عبد الرحمن أبو بكر سعيد
ملاحظة: (تمّ الحديث في هذا البحث عن الجوانب السلبية، والتي تعدّ من إفرازات الواقع المرير الذي مرّ به المجتمع الكوردي عبر تاريخه الطويل، لا سيّما فترة ما بعد الانتفاضة (1991 - 2018)، مع اتّصاف هذا المجتمع بالكثير من الجوانب الإيجابية والصفات الجميلة).
المقدمة:
عند الحديث عن موضوع البحث، والذي يتعلّق بطبيعة المجتمع الكوردي في إقليم كوردستان العراق، لا سيّما الفترة ما بين (1991 - 2018)، من المطلوب والمفروض الاطّلاع الجيد على الواقع والثقافة الاجتماعية([1]) لهذا المجتمع، وعند دراسته ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن الشعب الكوردي جزء من عموم الطيف الاجتماعي - السياسي الشرق أوسطي، بألوانه وبتنوعه الديني والمذهبي والقومي والثقافي والسياسي..إلخ. ولكونه يعيش في منطقة مغلقة، تحيط به قوميات كبيرة ودول إقليمية مؤثرة سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، نرى تأثَّره بديناميكيات وآليات الحركة الاجتماعية والتحوّلات التي تتحكّم في شعوب المنطقة عموماً..
ولافتقاد الشعب الكوردي للحدّ الأدنى من المؤسسات الاجتماعية - ما عدا البدائية منها، كالأسرة والعشيرة - والاقتصادية والثقافية، بالإضافة إلى قلّة وندرة البحوث والدراسات الاجتماعية، وذلك لعوامل عدّة ذاتية وموضوعية، وخاصة عدم امتلاكه للنظام السياسي المستقرّ في إطار مؤسسة الدولة، ناهيك عن احتلال أرضه واستعماره؛ من قبل قوى قومية متطرّفة، تعادي تواجده وثقافته ولغته، وأنظمة استبدادية، ولقرون عدّة، أدّت إلى تشويه شخصيته وطبيعته. عليه، من الصعب الوصول إلى المبتغى والمقصود ببساطة وبسهولة..
ولمعرفة الخصائص الاجتماعية للشعب الكوردي، وأهمّ سماته، والتحولات والتغيّرات الحاصلة فيه، بمناطقه المختلفة، وتوزُّعه الجغرافي، والمستوى الطبقي، وتنوعه اللهجوي، ينبغي دراسته من جميع النواحي، لا سيّما التاريخية والدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية والإدارية والاقتصادية..إلخ، مع الإلمام والاطلاع على علم (السسيولوجيا)([2]). ولا يمكن للباحث الاطلاع على هذه الخصائص، ومعرفة وفهم طبيعة هذا الشعب، بشكل دقيق وسليم، إلا بعد بذل جهود جبارة، ودراسات معمّقة، وحضور ميداني ملموس. فالتشديد على الطابع التجريبي في المباحث الاجتماعية مطلوب، والتحليل الملموس للتحوّلات، وللطبقات، مهم جداً، وذلك لأن إدراك الميول والكوابح الموضوعية للبُنى الاجتماعية، مع الاطّلاع والتوفّر على ثروة من التفاصيل، وخاصة ما يتعلّق بالأفراد والبُنى المؤثرة والعلائق المتبادلة فيما بينهم، أمرٌ ليس من الهيّن الاطلاع عليه. فهذا الأمر عسير يحتاج إلى دراسات أكاديمية، والرجوع إلى المصادر والمراجع التاريخية، وما كتبه الرحالة والمؤرخون والمستشرقون، والأوراق البحثية الخاصة، المتعلّقة بطبيعة المجتمع، وسايكولوجيته، وكذلك الاطّلاع ومتابعة سجلات ووثائق الإدارات التي حكمت المنطقة، مع الاطّلاع على مراحل تاريخه والتغيّرات السياسية التي حصلت فيها، بالإضافة إلى المعايشة والاختلاط عن قرب، والتواجد المكثف بين أطياف المجتمع وفئاته، للوصول إلى نتائج صحيحة وتوصيفات سليمة، ولكشف أسراره وخفاياه، بحيث تخدم الغرض من معرفة هذه الطبيعة، ومن ثم كيفيّة التعامل معها([3]).
وتمّ كتابة هذا البحث تحت عنوان (طبيعة المجتمع الكوردي – إقليم كوردستان العراق)، بالرجوع إلى بعض المصادر والمراجع في دراسة المجتمعات، وخاصة المجتمع العراقي.. وقد تمّ تقسيمه إلى مقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة، وتوصيات، مع الإشارة إلى المصادر والمراجع، وكالآتي:
المقدمة :
المبحث الأوّل: أوراق في معرفة طبيعة المجتمع الكوردي من الناحية التاريخية والاجتماعية والدينية والإدارية والسياسية والاقتصادية.
المبحث الثاني: الانقسامات السياسية والإدارية في الإقليم، وتأثيراتها السلبية على سايكولوجية المواطن .
المبحث الثالث: ولاءات المجتمع بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، والولاءات داخل منظومة التيار الإسلامي بشكل خاص.
الخاتمة
التوصيات
المصادر والمراجع
المبحث الأوّل
أوراق في معرفة طبيعة المجتمع الكوردي، من الناحية التاريخية والاجتماعية والدينية والإدارية والسياسية والاقتصادية.
في هذا المبحث سيتمّ الحديث عن الأوضاع والعوامل التي تؤثّر على الشخصية الإنسانية، وطبيعتها، والبحث في كيفية التأثير السلبي للأحوال والأوضاع السياسية خاصة، والاجتماعية، على طبيعة الفرد في المجتمعات، ومنها المجتمع الكوردي.
الشخصية الإنسانية المشوّهة:
إن الحياة مبنيّة على أساس (الحريّة)، والتي هي الأصل في إعداد الإنسان الحرّ الأبيّ ذو الطبيعة السويّة، الذي يتعامل بشكل صحيح مع مفردات الحياة، وتعقيداتها. وهو الذي يستطيع تغيير الواقع السياسي والاجتماعي المعقّد في المجتمع الإنساني، المبنيّ على قواعد وأسس متينة، فمن الصعب تغييرها بإنسان غير سويّ، ولا يمتلك حريّة التفكير والتصرّف.
وهناك نظرات أخرى، وموازين معكوسة لأصحاب الآيديولوجيات الشمولية، الذين يريدون التحكّم في كيان الإنسان، وجميع نواحي حياته، فيرون بأن تسلّط وتحكّم السلطة والدولة بالإنسان، وتسييرها للمجتمع ككل، وحسب هواها ورؤاها، هو الميزان للتقدّم والتطوّر، والطريق نحو الحياة المستقرّة والرفاهية والاستقلال وإيجاد الدولة القومية (والقصد الدولة القطرية الدكتاتورية)([4]).
هؤلاء - بتصوّراتهم وتصرّفاتهم ونظرتهم الخاطئة - يدمّرون هذا (الإنسان =المواطن)، والذي سيصبح فيما بعد شخصية غير قابلة للتطوّر والنماء والتغيّر نحو الأفضل والأحسن، لأن التنمية الإنسانية هي الأساس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وهذا - التصوّر والتصرّف - سيؤدّي بالدولة / الشعب إلى المراوحة والاجترار وعدم التجدّد والتقدّم السليم، مع فقدان الانتماء القومي الصحيح، وتقبّل كل ما هو خارجي (غير قومي وغير وطني)، سواءً أكان فكراً أم سياسة، ونظاماً أم تقاليد، وعادات أم أشخاصاً.
فالشخصية الإنسانية اليوم في العالم الثالث، بشكل عام، وفي منطقتنا بشكل خاص، قد شوِّهت، وذلك نتيجة لتضافر عوامل وأسباب عديدة على ذلك. وكانت النتيجة إيجاد نفسية ضعيفة مهزوزة، متّصفة بالطبائع الرديئة، غير قابلة للتطوّر والإبداع، مترددة هزيلة، تقبل بالأدنى.. علماً بأن تأثير هذه العوامل والأسباب أمر نسبي، والميزان الصحيح للحياة الطبيعية للإنسان، هو مدى تنعّم هذا (الإنسان = المواطن) بالحرّيّة، وليس بالتقدّم المادي البحت وحده، لأنّ ميزان التفوّق الحضاري هو (الإنسان)، ومدى اتّصافه بالسعادة والأمن والاستقرار.
الميزان، هو مدى إدراك ومعرفة هذا (الإنسان = المواطن) بمسؤولياته، ومدى قابليته لتحمّلها، ومدى قيامه بالواجب تجاه (الإنسان الآخر).
