محسن جوامیر كاتب كوردستاني
ههولير
من يتابع جلسات المحاكمة التی تجري لمرتكبي عمليات الأنفال السيئة الصيت وهي موثقة بالوثائق والأدلة، يكاد يصبح حيرانا لفضاعتها وعظم بشاعتها.. حتی أن المتهمين وصل بهم الأمر أن فضلوا اليأس والإحباط بعد أن خسروا أوراق المحاججة وأصبحوا وكأنهم ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ).
وذكرياتي مع جريمة الأنفال وآلامي عقب القصف الكيمياوي لحلبجة بدأت لأول وهلة وأنا في الغربة، حيث شرعت المنظمات الدولية تنشر تقاريرها والأخبار تتسرب من موقع الأحداث، وكذلك كانت تصلنا الأنباء الواردة من المجمعات الكوردستانية في تركيا وإيران من الذين هربوا بجلدهم من جحيم الطاغية المعدوم، إضافة لما كان يصلنا من الافراد وألأحزاب الكوردستانية والعراقية.
ولم تتجسد لی أهوال تلك الجريمة النكراء إلا بعد زيارتي لبريطانيا عام 1988 حيث دعيت من قبل بعض الأطراف الكوردستانية والعراقية لشرح أبعاد القضية الكوردستانية، لإطلاعهم علی ما كان يجری للكورد.. هناك وعندما كنت في ضيافة الدكتور بههزاد رشاد كويي الأخصائي والإستشاري في الكلية وجراحتها في أوروبا والمقيم في ههولیر الآن دريت أن الدكتور جعفر حمد ألأخصائي في الأنف والأذن والحنجرة قد لجأ إلی بريطانيا.. وشاء القدر أن تهاتفنا عبر التلفون وضربنا موعدا للقاء في إحدی الكافتيريات بلندن، فالتقينا.
عندئذ تحدث الدكتور جعفر وبحضور الدكتور بههزاد .. تحدث عن ملابسات هروبه إلی بريطانيا، وقد كان بسبب معايشته ومشاهداته للمؤنفلين الذین سيقوا زرافات ووحدانا إلی المستشفی الذي كان تابعا لأحد المواقع العسكرية في مدينة ههولیر.. وكانت حكاياته عما شاهد علی ضحايا الأسلحة الكيمياوية من آثار الحرق والتشويه في ههولیر، يشيب لهولها الولدان.. بدا وكأن تلكم المأساة أفقدت صبرالطبيب العسكري جعفر فاضطره إلی اللجوء صوب إنكلترا.
قبل فترة كتبت مقالة دعوت فيها الدكتورالجراح فائق كولبي الشاهد علی ماجری من أنفال فی مناطق من السليمانية، ولبی الدعوة مشكورا وحضر المحكمة وأدلی بما شاهده.. وقد هاتفته من بعد لاهنئه، فقال لی أنه برغم قراره في الإدلاء بشهادته مسبقا، فانه بعد قراءته لما كتبه العبد الفقير صاحب هذه المقالة صار أكثر حماسا للتوجه إلی بغداد.
لم تزل جلسات محكمة الأنفال في بداياتها.. فهل نشهد الدكتور جعفر حمد عميد كلية طب الأسنان في الجامعة الطبية في ههولير حاليا وهو يروي في المحكمة ما رآه من كوارث إنسانية ومشاهد القيامة في المستشفی العسكري بههولير عام 1988.. ویحقق لنفسه رضا الله والناس في تنفيذ أمر السماء ( ولا تكتموا الشهادة ) في هذه المسألة الخطيرة التي تمس الدنیا والآخرة..؟[1]