عادت العلاقات بين إسرائيل والأكراد، خصوصا في إقليم كردستان العراق، إلى البروز مرة أخرى في أعقاب الاستفتاء على استقلال هذا الإقليم، الذي جرى في 25 أيلول الفائت، وأسفر عن تأييد 92% من سكان هذا الإقليم، الواقع في شمال العراق، للاستقلال والانفصال عن الدولة العراقية.
وبالرغم من أن العلاقات بين إسرائيل وكردستان العراق لم تعد سرية فإنها علاقات معقدة، تحكمها العلاقات الدولية الإقليمية وتغير الأنظمة في بعض الدول، وبشكل خاص تغير النظام في إيران، من نظام موال للغرب في عهد الشاه إلى نظام معاد للغرب والولايات المتحدة ولا سيما عقب الثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية.
ويبدو الموقف الإسرائيلي مرتبطا بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وبالعداء بين إسرائيل وإيران والعلاقات المتوترة بين إسرائيل وتركيا، إلى جانب أن هذا الموقف نابع من مصالح اقتصادية أيضا، وأبرزها الأنباء التي تتردد، وتفرض إسرائيل تعتيما عليها، بأنها تستورد النفط من كردستان العراق.
وإسرائيل هي الدولة الوحيدة تقريبا التي تعبر عن تأييدها لاستقلال كردستان العراق. فقد أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في 13 أيلول الفائت، أي قبل أقل من أسبوعين من إجراء الاستفتاء وفيما كانت تركيا وإيران والعراق تمارس ضغوطا من أجل إلغاء الاستفتاء، عن تأييد إسرائيل لاستقلال كردستان العراق.
وجاء إعلان نتنياهو على خلفية أقوال أدلى بها نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق، الجنرال يائير غولان، خلال مؤتمر في واشنطن، وعبر فيها عن دعم استقلال الأكراد واعتبر أن المنظمة الكردية المسلحة بي كي كي (أي حزب العمال الكردستاني)، التي تحارب وتنفذ هجمات مسلحة ضد تركيا، ليست منظمة إرهابية، خلافا لموقف تركيا والدول الغربية والولايات المتحدة التي تعتبرها منظمة إرهابية.
وقال نتنياهو في بيانه إن إسرائيل تعارض ’بي كي كي’ وتعتبرها منظمة إرهابية، خلافا لتركيا التي تدعم المنظمة الإرهابية حماس. وفيما تعارض إسرائيل الإرهاب بحد ذاته، فإنها تؤيد الوسائل الشرعية للشعب الكردي لإقامة دولة له.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن موظفين إسرائيليين رفيعي المستوى قولهم إن إعلان نتنياهو يعكس السياسة الإسرائيلية المعلنة والرسمية في هذا الموضوع.
وكان نتنياهو عبر عن موقف مشابه خلال خطاب في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، في حزيران 2014، وقال إن الأكراد يستحقون دولة خاصة بهم.
وكان الجنرال غولان قال في مؤتمر في واشنطن، مؤخرا، إنه من وجهة نظري الشخصية، فإن ’بي كي كي’ ليست منظمة إرهابية. هكذا أرى ذلك. وعندما ننظر إلى إيران في الشرق، وننظر إلى انعدام الاستقرار الإقليمي، فإن كيانا كرديا مستقرا ومتكتلا في وسط هذه الرمال المتحركة ليس فكرة سيئة.
وعبر مسؤولون إسرائيليون كثيرون عن موقف مشابه للموقف الذي أعلن عنه نتنياهو في الماضي، وبينهم الرئيس السابق شمعون بيريس، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان. وقالت وزيرة العدل الإسرائيلية، أييليت شاكيد، خلال مؤتمر في المركز متعدد المجالات في هرتسليا في بداية أيلول الماضي، إن مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة هي بإقامة دولة كردية، في العراق أولا. وحان الوقت كي تؤيد الولايات المتحدة هذا الأمر. يشار إلى أن الولايات المتحدة أعلنت معارضتها للاستفتاء ولاستقلال كردستان العراق.
علاقات قديمة
أشارت الباحثة والمحاضرة في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، البروفسور عوفرا بنجو، في مقال نشرته في موقع ميدا في شباط 2015، إلى أن جذور العلاقات بين إسرائيل وأكراد العراق تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، فيما كان المبدأ الذي وجه إسرائيل في ما يخص هذه العلاقات هو عدو عدوي صديقي.
وأضافت بنجو أن هذه العلاقة نشأت في إطار عقيدة الأطراف التي طورتها إسرائيل في تلك الفترة، وكانت تقضي بإقامة علاقات مع دول ولاعبين غير عرب، من أجل الخروج من عزلتها في المنطقة، وكانت الأقلية الكردية أحد هؤلاء اللاعبين.