وكانت النتيجة أيضاً أن أصبح (الإنسان)، و(الأرض)، مهيّئاً لأن يكون مستعمراً، ولو بأبخس الأثمان. وهذا الأمر واضح وملموس في واقعنا المعاصر في الدول القطرية الدكتاتورية (وخاصة في البلدان العربية، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً).
فالإنسان= المواطن لا يشعر بحرّيّته ومواطنيّته وكرامته في بلده، لذا نرى مظاهر ونظرات عديدة سلبيّة تجاه (الأرض) و(الإنسان) =(الوطن) أو (الشعب)، من قبل الذين لا يشعرون بوجودهم وكرامتهم في هذه (الأرض= الوطن)، الذي يهدر حقوق مواطنيه لحساب فئة خارجة عن إنسانيتها؛ الفئة الحاكمة المتسلّطة، والتي تضحّي بكل شيء من أجل الحفاظ على امتيازاتها ومناصبها، ولو على حساب (الأرض= الوطن) أو (الشعب= المواطن)، مستخدمة جميع الوسائل والأساليب للتشبّث بالكراسي والنفوذ.
ومن العوامل والأسباب التي أدّت إلى إيجاد هذه الشخصية المشوّهة، هي:
1- انتشار وسيطرة الفكر الشمولي التسلّطي - التوتاليتاري([5]) – اليساري، والرأسمالي، على غالبيّة البقاع في العالم الثالث، ومنها منطقتنا، والذي أدّى إلى إماتة الحريّة، وزرع معاني الذلّ، والخنوع، والخضوع، في نفس (الإنسان = المواطن) في الواقع.
2- الأنظمة الدكتاتورية والفردية، وتعاملها السلبي مع (الإنسان = المواطن)، من خلال تبنّي استراتيجية كبت الحريات، وتكميم الأفواه، والاضطهاد، والظلم، والقهر، وإهدار الحقوق، وإهانة كرامة الإنسان، وزرع الخوف في نفسه.
3- السياسات الخاطئة في جميع مجالات الحياة المدنية، لا سيّما الاقتصادية - ونستطيع أن نقول: السياسات الاحتكارية للاقتصاد -، وذلك من أجل إفقار الجماهير، وتركيعها، وجعلها في النهاية تعيش وتنشغل فقط بلقمة العيش. وهذه السياسة (تجويع الشعوب) سياسة استعمارية استخدمتها الدول القطرية والحكومات الوطنية (اللاوطنية!) مع شعوبها. والهدف معلوم، ألا وهو السيطرة الكاملة على كل مقدّرات (الأرض= الوطن)، والتحكّم في جميع الوسائل والطرق للحكم، وإدارة الدولة، ومؤسساتها المتعددة، وتحقيق شعار (جئنا لنبقى، وإلى الأبد).
4- عدم استقرار الأوضاع، لا سيّما السياسية والاقتصادية، وترّقب المصير، والمستقبل المجهول من قبل الجماهير. وهذا الأمر بلا شك يؤدّي إلى أن يكون (الإنسان= المواطن) غير طبيعي في تفكيره وتصوّراته، وفي أعماله، وتصرّفاته، ونظراته للحياة، وذلك نتيجة سيطرة هاجس الخوف من المستقبل عليه.
5- الغزو الفكري وتدمير الهويّة، والخصوصية القومية لشعوب العالم الثالث، من قبل الاستعمار، وربطها بعجلة (الغرب) الرأسمالي الاحتكاري، المسيطر على المقدّرات، وتحكّمه في نقاط القوّة، ونشره للثقافة الدونيّة في المجتمعات الشرقية، وإبداعه في إيجاد ذيول عديدة تعمل نيابة عنه، ووفق السياسات التي يضعها، والتي تهدف إلى جعل المجتمعات الشرقية مجتمعات استهلاكية، وسوقاً للبضائع والصناعات الغربية.
هذه العوامل والأسباب، وغيرها، مجتمعة، تؤدّي إلى اتّصاف (الإنسان= المواطن) الذي يتعرّض لمثل هذه العوامل - بعضها أو جميعها - ببعض الصفات الذميمة، والأفكار والتصوّرات الخاطئة، والسلوكيات السلبية، فهي تؤثّر على البنية النفسية والسلوكية والفكرية للإنسان. علماً بأن الشخصية الإنسانية تهبط كثيراً عندما تعيش لفترة زمنية تحت ظلّ سياسة القهر والاستبداد، وتصبح شخصية مهزوزة، لا تثق بنفسها، وتحبّذ العبودية، وتتصف بأخلاقيات وسلوكيات غير سوية، يمكن أن نسميها ب(أخلاق العبيد)..
هذه الشخصية تريد أن تبتعد عن الأمور العظام، وتتهرّب من الأمور التنظيمية، والأعمال التغييرية والإصلاحية للواقع الذي تعيش فيه، وتنشغل بالتوافه من الأمور، وتريد أن تعيش على هامش الحياة. وحتى النخب المثقفة في هذه المجتمعات تتّصف ببعض الصفات الموجودة في واقعها، ولا تستطيع أن تتخلص منها، لذا نرى بأنها تخضع وترضى بالخنوع للطبقات المسيطرة، سواءً أكانت سلطوية (حكومية)، أو أرستقراطية ([6])، أو برجوازية([7]).
وبمرور الزمن تصبح هذه الشخصية شخصية انتهازية مصلحية؛ شخصية نظرتها ضيّقة للواقع وللحياة، لا تفكّر في الغد، ولا تخطّط للمستقبل. شخصية ضعيفة لا تصمد أمام المشاكل والعوائق. شخصية لا تستطيع أن تقود، وأن تبني حضارة. ومن أبرز الصفات الذميمة التي يتّصف بها المجتمع الذي مرّت عليه تلك العوامل والأسباب، هي ([8]):
1- سيطرة عقلية سوء الظن بالآخرين، وعدم الثقة ب(المقابل)، والشك في كل ما يدور حول الإنسان. وهذه كلّها تؤدّي إلى التحلّي بالعقلية التآمرية لتفسير الأحداث والوقائع.
2- الانتهازية، وسرعة التقلّب، والتأثّر بالظروف، والتغيّر والتبدّل بسرعة. أي نستطيع أن نقول: انعدام صفة المبدئية عند أفراد هذا المجتمع.
3- الدنيويّة، وحبّ المادة، وصرف الجهود والأوقات لمجرّد الحصول على مزيد من الملّذات، وقضاء الشهوات، وذلك للتخلّص من عقدة النقص والضعف، التي يشعر بها أفراد هذا المجتمع.
4- إشغال النفس بالأمور الحياتيّة العادية. (الانشغال بالهموم والاهتمامات الصغيرة).
5- الأنانية، والأثرة، وحبّ الذات، والابتعاد عن الاتّصاف بالصفات الفاضلة، مثل: التضحية، والفداء، والتحمّل من أجل (الآخر)، والعمل على سعادة الآخرين. والتنازل عن بعض حظوظ النفس، أمر مستبعد عند هذه الشخصية، وهي غير مستعدة للتضحية من أجل المصلحة العامة، وتفضّل مصلحتها الشخصية، وإنْ أدّى ذلك إلى إلحاق الضرر بعدد كبير من الناس، أو حتى بشعب بكامله..
6- انفصام الشخصية([9])، وحبّ التقمّص بشخصيتين: مثلاً نرى بأنها تحبّ الصلاح والابتعاد عن فعل المنكرات وأكل الحرام (حسب معتقدها الديني)، ومع ذلك تأتي بأفعال وتتصرّف بسلوكيات وأخلاقيات لا تتلائم مع ما تؤمن به وتعتقده. (نموذج التاجر المتديّن الغشاش)
7- تقبّل الأعمال الدنيئة، مثل: (الجاسوسية، ومراقبة الناس... إلخ).
8- الابتعاد عن صفات المروءة والشهامة: فالاستبداد يضطّر الناس إلى استباحة الكذب، والتحايل، والخداع، والتذلّل، فضلاً عن مراغمة الحسّ، وإماتة الشخصية والعزّة في النفس، وألفة الرياء والنفاق والخيانة، وعدم الوفاء بالعهود والوعود.
9- الانقياد للأجنبي، وعدم تقبّل القريب، والترفُّع عليه ([10]).
هذه الصفات، وغيرها، موجودة في واقعنا الحالي، ومتجذّرة في نفسية الفرد، وذلك نتيجة للأحوال والظروف التي مرّت – وتمرّ - بها مجتمعاتنا، ولفترة زمنية ليست بالقصيرة.
