تقديم وقراءة #شوكت خزندار#
الحلقة الثالثة
قرار عصبة الأمم
(( جرت مناقشة القضية أمام عصبة الأمم في 3 أيلول 1925 ، فأوصت بعرض الموضوع على محكمة العدل الدولية في لاهاي لتحديد المركز القانوني للمسألة وبموجب رأي معد مسبقاً ، أصدرت العصبة في 16 كانون الأول 1925 القرار الآتي :
1 أن تكون الحدود بين العراق وتركيا ، كما جاء في قرار 29 تشرين الأول وجاء في الفقرة 3 من القرار :
2 تدعي الحكومة البريطانية بصفتها الدولة المنتدبة إلى ان تعرض التدابير التي ستتخذ من أجل أن تؤمن للأكراد من أهالي العراق التعهدات المتعلقة بالإدارة المحلية التي أوصت بها لجنة التحقيق في استنتاجاتها الأخيرة .
وبموجب هذا القرار الحقت كردستان الجنوبية ( ولاية الموصل ) بالعراق ، وعقدت اتفاقية ثلاثية بين العراق وتركيا وبريطانيا ، وافقت فيها تركيا على الخط الفاصل بينها وبين العراق ، الذي سمي ب خط بروكسل لقاء حصولها على حصة مقدارها 10% من نفط الولاية لمدة 25 سنة ثم استبدلت هذه الحصة بمبلغ مقطوع لقاء تنازلها عن ذلك .
وكانت بريطانيا تعارض إجراء استفتاء في المنطقة ، بحجة أن المسألة تتعلق بخط الحدود بين دولتين وليس بتقرير مصير المنطقة ، وكل الدلائل تدل على إن بريطانيا هي ذات المصلحة المباشرة في كردستان الجنوبية ، وبتأييد من عصبة الأمم التي كانت عصبة من الدول الاستعمارية وقد اعدت سيناريو اسدال الستار على المسألة الكردية مسبقاً لالحاق كردستان بالعراق الذي انشأت حكومته تحت تاج الملك فيصل وتحت اشراف وهيمنة بريطانيا . هكذا سطرت بريطانيا تأريخ هذه المنطقة باقامة دولة من جزء من الأمة العربية المجزأة وجزء من الأمة الكردية المجزأة ولنرى كيف سطر الشعب الكردي تأريخه هو ؟
كيف قابل الشعب الكردي هذه المظالم ؟
نتيجة للمظالم اللا إنسانية التي تعرض لها الشعب الكردي ، انتفض أهالي العمادية بقيادة الشيخ عبدالسلام البارزاني ضد السيطرة العثمانية فقمعتها القوات العثمانية بالحديد والنار وأعدمت قائد الانتفاضة الشيخ عبدالسلام البارزاني .
وكان الشيخ محمود الحفيد المسيطر الفعلي الوحيد في منطقة السليمانية وكان ينوي استغلال الظروف الجديدة بعد الحرب العالمية الأولى في سبيل ضمان حقوق شعبه فاقام صلات مع الجماعات الكردية الأخرى التي تعمل لنفس الغاية وخاصة مع شريف باشا ( 2 ) ، جنرال شريف باشا هو أبن سعيد باشا أبن حسين باشا خه ندان ولد في السليمانية عام 1865 وصل إلى رتبة جنرال في الجيش العثماني ثم عين سفيراً في ستوكهولم ثم انتمى إلى جمعية تعالي وترقي كردستان عام 1908 ومثل الأكراد في مؤتمر الصلح بعد الحرب العالمية الأولى . وتوفي عام 1944
وتلبية لطلب الشيخ محمود ، أثار شريف باشا قضية كردستان الجنوبية عند التقاءه بالسير برسي كوكس في مرسيليا . فأرسلت بريطانيا الضابط السياسي الكابتن نوئيل الذي كان قد عمل بين عشائر البختياري الكردية في إيران للقيام بهمة الذهاب إلى كردستان الجنوبية وكلفته بترتيب الأوضاع هناك لتحظى الجيوش البريطانية خط مودرس كما أسلفنا سابقاً . وتجاهلت الحركات السياسية والجمعيات التي نظمتها الطبقة المثقفة ، فتعاملت مع رؤساء العشائر بتعينهم لادارة المناطق تحت اشراف الضباط البريطانيين وعينت الشيخ محمود حكمداراً لمنطقة السليمانية .
