 في مطبعة كردستان، إلا أنه لا يشير إلى مكان وصاحب المطبعة. ومن هنا تعتبر مطبعة كردستان العلمية التي أسسها فرج الله زكي الكردي في 13 شباط 1907م/ 1325 ﮪ في درب شارع المسمط بحي الجمالية التاريخي في القاهرة قرب الجامع الأزهر أول مطبعة كردية. رغم أن المطبعة لم تتأسس من أجل طباعة ونشر التراث الكردية إلا أن صاحبها الذي عرف ولقب بالكردي اشتهر بمنبته الكردي وبوسطه الكردي وبالتعاون مع الكرد سواء في القاهرة أو في سكنه في رواق الأكراد بالجامع الأزهر، ومن ثم في بيته في الجمالية الذي كان يتابع فيه عمله، وقد عرفت هذه المطبعة في الوسط الثقافي المصري آنذاك ب (مطبعة الكردي)، لصاحبها ومؤسسها فرج الله زكي الكردي (المريواني)، نسبة إلى مدينة (مريوان)، بكوردستان إيران حاليا.
ولد فرج الله زكي صاحب المطبعة عام 1882م في مريوان بكردستان الشرقية، وبعد أن نال قسطا من التعليم في بلده، سافر إلى (مصر)، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، لمتابعة دراسته بالجامع الأزهر وسكن في رواق الأكراد بالجامع الأزهر، وخلال اقامته في رواق الأكراد ومتابعة دراسته بدأ في جمع الكتب والمخطوطات التراثية وخاصة الدينية والتجارة بها، وبعد أن راجت تجارته هذه قام بإنشاء مطبعة في حي الجمالية التاريخي بالقاهرة عام 1907م/ 1325ﮪ. وقد برز بين أقرانه في الجامع وتفوق في دراسته حتى لقب بالشيخ، وفي بداية العقد الثاني من القرن العشرين تعرف على البهائية عن طريق (عبد البهاء)، وأعجب بدعوته وبأفكاره واعتنق البهائية، وأصبح أحد أعمدتها ومن أشد المدافعين عن (البهائية) في مصر، ولما اكتشف أمره، تم فصله من (الأزهر)، ومن (رواق الأكراد)، التي كانت تشترط إسلام الطالب، فاشترى دارا في حي الجمالية وعاش فيه حتى وفاته 1940.
رغم اعتناق فرج الله زكي البهائية إلا انه لم يطبع سوى كتابين عن البهائية حيث أستمر في طباعة ونشر الكتب الإسلامية وخاصة الكتب السلفية، بالتعاون مع صديقه محي الدين صبري الكردي الكانيمشكاني (1860- 1940م) ، الذي ولد في قرية كاني مشكان من قرى سنندج بشرقي كردستان، لعائلة نبيلة وثريّة، بعد أن أستكمل دراسته الدينيّة في إيران، سافر إلى تركيا ثمّ رحل إلى مصر في 1900، لاستكمال دراسته في جامع (الأزهر) .
كان محيي الدين الكردي ضالعا في اللغة الفارسية وآدابها بالإضافة إلى اللغة العربية واشتهر بتحقيق وتصحيح الكتب التراثيّة، تعاون مع فرج الله زكي الكردي في إدارة مطبعة كردستان العلمية، وساهم في تصحيح وتدقيق ونشر العديد من الكتب على نفقته الخاصة، من بينها كتاب شرفنامه لشرف خان البدليسي، اعتنق البهائية تحت تأثير صديقه فرج الله زكي، رغم ذلك تميز بالتسامح الديني والمذهبي، توفي في مصر عام 1940.
كانت مطبعة كردستان العلمية من المطابع المشهورة في مصر نظرا لحداثة الآلات التي استوردها صاحبها فرج الله زكي والدقة والمهنية في تدقيق ومراجعة النصوص التي كان يطبعها، وكان ذلك سبباً في لجوء بعض العلماء والناشرين إلى مطبعته لطبع الكتب التراثية التي تنوعت بين ((العقائد أو علم الكلام وكتب المنطق والفلسفة، ثم كتب التفسير والأخلاق والتصوف والفقه. وبالإضافة إلى المطبعة التي كانت بمثابة مكتبة ودار نشر، فتح فرج الله الكردي مكتبتين لبيع وتجارة الكتب الأولى مكتبة فرج الله لتوزيع المطبوعات في حارة الصنادقية قرب الجامع الأزهر، والثانية في حوش عطا على الشارع الرئيسي لحي الجمالية بالقاهرة. وتولى فرج الله زكي تصحيح معظم ما كان يطبعه من كتب، وكان يعاونه صديقه محي الدين صبري وأحياناً رجل أزهري من مدينة سيرت، في كردستان الشمالية، يدعى إبراهيم الخطيب الحسني السَلَفي الإسْعِردي الأزهري. بالإضافة إلى بعض الطلاب الكرد الذين كانوا يدرسون في الجامع الأزهر وينزلون في رواق الأكراد.
ويشير الباحث الدكتور عماد عبد السلام رؤوف إلى أنه تم طباعة 126 كتاب في مطبعة كردستان العلمية منها 116 كتاب خلال الفترة من 1907-1930م، و6 كتب لم تذكر عليها تواريخ الطبع، وأربعة كتب أعيد طبعها في تواريخ مختلفة. وآخر كتاب تم نشره في مطبعة كردستان العلمية هو كتاب شرفنامه باللغة الفارسية مع مقدمة عربية لمحمد علي عوني عام 1930م/ 1347ﮪ، وقد قام بتدقيق الكتاب هو ومحمد علي عوني ومحي صبري الكردي وجلادت بدرخان، وبعد طباعة ونشر شرفنامة توقفت المطبعة دون أن تعلن ذلك، أو يوضح صاحب المكتبة ذلك.
وقد مهدت مطبعة كردستان الطريق أمام الكرد للولوج إلى هذه الصنعة أو الصناعة التي تطورت بشكل سريع في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرون التي دخلت في مجالات عديدة خاصة بعد اختراع الطباعة الثلاثية الأبعاد.
المصادر:
1) مطبعة كردستان العلمية تاريخها ومطبوعاتها، تأليف: د. عماد عبدالسلام رؤوف
2) الأكراد في مصر عبر العصور، تأليف: درية عوني، محمود محمد زاد، مصطفى محمد عوض، الطبعة الأولى، القاهرة، 1432ﮪ/2011م.
3) شرفنامة، شرف خان البلدليسي، ترجمة محمد علي عوني، مراجعة وتقديم يحيى الخشاب، دار الزمان، دمشق، ط2، 2006.
4) الحوار العربي الكردي، اعداد وتقديم عدنان المفتي، مكتبة مدبولي- القاهرة، ط1، 1999.
5) محي الدين صبري الكردي، جلال زنكَابادي. [1]