$هل كلمة خودا (الله) من اصل هوري :$
كلمة “خُدا/خودا” في اللغات الإيرانيكية الحالية مؤلفة من جذر حرفين ساكنين (خ +د) بالإضافة لحرف صوتي متغير بحسب المنطقة الجغرافية و اللهجة/اللغة. هذه الكلمة تعني الرب/الإله في اللغات الإيرانيكية. و هي منتشرة، بذات المعنى، في المنطقة الممتدة ما بين شمالي الهند (لغة الأردية في شمالي الهند و باكستان) و لغاية شرقي أناضوليا حيث يتواجد ناطقون بإحدى اللغات الإيرانيكية (الكورد). و تعني أيضاً “المالك” (إنظر الجدول المرفق).
لم تصلنا من الفترة الميدية، المؤرخة على القرون 97 ق.م، أي نص لغاية الآن. و بالتالي لا يمكننا الحديث بل الإفتراض حول تواجد كلمة “خُدا/خودا” لدى الميديين. لكن إذ نظرنا للفترة التي جاءت بعد الميدية، الدولة الإخمينية التي ظهرت خلالها أقدم النصوص التي وصلتنا لغاية الآن، فالإله أهورامزدا يتم وصفه ب “با گا”، و تعني الإله/الرب (إنظر معجم الفارسية القديمة، 1908، و قواعد الفارسية القديمة ، 1915، ص. 136، الفارسية القديمة، قواعد و نصوص و معجم، 1950، ص. 18). بينما لا تظهر كلمة “خُدا/خودا” في الفترة الفارسية القديمة/الإخمينية على الإطلاق، و لا يوجد أثر لهذه الكلمة في المعاجم السابقة الذكر التي تتناول اللغة الفارسية القديمة. بيد أن غيابها عن الكتابات الإخمينية لا يعني إطلاقاً غيابها في المناطق الشمالية الغربية من الهضبة الإيرانية.
إعتباراً من الفترة البارثية (247 ق.م) و ثم الساسانية (224 م)، تظهر مفردات مثل “خواداوان” و “خواداي” و “خوداي” لتعني سيد نبيل/مالك/إقطاعي، و “خواداييفت” لتعني الحكم (معجم المانائية و البارثية 2004، ص. 337336) لكنها لم تشر للإله/الرب، حيث استمر خلال الفترة البارثية ظهورتعبير “با گا” بمعنى الإله/الرب. إلى جانب كلمة “با گا”، كانت تتواجد كلمتي “دايفا/ديو” و “ياد/يازاد” للإشارة للرب. و بالتالي نفهم بأن توظيف كلمة “خُدا/خودا” للإشارة للإله/الرب لم يحدث إلا خلال الفترة الفارسية الحديثة عُقب دخول الإسلام على الهضبة الإيرانية. قبل الفارسية الحديثة و قبل دخول الإسلام، كانت كلمة “خُدا/خودا” كانت تشير فقط للطبقة الإقطاعية في المجتمعات الإيرانيكية.
في الكتلة اللغوية الكوردية أيضاً، مثلما في اللغات الإيرانيكية، هذه الكلمة تعني الرب. كلمة “خوەدي” و التي في بعض اللهجات الكوردية تُقال “خودان”، تشيرإلى معنى المالك (للملك) و صاحب/سيد. و تأتي مركبة مع إسم مضاف، مثل “خودانبەخت” بمعنى أهلٌ للثقة، موثوق أو صاحب حظ/محظوظ، و مثل “خودانخێر” بمعنى صاحب خير، أي فاعل خير، و مثل “خوەديپەز” أي مالك خراف. و كلمة “خوەدیتي” تعني المُلكية.
لا يفوتنا هنا أن نذكر بأن أسماء الإله في بعض اللغات الأوربية هي أيضاً متحدرة من ذات الجذر الهندوأوربي.