ودفعت مصالح إستراتيجية مشتركة قدماً بهذه العلاقات. فقد اعتبرت إسرائيل أنه تعين على الأكراد إضعاف أو عرقلة قوات الجيش العراقي في حال نشوب حرب في الجبهة الإسرائيلية الشرقية، تشارك فيها سورية والعراق والأردن. بينما مصلحة الأكراد كانت في تلقي مساعدات إسرائيلية في إطار صراعهم القومي مع الأنظمة العراقية المختلفة وخاصة خلال حكم حزب البعث.
ولفتت بنجو إلى أن هذه العلاقات توطدت ووصلت ذروتها في الأعوام 1965 – 1975، عندما قدمت إسرائيل إلى الأكراد مساعدات عسكرية سرية، تمثلت بالأساس في تدريب الميليشيا الكردية البشمركة، وتأسيس الاستخبارات الكردية الباراستين، وتزويد السلاح ومساعدات أخرى بينها إقامة مستشفى ميداني وإعداد كتب دراسية باللغة الكردية. وحصلت إسرائيل على معلومات استخبارية ومساعدة من الأكراد في تهريب اليهود من العراق.
ووفقا لبنجو، فإن هذه العلاقات انقطعت في منتصف السبعينيات وتسببت بخيبة أمل للجانبين. فقد خاب أمل إسرائيل لأن الأكراد لم يساعدوها في حرب أكتوبر 1973، بينما خاب أمل الأكراد لأن إسرائيل تخلت عنهم في العام 1975، في أعقاب اتفاق الجزائر بين العراق وإيران.
ويرى الجانبان، الإسرائيلي والكردي، أن الأوضاع في المنطقة تغيرت. وتنظر إسرائيل إلى أن إيران وتركيا تتخذان مواقف متطرفة ضدها، وأن تهديد الجبهة الشرقية (العراق وسورية والأردن) لم يعد موجودا. بينما يرى الأكراد أن تهديد النظام العراقي عليهم لم يعد كما كان في السابق، كما أنهم يقيمون الآن علاقات مع تركيا وإيران ودول عربية.
إلى جانب ذلك، فإن التغيرات السياسية في تركيا تحكم العلاقة مع الأكراد. في السابق، كانت علاقات إسرائيل وتركيا إستراتيجية ووثيقة للغاية، وتعاملت إسرائيلية مع المسألة الكردية بحساسية مفرطة نابعة من الرغبة بعدم إغضاب تركيا، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة حينذاك التي اعترفت بإسرائيل بصورية رسمية، لدرجة أن الحكومة الإسرائيلية أوعزت إلى وسائل الإعلام لديها بعدم استخدام مصطلح أكراد أو كردستان، وفقا لبنجو.
كذلك فإن اعتبارات إسرائيل حيال حزب العمال الكردستاني كانت من خلال نظرة متوجسة، لأن هذا الحزب أقام علاقات وثيقة مع سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما أنه شارك إلى جانب الفلسطينيين في إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، ولذلك فإن مصالحها التقت مع مصالح تركيا في هذه الناحية، وحتى أنها زودت تركيا بالمعلومات الاستخبارية والطائرات من دون طيار ضد مقاتلي بي كي كي.
وتقول بنجو إن ثمة ثلاثة عوامل تاريخية مركزية عرقلت تطور العلاقات الإسرائيلية – الكردية هي: أخذ مشاعر تركيا بالحسبان، أخذ الموقف الأميركي من القضية الكردية بالحسبان ومخاوف الأكراد أنفسهم.
لكن تغيرا طرأ لاحقا، وهو أن تركيا بدأت محادثات مع حزب العمال الكردستاني، وفي الوقت نفسه طوّرت علاقاتها مع حركة حماس ووجهت انتقادات شديدة ضد إسرائيل منذ العدوان على غزة في نهاية العام 2008، الذي تلته أزمة دبلوماسية بين تل أبيب وأنقرة في أعقاب اعتراض سلاح البحرية الإسرائيلي لأسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة ومقتل 10 نشطاء أتراك على متن السفينة مافي مرمرة، في العام 2010.
يشار إلى أنه في الفترة الأخيرة عادت حالة العداء بين تركيا وحزب العمال الكردستاني الذي ينفذ هجمات ضد تركيا بشكل متواصل.
وثمة تطور آخر من شأنه التأثير على العلاقات الإسرائيلية - الكردية، هو انهيار دولتي سورية والعراق ونشوء فراغ فيهما، دخل إليه الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وكان الأكراد رأس الحربة في مقاومة تمدد داعش في سورية والعراق.
وفيما يتعلق بكردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، فإن هذا الإقليم بات أشبه بدولة داخل دولة، وبدأ يصدر النفط بشكل مستقل، الأمر الذي جعل دولا في العالم، وبينها دول غربية، تطور علاقات مباشرة معه، وقسم منها يمده بالسلاح.