التشكيلات الاجتماعية والسياسية، وتأثيرها على طبيعة الفرد والمجتمع:
- العشيرة :
إن من خصائص المجتمع الكوردي أنه مجتمع عشائري، تهيمن قواعد العشيرة على مفاصله كافة، وحتى الذين لا ينتمون إليها، هم خاضعون لها. وهي بالنسبة للكورد وحدة اجتماعية واقتصادية محدّدة المعالم، وتعطي للمجموعة تركيبتها. والعشيرة هي أكبر مجموعة في المجتمع الكوردي التقليدي. ومن الوجهة الاقتصادية، فإن العائلة هي الوحدة الأساس في المجتمع، والانتماء العائلي له أهمية كبيرة في تقرير مركز الفرد في المجتمع الكوردي. والقرية هي الوحدة السكنية الأساسية فيه([11]).
ويحلّل (مينورسكي) وضع المجتمع الكوردي في المدة التي عايش المنطقة وكتب عنها، فيذكر: أن للأكراد شعورهم القوي جداً نحو العائلة والقبيلة، وهو أقوى من شعورهم نحو الإنسانية، أو الأخوّة المبنيّة على الدين، أو الشعور القومي الواسع([12]). ولحدّ الآن لم يتم - في الكثير من الأحيان - تخطّي العرف العشائري، وما يزال (ديوان الآغا) تحسم فيه الكثير من المنازعات والمشاكل الاجتماعية، وذلك لما للعشيرة، ورؤسائها، من جاه ونفوذ وتحكّم في الوسط الاجتماعي العام، مع الدعم الماديّ السخيّ من قبل أحزاب السلطة للديوان. علماً بأنه قد تضاءل دور (الديوان) منذ الستينيات من القرن العشرين، نتيجة للتغيّرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتلاحقة([13]). ولكن وبسبب استقدام العشيرة من قبل الحكومات والأحزاب الحاكمة - كإحدى وسائل التنافس والكسب الحزبي -، مع استغلال رموزها من قبلهم للحصول على الأصوات في الانتخابات، فإن دورها يتعاظم، وحسب الدعم، والحاجة، ومتطلّبات المرحلة([14]).
المجتمع الكوردي والبعد الديني:
من المعلوم بأن للبعد الديني تأثيره الواضح في المجتمع الكوردي، ومن جميع النواحي، لا سيّما الاجتماعية والثقافية والسياسية، فالدين، هو المكوّن المركزي الآخر - بعد اللغة - للثقافة في المجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الكورد في الإقليم، هم من المسلمين على مذهب أهل السنّة والجماعة، وتحديداً (المذهب الشافعي)، مع وجود أقليّة من المذهب الاثنا عشري (الشيعي) في منطقة (خانقين)، ممّا يلقي بظلاله على تماسك النسيج الاجتماعي للشعب الكوردي عموماً. مع وجود الطائفة الكاكائية (أهل الحقّ)، في محافظتي السليمانية وكركوك، ويزعم جُلّ الكاكائية أنهم طائفة باطنية من أرومة الشيعة، لكن هناك بينهم من ينزع إلى الانفصال التام عن الإسلام، واعتبارها دينا مستقلاً([15]). فيما تتوزّع النسب الباقية على الديانتين الإيزيدية، والمسيحية - وهي في ضمور مستمر، ولا تعدُّ كوردية -، بالإضافة إلى أقليّات دينية ظهرت مؤخراً في الساحة الكوردستانية، لأسباب آيديولوجية وسياسية معروفة، مثل: الزرادشتية، واليهودية([16])، وكذلك البهائية، والقاديانية!!.
المجتمع الكوردي والطرق الصوفية:
لا بدّ من التطرّق إلى الطرق الصوفية، لما لها من دور اجتماعي وسياسي في الحياة الكوردية. فقد تبنّى المجتمع الكوردي المسلم الطرق الصوفية، وتأثّر بها. وفي المجتمعات القبلية، فإن أشخاصاً معينين، ولما لهم من صفة شرعيّة خارج حدود العشيرة، يحقّقون مراكز قوة عن طريق التسامي.. فلا غرابة إذن أن نجد معظم القادة الكورد منحدرين من أصول دينية، وخير مثال على ذلك الشيخ عبيد الله النهري، والقاضي محمد، وملا مصطفى البارزاني، وجلال الطالباني..
علماً بأن لشيوخ الطرق الصوفية نفوذاً كبيراً في المجتمع، وهم موضع احترام وتقدير من قبل الجميع، لا سيّما السلطات الحاكمة. وفي الكثير من المناسبات يعملون كوسطاء لفضّ النزاعات، وبفضل مريديهم المنتشرين، يستطيعون تعبئة قطاعات من المجتمع، وهذا مبعث سرّ قوّتهم الاجتماعية والسياسية. علماً بأنّ التنظيم الصوفي مستقلّ عن العشيرة والدولة، ويعمل وكأنّه كيان قائم لذاته([17]).
ومن أهم الطرق المتواجدة، هي: الطريقة النقشبندية، والطريقة القادرية..
وهناك اختلاف طُرُقي بين المنطقتين: ويقصد به الاختلاف الفكري في تبنّي الطرق الصوفية التقليدية في المجتمع الإسلامي، ففي إمارة بابان (قلاجولان - السليمانية) كانت الطريقة القادرية بزعامة الشيخ معروف النودهي (ت 1838م)، - وهو جد الشيخ محمود الحفيد -، هي المنتشرة والمسيطرة فيه، مع تواجد للتكية الطالبانية في محافظة كركوك. فيما كانت الطريقة النقشبندية، بزعامة الأسرتين في (بارزان) و(بامرني)، هي السائدة في إمارة بهدينان (العمادية - دهوك). وأمّا إمارة سوران (رواندوز - أربيل)، فتوجد فيها تكية كسنزان القادرية = الرفاعية. مع تواجد الطريقة النقشبندية في بيارة وطويلة (محافظة حلبجة)، والطريقة القادرية في بريفكا (قضاء الشيخان - دهوك) ([18]).
- التنظيمات السياسية :
وفي الوقت الحاضر نلمس تضخّم التنظيمات والأحزاب السياسية، نتيجة للواقع السياسي المفروض على الشعب الكوردي، وحرمانه من حقوقه السياسية والثقافية، وخاصة بعد تشكيل الدولة القومية القطرية وفق اتفاقية (سايكس بيكو) المشؤومة([19])، حيث غدت التنظيمات والأحزاب السياسية تقريباً هي المُشَكَّلة للواقع الاجتماعي، وكاستمرار للتنظيم الاجتماعي، ومناحي الحياة الأخرى المؤثرة في المجتمع الكوردي، وخاصة في الإقليم بعد الانتفاضة (1991م – 2018م). مع بقاء تأثير التشكيلات الاجتماعية التقليدية، كالعشيرة والروابط القرابية، بسبب الاستقدام المذكور آنفاً.
علماً بأنه توجد سمات وفوارق وتطيُّف حقيقي بين الكتل المُشَكَّلة للمجتمع، وإن اندراج أجزاء من الشعب ضمن تيار سياسي دون غيره ليس أمراً اعتباطياً، وإنما هو ناتج عن تطابق وتماهٍ بين عدد من السمات السايكولوجية والطبقية والمناطقية بين هذه التنظيمات وأفراد المجتمع، حيث يكون الموقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي متماهياً مع هذا التيار السياسي أو ذاك، مع كون طبيعة التوافق بين التشكيلات الاجتماعية مع بعض التيارات السياسية له دلالات ومعانٍ عميقة، على طبيعة الديناميكيات والتحوّلات التي يمرُّ بها المجتمع.
وعند الربط بين الطيف الاجتماعي والتنظيمات السياسية، يمكن تحليل التحوّلات في المجتمع الكوردي، والتغيُّرات الحاصلة فيه، وتأثيراتها على الواقع السياسي والاجتماعي، وسايكولوجية المواطن.
ولكن دخول الأحزاب السياسية في التركيب الاجتماعي كان سلبياً، من خلال إيجاد محاور للصراع، ممّا أدّى إلى زيادة حالات التفاعل السلبي بين عناصره ووحداته. فالتركيب السياسي لم يتشكّل كما ينبغي أن نتوقع على التركيب العشائري، وإنما هو مستمر فيه، ومتفاعل معه، وامتداد طبيعي لواجباته والتزاماته، أي إنّه دخل عبر المنطق العشائري، وليس على أنقاضه، وذلك لكي يراعي البناء الاجتماعي المتماسك، ولكي يضمن حجماً تنظيمياً أوسع، وقوّة عسكرية أكثر فاعلية؛ من شأنها أن تضمن استمرارها وديمومتها في صراعها الدائم مع الأحزاب والفئات الأخرى، من جهة، ومع الحالة السياسية للبلد، من جهة أخرى.
