#صلاح بدرالدين#
في القسم الثاني أسلط الضوء على مرحلة حصلت فيها أمور سلبية لم تكن بالحسبان وكان اليمين الكردي بحركتنا السياسية وراء تلك المحاولات البائسة واليائسة التي أساءت الى جوهر الحركة الوطني الديموقراطي وكل ذلك يؤكد مجددا أن تحولات الخامس من آب عام 1965 كانت ضرورة مصيرية لاعادة الحركة الى موقعها الأصيل .
شهادة السيدة – جيلبيرت فافر زازا –
السيدة السويسرية – جيلبيرت – التي قاسمت زوجها الحياة في – السراء والضراء – بقيت أمينة لذكرى الراحل ولنهجه وسلوكه ومواقفه والى جانب كونها الكنز الدفين لأسرار زوجها في الحياة السياسية فلها مواقف مشهودة ومن بينها عندما أصيبت بالذهول لدى مشاهدة قاعة افتتحها حزب اليمين باسم ( قاعة نور الدين زازا ) وفي صدارتها صورة الدكتاتور المستبد بشار الأسد فماكان لها الا أن أقامت دعوى قضائية ضد المرحوم – حميد درويش – في المحاكم السويسرية بتهمة الإساءة الى تاريخ زوجها والضر المعنوي الذي الحق به ، التقيت بهذه السيدة الفاضلة مرتين واحدة كانت ب – لوزان - ترافق الراحل عام 1987 قبل وفاته بعدة اشهر لدى لقائي الثاني به وأخرى عام 1992 باربيل عندما كانت تغطي انتخابات برلمان الإقليم كصحافية مناصرة للقضية الكردية .
بعد سرد مفصل لمناقبية زوجها القائد السياسي المثقف وأحد مؤسسي ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ) عام 1957 وسكرتير الحزب الراحل الدكتور – نورالدين زازا – ووصفه عن حق بالشخص المثالي الساعي لينال الكرد السورييون حقوقهم المشروعة تختتم الكاتبة والصحفية السويسرية السيدة الفاضلة - جيلبيرت فافر زازا - ذكرى شريك حياتها بالكلمات المعبرة التالية :
( أشهد بأنه رفض جميع طلبات التعاون (مقابل وعود مالية) تلقاها من اليونانيين (ضد تركيا) ومن العراقيين (ضد سوريا) ومن الأتحاد السوفياتي ) .
ومن المؤكد أنها مطلعة على تفاصيل بعض أشاراتها الرمزية ولكنها احتراما لذكرى شريك حياتها وحبا بشعبه الكردي لم تشأ أن تدخل بالتفاصيل وياليتها فعلت حتى يطلع الجيل الكردي الناشئ على مجريات وأحداث تاريخ السلف ويخلد من تفانوا من اجل المبادئ وبينهم د نورالدين وغيره من الأخيار .
ومن أجل فك طلاسم هذه الشهادة وتسليط الضوء على مابين سطورها وقبل ان ادلو بدلوي كأحد شهود عيان بتلك المرحلة أحيل القراء الى الرسالة التالية التي أنشرها حرفيا من دون مس والتي تفسر جوانب من شهادة السيدة زازا :
( أخي العزيز السيد مدور- ومنه للأخ العزيز السيد عبد الحميد
تحيات أخوية وأشواق وبعد..
1- لغاية الآن لم أسمع من أخباركم ولا أدري ما هو السبب, ولم ترسلوا لغاية الآن أي عنوان لكم. عندما كنت في الوطن كنت سلمت للأخ حسام مراد رسالة ولا أدري ما هو مصيرها فضلاً عن الجواب. وكنت أخبرته أيضاً بأن هناك معملان معمل A ومعمل B يتعاملان مع معمل جد العائلة في الوطن ويرسلان له قطع الغيار وغيرها وكنت ذكرت أن معظم قطع الغيار المرسلة تأتي من طرف المعمل B ولكنها تمر بواسطة A. وكنت ذكرت بأن مدير معمل B صديقي وربما يستطيع أن يرسل قطع غيار لمعملكم أيضاً في س إذا كنتم ترغبون. كنت أنتظر الجواب وجواب الرسالة أعلم أن الأمور وبحثها قد يتطلبان بعض الوقت.
أود أن يكون واضحاً لديكم بأن صداقتي مع مدير معمل B ليست شخصية وأنه ليس لي شخصياً أي أسهم أو أية وظيفة في هذا المعمل. كنت في أواخر 1964 قد اقترحت على جد العائلة أن أذهب باسمه لزيارة معمل B فقال الجد: حسناً اذهب أنت وشطارتك. فذهبت للمعمل وحدثت الصفقة التي أنقذت معمل الجد من الإفلاس. وكما أخبرت الأخ حسام مراد فقد زرت مؤخراً مدير معمل B وطلبت منه إذا كان عنده استعداد لإرسال قطع غيار لمعملكم أيضاً. وقد تردد المدير لوجود فكرة سابقة عنده عن سوء أحوال معملكم وانقسام إدارته على بعضها مما يضر بمصالح المعمل ولكنني استطعت أن أقنعه فوافق أيضاً على الفكرة.