وبحسب بنجو، فإن ثمة تطورا آخر، هو أن أكرادا من كردستان العراق وخارجها، كأفراد وكمنظمات، يسعون إلى التواصل مع إسرائيل، من أجل الحصول على مساعدات، وهناك محاولات للحصول على مساعدات عسكرية من إسرائيل، ومساعدة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة والغرب عموما لمصلحة المسألة الكردية.
لكن رغم هذه المساعي، فإن القيادة الكردية تتحفظ من أي علاقات علنية مع إسرائيل تحسبا من رد فعل الدول المحيطة بها، وخاصة إيران وتركيا.
من جهة أخرى، ترى إسرائيل أن ثمة مصلحة بارزة في انتصار الأكراد في الصراع ضد التنظيمات الجهادية. وكتبت بنجو أن حقيقة كون الأكراد جهة موالية للغرب ومعتدلة وعلمانية نسبيا وذات قدرة إدارية مثبتة، تشكل ذخرا هاما في مقابل قوى الدمار والخراب في المنطقة. وثبت أيضا أنهم جهة ودية أكثر تجاه إسرائيل من باقي شعوب المنطقة، وذلك بفضل الشعور بالمصير المشترك بين شعبين صغيرين لا يتم الاعتراف بحقهما في دولة خاصة بهما.
محاولة لمناكفة أردوغان!
في أعقاب الانفراج الحاصل في الأزمة الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا، وإعادة تطبيع العلاقات بينهما، لوح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عشية الاستفتاء في كردستان العراق، بأن تركيا ستجمد عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل إذا أيدت هذه الأخيرة استقلال الأكراد في العراق. فالوجود الكردي موزع في أربع دول، هي العراق وتركيا وسورية وإيران، وأردوغان يتحسب من مطالب كردية بالانفصال عن تركيا.
ورأى محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس، تسفي برئيل، في إعلان نتنياهو عن تأييده لاستقلال كردستان العراق، المذكور أعلاه، بأنه رسالة موجهة إلى تركيا، ودول أخرى أيضا، بسبب دعمها لحركة حماس. واعتبر هذا المحلل أنه بالنسبة لنتنياهو فإن من يؤيد دولة فلسطينية مستقلة عليه أن يستعد لتشجيع إسرائيل لقيام دولة كردية مستقلة.
من جانبه، اعتبر المستشرق الإسرائيلي اليميني المتطرف، الدكتور مردخاي كيدار، أن تأييد استقلالا كرديا هو مصلحة إسرائيلية. وقال لموقع يديعوت أحرونوت الالكتروني، إنه عدا عن الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالنفط الذي يصل من كردستان وفقا لتقارير إعلامية أجنبية، فإن لدى إسرائيل اعتبارات أمنية – استخبارية مهمة بوجود علاقات وثيقة مع كردستان العراق.
وأضاف كيدار أنه إذا كانت هناك دولة كردية، بإمكان إسرائيل أن تفعل فيها ما تشاء بموجب اتفاقيات مع هذه الدولة، فإن لديك موقعا قريبا جدا من إيران في الجانب الاستخباري والتصنت والمراقبة، وهذا أمر مهم جدا لنا، لأننا نتحدث دائما عن المسافات البعيدة إلى إيران. وهذا هو السبب برأيي لمعارضة إيران إقامة دولة كردية، إذ إنهم يخافون من نشوء مستعمرة إسرائيلية.
وعبر عيدان برير، من مركز التفكير الإقليمي في جامعة تل أبيب، عن موقف مناقض لموقف كيدار، وقال لموقع يديعوت أحرونوت إن موقف هذا الأخير إشكالي للغاية. وأضاف أنه لا ينبغي على إسرائيل أن تشارك وتتدخل في شؤون دول أجنبية. ولا ينبغي عليها التحدث عن حلول تشمل تفكيك دول قومية في الشرق الأوسط لأن لديها هي نفسها عدة هياكل عظمية في التابوت. ومن الحكمة أن تقف جانبا، أو على الأقل أن تحافظ على حياديتها.
وأشار برير إلى العلاقات بين إسرائيل وقادة كردستان العراق فقال إن إسرائيل معنية طبعا بشراكات في المنطقة مع دول ليست عربية بالضرورة. هذه مصلحة إسرائيلية واضحة. لكن إسرائيل تدعم الأكراد عن بعد وبصورة رمزية. وهي بالطبع لن تكشف طبيعة العلاقات.
وخلص برير إلى القول إن كل التقديرات التي تتحدث عن أن دولة كردستان التي ربما ستقوم ستكون دولة مؤيدة لإسرائيل وتقيم علاقات علنية معها هي برأيي تقديرات لا أساس لها. هذا لن يحدث. ليس في البيئة التي يتواجدون فيها، فهم عالقون بين تركيا وإيران والعراق. وما جرى هنا هو محاولة لمناكفة أردوغان أكثر من التعبير عن تأييد حقيقي للأكراد.[1]