كاظم عبود
كانت محلةالشاكرية جزء من كرادة مريم وتقع اراضيها اليوم ضمن المنطقه الخضراء,كانت تمتد من دور المعلمين شرقا الى سكة قطار بغداد - بصره غربا ومن دور السكك والصالحيه شمالا الى قاعة الخلد وحتى ام العظام جنوبا. وسميت انذاك :موسكو الصغرى,واطلق هذا اللقب وقتها على محلات عديده في بغداد والمحافظات الاخرى,رغم ان الشيوعيين لم يحكموا ولم يظفروا بالسلطه عن طريق التآمر كما كان يجري.ولا يفوتني ان اذكر ان المنطقه قد توسعت وعبرت سكة الحديد باتجاه مقبرة الانكليز ومعسكر الوشاش وسميت التوسعات المتجهه الى الجنوب (الجديده),اما نفوسها فلا يمكنني ان اعتمد على احصائيه معينه غير القول بان سجلات الكرخ الثانيه كلها كانت للشاكريه.
وانت تدخل الى شارعها الرئيسي الذي يسمى الكياره (سمي احد اهم شوارع الثوره بهذا الاسم) تجد امامك موقف سيارات الاجره (النفرات )الخشبيه والحديثه والتي تنقل الركاب الى الصالحيه بجانب الاذاعه والى الشواكه وباب المعظم والكاظميه والباب الشرقي ,وقسم من سكانها كان يستقل الحافله رقم 15,وعند دخولك شارعها منذ البدايه تحتضنك ضحكات الرجال والنساء القادمه من البسطيات والمقاهي التي يصدح فيها صوت سلمان المنكوب وغيره من مطربي الريف,يمتد الشارع حتى يصطدم بالبوريات وهي الانابيب الناقله للنفط,وهذه لها متعه خاصه للاطفال والشباب الصغار في ايام الربيع والصيف ,حيث تكون اماكن للتجمع والجلوس وكانها ديوان في الهواء الطلق.
في هذا الشارع شاهدت بعيني سيارة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ترفع على الاكتاف ,وكنت شاهد على موقف الاهالي من البكر احمد حسن الذي ينم عن السخريه وعدم الاحترام حينما كان يلقي خطابه من مقهى جبار مريدي(هذا الرجل البسيط الذي اصبح اسمه مشهورا وكأنه نجم ارتفع في السماء) حيث عفط احدهم وهدمت احدى الكبرات لتغطي على هذه الفعله الشجاعه كون البعث عصابه ليس لها ضمير او واعز من ضمير او خلق يمكن ان يعرفوا به.
ان هذه المنطقه ورغم اوضاعها الحياتيه الصعبه وبناء بيوتها الطينيه واهلها وساكنيها من الذين هربوا من ظلم الاقطاع في العماره والكوت وبعض من اهالي الفرات الاوسط ورغم حزنها وشظف العيش والعشائريه التي نسجت علاقاتها!!!الا انها كانت واحه من واحات الامان والسلم الاجتماعي والادب والثقافه والفن والرياضه.
وردت الشاكرية في قصائد البارزين من الشعراء .. كعواد ناصر وحميد قاسم وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل وفالح حسون وكريم العراقي وكثير غيرهم وتذكرتها اقلام شريفه كثيره كشاكر المياح وحسن الخفاجي واخرين.
لقد انتشرت فيها الافكار الماركسيه بشكل ملفت للنظر على ان الحق كل الحق مع اختيار اهلها فماذا كانوا سيخسرون؟ انهم سدى ولحمة من ينشد التغيير ويعمل من اجل مصالحهم ولاجل حرية الوطن وسعادة الشعب,فكان لهم رمضان شهر الصيام المصادف (شباط 1963) وبالتحديد يوم الجمعه 14 منه والمصادف في يوم الثامن من شباط ,كان لهم بالمرصاد..يوم اسود في تاريخ الشاكریة وبغداد وكل العراق,لقد افطر كل العراقيين دون ان يرجعوا للمراجع وقاتلوا البعث بايديهم واسنانهم وقاوموا المؤامرة منذ ان اذيعت واعلن عنها.
خرج الجميع ولم يمنعهم عدد وعدة المتآمرين لانهم معروفون بالجبن والخسه,لقد احتلوا اذاعة بغداد في الصالحيه القريبه ورأيت بعيني المذيع عبد الكريم الجبوري وهو يقسم ان ليس هناك احد داخل الاذاعه من المتآمرين وكان قد صدق في القول...,وهنا عادت بي الذاكره رغم صغر سني الى يوم 14 تموز المجيد عندما خرجت هذه الجماهير للمساهمه في الثوره ودعمها واطاحت بتمثال مود رمز الاستعمار الغاشم وهجمت على السفاره البريطانيه في الشواكه وكان يحرسها الاخ الاكبر لصدام حسين..!!!!فيا لها من صدفه,اقلب الامر واحاول ان اجد ارقاما للمعادله وحسب عقل عمري تساءلت ؟ ماذا يريدون ؟ الانتقام لاجل مود والسفاره البريطانيه ؟ ام لان الثوره حررت الارض والانسان ؟ نعم لم يكن يروق للكثيرين,فأتحدوا ضد الثوره وضد انجازاتها خلال عمرها القصير .
اتحد البعث والاسلام السياسي المتضرر من القوانين والتشريعات وفلول الاقطاع والحثالات والشقاوات وعملاء رسميون موثقون ومنهم من صفي على ايدي جماعته كون رائحته اصبحت تزكم الانوف وحتى لا يصل لهم كشف المستور.