ثم حاولت استدراج مدير معملB لمعرفة فيما إذا كان عنده أيضاً استعداد لإرسال قطع غيار لمعمل اخواني في الشمال. فألمحت له تلميحات عن وضع الشمال (بدون أن أذكر أسماء مسئولي معمل الشمال). فقال مدير معمل B بأنه كان على اطلاع بشكل عام على وضع الشمال وأنه لا يستطيع ولا يريد إرسال أية قطع غيار لمعمل الشمال ولا يريد أن يكون له أية علاقة مع معمل الشمال ولا مع الذين لهم علاقة مع معمل الشمال.
وسأل إذا كان معلمكم س عنده علاقة مع معمل الشمال. فقلت لا. لا توجد أية علاقة. فقال: حسناً سنرسل قطع الغيار الى معملكم س بشرط أن أقطع أنا أيضاً علاقاتي مع معمل الشمال وبشرط ألا يعلم جد العائلة صاحب المعمل في الوطن بذلك. وكنت في وضع صعب إذ لا أستطيع أن أقطع علاقاتي بمعمل الشمال وأخيراً اتفقنا على حل وسط. أن أقطع علاقاتي مع معمل الشمال على الأقل مؤقتاً عدة أشهر مثلاً, ريثما يأتي جوابكم. وأؤمن علاقتكم مع مدير معمل B, وبعد ذلك أفعل ما أريد. ذلك هو الوضع. انني بانتظار جوابكم. وتدركون أهمية المسألة فلا حاجة للإطالة.
جديد: لقد مررت باليونان في طريق عودتي واتصلت بمعمل جديد: معمل C اليوناني وتباحثت معهم بشكل عام إذا كان عنده استعداد لإرسال قطع الغيار لمعمل الشمال (لم أذكر له أي شيء عن معملكم طبعاً), كما لم أذكر له طبعاً أسماء مديري معمل الشمال). فقال أصحاب معمل C بأن الموضوع يهمهم جداً ولكن معلوماتهم قليلة عن أهمية معمل الشمال, ولذلك فالأحسن الانتظار حتي يأتي مندوب من معمل الشمال وبعد ذلك ندرس القضية تفصيلياً مع العلم أنهم موافقون مبدئياً على إرسال قطع الغيار.
ثم طلبت من مدراء معمل C أن يعرفونني على مدير معمل D القبرصي لغرض إرسال قطع غيار أيضاً لمعمل الشمال, لعلمي بأن مدير معمل D يهمه هذا الأمر أكثر من غيره فقال مدير معمل C بأنه سيفعل ذلك ولكن الأحسن الانتظار حتى يأتي معي مندوب من معمل الشمال. طبعاً أن مدراء معمل C (وكذلك D) هم من الأشخاص الذين يعتمد عليهم.
سلامي لكافة الأصدقاء ودمتم بخير.
لوزان 30/1/1967
عصمت شريف وانلي
عضو اللجنة المركزية, ممثل الحزب في الخارج. )
ملاحظة : كان المرحوم حميد درويش قد عين المرحوم – عصمت شريف وانلي – عضوا في قيادته وممثلا لهم بالخارج خلال احدى لقاءاتهما في كردستان العراق خصوصا بعد ان رفع الزعيم الراحل بارزاني قائد ثورة أيلول صفة التمثيل عنه ورسالته موجهة الى ( عبد الحميد درويش ) عبر القيادي حينها في حزب اليمين – مدور عبد الحنان – أما رمز ( آ ) فاشارة الى أمريكا والرمز ( ب )إسرائيل و( سي ) اليونان و( معمل الشمال ) الجناح اليميني من ( الحزب الديموقراطي الكردستاني في تركيا ) والذي له صلات بحزب اليمين بسوريا والمنفصل عن الجناح اليساري بقيادة – د شفان – الذي كان مقيما مع رفاقه في الأراضي المحررة من كردستان العراق ويتمتع بعلاقات صداقة وتعاون مع البارزاني الخالد اما معمل ( س ) فواضح انه حزب اليمين بسوريا .