ويظهر استثمار الزعامات العشائرية من خلال الدعم المالي والمعنوي، وخلع الصفات الموقعية عليها (البرلمان – الوزارة – المناصب العليا في الدولة – مستشار رئاسة الإقليم..) ممّا يمنح التركيب السياسي الفرصة في الحركة الشرعيّة والنمّو الدائم داخل المنظومة العشائرية، من خلال رئيسها الذي يدين له الأفراد بالطاعة والولاء([20]). وفي المقابل، يضمن التركيب السياسي للآغا والفرد العشائري العيش داخل منظومتها، والتمتّع بالمنح والامتيازات باستمرار. لذلك، فهو يلتزم طوعياً بكل المعايير الاجتماعية، التي تمثّل وسائل الضبط الوحيدة لسلوك الفرد العشائري. أما وسائل الضبط الرسمية أو القانونية، فليس لها قيمة عملية لدى التركيب السياسي، وذلك للحفاظ على مصلحته، ولا عند الفرد العشائري، لأنّه مستعد لتحدي كل القوانين من أجل إرضاء الآغا والجهة السياسية التي يدين لها بالولاء([21]).
لذا، يمكن القول بأن إحدى أهم نقاط الضعف الرئيسة التي أدّت إلى ضعف التماسك القومي الكوردي، أو عدم وجوده - لا سيّما في الوقت الحاضر - هي قوّة الفصائل السياسية المتنافسة، وتوابعها من القوى المتنفّذة والثرية والمسيطرة على جميع مقدّرات الدولة، وتعاظم وقوّة نفوذ العشائر، مع تأثير القوى الإقليمية المباشر على الإقليم، وتدخلاتها المستمرة.
حكم الأحزاب والتأثير على المجتمع المدني :
يتميّز حكم الأحزاب الشمولية بالهيمنة التسلّطية للدولة وللحكومة وللحزب على المجتمع، مع استخدام القمع في التعامل مع المخالفين، والعمل على تدمير أيّ اختلاف أو اعتراض سياسي، وبأساليب شتّى، مقروناً بدمج جميع المؤسسات ومفاصل الدولة والتشكيلات والاتحادات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية في الحزب الحاكم.
وفي الواقع، نرى بأن الأحزاب قد نزعت صفتها الآيديولوجية، وتحوّلت إلى وسيلة وآليّة لضمان الولاء والسيطرة الاجتماعية.. وفي مجتمع يفتقد إلى الكثير من المقوّمات، مثل الهويّة الوطنية، وغلبة الهويّة المناطقية واللهجوية والعشائرية، مع افتقاده إلى البنية الاقتصادية، وخاصة الإنتاج الزراعي والصناعي والتعاملات التجارية الحرّة، فقد كان بلوغ ذلك – أي ضمان الولاء والسيطرة الاجتماعية – أمراً سهلاً وهيّناً.. فمزيج من القمع الدموي= الاغتيالات، والدمج التسلّطي بالترغيب والترهيب (مثل: دمج العشائر المناوئة)، واحتواء الأحزاب الحديثة، وبوتيرة سريعة، مع اللجوء إلى المناورات في التحالفات، التي هدفها تفكيك المقابل، وتسقيطه جماهيرياً، عملٌ جارٍ على قدم وساق لتصفية مجتمع المواطنين تماماً، والسعي لتجنيدهم وضبطهم في صفوف التنظيم الحزبي (هناك حملات مكثفة ومستمرة لغرض فرض الانتماء القسري، وخاصة شرائح الطلبة والموظفين)، والعمل على ضمان ولائهم للسلطة، مع إخضاع النتاجات الفكرية والثقافية لهذه الاعتبارات، وخاصة موضوع تمجيد الأشخاص، والقفز على المبادئ والقيم التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والتقدّم والازدهار، والعمل على تخوين المقابل المعارض، وإسقاطه وتشويهه، وفق آليات ووسائل مبرمجة وممنهجة.
أمّا الذي يقاوم أو يعارض بشدّة، فإنه يتعرّض إلى الإقصاء والتهميش والمحاربة حتى في لقمة العيش، والحرمان من جميع امتيازات المواطنة، قدر الإمكان، وحتى الوصول إلى اختلاق التهم، وخاصة الاجتماعية، لتدمير الشخصية، مع التصفية الجسدية، والتي طالت العشرات من الشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية.. ولا خيار سوى الهجرة، أو القبول بتكميم الأفواه. فالذي يبقى عليه أن يخرس، ويكون دائماً معرّضاً للملاحقة والإهانة والإذلال على يد الأجهزة الأمنية الخاصة، أو عليه أن يكرِّر صدى ما تقوله أبواق السلطة ورجالات الحزب مرغماً.. وقد تمّ - في الكثير من الأحيان - ضرب وإهانة الشخصيات المعارضة، وعلى مرأى ومسمع من الجماهير.. ووصل الأمر إلى العمل على تدمير الطبقة الوسطى، وخاصة التي تعتمد على الراتب في معيشتها، وتعرّضت إلى الإفقار المتعمّد الممنهج، وذلك عن طريق خلق الأزمات الاقتصادية، وعدم الشفافية في ذكر واردات البلد، وخاصة ما بين (2014 و 2018)، والتي تزامنت مع ظهور (داعش)، وانخفاض أسعار النفط.. واستغلّ ذلك كشمّاعة للتسلّط أكثر، وترسيخ الدولة العميقة، وذلك للإبقاء على الوضع الحالي!!
وتحوّل التنظيم الحزبي في الإقليم إلى أداة لاختراق المؤسسات والوظائف العامة، والسيطرة عليها، واحتكار الاقتصاد بشكل كامل، وبسلطة القانون والتعليمات واللوائح الصادرة، وحسب هوى المتحكّمين في الشأن العام، وبقوّة وآلة الأجهزة الأمنية.
وهناك محاولات كثيرة لإلحاق السياسة، كما ألحق المجتمع المدني، بحكومة تسلّطية توتاليتارية.. وفي ظلّ هذه الظروف بات أمن الفرد، وضمان فرص عيشه، ورفاهيته، ومستقبله، ومستقبل عائلته، مرهوناً بعلاقته بأجهزة الحكم، وشبكات سيطرتها، علماً بأن أغلب هذه العلائق، وعند أغلب الناس، تنعقد بتوسّط العصبيّات القرابية والمحلية. وفي مثل هذه الحالة، وفي مجال السلطة بأسره، سواءً الحكومية أو العسكرية، تخضع المرتبة الرسمية للأواصر غير الرسمية، مثل أواصر القرابة والارتباط بالشخصيات المتنفذة الحاكمة، والقريبة منها، ولا يستطيع المرء أن يتدرّج في مراتب الارتقاء والصعود إلا من خلال هذه الروابط، والمحسوبية والمنسوبية.. إلخ([22]).
الأحزاب الحاكمة وتجنيد العشائر:
فالأحزاب السياسية (العلمانية) تقوم بتجنيد الولاءات العشائرية والجهوية (=المناطقية) لخدمتها، مع الاعتماد على الروابط المحلية والقرابية، مع عدم حصر الاعتماد على قوّة العصبية العشائرية فقط، بل عملت على بناء تنظيمات حزبية، وتوابعها، كدروع واقية للحكومة، وتحويلها إلى مؤسسات لتنظيم وتعبئة الرضا الجماهيري، وتوجيه التغيير الاجتماعي، بهدف الاستمرار في التحكّم والسيطرة. ولا تزال الروابط العائلية والعشائرية شديدة الفاعلية وسط الشرائح المتنوعة في الحزبين، وقد ظهرت طبقة من الأثرياء الجدد من صفوف هذه العوائل كطبقة رأسمالية جديدة طفيلية، وهم وكلاء للطبقة المتنفّذة العليا في الإدارتين، وإن نواة هذه الطبقة الجديدة تتشكّل من كبار المستثمرين الحاصلين على كل المساطحات – المساحات المحدّدة للبلديات داخل المدن -، والتجار المسيطرين على جميع تجارة الجملة، والمقاولين الذين يحتكرون (التندرات)، واستيراد المواد، وحتى تصديرها، ويتميّزون بأقوى نازع شخصي للتراكم([23]).