لقد رأيت دبابات عبد الكريم مصطفى نصرت (اعدم هذا من قبل رفاقه بقضيه مخجله) وهم يضعون عليها صور الزعيم الحبيب .,يا لهم من جبناء ومتآمرين ويا لها من فكره خليط من الذرائعيه والميكافيليه والتي برع بها البعث منذ تأسيسه في سوريا ودخول قادته في المحافل الماسونيه والتي نقلت حرفيا الى العراق ليقود البكر محفل العراق الماسوني .
لقد كتب الكثير عن اساليب حزب المؤامره (حسب تسمية عفلق لحزبه القذر) الذي يكره تطلعات الشعب العراقي نحو الانعتاق والذي لا يراعي اية حرمه.
كنت ابن الرابعه عشره من العمر عندما عبرنا الانابيب الى الطرف الاخر تحت وابل من رصاص الدبابات ثم عدنا الى بيوتنا في فجر اليوم التالي بعملية انتقال لم تكن سهله,وفي الظهيره انتشر الجيش في كل الدرابين وما ان اطل من الباب لارى ماذا يجري يوجه الجندي رشاشته علي مع فاصل من السباب ويصرخ بي (اتريد تأكلني غمض عينك وادخل انت هم شيوعي اصغير؟) نعم ابن الشاكرية الشيوعيه التي اذاقتهم ايام عذاب لا يطاق..,ظهر لهم عبدالساده الاشرم وقاوم ببساله وشراسة المناضل وتشكلت لجنه للقيام باعمال مضاده .,مسك اعضائها وجرت محاكمتهم,ولم تدم لهم حتى تشرين لينقض المتآمرعلى اصدقائه المتآمرين ثم ليفظحهم بكتابه عنهم واسماه(المنحرفون).
انفض عبد السلام عنهم حسب وصية ناصر الذي اختلف معهم لان الوحده في شعارته تأتي بعد الحريه والبعث يزايد عليه ويقول بالوحده قبل الحريه وها نحن بعد 46 عاما لا حريه ولا وحده ناهيك عن اشتراكيتهم العفلقيه.
اين ناصر واين البعث واين الشعارات الرنانه الطنانه التي تتستر على الشوفينيه والحقد.وظلت الشاكرية تعطي للوطن افواج من الشهاء والابطال.,,,في تموز اسرع حسن سريع الذي سكن الشاكریة بعد قدومه من الفرات,اسرع بثوره كان نجاحها مؤكداً لولا بعض الاخطاء الفنيه,وليثبت مرة اخرى ان الشيوعيه باقيه ومتجذره في العراق رغم كل انواع البطش والمطارده والتهميش ,نعم قاومناهم ونحن اطفال وتشاء الايام ان يأتي البعث مرة اخرى وبمؤامرة اخرى ,وهذه المره لم يرفع صور الزعيم بل ابدل ملابسه وحلف اغلظ الايمان بانه لن يعود كسابق عهده ويرفع شعارات الوطنيه والاخوه على دبابات ثورته البيضاء.من عروس الثورات الى الثوره البيضاء والمصادفه المرة ان يكون عمر ولدي البكر كعمري يوم المقاومه عندما قتلوه لخوف القائد الضروره من عيون الاطفال,قتلوه لان والده لا يزال يقاومهم في كردستان وقتل ثلاثة من اعمامه..,لقد فلت منها وانا ابن الرابعه عشر ولم يفلت ولدي منها وهو ابن الرابعة عشر,فهل تذكرون الشاكریة وشهدائها الابطال,شهداء العراق,لا ابدا يظهر انكم نسيتم..ويا للعجب!!!!
تسامحون من لا يعرف معنى السماح ابدا تسامحون المتآمر وحزب المؤامره الذي يحث الخطى اليوم ووفق مؤامرة من نوع جديد,متنوعه مرة اسلاميه واخرى قوميه عربيه ويلعب على حبال الطائفيه والمحاصصه.لم يستفد الاسلام السياسي من تعاونه مع البعث ضد الشهيد عبد الكريم قاسم وثورة الشعب ولم يستفد بعض القوميين من التجربه السابقه ويعاد الموقف على شكل مهزله,ومن نفس مواقف البعث السابقه منذ اعوام 1959و1963و1968نجد اليوم اسماء الكثيرمن المجرمين المتواجدين داخل السلطه والعمليه السياسيه وحسب الوثائق المتوفره لدى الحكومه واعضاء في مجلس النواب.
رحلوا الشاكرية دون ان تبنى لاهلها بيوت كما هو مخطط ايام الشهيد عبد الكريم قاسم الذي بدأ بتوزيع ما انجز منها,قتلوا الشاكرية لتولد منها ومن غيرها مدينة الثوره,ولخوفهم منها اسموها مدينة الرافدين ثم مدينة صدام لخوفهم من الثورة واسم عبد الكريم الذي يذكرهم بماضيهم التعيس .
ان الشاكريةوالميزره والعاصمه وخان حجي محسن والوزيريه وغيرها شكلت مدينة الزعيم المحبوب عبد الكريم قاسم ,مدينة الثوره .سوف تعود افكار اهل بيوت الطين الى التجديد :افكار العيش بالسلام والامن الاجتماعي سويه لكل اهل العراق تحت خيمة الوطن,وطن تكون الحياة فيه والغلبه لمن يقدم ولا يبخل ولا مكان فيه للقتل والنهب والسرقات والعصابات والكذب والتزوير .
الى المجد والخلود يا شهداء الوطن جميعا ومنهم شهداء الشاكریة والى مزبلة التاريخ لعصابات البعث وفكر التآمر والقتل .[1]