محسن جوامير كاتب كوردستاني
رفضت تركيا الإنتقادات الإسرائيلية بشأن قرارها مقابلة وفد من حركة المقاومة الإسلامية حماس.. وجاء هذا الرفض في وقت حث فيه المسؤولون الأتراك حماس بنبذ العنف والتوجه نحو المصالحة مع إسرائيل.. ورفضت تركيا تشبيه المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية رعنان جيسن هذه الخطوة باقدام إسرائيل على دعوة أكراد لاجراء محادثات، ووصفت هذا التصريح بأنها تضر بالعلاقات الثنائية.
إن المطلع على هذه التصريحات وأمثالها والتي تطلق بين المسؤولين الإسرائيليين والأتراك، وكذلك العلاقات التي تربطهما والقنوات المفتوحة بينهما دائما وأبدا برغم شكل الحكومات وتوجهاتها في تركيا خاصة، يعلم جيدا بأن كل ما يقال وسيقال يقع ضمن مسلسل فتح صفحة جديدة يكتب عليها بمداد تركيا أيضا في المنطقة، وكل هذه المشادّات الظاهرية بين الطرفين هي بمثابة فتح طريق لتمكين إسرائيل والفلسطينيين المرورعبره.
وبالإضافة لعلاقات تركيا الإستراتيجية مع كل من أمريكا وإسرائيل، فإن أجندة تركيا المعقدة مع الكورد وقضيتهم عموما وكوردها خصوصا تدفعها للعب كل دور من أجل عرقلة التقدم الكوردي في المنطقة والذي بدا انه في طور التحقيق وعلى الأقل في جنوب كوردستان والذي أثر بدوره على التوجهات الكوردية في بقية أجزاء وطنهم، سواء في سوريا أو إيران وناهيكم عن تركيا، وما الإنتفاضات الأخيرة برغم محدوديتها إلا معالم لبروز مشاعل، و قد يكون لجزء من الوثبات والهزات والرجّات أحاديث وأهازيجْ مع قدوم شهر نوروز البهيجْ.
ومهما أعرب المتحدث الإسرائيلي رعنان عن إستياءه وإعتباره إجراء محادثات مع حماس يعد خطأ جسيما أو له تداعيات على علاقاتهم مع تركيا والتي ستصبح من الصعب إصلاحها.. فإن الجواب التركي على لسان عبدالله كول وزير الخارجية وقوله ان الإجتماع مع حماس يتوافق مع المسؤوليات الدولية للحكومة التركية بشأن السعي لتوجيه الفلسطينيين باتجاه السلام، بعد فوز حماس بالأغلبية في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، سيكون الجواب الكافي لمن يريد معرفة حقيقة دور تركيا وإرتباطاتها على كل الأصعدة باسرائيل.
نحن لسنا بصدد بيان صحة أو خطأ أو إنعكاسات دور تركيا في التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين أو التطرق إلى تصريح السيد خالد مشعل رئيس حركة حماس بأنهم سيحملون نصائح تركيا محمل الجد، أو الدور الأسرائيلي في إلقاء القبض على أوجلان وتقديمه كهدية لأفضال تركيا عليها كما يُروى.. ولكن الملفت للنظر هو إزدواجية المعايير فيما تشيعه تركيا على لسان مسؤوليها وصحفها وإعلامييها وعملاءها من إتهامات مفبركة وجاهزة بين آونة وأخرى بوجود تناغم إسرائيلي كوردي من خلال توغل إسرائيلي ووجود قواعد للتدريب ومراكز ومؤسسات لها في جنوب كوردستان.. هذا في حين أن باب تركيا مفتوح ليل نهار على كل إسرائيلي يدخل إليها ويتمتع فيها من دون قيد أو شرط ، وكل إسرائيلي يدخل كوردستان يدخلها عبر تركيا.
ومما يؤسف له هو سكوت البعض من كتاب العرب وسياسييهم تجاه الدور التركي وكأن على رؤوسهم الطير، ومن ثم تطاولهم على عجل ومن دون خجل على الكورد بمجرد سماع خبر أو تعليق أو دجل حتى لو كان صادرا عن الطرف التركي الذي يُعرف مسبقا موقفه الذي بلغ في تجنيه على الكورد عِتياً ولا يأمن أحد بَوائِقهُ، ويدركون في الوقت نفسه علاقاته الصميمية والمعلنة مع إسرائيل منذ أجل.. وقد ينصح بعضُ المحسنين منهم الكوردَ بأن يكونوا في مستوى المسؤولية، ذلك من خلال تأدية دورهم التأريخي في مقاومة الإحتلال ويكونوا أقوى من الموت والتحديات، كل ذلك لتحقيق مراميهم وقطف الثمرات بدم الكورد ومن ثم جعلهم نسيا منسيا مثلما كانوا دائما وعبر القرون، كما يُفهم من مقابلة أجراها صحفي كوردي مع السيد فيصل القاسم.
ان على الكورد أن يكونوا أكثر وعيا وفوق مستوى هذه السطحية التي يدعو إليها الآخرون في النظر للأمور ويريدون فرضها عليهم، وأن لا تنطلي عليهم هذه الأبواق وتلكم الدعايات والإجتهادات التي عفا عليها الزمن، ولا تكون هذه الدغدغات هَيناً عليهم في زمنٍ ( الكل يجر اللحاف لطرفه )، وأن يمضوا على كل شبر من أرضهم كما تملي عليهم مصلحتهم لا مقاصد الآخرين الذين مازال بعضهم ينكر أن حلبجة ضربت بالأسلحة الكيمياوية أو أن عمليات الأنفال قد مورست أصلاً بحقهم ويظنون أنها ضرب من الدعايات !
عسى أن تكون قراءة الكورد بعلمانييهم وإسلامييهم للتأريخ هذه المرة فيها فِطنة، وليست كسابقاتها، وتؤجل لديهم زمن البهلوانيات والمثاليات المسمومة على حساب الشعوب المظلومة.
ولعلها تكون كذلك فوق تصورات ومعتقدات الآخرين الخادعة والضالة المضلة والتي تقول : حلالٌ علىَّ وحرامٌ عليك ![1]