وماأشارت اليها السيدة زازا بخصوص رفض الدكتور نورالدين تلقي الأموال من اليونان ضد تركيا ومن العراق ضد سوريا يمكن فهمه من رسالة وانلي الذي تورط أيضا بعلاقات مع العراقيين كادت تودي بحياته عندما تعرض الى اطلاق نار في منزله خلال لقاء مع رجل امن بالسفارة العراقية في سويسرا حيث ظهر ذلك بوسائل الاعلام وكان حينذاك قياديا بحزب اليمين .
شهادة السيدة زازا أيضا قد تكون إشارة ضمنية الى ماقام به آخرون من السياسيين الكرد السوريين وتلقيهم الأموال من الجهات الخارجية من أمثال المرحومين - وانلي ودرويش - مما يتنافى ذلك مع المبادئ الوطنية الصادقة التي التزم بها زوجها .
من الواضح كان د زازا على علاقة معرفة قديمة بوانلي وهما كانا يقيمان بسويسرا وسألته خلال لقائي به قبيل وفاته عن الدكتور وانلي فأجاب بنوع من الامتعاض : اعرفه جيدا ولكن ليس لي أية علاقة سياسية به .
كان المرحوم – عمر توران – عضوا قياديا بنفس جناح الحزب الكردي التركي المتحالف مع اليمين وأقام فترة في بيروت وكنا نلتقي بين الحين والآخر وبيننا احترام متبادل رغم الخلاف الفكري والسياسي وفي آخر لقاء بيننا كان حزينا غاضبا وبدأ بالحديث ضد حزب اليمين ثم اخرج من جيبه لفافة من الأوراق النقدية الغريبة قائلا : ( الجماعة يقبضون علينا بالدولار ويعطيوننا بالعملة اليونانية التي لاقيمة لها ) في الحقيقة لم افهم مايقصده تماما ولم استفسر أيضا الا بعد وقوع رسالة- د وانلي - بأيدينا وعلاقاته باليونانيين والاسرائليين والامريكان باسم حزب اليمين .
ومن أجل أن يكون القارئ على اطلاع لست كسياسي كردي سوري ضد أن تنسج الأحزاب الكردية علاقات سياسية متنوعة فهي من صلب وظيفتها بشرط 1 - أن تكون مدروسة ومتفق عليها جماعيا 2 - وأن لاتمس المسلمات القومية والوطنية 3 - وأن لاتخدم أعداء الكرد والشعوب التي يتعايش معها الكرد ، 4 - وأن تكون في مصلحة توحيد الصف الكردي وليس تقسيمه 5 - وأن لاتؤذي الحركة الكردية في الأجزاء الأخرى .
ماحصل آنذاك لم تتوفر فيه جميع هذه الشروط فمن جهة كان متصدروا تلك العلاقات يمثلون أجنحة من أحزاب وليس حتى أحزاب بكاملها وحاولوا نسج علاقات سرية من وراء ظهر الثورة الكردية بكردستان العراق التي أعادت الامل من جديد لكل الكرد بالعالم وكان ذلك شرطا من الجهات المانحة كما عمل هؤلاء على استثمار نكبة حزيران واحتلال الجولان كنوع من الجحود تجاه الانتماء الوطني والذي سجل نقطة سوداء في تاريخ كل من ساهم ، ولم يخدم هؤلاء لا القضية الكردية ولا القضايا الوطنية بل بحثوا عن أموال فقط لاغير والمسألة الأخرى كيف كانت أقوال هؤلاء تناقض أفعالهم على طول المسار .
من دون شك مازالت حركتنا بل الفئات الحزبية التي تظهر بالمشهد الكردي السوري الراهن تحمل أمراضا متوارثة من تلك الصفحات السوداء التي قد نجدها في مراحل تاريخية معينة كاستثناءات قليلة نافرة ولكن سيبقى الجانب المشرق من نضال السلف الأصيل نبراسا لجيلنا في التقدم نحو الامام والاستفادة من دروس الماضي بكل جوانبه الإيجابية والسلبية .
لقد كلفت – تصرفات – د وانلي الحركة الكردية عموما أثمانا باهظة وأول من تلقى الضرر هي الثورة الكردية بزعامة البارزاني كما أن المعلومات غير المعلنة تشير الى أن البعض من قيادات الحركة الكردية بتركيا دفع الروح ثمنا لعلاقات وانلي الإقليمية التي كان ينسجها باسم هذا الحزب وتلك الشخصية في كل من سوريا وتركيا ولاشك ان الباحثين والمتابعين سيكشفون مستقبلا المزيد من تلك الممارسات وردود فعلها وما حصل من الأسباب والنتائج .
عندما ننشر مثل هذه المواضيع نسعى الى الإفادة واستخلاص العبر والدروس منها وتجييرها لمصلحة إعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية واستعادة شرعيتها وتوحيدها وإقرار مشروعها القومي والوطني من أجل السلام والعيش المشترك في وطن حر سعيد .[1]