علماً بأن هذا الاستخدام والاستغلال لهذه المسألة يختلف من منطقة إلى أخرى، وكذلك من حيث شدّة التفاعل والتقبّل - نرى ضعف هذا الطرح في منطقة نفوذ الأخضر، مع وجوده في المناطق غير الحضرية -، وذلك لاختلاف طبيعة المجتمع، من النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية ...إلخ.
الالتجاء إلى العشيرة :
ووفق السياسة القائمة على الكسب الحزبي، هناك محاولات حثيثة لإضعاف سلطة القانون، مع احتكار مصادر المعيشة، بحيث لا تستطيع هذه السلطة الحفاظ على مصالح المجتمع، أو حماية أرواحهم وأموالهم، أو تحقيق مصالحهم، ممّا يضطر المجتمع - كنتيجة – إلى الالتجاء إلى الولاءات البدائية الأوّلية (غير الدولة): أي الالتجاء إلى العشيرة، والقرية، والقرابة، وقيمها، للحفاظ على الوجود، ومن ثم الالتجاء إلى الحزب للحفاظ على المصالح. وبذلك تمّ ترويض المجتمع، والسيطرة عليه، من خلال هذه السياسة، والتي لها آثار كارثية على المجتمع، وتكوين الفرد فيه، وطبيعته، ونظرته للحياة، وكيفية التعامل معها.
ومن المعلوم والمشهود بأن السلطات الحاكمة في الواقع، اندفعت علناً إلى إعلاء شأن العشائريّة والمناطقيّة، وقامت بتخصيص نثريات شهرية لمضيف رئيس العشيرة المتنفّذ، مع منحه، وحاشيته، الامتيازات الاقتصادية، من خلال التندرات، وتعيين الأقارب، وإقطاع الأراضي، والأفضلية في التعامل ..إلخ، ولكن بشرط الولاء التام للحزب الحاكم، والحفاظ على الضبط الاجتماعي، والسياسي، خدمة له..
فأصبحت العشيرة أداة نافعة للضبط الاجتماعي، وأُلبِست آيديولوجيا التقهقر نحو العشيرة، والابتعاد عن الثقافة المدنية والمجتمع المدني والتحضّر، لبوس الخطاب القومي، والاعتزاز بالماضي، واحترام العادات والتقاليد.. وأصبحت العشيرة تحلّ محلّ المحاكم، فلها الصلاحية القانونية للفصل في الخلافات والمنازعات، الفردية والجماعية، كوظيفة قضائية غير رسمية، والقيام بعمليات الصلح، وإخراج المساجين، ودفع الديّات، إلى غير ذلك من الصلاحيات ..
عليه، نرى إعلاء شأن العشائريّة، والعمل على تدمير المجتمع المدني؛ الذي يتألّف من مواطنين يتمتعون بحقوق، وبضمانات دستورية، وقانونية، في إطار الدولة، وبشكل عام. هذا التدمير كان لصالح تشكيلات فئوية مصلحية انتهازية، ووفق سياسة رسمية صريحة، مغلّفة بألبسة متنوّعة، تنفّذها جهات تمثّل الحزب والحكومة!!!([24]).
صراع القرية والمدينة:
هناك ظاهرة اجتماعية تظهر عند دراسة المجتمع الكوردي المعاصر من النواحي المختلفة – إقليم كوردستان العراق - ، والتي يمكن تسميتها بظاهرة الصراع بين عقليّة (الجبل والقرية)، وعقليّة (المدينة والدولة والمؤسسات)([25]).
يقع الإقليم في منطقة جبلية ذات تضاريس وعرة، أدّت طبيعتها إلى تناثر التجمّعات البشرية= القرى فيه، مع فقدان واضح لظاهرة التمدّن والمدينة الحديثة إلى ما قبل فترة ليست بالبعيدة، فالمناطق الحضرية في الإقليم، التي كان عدد سكانها يتجاوز العشرين ألف نسمة، قليلة جداً.
وفي السبعينيات من القرن الماضي، كانت مدينة (السليمانية) من أكبر المدن في الإقليم، وبحدود (160) ألف نسمة (1975). أمّا نفوس مدينة (أربيل) (عاصمة منطقة الحكم الذاتي آنذاك)، فكان يقارب عدد نفوس السليمانية. وكان عدد نفوس قصبة (كويسنجق) يبلغ حوالي (70) ألف نسمة .. أما البلدات الأخرى، فكان عدد سكانها بين (10) آلاف إلى (20) ألف نسمة([26]).
ونتيجة للتسلسل التدريجي، في بعض الأحيان، لموجات النزوح الطبيعي من القرى إلى المراكز الحضرية= الإدارية، وخاصة مراكز المحافظات الثلاث، ومراكز الأقضية، ونتيجة للترحيل القسري لأغلب المناطق الكوردية إلى مجمّعات سكنية تفتقر إلى أبسط الخدمات، والتي شيّدها النظام البعثي - من أواخر 1974 وإلى عام 1998م([27])، ظهرت المدن والقصبات في الإقليم وبشكل متسارع ومفاجئ.. ولكن لضعف مؤسسات المدينة لأسباب اجتماعية وثقافية، بالإضافة إلى سياسات الأنظمة المتعاقبة، ولعوامل أخرى عديدة، منها قرب الزمن، نرى بقاء وانتشار القيم القروية (العشائرية)، السلبية منها والإيجابية، وتغلغلها في مختلف فئات مجتمع المدينة وطبقاته.. هنا نجد الفرد والمجتمع الكوردي في المدينة يعيش في تناقض بين نظامين من القيم الاجتماعية (القروية والمدينية) ([28]).
وعند دراسة المجتمع الكوردي يُلاحظ بأنه كانت نسبة سكان الريف إلى سكان المدن كبيرة جدا، فحسب الإحصاء السكاني للعراق الذي أجري في سنة 1947 والذي يسود اتفاق مبدئي بين المتخصصين بهذا الشأن العراقي على دقته ومرجعيته العلمية، مع وجود نواقص فيه -في هذا الإحصاء تم استثناء رجال القبائل الرحل- وكان مجموع سكان العراق يقدّر ب(4 ملايين و564 الف نسمة)، ومجموع الكورد الكلي (901.000) وبنسبة (19.8%) من سكان المملكة العراقية. وفي هذا الإحصاء تظهر النسبة للسكان في المدن (21%) والأرياف (79%) من مجموع سكان الكورد ( ). ويظهر ذلك جليا في الجدول الآتي:
الطائفة
سكان المدن
النسبة المئوية
ريفيون
النسبة المئوية
المجموع
النسبة إلى سكان العراق
أكراد سنة
176.000
21%
662.000
79%
838.000
18.4%
أكراد فيلية (شيعة)
14.000
46%
16.000
54%
30.000
0.6%
يزيديون وشبك
2000
6%
31.000
94%
33.000
0.8%
المجموع
192.000
21.31%
709.000
78.69%
901.000
19.8%
ملاحظة: في هذا الإحصاء لم يتم احتساب الشبك طائفة مسلمة، وهذا خطأ. (الباحث)([29]).
فهناك صراع اجتماعي بين الأجيال، بين قيم (القرية) وقيم (المدينة). مع محاولة الأحزاب الحاكمة استغلال هذا الصراع، وكسبه لصالحهم، وذلك بالاستفادة من قيم القرية التي تقدِّس القرابة، والعشيرة، والطبقة، والانتماء الضيّق على حساب الانتماء العام الواسع: (الانتماء القومي والوطني)، و(الانتماء الفكري والعقائدي)، و(الانتماء المديني) القائم على القيم الحضرية، التي تؤكّد عموماً على النفع العام، والنظرة الوطنية، وتقديم الأكفأ، والصالح، والمصالح المشتركة، والسياسات المنفتحة، وتقبل الجديد..إلخ.
فالمجتمع في غالبيته حائرٌ بين طريقين متعاكسين، وهو مضطرٌ على أن يسير فيهما في آنٍ واحد، فهو عليه أن يساير قيم القرية، ويحترم الانتماء الضيّق حيناً، ثم عليه أن يعود ويمشي وفق قيم المدينة، ومتطلباتها حيناً آخر..
