#صلاح بدرالدين#
صونا للحقيقة ووفاء لكل من قدم وضحى من اجل اسعاد شعبه وتعزيز حركته الوطنية وقطعا للطريق أمام أصحاب النوايا السيئة وتعميما للفائدة سأحاول تنشيط ذاكرتي بتسليط الضوء في عدة حلقات على أحداِث ووقائع علمتها من مصادرها الحقيقية أو عاصرتها شخصيا تكاد تقع بطى النسيان والإهمال رافقت حركتنا الوطنية الكردية وأصبح البعض منها عرضة للقيل والقال .
مقدمة : يميل المتابعون لتاريخ الشعوب والأقوام والأثنيات الى الاعتقاد بصعوبة الفصل بين تسلسل مراحل تاريخ شعب ما في أطواره البدائية والرعوية ونمو بذور الرأسمالية من التبادل السلعي وحتى توسعها المديني المونوبولي وصولا الى أعلى درجاتها – الامبريالية – بحسب تفسير النظرية الماركسية وبين التحولات السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية في بنيته ومحيطه وظهور أدواته السياسية – النضالية – على شكل ثورات وانتفاضات وحركات وتنظيمات ، ولايغفل هؤلاء الفرق بين التخصص في تاريخ الاجناس والاقوام من جهة وبين التركيز على التاريخ السياسي وتجلياته كما أشرنا من الأدوات وهي الحركات والأحزاب والجمعيات بمختلف ألوانها النضالية والدعوية والثقافية والإعلامية التي تخدم الهدف الأساسي لذلك الشعب .
وفي ساحتنا وبما يتعلق الامر بالنخب المتعلمة أو المثقفة أو المتنورة أو المسيسة أو المحايدة أو الملتزمة فمن حق الجميع بل من واجباتهم التطرق الى تاريخ شعبهم والاحاطة بحركته الوطنية مع التنويه بانه ليس كل مايكتب أو يسرد في مقالات ويمزج بحكايات تنم أحيانا عن مشاعر شخصية أو رغبات ذاتية أو ميول – احتيالية – كيدية ،تعبر عن الحقيقة بل قد تضيف – شكوكا – أخرى على تاريخ تعرض أصلا الى التشويه والتزييف لذلك من المفيد بل الضروري أن يظهر بين نخبنا مختصون بتأريخ أصل الكرد وجغرافيتهم ومراحل تطورهم وماتعرضوا لها من مؤامرات ومخططات تقسيمية وابادة جماعية ودورهم بتاريخ المنطقة وفي مواجهة اشكال العدوان الخارجي وفي مواجهة الاستعمار والانتداب ومن اجل البناء الاقتصادي والثقافي والتطور الاجتماعي والسلم والتقدم .
أما مايتعلق الأمر بتأريخ وسرد وتقييم ونقد التاريخ السياسي للحركة الكردية فنحن بأمس الحاجة الى من يتصدى لها وستكون النتائج مفيدة اذا توفرت الشروط التالية : أولها يفضل ( وليس فرضا أو لابد منه ) أن يكون سياسيا مناضلا مشاركا في المراحل الأولى والأخيرة أي بنحو خمسة عقود وأحد صناع قراراتها أو معاصرا وناشطا ومجربا ، وثانيها : أن ينتهج – أيا كان - الموضوعية في تبيان الحقيقة ومحايدا في سرد الاحداث ومن حقه الى جانب ذلك التقييم والنقد بحسب انطباعاته ومفاهيمه الخاصة ، وثالثها : أن لايكون محتفظا بمواقف مسبقة قبل الاسترسال والتعمق في الموضوع المشار اليه .
بعد اندلاع الثورة السورية أي في الأعوام العشرة الأخيرة انتشرت ظاهرة ( المحلل الاستراتيجي ) و ( المختص بالقضية الفلانية ) و ( الخبير الأمني والسياسي ) كتعبير عن الواقع المزري والردة السوداء التي أصابت العديد من القوى والأحزاب والمؤسسات السياسية والإعلامية وأصابت الثقافة بالصميم وغاب الدور الريادي في هذه الفورة الفالتة لأصحاب الحكمة والحل والربط ليحل محلهم ( الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب ) واختلط كمايقال الحابل بالنابل وباتت الحقيقة بهذه الأجواء بعيدة المنال في اغلب الأحيان .
