الأسرة البرمكية، تاريخها، شخصياتها، أسباب نكبتها
(عن مقالة للدكتور أحمد الخليل بتصرف).
=KTML_Bold=▪︎من هم البرامكة؟=KTML_End=
البرامكة أسرة شهيرة كان لها الدور الأبرز و الأكبر في تعزيز دعائم الخلافة العباسية ولها مساهمات كبيرة في التقدم الحضاري وتأسيس العصر الذهبي للعباسيين.
▪︎تقول كتب التاريخ بأن البرامكة أسرة فارسية و تنتسب إلى جدها المعروف بإسم بَرْمَك علمًا أن كلمة برمك ليس إسمًا من أسماء العلم بل لقب ديني وراثي لمن يكون سادن المعبد عند الكورد و الفرس القدماء.
و كان برمك و لا يُعرف إسمه الحقيقي سادن معبد النوبهار: أي الربيع الجديد باللغة الكوردية في بلخ بخرسان شمال أفغانستان اليوم و كلمة برمك معربة و هي في أصلها الكوردي مركبة من كلمتين: (بَرْ: Ber) بمعنى: حارس، قيّم،سادن
و كلمة (ماك: Mak): و تعني: البيت المقدس، البيت الأول، البيت الأصل و تفيد كلمة ماك في اللغة الكوردية أنها الأصل الذي تتشعب منه الفروع. و في اللغة الكوردية عدد كبير من الأسماء التي تتكون من كلمتين مثل: Serbilind و تعني الرأس الشامخ و كلمة Berdev بمعنى اللثام. أما الأصل الكوردي للبرامكة فقد أكده بما لا يدع مجالًا للشك مؤرخ قديم و شهير هو إبن خلكان صاحب كتاب وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان فقد ذكر أنه ينتسب إليهم و أنهم من قبيلة زرزاري الكوردية.
هنا سيتبادر إلى الأذهان سؤال منطقي ألا و هو:
كيف تكون هذه الأسرة كوردية و في الوقت نفسه من مدينة بلخ الواقعة في شمال أفغانستان الحالية؟؟.
خلاصة القول أن سدانة بيوت العبادة في الديانة الميثرائية الكوردية، قبل الزرادشتية، كانت موكلة إلى بعض الأسر النخبوية الميدية العريقة و بعد ظهور الزرادشتية و تحول الميديين إليها، أصبحت تلك الأسر الميدية تتولى أمور سدانة بيوت العبادة الزرادشتية و كانت بلخ قبل الإسلام تابعة للإمبراطورية الميدية و بما أن بيت النوبهار كان من أقدس بيوت العبادة الزرادشتية قبل الإسلام فمن الطبيعي أن يكون القيّمين عليها من الميديين- أسلاف الكورد- و لم تتغير الحال عندما إنتقلت الدولة من أيدي الميديين إلى أيدي الفرس سواء أكانوا أخمينيين أم أرشاكيين أم ساسانيين.
▪︎من أشهر شخصيات الأسرة البرمكية في العصر العباسي:
خالد بن برمك و يحيى بن خالد و الفضل بن يحيى و جعفر بن يحيى.
▪︎المؤسس الأول للأسرة البرمكية هو خالد بن برمك. ولد عام 90 للهجرة و كان أول من اعتنق الإسلام من البرامكة و قد إنضم إلى صفوف الموالي الذين ناهضوا الأمويين و ناصروا الدعوة العباسية بل أصبح بعد فترة من أكبر الدعاة و أنشطهم الذين اعتمد عليهم القائد الكوردي أبو مسلم الخراساني في دعوته للعباسيين.
و عندما تسلم العباسيون الخلافة تألق نجم خالد بن برمك فاستوزره جعله وزيرًا الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح بعد اغتيال الوزير أبي سلمة الخلال ثم أقره الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور على وزارته و ظل في منصبه ذاك لسنة و نيّف.
تمتع خالد بصفات عالية جعلته أهلًا للسيادة و الريادة فكان كريمًا، حكيمًا، فاضلًا، نبيلًا، جليلًا، سخيًا لا يبخل على أحد من قصاده و هو أول من أطلق على طالبي العون إسم الزوار و كان أبو عبيد الله الوزير يقول: ما رأيت أجمع من خالد.