فالعصبية القبلية فيها الأولوية في قيم القرية والعشيرة، وهي تحلّ محلّ العصبية القومية، والمصلحة العامة، مع كون قيم القرية ميّالة - بطبيعة تركيبها الاجتماعي - إلى تقديس قيم الاستعلاء والاعتزاز بالنسب، والتسلّط، والتفلّت من القوانين والأنظمة، والحصول على المنافع والمصالح عن طريق القوّة، والتحايل على اللوائح، وسلوك الطرق الملتوية، كالواسطة والمحسوبية والمنسوبية. فالثقافة القروية هي ثقافة (التغالب =القوّة والنفوذ)، فالفرد القروي يتغلّب بقوّة عشيرته أوّلاً، وبقوّته الشخصية ثانياً، وبمدى امتلاكه للمادة والثروة؛ من أموال وعقارات، ثالثاً.. لذا، فإن هذه الثقافة من طابعها العام التغالب والتقوّي، والتميّز عن الغير، والتفضُّل عليه. وهذه الثقافة أكثر نزوعاً إلى التنازع والتباغض والقتال([30]).
وحالياً نرى هذه الثقافة غالبة ومتجذّرة في عقلية الحزبيين، وخاصة الكوادر الذين يتربون على مبادئ الحقد والكراهية، والعداء للآخرين، من كلا الحزبين، فهي ثقافة تنازع وتباغض وقتال وعداء([31])!! على العكس من قيم المدينة، التي تؤكّد على الالتزام بالقوانين والأنظمة واللوائح، وإعطاء الأولويّة للانتماء العام، وحبّ النظام، مع تقديس العمل والمهن، وثقافة التسامح، وتقبّل الآخر، والتعددية..إلخ. هذا بشكل عام، مع بعض الاستثناءات الخاصة.
لذا، يمكن القول بأن الفرد في مجتمعنا يغلب عليه الانتماء لثقافة التغالب، ومخرجاتها. فهو يقدِّس القوة، ويعطي الوجاهة للقويّ، ولو كان ظالماً، ولا يعطي هذه الوجاهة لصاحب الحقّ. فهو يحبّ الحقّ، ولكنه يقدِّس القوّة!. الفرد العشائري يفضل أن يكون رزقه عن طريق السلاح والقوّة، فهو يؤمن بمنطق القوّة، لا بقوّة المنطق.
المجتمع الكوردي وتقديس الفكرة القومية:
نتيجة لكون المجتمع الكوردي مجتمعاً مغلقاً تجاه الحكومات التي تسيطر على أرضه، ولمدة ليست بالقصيرة، أدّى ذلك إلى حدوث نوع من الانفصال، وإيجاد الفجوة الواسعة بينه وبين هذه الحكومات. فالكوردي ينظر إلى الحكومة نظرة عداء، ويعدّها مغتصبة لأرضه وحقوقه، ويتعامل معها وفق هذه النظرة. ولهذا لا ترى المواطن الكوردي حريصاً على كل ما هو متعلّق بالحكومة، منها الممتلكات العامة، إلا ما ندر!، وهو لا يصدّق ما تروّجه وسائل الإعلام الرسمية، بل يفسّرها بالعكس، ويسيء الظنّ بها، وبتصرّفاتها، وحتى مشاريعها الخدمية، ويعدّها وسائل للتحكّم أكثر في مجتمعه، وقهره، والتسلّط عليه، وبالتحديد في العهد الجمهوري (الفترة من 1961 وإلى 2003م).
ولتوالي الكثير من الحوادث المأساوية، والتهجير، والترحيل القسري، والإقصاء، والتهميش، وسياسة الإفقار، والحرمان من أبسط الحقوق، من قبل الحكومات المتعاقبة، نرى الفرد الكوردي العادي يكره السياسة، ومفرداتها. ففي بيئة شابها الكثير من العنف والقمع عاش هذا المجتمع، ولا زالت تدور في مخيّلته الكثير من هذه الأحداث. (مأساة حلبجة، وعمليات الأنفال في 1988م، والهجرة المليونية في 1991م).
وقد مرَّت فترة طويلة على هذا الفرد وهو يقدِّس الفكرة القومية إلى حدّ المغالاة، على حساب الوطنية العامة، إنْ لم نقل الشوفينية المتعصّبة، كردّ فعل للسياسات الشوفينية للحكومات المركزية.
المجتمع الكوردي بعد الانتفاضة :
وبعد انتفاضة آذار عام (1991م) ضد النظام البعثي، ولحد الآن – أي بعد مرور 28 سنة – نرى المجتمع الكوردي قد مرّ بمراحل كثيرة، وبوتيرة متسارعة. أي يمكن القول إنّه تحرّك، وبقفزات كبيرة، أثّرت على البنية الاجتماعية فيه، بعد المرحلة الثورية التي تقدِّس السلاح واقتنائه، والنظرة الثورية – الراديكالية –([32]) في التعامل مع القضايا والأمور العامة والخاصة، والاستمرار في النظرة التقديسية للفكرة القومية، والمغالاة في (الوطنية = الكوردستانية) إلى حدِّ اهمال المواطن، بل حتى ذوبانه في الدائرة الأكبر، والقفز على حقوقه، ومتطلّبات ومقتضيات حياته، تحت ذريعة استعادة الحقوق القومية والتركيز عليها، وإشغاله وفق سياسة ممنهجة، وبآليات إعلامية عملاقة، تصرف عليها مئات الملايين من الدولارات، ومن قوت الشعب...إلخ !!.
و“لا شكّ أنّ (القضية الكوردية) ابتداءً، قضية قومية بالدرجة الأولى، وقد نشأت وتفاقمت بفعل عوامل سياسية واجتماعية وقومية متداخلة.. ولا شكّ أنّ (الكورد) لم يكن لهم، قبل نشوء الدول الوطنية - القومية الحديثة، مشكلة (قومية) مع الشعوب الأخرى التي كانوا يعيشون معها.. إذ كانت (المظلّة الإسلامية الجامعة)، تظلّ الجميع دون تمييز، وكان للكورد دورهم المشهود في صنع وصياغة الحضارة الإسلامية.. ولكن نشوء الدول القومية - الوطنية الحديثة، جعلت اتّجاه الأحداث يسير إلى إحياء النزعات والخصوصيات القومية، بعيداً عن المشتركات الإسلامية الجامعة! وفي مثل هذه الأجواء، كان من الطبيعي أنْ ينتشر الفكر القومي بين المثقفين الكورد، وأنْ يتطلّع الشعب الكوردي إلى السيادة و(الاستقلال)، كغيره من الشعوب المجاورة.. وبالطبع فإنّ مثل هذا التحوّل لم يتمّ فجأة، بل حدث نتيجة تراكمات تاريخية معقّدة، تخللتها مظالم وانتهاكات عديدة، وتهميش متعمّد للوجود الكوردي!
والمتابع لتاريخ الشعب الكوردي، يجد أنّ (الكورد) كانوا من الجنود المخلصين للدولة الإسلامية (العثمانية) طوال بقائها، فلم يتنكّروا لها حتى وهي في أحلك أيامها!.. وعندما ألغيت (الخلافة الإسلامية)، وظهرت (الدولة التركية الحديثة) إلى الوجود، وبدأت باتّباع (العلمنة) و(سياسة التتريك)، كانت أولى الثورات الكوردية - كردّ فعل على هذه الانحرافات والمظالم- (ونعني بها ثورة الشيخ سعيد بيران/1925) ذات طابع إسلامي واضح.. ثم اتّخذت الثورات الكوردية، شيئاً فشيئاً، طابعاً قومياً في أهدافها، وفي قياداتها، نتيجة التطوّرات التي حدثت على الجانبين (الكوردي- التركي)، و(الكوردي- العربي)، والتدخّلات الدولية التي حصلت، والفكر الاشتراكي، الذي جذب المثقفين الكورد إلى ساحته.
وهكذا ظهرت الحركات والأحزاب القومية الوطنية المعروفة بين الكورد، في جميع أجزاء كوردستان.. ولا تزال القضية الكوردية قضية سياسية ساخنة من الدرجة الأولى، في كل من تركيا وإيران والعراق - التي تضمّ (أقليات) قومية كوردية كبيرة داخل حدودها الدولية المرسومة لها!- رغم التطوّرات الكثيرة التي حصلت في هذه البلدان، وفي المنطقة بشكل عام” ([33]).
