اعداد: فاطمة سليم
مندلي مدينة عراقية تقع في شرق محافظة ديالى وهي تتكون من أربع محلات هي؛ قلعة بالي وبوياقي، والسوق الصغير، والسوق الكبير.
تعرضت المدينة للنسيان بسبب ازمة المياه والحرب العراقية الإيرانية بعد أن كانت مزدهرة طيلة العقود الماضية.
كانت بساتين المدينة تنتج أفخر أنواع التمور وأندرها، إلا أن السد الذي أنشأه شاه إيران في ثلاثينيات القرن الماضي على وادي نهر كنكير حرمها من المياه الكافية ما ألحق دماراً كبيراً بالنخيل؛ وتسبب ذلك بهجرة غالبية أبناء المدينة حينذاك، وبعد 1982أصبحت مندلي الخط الأمامي في جبهة الحرب العراقية الإيرانية مما أدى إلى نزوح اهلها منها إلى مدن أخرى مثل؛ بلدروز، وبعقوبة، وبغداد، وتم تنزيلها من قضاء إلى ناحية بعد أن كانت من أولى الأقضية في العراق الحديث.
مندلي في التاريخ
ورد ذكرها تكرارا في كتب التاريخ؛ ويرجع تاريخ المدينة الى أكثر من 6000 عام قبل الميلاد؛ سهولها التي تقع تحت التلال والجبال تعتبر من ما أستوطنه الإنسان بعد هجرته للكهوف في الجبال، ثم ظهور المدنية الأولى على تخومها والتي توجتها السومرية كأول حضارة مثقفة، يمكن الإستدلال على ملامحها؛ وقد أكدت الحفريات التي قامت بها الحكومة العراقية عام 1966 وجود مدينة عامرة.
وقد كانت بساتينها مرتعا للدول الفارسية المتعاقبة والسلوقية حتى قدوم الفتح الإسلامي حيث وردت في كتب المؤرخين العرب بأسم (البندجين) الموروث من تلك الحقب حيث قال عنها ياقوت الحموي في معجمه (بلدة مشهورة من طرف النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد وقد خرج منها خلق من العلماء محدثون وشعراء وفقهاء وكتاب).
وقال عنها المرحوم العلامة أنستاس الكرملي في مجلة لسان العرب إن الاسم الأصلي لها هو (وندنيكان): إنها جمع وندنيك الفارسية ومعناه (الملاكون الطيبون) وكان قد ذكرها هيرودوتس المؤرخ بأسم (أردريكا) وقال عنها ان فيها عيون نفط.
وقد فتحها المسلمون صلحاً على يد (القعقاع بن عمرو) بناء على أمر من الخليفة عمربن الخطاب، بعد فتحه جلولاء وحلوان وخانقين، وقد ورد اسمها في الفتح (بندنيك) وهي متكونة من كلمتين فارسيتين (بند) ومعناها (حدود) و(ينك) ومعناها (الطيب) وبذلك يكون المعنى (حدود الطيب) لموقعها بين السهل والجبل.
وقد ورد اسمها (طيسفون) كذلك وفي العهد العباسي، وردت بأسم (لحف) أو (الكور) ومن المعلوم أن المدائن القريبة منها بقيت محتفظة بأسمائها الآرامية وهم (بدرايا) و(بسكايا) وحتى (بعقوبة)،بما يدلل على صفتها الثقافية.
وضعها في العصر الحديث
تبعت مندلي المدينة بغداد في التقسيم إبان العهد العباسي وأستمر حالها هكذا بعد سقوط بغداد وحلول الدولة العثمانية لاحقاً.
وقد حدث ما لا يحمد عقباه في تقسيم الحدود بينهم وبين دولة الفرس القجرية في معاهدات (أرض روم) والحدود المرسومة عام 1905م الفاشلة التي لم تحترم في وضعها ابسط شروط التقسيم البشري والجغرافي بين البلدين الذي عاد وبالا بعد ذلك في تركة مرة ورثتها السلطة العراقية والتي أدت الى حروب وأنتهاكات في تحديد هوية قاطني المنطقة الذين بقوا في داخل ايران وتمتد صلاتهم العائلية بالعراق، وأكثر مثال ملموس في تلك المعضلة هو وضع العراقيون (الفيلية) الذين جاءوا من (بشت كو) أي ظهر الجبل ووسموا بانتمائهم الإيراني بالرغم من عدمه...