له جمال و فصاحة أهل الشام و شجاعة أهل خرسان، و أدب أهل العراق و كتابة أهل السواد (جنوب العراق) و حين نشبت القلاقل في بلاد فارس و إقليم الجبال، ندب الخليفة أبو جعفر المنصور خالدًا لإخمادها فأفلح في ذلك ثم ولاه الموصل فأذربيجان و كانت وفاته سنة 163 أو 165 للهجرة.
▪︎ولد يحيى بن خالد سنة 120 للهجرة فعايش أهم أحداث الثورة العباسية و شارك والده في العمل بإخلاص و كان مثل أبيه عزمًا و حزمًا و تدبيرًا فولاه أبو جعفر المنصور ولاية أذربيجان سنة 158هجرية و كان العباسيون لا يولّون ثغور بلادهم إلا لمن يحوز على ثقتهم و كان يحيى عند ثقة الخليفة فقام بالأمر على أكمل وجه و استمر في أذربيجان حتى وفاة المنصور و نظرًا لإخلاصه اختاره المهدي، الخليفة العباسي الثالث ليكون مؤدِب ولده هارون الرشيد و كاتبه و وزيره وكان هارون الرشيد يجله فلا يناديه إلا بقوله: يا أبتِ و كانت العلاقات بين الأسرتين العباسية و البرمكية في أوجها.
قال عبد الصمد بن علي:
ما رأيت أكرم من يحيى نفسًا و لا أحلم منه. جعل على نفسه ألا يكافئ أحد بسوء فوفّى..
▪︎نكبة البرامكة:
-------------------------
تختلف الروايات عن أسباب نكبة البرامكة و أقربها إلى الواقع هي أسباب شخصية تتمثل في هارون الرشيد نفسه، فالمؤرخون يذكرون أنه صار خليفة بفضل البرامكة و هذا ما أقرّ به الرشيد نفسه و كافأهم على ذلك بأن ترك أمور الدولة بين أيديهم و منحهم سلطات واسعة جدًا للتصرف في شؤون الحكم و نتيجة لذلك و بمرور الأعوام وجد نفسه على هامش الحياة السياسية و الإجتماعية. فالبرامكة هم الوجوه و أهل العقد و الحل و ما كان لخليفة مثله أن يقبل باستمرار ذاك الوضع و لعل الرشيد بات يخاف على نفسه من نفوذ البرامكة و هذا ما سبق للسفاح أن فعله بأبي سلمة الخلال و ما فعله أبو جعفر المنصور بكل من عمه عبدالله بن علي و بقائده أبو مسلم الخرساني.
و في الوقت نفسه كان ثمة تياران مناهضان للبرامكة أولهما عربي و من رجاله الأصمعي و قد رأى هؤلاء أن البرامكة استأثروا بالسلطة و زحزحوا العنصر العربي إلى المرتبة الثانية، و التيار الثاني فارسي يمثله الفضل بن الربيع أحد وزراء العباسيين و المنافس الأول للبرامكة من الفرس. و قد سعى التياران بكل ما أوتيا من دهاء للنيل من نفوذ البرامكة و تغيير رأي الرشيد فيهم و ساعدهم في ذلك خروج جعفر على آراء والده يحيى السديدة فانتهى الأمر به إلى القتل و مات كل من والده يحيى و أخيه الفضل في السجن.
============================
=KTML_Bold=المراجع:=KTML_End=
1- الإتليدي (محمد بن دياب): نوادر الخلفاء، تحقيق أيمن عبدالجبار البحيري، دار الآفاق العربية، القاهرة، الطبعة الأولى 1988م.
2- الجاجرجي (المؤيد بن محمد): نكت الوزراء، تحقيق عبدالمنعم داوود، شركة المطبوعات للتوزيع و النشر، بيروت، 2000م.
3- الجهشياري (محمد بن عبدوس) : كتاب الوزراء و الكتّاب، حققه و وضع فهارسه مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبدالحفيظ شلبي، شركة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1980 م.
4- حسن ذكرى حسن: البرامكة و أثرهم في الأدب في العصر العباسي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1980 م.
5- إبن خلكان: وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان، تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1968 م.
6- خيرالدين الزركلي: الأعلام، دار صادر، بيروت، الطبعة الرابعة، 1977م.
7- هولو جودت فرح: البرامكة، سلبياتهم و إيجابياتهم، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1990م.
8- ياقوت الحموي: معجم البلدان، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م.[1]