_ الكلمة الخورية، “خود“:
يظهر في الكتابات الخورية تعبير “خود” إما منفرداً أو مضافاً لإسم. هذا التعبير لا يعني الرب و لا الإله في اللغة الخورية. في الحقيقة، كلمة “خود/خوتو” في الخورية تعني فعل المدح، التسبيح، التمجيد، التعظيم، الإثناء. لكن الأمر الذي يجذب الإنتباه هو أن هذا الفعل يظهر مع أسماء الألهة الخورية مثل “خوديب تيشوب” بمعنى يمجد تيشوب، كما و يظهر مع إسم ربة الولادة و آلهة المصير الخوريتين “خوديلورا” و “خودينا” (سبايزر 1940/41، لاروش 1980، ص. 110111، فورنيه 2020، ص. 97). يذكر اللغوي الفرنسي إيمانويل لاروش إسم علم مركب، “خوتي خامانا”، كما و يذكر إسم لشهر في السنة في مملكة آلالاخ، و بنفس الوقت هو إسم لعيد مخصص للربة خبات، “خوديزي”. و يذكر أيضاَ إسماً لشهر، “خودالشه”، في مدينة نوزي/يورگان تبه، و إسماً غير معروف المعنى بعد، “خوداني”، لكنه يرد مترافقاً مع كلمة “شيخورني”. كما و توجد كلمات أخرى مثل “خوتانا”، و “خودانكيب”، و “خوداشي”، و “خودخي”، و “خودميناني”، و خودوپشوش” و التي قد تعني “القدر” (لاروش 1980، ص. 110112، 224، فورنيه و آل، 2010، ص. 21). كل هذا يجعل من كلمة “خود” الخورية مخصصة للأرباب و اللاهوت، دون أن يعني الرب /الإله. فكلمة رب أو إله في الخورية هي “ايني” و هي كلمة ربما تكون على علاقة بكلمة “ان”، سماء” الموجودة في اللغة السومرية و “آنو” في الآكادية (إنظر فورنيه 2012).
هذا يعني بأنه في الفترة الميدية و الإخمينية و الساسانية، تغيب كلمة “خودا” عن الهضبة الإيرانية، على الأقل في النصوص. ربما تواجد فقط في الشمال لدى الكورد المحليين الذين تمت آرينتهم لغوياً. أعتقد بأنه خلال الفترة الإسلامية، و عقب تبني الإيرانيين للإسلام، قام الفرس المسلمين بتبني الإسلام ، فوظفوا اللفظ الخوري و الكوردي لإسم الرب، “خودا”. لا ننسى بأن الفتح الإسلامي لكوردستان سبق فتح فارس. فالكورد هم الذين اطلقوا إسم “خودا” على الله في الدين الإسلامي. و السبب في ذلك هو أن كلمة “خودا” تعني في الكوردية الملكية و المالك/السيد، و هو إحدى صفات و إحدى أسماء لله في الدين الإسلام (الملك، مالك الملك، مالك يوم الدين) و هو المعنى الأقرب لكلمة “خودا” و “خودان” لدى الكورد قبل أن يوظفوها لله. كما أن بعض أسماء الله الحسنى تدور في فلك معنى “خودا/خودان”، مثل الوهاب، الرزاق، الغني، المغني، الوارث و الولي. كما أن المعنى الخوري لكلمة “خود” تجد لها مرادفات في أسماء الله الحسنى، مثل المهيمن، الجبار، القهار، العظيم، الجليل، المجيد، الباعث، القوي، المتين، الحميد، إلخ.
بذلك إنتشرت كلمة خودا من كوردستان/بلاد الكورد إلى مناطق سيطرة الفرس عقب الفتح الإسلامي لها. و بالتالي، نعود لنقطة البداية: اسم “خودا” مصدره للمرة الثانية هو رافدي شمالي، خوري في البداية، ثم كوردي.