الأحزاب الحاكمة واستغلال المؤسسة الدينية:
لقد عمل الحزبان على استغلال الإسلام التقليدي في دعم مرتكزاتهما الفكرية والإدارية، والاستفادة القصوى من تشكيلات المجتمع المتديّن؛ من علماء الدين، وعموم المتدينين، لا سيّما من الطرق الصوفية - لعزوفها عن السياسة، كما هو ديدنها في الظاهر -، ومن خلال المؤسسة الدينية الرسمية. وفي الآونة الاخيرة استطاعوا الاستفادة من )المجاميع المدخلية(، كقوّة صاعدة، في التصدّي للتيار الإسلامي، بشتّى أطيافه، عن طريق الدعم المالي، واللوجستي، والإعلامي، ومحاولة خلق وإيجاد بؤر للصراع بين هذه المجاميع، من جهة، والإسلاميين، من جهة أخرى، وذلك بواسطة شخصيات إعلامية وإسلامية لها ماضٍ ناصع وجيّد، ولكنهم استطاعوا احتواءها، بطريقة أو بأخرى، عن طريق تمرير مشاريع أقلّ ما يمكن القول عنها، هو أنها تهدف إلى إضعاف الإسلام، والانتقاض من أصوله المعروفةr
[1] ) الثقافة الاجتماعية: مجموعة التقاليد والقواعد والأفكار الموجودة في المجتمع. وهي تشمل مختلف شؤون الحياة فيها، كالشؤون الدينية والأخلاقية والقانونية والفنية والصناعية واللغوية والخرافية وحتى الفكاهية، وغيرها. (ينظر: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي: علي الوردي، ط1، 2011م، دار ومكتبة دجلة والفرات، بيروت – لبنان، ص 36 )
[2] ) السيسيولوجيا: أو علم الاجتماع (انجليزى: social science)، هو: العلم الذي يدرس المجتمعات والقوانين التي تحكم تطوّره وتغيّره.
[3] ) ينظر: المجتمع العراقي – حفريّات سوسيولوجيّة في الإثنيّات والطوائف والطبقات: مجموعة من المؤلفين، الفرات للنشر والتوزيع، ط1، 2006م، منشورات: معهد الدراسات الاستراتيجية – العراق، بغداد – بيروت. التحليل الطبقي والمجتمع العراقي: حنا بطاطو: ص 9 – 11.
[4] ) الدكتاتورية (Dictatorshp): تعبير ترجع أصوله إلى اللاتينية، وهي آتية من لفظ (dictare) الذي يعني فَرَضَ، وهو نظام عرفته روما في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، فقد كانت جميع السلطات تنحصر بشخص الحاكم، ويدعى (قنصل) أو دكتاتور Dictator ولمدة محدّدة بين ستة أشهر إلى سنة واحدة، بناءً على طلب من الشعب (مجلس الشيوخ). وعلى هذا، فإن نظام الدكتاتور في روما هو نظام دستوري يقرّر في أثناء الأزمات، كحالة العدوان الخارجي، أو الثورة الداخلية، أو الانقلاب العسكري. على أن هذا الاصطلاح تطوّر فأصبح يدل على تركّز السلطة في شخص واحد، بحيث لا تقيّده قيود قانونية أو دستورية أو عرفية، مع عدم وجود حالة طارئة أو مدة مؤقتة لحكمه، ويستند على مبدأ الاستئثار بالحكم المطلق، وأسلوب القهر والبطش. ينظر: هيئة الموسوعة العربية: الموسوعة العربية، الجمهورية العربية السورية، الطبعة الأولى، 2004م، مؤسسة الصالحاني للطباعة، مجلد 2، ص 72، ومجلد 9، ص 305-308. موسوعة السياسة: عبد الوهاب الكيالي، الطبعة الرابعة، 1999م، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، مركز الطباعة الحديثة، بيروت - لبنان، الجزء 2، ص 684-685 . 47. المعجم الحديث للتحليل السياسي: جيفر روبرتس واليستاير ادواردس (Geoffre Roberts And Alistair Edwards )، ترجمة: سمير عبد الرحيم جلبي، الطبعة الأولى، 1999، الدار العربية للموسوعات، ص 132 . محمد كاظم المشهداني: النظم السياسية، 1411ﮪ - 1991م، مطابع دار الحكمة للطباعة والنشر، الموصل، ص 11- 13 .
[5] ) التوتاليتارية (Totalitarianism) = الكُلِّيانية : مفهوم بدأ أولا كوصف للأنظمة والحركات السلطوية في الثلاثينات من القرن العشرين، ومن ثم أصبح يطابق لفظة السلطوية، وبعدها تعدّدت التعاريف ولكن أغلبها تركّز على موضوع التحكّم بالإنسان من خلال المنطلقات الأيديولوجية. ويعني في مدلوله نظام الحكم الذي يخضع جميع مفاصل الحياة لهيمنة الدولة. ينظر: عبد الوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، مصدر سابق، الجزء 5، ص 136-137 . هيئة الموسوعة العربية: الموسوعة العربية، مصدر سابق، مج2، ص72.
[6] ) أرستقراطية Aristocracy: كلمة يونانية تعني سلطة خواص الناس، أو نظام حكم بواسطة أفضل الناس [طبقة النبلاء]، أو كما يسمّيهم (أفلاطون): الطبقة الذهبية. لكن مفهوم (أفلاطون) للروح الأرستقراطية مفهوم قيمي، لا مفهوم طبقي. إن توضيح النوعيّة التي يجب أن تميّز أرستقراطية ما ، يمكن أن يعبّر عنها من خلال: الولادة (أرستقراطية العائلة)، الحضارة والثقافة (أرستقراطية المثقفين أو المتعلمين)، العمر (أرستقراطية السنّ)، المكانة العسكرية (أرستقراطية الفرسان)، أو المُلكية (أرستقراطية ملّاك الأرض. وتاريخياً ترتكز الأرستقراطيات على الأراضي المملوكة، وعلى مبدأ الوراثة. وقد ترتكز على الثروة والأرض. وقد تكون دينية كالطائفة البرهمية بالهند. ويستعمل المصطلح اليوم على نحو أوسع كوصف لطبقة، أو مجموعة حاكمة، حقّها في الحكم يستمدّ من الولادة ذات الأصل النبيل الموروث. والأرستقراطية المعنيّة هي الطبقة المتنفّذة ذات السلطة الوراثية، ومن أهم مواصفاتها أنها مهتمّة بالموضوعات المترفة البعيدة عن هموم الناس. ينظر: عبد الوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، مصدر سابق، الجزء 1، ص 147-148 . جان جاك روسو: في العقد الاجتماعي، ترجمة: ذوقان قرقوط، دار القلم، بيروت - لبنان، ص 122، (د. ط ، د. ت) . جيفر روبرتس واليستاير ادواردس (Geoffre Roberts And Alistair Edwards ): المعجم الحديث للتحليل السياسي، مصدر سابق، ص 32-33 .
[7]) برجوازية: وهي طبقة الأغنياء المتنفّذين، والتي ظهرت بعد الانتفاضة. وهي طبقة اجتماعية تكوّنت نتيجة للاحتكار الحزبي للموارد والتندرات، وكلّ ما يتعلّق بالجانب الاقتصادي.
[8] ) مع ملاحظة عدم التعميم، ولكن النسبة الغالبة تتّصف بهذه الصفات، ولو بشكل مؤقت، لتسيير حياتها، والحفاظ على مصالحها.
[9] ) انفصام الشخصية: هو مرض واضطراب نفسي، يضطرب معه العقل، يتّسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي، وفشل في تمييز الواقع. الأعراض الشائعة له: الوهام، واضطراب الفكر، والهلوسة السمعية، بالإضافة إلى انخفاض المشاركة الاجتماعية والتعبير العاطفي، وانعدام الإرادة، ومشاكل نفسية أُخرى، مثل: اضطراب القلق، والاضطراب الاكتئابي، فلا يدرك صاحبه فرقاً بين الواقع، وبين ما يصوّره له خياله من أوهام. ينظر: الرائد، معجم ألفبائي في اللغة والأعلام، جبران مسعود، دار العلم للملايين، ط1، شباط- 2003م، بيروت – لبنان، ص168 .
[10] ) ينظر: الشخصية الإنسانية المشوّهة في العالم الثالث: سعيد سليمان سعيد، مقالة منشورة في مجلة الحوار، العدد 26، أيلول 2004، مجلة شهرية سياسية – ثقافية عامة، يصدرها الاتحاد الإسلامي الكوردستاني، كوردستان العراق/ أربيل.
[11] ) ينظر: المأساة الكوردية: جيرارد جالياند، ترجمة: عبدالسلام النقشبندي، ط2، 2012م، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل – إقليم كوردستان العراق، ص42 .
[12] ) المجتمع الكوردي في المنظور الاستشراقي: بدرخان السندي، ط2، 2007، دار سبيريز للطباعة والنشر، كوردستان العراق–دهوك، ص 67.
[13] ) ينظر: المأساة الكوردية : مصدر سابق، ص42 – 46 .
[14] ) لغرض الاطّلاع وبشكل واسع على هذه الفقرة، يفضل مراجعة الفصل الخاص حول (الحياة القبلية في كوردستان ص 49 - 93) من كتاب: المجتمع الكوردي في المنظور الاستشراقي: بدرخان السندي، مصدر سابق.
