#شه مال عادل سليم#
عائشة كولوكه (1)
فجأة وقفت امام لوحة عظيمة لا حدود لها ... يتداخل فيها الواقع النابع من تداخل الجبال بالوديان والتلال التي امتزجت مع الوانها السحرية ..... في سماقولي (2)...
غرفة مبنية من الطين وكأنها لعشاق هربوا من جحيم العواصف الرملية في السهل ليستقروا في احضان الجبال ..شبابيكها فتحات مغلفة بالنايلون الابيض .. عندما يتمعن المرء فيها يتخيلها و كانها قطعة من سفينة النوح جرفها الطوفان مع صخور ارارات ليستقر بها في هذا الوادي الضيق بعد ان استقرت حيناً على جبل جودي ...
اما باب الغرفة فكان عبارة عن بطانية عسكرية سوداء ..اروع ما فيها الوانها المتاكلة وثقوبها الدائرية التي اخترقتها شظايا الصواريخ ...انها باب الحاضر لغرفة متواضعة في مواجهة المشاهد المرعبة وسط الصمت والتحدي لعشاق عشقوا الارض والسماء بقلوب مليئة بالوان قوس وقزح ....
في وسط الغرفة تتربع مدفئة مصنوعة من برميل نحاسي صغير يخرج انبوبها الطويل ويخترق سقف الغرفة ليخرج منها دخان حطب البلوط المشتعل كانها تاجاً مصنوعاً من الذهب الايطالي , مطعماً بافخر انواع الاحجار الكريمة ....امام المدفئة وضع قوري شاي قديم بلونه الاسود السحري مُعَداًّ للضيوف الذين يحلون على الغرفة بعد العشاء ليتلذذوا باقداح من الشاي الحارليمدهم بقليل من الدفء وهم يسردون قصصاً قريبةً من الخيال ببراءة طفولية عجيبة ليتركوا مشاعرهم واحلامهم الشائبة تتنقل من غرفة الى أخرى بهيئة اساطير ولوحات وقصص قريبة من الخيال ........
وهناك شق كبير في الجدار الامامي للغرفة جاعلاً ايّاه كالدرع الذي نجى من سيوف الاشرار لتتسلل منه خيوط الشمس الذهبية التواقة لاختراق الفضاءات السوداء . . مع اطلالة قرص الشمس الذهبي على الوادي، ومنه الى زوايا الغرفة المعتمة معلنا غروب عتمة الافق الطبيعي واشراقة يوم جديد .... ليستيقظ من في داخلها ....
كانت غرفة صغيرة بحجمها ولكن كبيرة باحزانها , باحلامها , بجمالها , بتواضعها ...انها كتلة بحجم الألم ..... !!
في احد المساءات وقفت امام عتبة الغرفة ..... كنت اتامل لحظة العناق بعد الفراق التي دام سنوات ......... فجاة خرجت عائشة كولوكه من غرفتها و بيدها الفانوس ..عانقتها و قبلت يدها ... رفعت راسها وتظرت الى السماء ...
وفيما كنت اتطلّع في عينيها الجميلتين المليئتين بالامل ..... التي كانت تذكرني بعيني والدتي ..... اخذت نفسا عميقا وقالت بصوت خفيض ...لابد ان اذهب الان فاني على موعد مع محمد وبشدار (3) ....لابد ان التحق بهم قبل ان يهطل المطر ......
فجاة اختفت امامي وذابت في احضان جبل بنه باوي (4)... تاركا ورائها الفانوس وضوئه السرمدي ليضيء كل زوايا الوادي المعتم المليئ بالذكريات .......
حملت الفانوس و اخذت اتنقل من وادي لوادي ...من جبل لجبل ... من قرية لقرية دون همٍّ او تعب ...عسى ان التقي بهم في خيمة .... او في احد الكهوف او عند احد الينابيع الصافية .....
لقدر مرّت سنوات وسنوات .... ومازلت ابحث عنهم ...
سنوات تعلمت منها لذة الاكتشاف والمواصلة رغم التعب اللذيذ ودون وجل او خوف ...
رغم الحزن والانكسار .....مازلت ابحث عنها حاملا بيدي فانوسها العتيق الذي كنا نعشقه كالفراشة حتى الاحتراق ...........
1 عائشة كولوكه , اي (عائشة الوردة) ... سميت بالوردة لحسنها وخفة روحها ...ام الشهداء محمد وبشدار الحلاق ...مناضلة لها الصدارة في موكب شهيدات الحركة النسائية والتي تشهد حتى حيطان زنزانات النظام البائد في اربيل على صمودها وبطولتها وجرأتها .... رابطية من الرعيل الاول من مواليد1931 كويسنجاق ... .... اعتقلت في عام 1988 في مدينة اربيل , تعرضت للتعذيب البشع ...ورفضت عرض الجلادين بتخفيض حكم الاعدام لقاء اعترافها .. اعدمت رميأ بالرصاص في نفس العام .. كانت قصة صمودها وصلابتها أمثولة في البطولة وضربا رائدا في الشجاعة والكرامة ...
2 وادي سماقولي ..مقابل جبل سفين , كان تحت سيطرة قوات البشمركة وقعت فيه معارك بطولية منها معركة بنة باوي الشهيرة .
3 - محمد الحلاق وبشدارالحلاق ...ابناء الشهيدة عائشة كولوكه .. استشهدوا من اجل الوطن والشعب ...
4 - جبل ذو قمة مكشوفة جرداء الا من بعض شجيرات صغيرة هنا وهناك يقع بين منطقة ديكه له وجبل ئاوه كرد , يطل على وادي سماقولي .[1]