انعكست تلك الفوضى في ساحتنا بتحول – الحكواتي – الى مؤرخ والشاعر أو – الشويعر - الى كاتب سياسي والروائي الى محلل استراتيجي والباحث الى انفعالي سوداوي غلبت عاطفته على عقله والحزبي الى مناضل والمقاتل المسلح الى قائد شعب وأمة وأمير الحرب الى رجل اعمال من طراز راسمالي مدني والمتعاون مع المحتل الى وطني ، شخصيا لست ضد ان يتمتع الفرد بعدة مؤهلات ولكن لاشك أن أي انسان له ميزة واتقان في ميدان معين يكون من صلب اختصاصه وقد يلم بصفات أخرى من باب – الهواية – وليس التخصص فمثلا من الغرابة الى درجة الاستهجان أن يصف شخص ما نفسه بالاديب والشاعر ثم يدعي احتكار الحقيقة في قراءة التاريخ السياسي للحركة الكردية أو أن تجد فلانا من الناس لم يكن يوما ضمن اطار الحركة الكردية بكل تفرعاتها بل قد يكون مناوئا لها أو قريبا من السلطات الحاكمة أو منخرطا في تيارات سياسية أخرى مناهضة للحركة وتراه الآن خبيرا بشؤون أحزاب الحركة الكردية يخون من يشاء ويستلطف من يريد ويغازل من يرغب وفي كل أحكامه ينطلق من العارف بالحقيقة المطلقة .
الأخطر بكل ماأوردناه أعلاه هو استهداف الحقيقة وتزييف الوقائع وتجاهل أحداث الماضي والحاضر وكل ذلك يدخل في اطار الجريمة ( الثقافية ) الأشد وطأة حتى من جرائم الحرب ضد الإنسانية فالأخيرة تحدث وتزول وتدان أما مانحن بصدده فهو حجب الحقيقة أو الانتقاص منها أو تزييفها كتابة وتوثيقا أمام جيل بل أجيال من الصعب الإحاطة بها وإعادة انتاج الحقيقة بالسرعة المطلوبة .
نحن والثقافة والشباب
سأتذكر علىى الدوام عندما ترشح الدكتور نور الدين زازا أو ( ظاظا ) في الدورة الانتخابية للبرلمان السوري عام 1961 عن – الحزب الديموقراطي الكردي –كنت مع مجموعة من الشباب من أعضاء ومناصري الحزب التقينا به بأحد المراكز بالقامشلي فاستقبلنا والبسمة على محياه مخاطبا وممازحا : ( أنتم الشباب عماد المستقبل ماأتمناه أن تثابروا في التعلم وأن تبلغوا جميعا مرادكم في اختيار شريكات الحياة والسعادة الزوجية ) .
وحول موضوعة الشباب والثقافة سأبدأ بمابعد العام 1965 بعد التحول الجذري في نهج حركتنا المتمثلة حينذاك با ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) – سابقا – وليس خافيا اننا كنا موضوعيا امتدادا للمدرسة البدرخانية التي امتزجت في معالمها السياسة والنضال الثوري بالثقافة وكنا نستمد عنفواننا القومي والوطني من الثورة الكردية بكردستان العراق بزعامة مصطفى بارزاني الذي أعاد الى كرد المنطقة إرادة الحياة ونشدان الحرية .
