هوزان مزكين.. عندما يكون الفن ثورة
هيفيدار خالد
في مثل هذا اليوم من كل عام نستذكر الفنانة الكردية الثورية المعروفة باسم هوزان مزكين (غربت أيدن) التي ذاع صيتها في أجزاء كردستان الأربعة، في أولى مراحل تأسيس حركة حرية كردستان، الفنانة مزكين التي تألقت بصوتها بعد أن سرقت حنجرتها آلام الشعب الكردي ومعاناته، وغنت للكرد ولكردستان ولطبيعتها وللمرأة وللثوار ولنضال الكرد ضد سياسات الدولة التركية الفاشية التي تستهدف وجودهم.
ثورة حرية كردستان بقدر ما كانت ثورة لتخليص الشعوب من الظلم والاضطهاد وإخراجها إلى النور، كانت ثورة الفن الأصيل ضد سياسات الصهر العرقي والثقافي التي كانت تمارس ضدها من قبل الأنظمة الحاكمة والمستبدة في كردستان التي تقمع إرادة الشعوب وثقافتها، هي ثورة البحث عن الحقيقة من جديد، لذا فقد ظهر الكثيرون من رواد الفن والثقافة الكردية في مسيرة الحرية ليعرِّفوا العالم بالثقافة الكردية العريقة ذات الجذور الأصيلة ونضال الشعب الكردي الطويل الذي يبذله من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية منذ سنوات.
الشابة الكردية غربت أيدن مزكين من شمال كردستان إحدى المناضلات اللاتي صنعن بنضالهن وفنهن الثوري ميراثاً مهماً من الفن الثوري الكردستاني، عملت على إحياء التراث الكردي الأصيل بصوتها الرائع واستطاعت خلال فترة قصيرة جداً أن تجذب الكثير للنضال الثوري بصوتها وعمق كلمات أغانيها ومعانيها.
الفنانة الكردية مزكين صاحبة الصوت الجميل، قادت مسيرتها النضالية والوطنية بأغانيها الثورية والفلكلورية التي كانت تغنيها للأمهات والآباء والأطفال، كما تغنت بجمال وطنها الأم كردستان ومقاومة أبنائها وبناتها الذين سطروا أسمى آيات البطولة والتضحية بالذات، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على استشهادها إلا أن صدى صوتها وألحان أغانيها لو هفالنو، هاوار كوندينو، لا يزال مسموعاً في قلوبنا جميعاً حتى الآن.
مزكين التي كرَّست جلّ حياتها للنضال من أجل الفن الثوري الكردي، وبطولات أبطال وطن الشمس والنار، كانت فنانةً ومقاتلة ومناضلة في آن معاً، فبعد انخراطها في النشاطِ الفنّيّ في أوروبا لفترةٍ طويلة وتأسيسها للفرقِ الفنيّة وتطوير النشاط الثقافي هناك، تركت ميكرفونها والتحقت بأسخن ساحة من ساحات النضال في جبال الحرية لتصبح، الكريلا والمقاتلة والفنانة والثورية معاً، ومن ثم القيادية لقيادة الحرب والمقاتلين الأبطال.
توجّهت من هناك إلى جبال كردستان والتحقت بمسيرةِ النضال في ساحةٍ أكثرَ سخونةً هذه المرة، فحملت السلاح وارتدت الزيّ العسكري وأصبحت مقاتلةً ومن ثم قيادية في صفوف قوات كريلا تحرير كردستان لتقود الحرب وتخوض المعارك في وجه العدو في جميع ساحات النضال والحرب وتميزت بأسلوبها القيادي ونضالها البطولي الذي امتزج مع جمال صوتها لترسم لوحة جميلة تجسد حقيقة الحياة والنضال الذي تقوده المرأة الكردية بإرادتها الحرة في كردستان.
أغاني الحرية والحياة التي غنتها الشهيدة مزكين أصبحت سيمفونية الملايين، وقد سطرت العديدات من النساء الكرديات ملاحم بطولية وأساطير النصر على خطا الفنانة مزكين، لتقول للجميع، إن كل هذه الملاحم البطولية كانت نتيجة الجهد والدم والروح التي ضحت بها الرفيقة مزكين والآلاف من خيرة شهدائنا.
رحلت هوزان مزكين عنا إلا أنها ما زالت حية تعيش في قلب كل كردي مؤمن بعراقة الفن الثوري الكردستاني وأصالته، رحلت عنا إلا أن صوتها ما زال في أذهاننا، وكيف سننسى الكلمات التي كانت تخرج من حنجرتها لتمدنا بالقوة والإرادة والحياة، رحلت لكنها تركت لنا باقة من أغانيها الجميلة، والتي كانت تغنيها بالكردية والتركية، فبفنها وببطولتها أصبحت منبع إلهام لمَنْ أعطوا قلبهم للحرية والحياة الكريمة، وعرفت كيف تدخل قلوب الملايين بمعرفة قوة التلاحم ما بين الجمال والأخلاق والفن بروح ثورية عالية لا مثيل لها.[1]