الدكتور أكرم فتاح
أود أن أذكر تحت هذا العنوان، حقيقة تاريخية كوردية، وإن كان عدد من المؤرخين والباحثين شاروا إليها بشكل سطحي، فمن المعلوم أن الكورد تعرضوا للظلم الجغرافي والتاريخي والتراثي الحضاري، خاصة بعد تقسيم كوردستان في الربع الأول من القرن العشرين، فلم يستطيعوا حفظ تاريخهم وتراثهم ولغتهم، لعدم وجود دولة أو كيان يحافظ على خصوصياتهم القومية، ولا يهمني أن أتحدث عن ديانة الدولة الساسانية وعقائدها كالزرادشتية وغيرها، بقدر بيان حقيقة حضارية ترتبط بالشعب الكوردي.
ترجع تسمية الدولة الساسانية (226-651م)، إلى الكاهن الزرادشتي (ساسان)، الذي كان جَد أول ملوك
الدولة الساسانية ومؤسسها (أردشير الأول)، بعد هزيمة آخر ملوك البارثيين (الفرثيين الأشكانيين) أرتبانوس الرابع، وانتهت عندما حاول كسرى (يزدجرد الثالث 632-651م) مقاومة الخلافة الإسلامية الحديثة لمدة 14 سنة، خاصة في معركة القادسية، التي وقعت في 13 شعبان 15ﮪ/ 636م، بين المسلمين بقيادة (سعد بن أبي وقاص)، والساسانيين بقيادة (رستم فرّخزاد) في القادسية، وانتهت بانتصار المسلمين ومقتل رستم، وبعد ذلك فتح (المدائن) عاصمة الدولة.
وقد أحاطت أرض هذه الإمبراطورية كلاً من إيران والعراق، وأجزاء من أرمينيا وأفغانستان، والأجزاء الشرقية من كوردستان الشمالية، وأجزاء من باكستان، وسمى الساسانيون امبراطوريتهم ب(إيران شهر)، أي سادة الإيرانيين الآرييين، والدولة لم تكن ثابتة الحدود، إنما كانت حدودها تتسع أحياناً في عصر الملوك الأقوياء، وتنقبض في عصر الضعفاء، وشهدت الفترة الساسانية الإنجاز الأعلى: الميدية وترويجها، وأثَّرت كذلك على الحضارة الرومانية إلى حد كبير لا سيما في المجال الثقافي.
ومنذ القرن الثالث الميلادي صارت الزرادشتية ديناً للدولة، حيث تقوم العقيدة الزرادشتية على الثنوية، أي وجود إلهين في الكون، هما إله النور (أهورا مزدا)، وإله الظلام (أهريمن)، وهما يتنازعان السيطرة على الكون.
ومن الجانب التاريخي، ذكر (زانيار عطا الله) في قناة وصال الفضائية، وهو المدير التنفيذي للقناة: إن الكورد عاشوا في كوردستان منذ 6000 سنة، وهم أقدم الأقوام الذين عاشوا في إيران، وأن الفرس يعودون إلى 2500 سنة. والأدلة على كوردية الدولة الساسانية كما قال الدكتور (محمد تقي جون)، أستاذ في جامعة واسط: إن الدولة الساسانية آخر الإمبراطوريات العظيمة في التاريخ الفيلي، ومن أكبرها في العالم القديم، وعرف ملوكها بالأكاسرة، واسم كسرى تعريب ل(كيخسرو). وحسم الطبري أصل الساسانيين نقلاً عن كتاب (خداي نامه)، أن (أردشير الأول)، مؤسس الدولة، تلقى رسالة من آخر ملوك الأشكانيين (أردوان الخامس)، حيث ورد عليه رسول الأردوان بكتاب منه، فجمع (أردشير) الناس وقرأ الكتاب بحضرتهم، فإذا فيه: إنك قد عدوت طورك، واجتلبت حتفك أيها الكوردي المربي في خيام الأكراد، وكان التفوق الفارسي في الحضارة حجماً لا قِدماً، عدم قدرة الكورد على التفوق عليهم، قد دفع إلى مجاراتهم في أسلوبهم، وهو ما فعلته الدولة الساسانية، فكانت كوردية أصلاً، فارسية ثقافة وسياسة، ونتيجة هذا التفوق الفارسي، سميت إيران قديماً ب(بلاد فارس)، وهو الاسم الذي حفظه العرب ووردته كتبهم، وسبَّبَ الخلط لديهم، ولهذا نجد الفرس