لقد جرى حينئذ وضع الحدود بحيث أعطيت منطقة (سومار) الى أيران مقابل (هورين شيخان) و (قوتو) أعطيتا للعراق، ووضع مندلي يدخل في تلك الفوضى التي كانت إحدى ضحاياها، حيث ان المدينة تقسمت الى أشلاء على جانبي الحدود وقد كانت حدود المدينة تقع حتى (دير اله) داخل الحدود الإيرانية اليوم؛ وما يدلل على ذلك هو وجود مخفر داخل عمق الأراضي الإيرانية يسمى (مخفر العثمانيين).
وكان لها عدة قرى تحمل أسماء عراقية مثل (طيب) و (بيات) ويتذكر المسنين من أهل مندلي أو الناقلين عنهم بانه عندما كانت تتقوى العشائر الواقعة داخل الحدود الايرانية على حكومتها المركزية من أمثال رئيس عشيرة (كلهور) أو لورستان تهرب الى داخل العراق فيستغل الاهالي مجئ الامير أو والي (بشتكوه) ليتفاوضون معه مستغلين مجيئه للصيد قرب مندلي وبعد شئ من الرشوة يغض الطرف عن تقنين قدوم المياه الواردة اليها وكذلك عودة هؤلاء دون عناء يذكر، وقد أدى ذلك الى قطيعة مندلي مع محيطها الطبيعي ومصادر ورود الماء إليها من وراء الحدود الذي تحكمت به السلطات الإيرانية لتغير مجراه الى داخل أراضيهم؛ ولاسيما بعد أن جعل رضا خان شاه ايران بساتينه ومزارعه الواقعة على الحدود في منطقة (سومار) تسقى بالماء كله الذي كان مخصصاً لمدينة مندلي ومحيطها القروي ما أدى الى أن تعاني المدينة من شحه الماء وما تبعه من الفاقة ورحيل الناس عنها باتجاه المدن القريبة.
وتتبع مندلي إداريا ناحية بلدروز ويمكن ان يكون اسمها محرفاً عن أسم (براز الروز) التي ذكرها ياقوت في معجمه، وهي تقع على النهير الذي يحمل اسمها بين بعقوبا ومندلي.
وتضم المدينة ستة أحياء كبيرة وأكبر المحلات هي (قلعة جميل بك) ومحلة (بوياقي) وسكنتها غالبيتهم من الترك ومحلة (قلم حاج) ومحلة (سوق الصغير) وغالبية سكانه من الفرس و(كبرات) و(سوق الكبير) وغالبية سكانه من الكرد والعرب، واللافت هنا اللحمة الاجتماعية الذي يشكلها الفسيفساء العرقي (الكرد والترك والعرب والفرس) الذين يقطنون منطقة صغيرة لتمثل مندلي بذلك أجمل صورة الفتها ذاكرتنا عن المجتمع العراقي أيام زمان.
الاعراف والتقاليد
وتقاليد أهل مندلي تشبه كثيراً تقاليد (اللور الفيلية)، ومن أغرب ما يحتويه مجتمعها فرقة دينية إسلامية عددها اليوم حوالي أربعة آلاف نسمة تدعى (العلي اللاهية) ويقال لها هنا (القلم حاجية) نسبة الى أسم الحي الذي يقطنوه وهم يعتقدون بأن الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) يصلي عنهم ويعوض تركهم لها أما صيامهم فلدى شيوخهم تفسير فحواه أنه ورد بصيغة كردية نصها (سه روز) أي ثلاثة أيام وليس (سي روز) أي ثلاثين يوما وهم عادة مايطلقون لحاهم ويتجنبوا كافة النجاسات.