[15] ) ينظر: المجتمع العراقي، مصدر سابق، الثقافة الكوردية والإثنية الكوردية، مارتن فان بروينسن، ص 242- 243.
[16] ) يهود كوردستان: حول يهود كوردستان يفضل مراجعة كتاب الدكتور فرست مرعي والموسوم ب(فصول من تاريخ يهود كوردستان).
[17] ) ينظر : المأساة الكوردية: مصدر سابق، ص 38 .
[18] ) وللاطلاع بشكل واسع على هذا البعد وتأثيره في المجتمع الكوردي، يفضل مراجعة كتاب الآغا والشيخ والدولة / البنى الاجتماعية والسياسية لكوردستان: مارتن فان بروينسن، ترجمة أمجد حسين، ط1، 2008، بغداد – أربيل – بيروت ، الجزء 2، الفصل الرابع ص433 – 555 .
[19] ) ينظر: خريطة رقم (1). اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، كانت اتفاقا وتفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى. (ينظر : موقع ويكيبيديا).
[20] ) الفرد العشائري الكوردي، في الغالب، يتبع منهج (شيخ العشيرة = الآغا) واختياراته السياسية، الذي يدين له بالولاء والطاعة، ويقف ضد جميع خصومه وأعدائه، - وقد ظهر ذلك واضحاً في الانتخابات البرلمانية في الإقليم، وخاصة عامي 2014 – 2018 -، فرئيس العشيرة - عندما تتطلب مصلحته، والجهة التي يتّبعها - مستعد للقيام بجمع الأصوات لحزبه، ولو كان على حساب العرف والعادات والتقاليد العشائرية، وهو مستعد لإشهار السلاح ضد الفئة المناوئة لها، والقيام بالقتل، ولو كانت الأسباب غير مشروعة. (ينظر: المجتمع الكوردي في المنظور الاستشراقي: مصدر سابق، ص76 – 77 و ص83) .
[21]) ينظر: القواعد الاجتماعية للأحزاب الكوردية السورية: رستم محمود، مقالة منشورة على (موقع: old.aljumhuriya.net). أنماط وسلوكية الشخصية الكوردية: أحمد عبد العزيز محمود، مكتب التفسير للنشر والإعلام / أربيل، ط1، 1431ﮪ - 2010، ص 148 - 149.
[22] ) ينظر: المجتمع العراقي – حفريات سوسيولوجية : مصدر سابق، ص 109 – 112 .
[23] ) ينظر: المجتمع العراقي – حفريات سوسيولوجية: مصدر سابق، (ص 30 - 33).
[24] ) ينظر: المجتمع العراقي حفريات سوسيولوجية: مصدر سابق، ص 109 – 112 .
[25] ) الفكرة مأخوذة من ظاهرة الصراع بين البداوة والحضارة في المجتمع العراقي. ينظر: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، علي الوردي، ط1، 2011م، دار ومكتبة دجلة والفرات، بيروت – لبنان ، ص11 .
[26] ) شعب بدون وطن/ الكورد وكوردستان: جيرالد جالياند، ترجمة عبد السلام النقشبندي، ط1، 2012، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل – إقليم كوردستان العراق، ص 223 .
[27] ) استهدف الترحيل القسري جميع المناطق الكوردية الحدودية، من قضاء خانقين في الجنوب الشرقي للإقليم على الحدود الإيرانية، وإلى المناطق الواقعة على الحدود التركية في قضاء زاخو في الشمال الغربي، وبعمق أكثر من عشرين كم، وجعلها (مناطق محرّمة). وكذلك قضاء سنجار، وناحية زمّار (قضاء تلعفر) على الحدود السورية، وقضاء الشيخان شماليّ مدينة الموصل.. وعلى مراحل متعددة، امتدّت من عام 1963 والى عام 1991، وفي محافظة كركوك خاصة، وفي تلك الحملات تمّ إحراق وتدمير آلاف القرى الكوردية، وتمّ ترحيل مئات الآلاف إلى مجمّعات قسرية داخلية في الإقليم، أو تمّ ترحيلهم إلى وسط وجنوب العراق. وفي عمليات الأنفال، التي بدأت من عام 1988، تمّ قتل عشرات الآلاف من الكورد بيد السلطات البعثية. ينظر: سياسة التعريب في إقليم كوردستان العراق – دراسة وثائقية –: إعداد (د. خليل إسماعيل محمد، و د. محمد عبد الله عمر، و سيروان كاكه يى، ومحمود حاجي)، دار ئاراس للطباعة والنشر، أربيل – العراق، ط1، 2003، ص 18 – 19 و ص 121 – 122 و ص 246 . شعب بدون وطن: مصدر سابق، ص 287 – 288 .
[28] ) القيم القروية: للقرية ثقافتها الاجتماعية الخاصة، المنبعثة في الأصل من طبيعة حياتها القروية البسيطة، مع مواجهتها لبعض الصعوبات، لا سيّما ما يتعلّق بالمعيشة .
[29] ) الشبك: طائفة تسكن قرى مبعثرة في الشمال والشمال الشرقي من الموصل، يبلغ عددها أكثر من تسع وأربعين قرية. ينتمي الشبك عرقيّاً إلى الأكراد، ويتحدّثون بإحدى اللهجات الكوردية (الكورانية - الباجلانية). أمّا عقائدهم الدينية، فالبعض منهم من أهل السنّة، والقسم الأكبر منهم من الشيعة الغلاة. ينظر: حدود كوردستان الجنوبية تاريخياً وجغرافياً خلال خمسة آلاف عام، عبدالرقيب يوسف، ط1، 2005، (وزارة الثقافة والإعلام، إقليم كوردستان العراق/ السليمانية) ص169 – 170. المسألة الكوردية بعد قانون إدارة الدولة العراقية: فريد أسسرد، مركز كوردستان للدراسات الاستراتيجية، السليمانية – 2004، ص 108 .
[30] ) ينظر: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، مصدر سابق، ص34 .
[31] ) وقد ظهر ذلك بشكل جلي خلال الصراع المسلح بين الحزبين، ما بين (1994 - 1998)، ويظهر كذلك في جميع الانتخابات التي حصلت في الإقليم. )الحرب الأهلية في كوردستان العراق (بالكوردية: شه رئ براكوزى= صراع الأخوة) هو صراع عسكري وقع بين الفصائل الكوردية المتناحرة في كوردستان العراق في أواسط التسعينيات، وكان أبرز فصيلين هما الاتحاد الوطني الكوردستاني (KUP)، والحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK). وعلى مدار الصراع تدّخلت الفصائل الكوردية من إيران وتركيا، وتدّخلت كذلك في الصراع القوات الإيرانية والعراقية والتركية، مع التدّخل الإضافي للقوات الأمريكية. وعلى مدار ثلاث سنوات من الحرب، لقي ما يتراوح بين 3000 إلى 5000 مقاتل ومدني حتفهم. ينظر: ئةتله سى سياسى هه رئمى كوردستان (1914 - 2005)، فريد أسسرد، إعداد: سردار محمد عبد الرحمن، هوشيار محمد أمين خوشناو، سه نته رى ليكولينه وه ى ستراتيجى كوردستان، 2010، ص 173 – 176 .
[32] ) الراديكالية: (الجذرية)، أو الأصولية، هي تعريب للكلمة الإنجليزية ( Radica )، وأصلها كلمة (Radical)، ينبع من الكلمة اللاتينية (Radix)، وتقابلها باللغة العربية، حسب المعنى الحرفي للكلمة: (أصل)، أو (جذر). ويقصد بها عموماً: التوجّه الصلب، والمتطرّف، والهادف للتغيير الجذري للواقع السياسي، أو التكلّم وفقاً له، وكلّ مذهب متصلّب في موضوع المعتقد السياسي. والراديكالية: هي فلسفة سياسية تؤكّد الحاجة للبحث عن مظاهر الجور والظلم في المجتمع، واجتثاثها. فالراديكاليون يبحثون عمّا يعتبرونه جذور الأخطاء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المجتمع، ويطالبون بالتغييرات الفورية لإزالتها. ومن معاني الراديكالية كذلك التطرّف، أي النزعة إلى إحداث تغييرات متطرّفة في الفكر والعادات السائدة والأحوال والمؤسسات القائمة.
[33] ) سالم الحاج Salim Haji : رئيس تحرير مجلة الحوار (التي تصدر في أربيل – إقليم كوردستان)، على موقعه في الفیس بوك.[1]