بداية كانت غالبية أعضاء كونفرانس الخامس من آب من الجيل الشاب التي لم تجتاز عتبة الثلاثين مع مجموعة من المناضلين القدامى من حكماء زمانهم كل في منطقته في النضال القومي وكان أمامنا على طاولة البحث مهام كبرى يجب إنجازها بدون ان تقبل التأجيل منها فكرية وسياسية وثقافية وتنظيمية وبعد طرح مشروع برنامجنا بين الأوساط الوطنية حصل اقبال فاق كل التوقعات من الجيل الشاب بشكل خاص من النساء والرجال وبما انني كنت قبل ذلك مسؤولا عن التنظيم الطلابي بالقامشلي علمت مدى حجم من التزم معنا وهكذا الامر في مناطق كوباني وعفرين ومدينتي حلب ودمشق .
كثيرون أطلقوا حينها على الحزب – حزب الشباب – وانصبت اهتماماتنا على تنظيم هذا القطاع الحيوي وجاء وقت كان الشباب يشكلون أكثرية في اللجنة المركزية واللجان المنطقية والمحليات والفروع كان مسؤولا منظمتي حزبنا بالعاصمة دمشق وفي لبنان من الشباب على سبيل المثال وعندما تقرر تشكيل فرق فولكورية – غنائية – مسرحية كان عمادها الشابات والشباب الذين انشغلوا بتطوير الفنون القومية وتخلصوا من ذلك الفراغ العميق ، وعندما استطعنا الحصول على المنح الدراسية في البلدان الاشتراكية – سابقا – جهزنا وأرسلنا حوالي – 300 – شابة وشاب نقلنا معظمهم من سوريا الى لبنان ثم بلدان المقصد بوسائلنا الخاصة وبدعم الأصدقاء .
لم نكن حزبا حاكما بل حزب معارض تتعرض قيادته للملاحقة والاعتقال في كل لحظة والا لكنا حققنا خطوات رائدة وعميقة في مجال الاهتمام بتنشئة الجيل الشاب وتلبية احتياجاته المادية والمعنوية والمستقبلية لقد طرحنا أفكارا متقدمة في مجال الحركة السياسية الكردية كانت تلبي أماني وطموحات الجيل الشاب قولا وعملا لذلك كان الاقبال الشبابي غير مسبوق على الاطلاق .
لقد قامت – رابطة كاوا للثقافة الكردية – بدور بارز في تلبية طموحات الشباب الكرد ومثقفيهم منذ أواسط سبعينات القرن المنصرم للاطلاع على تاريخهم ومصادر ثقافتهم ودور أجدادهم في التاريخ بعد أن كان الفراغ الثقافي يخيم على الأجواء ، تناولت الرابطة في طرحها ومنشوراتها وكتبها المترجمة والمطبوعة مختلف جوانب الحياة الكردية القديمة منها والحديثة وكذلك الثورات التحررية والنضال السياسي والمشاركة الوطنية مع الشعوب التي يتعايش معها الكرد .
أفكارنا الحيوية ونهجنا المعالج لحاضر ذلك الزمان ( نحو نصف قرن من الآن ) والمتطلع للمستقبل اعتمادا على الانسجام والتناغم مع الجيل الشاب ومجمل مسارنا الفكري – السياسي – الثقافي قوميا ووطنيا وكردستانيا وأمميا زرع الأمل وإرادة النضال وأنتج عوامل البقاء والاستمرارية في وجه سلطة النظام بكل مخططاته وقمعه أولا وأمام التيار الانتهازي اليميني الذي كان تعبيرا ووكيلا ( كرديا ) للسلطة الشوفينية الحاكمة وفي موجته الثانية بعد نصف قرن تشكل الردة الآن أكثر خطورة فهي معبأة ومسلحة ومدعومة من أعداء الكرد فهل سيعيد الجيل الجديد تاريخ السلف وانطلاقا من مآثرهم ومسلماتهم وصمودهم بوسائل متطورة لمواجهة التحدي ؟
كماذكرت سابقا فانني أطرح بماعلمت من مصادره أو كنت معاصرا ومشاركا ولايماني بالتعددية لاشك أن هناك تجارب أخرى أعقبت المرحلة التي كنت بصددها وأفصحت عن رؤيتي حولها محترما كل الآراء الأخرى ومنتظرا النقاش حولها . ( وللبحث صلة )[1]