وتحتوي منطقة مندلي على مناطق أثارية تعود الى حقب تاريخية مختلفة نذكر منها (جيجكان) الواقعة شمال قصبة المدينة و(كوكتية) ومعناها بالتركية (التل الاخضر) و (تل تمرخان) ومنطقة (دوجكا) التي تعني بالكردية (التلان) وقلعة (كونة) ومعناها بالكردية (القلعة القديمة) وكذلك أثار (المدينّة) و (جكامامي) و(كناري) و(قلعة سفيد) وهي اثر ساساني ظاهر ومعناه بالفارسية (القصر الابيض),
وهي تنتظر البحث الحثيث عن أثارها وسابق تأريخها المرتبط حتماً مع بحضارة وادي الرافدين والأمل معقود على جعلها مدينة حدودية نموذجية تكرس التعاون على جانبيه بصفاء النوايا والمصلحة المشتركة ناهيك عن منزلتها النموذجية .
مطالب اهل مندلي
يطالب العديد من الشخصيات الثقافية والاجتماعية من اهالي مندلي بإعادتها الى تصنيفها الاداري السابق كقضاء بعد أن حولها النظام السابق الى ناحية؛ ويرون ان ذلك لا يتحقق الا بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي.
وقد تجسد هذا المطلب في ندوة حوارية عقدتها منظمة البيت الكردي تحت عنوان (الى متى الاجحاف بحق مندلي) على قاعة مؤسسة شفق للثقافة والاعلام للكرد الفيليين.
قال خلالها مدير العلاقات الثقافية في وزارة الثقافة والاعلام عقيل المندلاوي إن مندلي بحاجة الى مجموعة من الاجراءات الادارية لإعادتها قضاء بعد أن حولّها النظام السابق الى ناحية، وهذا الامر مناط بوزارة البلديات.
واوضح أن طلب إعادة مندلي الى قضاء يجب أن يكون بتقديم طلب رسمي من المجلس البلدي هنا، ويدعم هذا الطلب بالأدلة والوثائق والمستندات التاريخية التي تؤكد أنها قضاء.
وأضاف أن التحرك الشعبي يعدّ امرا مهما بهذا الصدد، ولتفعيله يجب أن نبدأ بحملة جمع تواقيع من اهالي مندلي الذين يسكنون في بغداد، وفي ناحيتي بلدروز وكنعان من محافظة ديالى، يؤيدون مطلب إعادة مندلي الى قضاء، مطالبا منظمة البيت الكردي ومؤسسة (شفق) وباقي المنظمات المدنية المعنية بهذا الامر بالسعي والعمل الدؤوب بهذا الصدد.
فيما استعرض رئيس المجلس البلدي في مندلي آزاد حميد شفي نبذة عن تاريخ مندلي، وكيفية تحويلها من قضاء الى ناحية.
وقال آزاد حميد شفي إن النظام السابق بدأ بعمليات ترحيل العشائر الكردية من مدينة مندلي في بداية سبعينيات القرن المنصرم ووصولا الى نهاية الثمانينيات، عبر القرار المرقم 617 الذي اصدره مجلس قيادة الثورة المنحل.
وبيّن أنه بعد سقوط النظام السابق وتحديدا في عام 2006 الى عام 2008 لم تخصص الحكومة ميزانية لمندلي بحجة احداث العنف التي شهدتها محافظة ديالى، وحتى بعد استتباب الوضع الامني في عام 2009 و 2010 لم تقم الحكومة بتخصيص ميزانية لمندلي.
وأكد على أن هناك تقصيرا في تطبيق المادة 140 من الدستور وتنفيذ بنودها في مندلي من قبل الحكومة الفدرالية وحكومة اقليم كردستان، مشيرا الى ان حكومة الاقليم لم تقدم أي دعم لمندلي، مع اننا قدمنا لها مجموعة من المقترحات بهذا الصدد.
من جهته قال نقيب الفنانين صباح المندلاوي إن مندلي من اقدم الاقضية في العراق وهي تمثل اطياف الشعب بجميع انتمائته القومية والمذهبية.
ودعا الى اقامة اجتماعات شهرية وتشكيل لجان تتابع قضايا مندلي بجدية وحيوية عبر مراجعات المؤسسات الحكومية لإعادتها قضاء.[1]