الجدير بالذكر بأنه تعبير أو كلمة “خاودا” تظهر في بين الإسماء لدى القوم السكيتي المعاصر للميديين و للفرس و الذي انتشر في القوقاز و وصل لشمالي غربي إيران و لشرق أناضوليا و ثم انتشر باتجاه أوربا. حيث يظهر على صخرة بيهستون إسم لشخص سيكتي يدعى “تيگرخاود” و تعني صاحب القلنسوة/القبعة المدببة، و يظهر تعبير “خودا” لدى قوم الأوستي في القوقاز و تعني قبعة/قلنسوة و لدى الأرمن في أرمينيا نجد كلمة “خود” تعني قلنسوة (إنظر معجم الفارسية القديمة، 1908، ص. 93، و قواعد الفارسية القديمة 1915، ص. 54، 135، و الفارسية القديمة، قواعد و نصوص و معجم، كانت، 1950، ص. 180).
نعلم أيضاً و بشكل مؤكد أن الخوريين قد لعبوا دوراً كبيراً في إدخال عناصر من ديانتهم و طقوسهم إلى الدولة الحثية و إلى غربي سوريا (أوغاريت الواقعة تحت الحكم الخور الميتاني) على الساحل السوري. فليس غريباً أن تكون كلمة “خودا”، ذات المعنى اللاهوتي الخوري، قد إنتشرت منطلقة من شمالي بلاد الرافدين الخورية. فغياب هذه الكلمة في النصوص الإخمينية الفارسية القديمة و كذلك غيابها في السنسكريتية، يدعم فكرة أن تكون كلمة “خُدا/خودا”هي ذات أصول خورية و ليس هندوآرية و ليست إيرانيكية الأصل، و قد إستعارها البارثييون و الساسانيون من الكورد، و وظفها الفرس تبعاً لتوظيف الكورد للكلمة عقب الإسلام. لا ننسى هنا أمرين: الأول هو أن الخوريون كانوا متواجدين أيضاَ في زاغروس الأوسط و الأعلى في شمالي غربي الهضبة الإيرانية (إنظر جيلب 1944، أحمد 2011)، و الأمر الثاني هو أن الديانة الزرداشتية كانت قد نشأت في الشمال (الميدي) و ليس في الجنوب (الفارسي). نقطة مهمة أخيرة، حيث نعلم، و بحسب النصوص، بأنه و خلال وصول موجات الهجرات الآرية للهضبة، كانت القبائل الفارسية الإخمينية (مع القبائل الميدية) قد وصلت أولاً إلى الشمالي الغربي من الهضبة الإيرانية قبل أن تتوجه جنوباً باتجاه العاصمة العيلامية و الإستيطان في محافظة فارس (إنظر يونگ، 1967). فكيف كان الفرس الإخمينيون في الشمال الغربي و كيف لم يجلبوا معهم كلمة “خدا”؟ بينما تظهر بعد إنتهاء حكم الإخمينيين؟ و لا نستطيع أن نقول بأن الميديين في الشمال كانوا يعرفون هذه الكلمة و يوظفونها، لأننا نعلم بأن الديانة الزرداشتية قد لعبت دوراً مهماً في حياة الفرس الإخمينيين في الجنوب. إن ذكر كلمة “خودا” في الآفستا قد يكون متأخراً جداً، أي قد يكون قد تم إدخال هذه الكلمة للنصوص الآفستائية خلال العهد الساساني و بشكل متأخر، و إلا لكانت ظهرت هذه الكلمة لدى الفرس الإخمينيين.
ملاحظة أخيرة: يمكننا التقريب بين كلمات “باگا” و بين كلمات “بيك/باي/بيه” و “آتابك”، و بين كلمة “خودا” و بين كلمة “خواجه/خوجه
المصدر :
مقطع من دراسة ل د. محي الدين عثمان في مدارات كرد بعنوان : مقارنة بين اللغتين الكوردية و الخورية[1]