مذكورين في الشعر الجاهلي (13) مرّة دون ذكر الكورد، وفي فترة الفتوحات الإسلامية الأولى، يرد ذكر الفرس (مرتين)، مرة (للحارث بن سمي) يذكر قتله قائداً فارسياً، وأخرى ل(عروة بن زيد) يذكر أنه ضرب جموعاً من الفرس، بينما لا يذكر الكورد أيضاً، والمؤرّخون العرب، وحتى المتأخرون منهم، لا يفرقون بين الكورد الفهلويين والفرس، فابن الجوزي (ت 597ﮪ)، في المنتظم، يسمي كورد فهلة فرساً، بينما يسمي سكنة كوردستان العراق كورداً. وفي العصر الأموي نجد ذكر الفرس بوصفهم جند كسرى، أما الكورد فذكروا ثلاث مرّات في (الفتوح)، لدى (مغيرة بن حبان)، و(بكرد بن النظام)، و(مالك بن الريب). ويصرّح (الفرزدق): أن المقصود ب(فارس) الكورد وليس الفرس:
وَلَقد رَجَعتَ وإنَّ فارس كُلَّها ... مِن كُردِها لَخَوائِفُ المُرَار
فوصف الفرس بجنود كسرى، فلا ينكر أنهم كانوا ضمن جنود الساسانيين، كما كان الكورد ضمن جنود الفرس الأخمينيين، وعموم ذكرهم حوالي (16) مرّة، ولا يرد ذكر الكورد في غير الحالة العسكريّة، فإن هذا العدد الصغير يتفق مع عدم احتكاك العرب بالفرس احتكاكاً واضحاً، وعندما نصل إلى العصر العباسي، نجد الفرس يذكرون (143) مرّة من قبل الشعراء، مقابل (12) مرّة فقط يذكر فيها الكورد، وهذا يتفق مع المعرفة الجيدة والاحتكاك الكبير بين العرب والفرس. وبيَّن (ابن النديم)، عن لغة الأكاسرة ملوك الساسنيين، أنهم يتكلمون في مجالسهم اللغة الفهلوية (الفيلية)، بينما كانت الفارسية لغة الموابذة ورثة المجوس، ولا يعقل أن يتكلّم ملوك دولة ما، بلسان قوم من رعاياهم ويجعلونها اللغة الرسمية لدولتهم. ومن المعلوم أن عاصمة الدولة تقع في كوردستان مناطق الفيليين. وقال الدكتور (طيب أفشار): الساسانيون كورد فيليون بشكل قاطع. وكذلك يذكر الأستاذ (رشيد ياسمي) في جامعة طهران في سلسلة من المقالات بعنوان الساسانيون كورد لا فرس.
وقد أدت عوامل كثيرة إلى اقتصار إيران على الفرس في مخيلة العرب أهمها أن الفرس أسقطوا الدولة الأموية وأقاموا الدولة العباسية العربية، وسرعان ما استجمعوا أنفسهم واستعادوا الحكم في أجزاء من إيران، طموحاً إلى بناء إمبراطورية فارسية، والتي سعت إلى إعادة المجد الفارسي، ونجحوا في بناء دويلات إيرانية مثل: (الصفارية والسامانية والبويهية)، التي أحاطت أغلب إيران والعراق حوالي قرن واحد، ورافق النهوض القومي إعادة الديانة الفارسية القديمة (كالمجوسية والمانية والمزدكية)، والاستهتار بأمر الدين الإسلامي، وترويج العقائد الباطنية الباطلة، مقابل ذلك نجد الضعف القومي لدى الكورد الفهلويين الكسرويين بعد دخولهم في الإسلام، ومن عادة الفرس قديماً وحديثاً الاستحواذ على إرث الشعوب الإيرانية ونسبتها لهم، وعمل حكام الدويلات الفارسية الثلاثة على ترجمة الآثار المكتوبة بالفهلوية إلى اللغة الفارسية، لتصبح فارسية لغة وتاريخاً، وكان (ابن المقفع) من رواد المجد الفارسي، وترسيخ فكرة وجود فكر وثقافة فارسية أعظم مما عند العرب، لذا ترجم الآثار القديمة ونسبها إلى الفرس ماحياً منها أي أثر كوردي، علاوة على ذلك كلف الشعراء بكتابة شاهنامات تنسب للفرس كل تاريخ الأقوام الإيرانية وحضاراتها، بنَفَسٍ ملحميّ وأسلوب أدبي، فأنتج الكثير منها وأهمها (شاهنامة الفردوسي).[1]