تصف المس بيل في كتابها ( فصول من تاريخ العراق الحديث ) هذا النظام الاداري كالآتي :
الجهاز الجديد جهازاً اقطاعياً من الوجهة العملية . وجعل كل رئيس مسؤلاً عن حكم قبيلة فتم الاعتراف برئيس القبيلة واعتبر على هذه الشاكلة موظفاً من موظفي الحكومة عين تعيناً صحيحاً ، وكان الضباط البريطانيون يسيطرون على الجميع .
وطبقاً لهذا النظام وقع الحاكم الملكي العام وثيقة يذكر فيها ان أية قبيلة كردية من القبائل التي تقيم في البلاد الممتدة من الزاب الكبير إلى ديالى ( سيروان المؤلف ) ( عدا القبائل الكردية في إيران ) تقبل بملىء حريتها بزعامة الشيخ محمود سيسمح لها بذلك وان الشيخ المذكور يحضى بتأييدنا المعنوي في حكم المناطق المذكورة نيابة عن الحكومة البريطانية وهو يتعهد بأطاعة أومراها . ولكن هل أطاع الشيخ محمود الأوامر البريطانية؟
الشيخ محمود يرفض أن يكون أداة بيد الأنكليز
كان الشيخ محمود يهدف إلى توحيد كردستان الجنوبية بما فيها كركوك ، إلا ان الإنكليز لا يوافقون على ذلك . ويقول ميجر سون الذي أصبح الحاكم السياسي في السليمانية في تقرير له :
عندما أعطى لكردستان الجنوبية حكم ذاتي يخضع للاشراف البريطاني ويحضى بمساعدة الموظفين البريطانيين في تنظيم شؤون الأدارة ، سرعان ما أدرك الشيخ محمود ، وهو أقوى شخصية في البلاد انه من الممكن أن تنشأ دولة كردية بمساعدتنا وتكون متحررة من التزام الادارة التي تسير من بغداد مباشرة ، وتكون واسطة لتوسيع دائرة نفوذه الشخصي وسطوته حتى يصبح دكتاتوراً في جميع البلاد الممتدة من خانقين إلى شمدنيان ومن جبل حمرين إلى داخل حدود إيران .
ويقترح ميجر سون : ان تتخذ الأجراءات اللازمة للحيلولة دون انتشار نفوذه في مناطق ليس من الضروري ان ينتشر فيها .
وتقول مس بيل :
لكن الشيخ محمود لم يكن مستعداً لأن يتقبل بتحديد سلطته كما كان شأنه مع الاتراك من قبل . وتعتقد مس بيل : ضرورة إرجاع الجني الذي أطلق سراحه في السليمانية الى القارورة وحبسه فيها من جديد ولأجل هذا عين ميجر سون حاكماً سياسياً في السليمانية .
اذن ، ان بريطانيا تريد خلق دوقيات لادارة كردستان تحت اشرافها وان يكون الشيخ محمود مجرد راجا كردي في منطقة السليمانية بينما يعمل الشيخ محمود لتوحيد كامل كردستان الجنوبية تحت زعامته .
وقد تجاهل ميجر سون سلطة الشيخ محمود تماماً وأول عمل قام به هو فصل قضاء حلبجة عنه ووضع عشيرة جاف في أمرة معاون الحاكم السياسي هناك . وتمتد منطقة تنقل هذه العشيرة من ( قزل راط = السعدية ) إلى منطقة مريوان في إيران .
ويقول وكيل الحاكم الملكي العام في بغداد السير ارنولد ويلسن : ( 3 ) (أصرت قبيلة جاف على ان يتم التعامل معها مباشرة وحذت قبائل أخرى حذوها . ولتطمين رغباتهم أوفد ضابط بريطاني إلى حلبجة لادارة المنطقة . )
ويقول ويلسن : كان ملازموه الرئيسيون ( ويقصد الشيخ المؤلف ) في هذا الوقت افراداً مختلفين الى اسرته البرزنجة في سروجك وفي كربجنة وقبيلة هموند وفرقة ميكائيلي من عشيرة الجاف ... .
هامش : ( 3 ) : ( رنولد ويلسون الثورة العراقية تعريب جعفر الخياط 1971 ) .
ويقول د . فؤاد حه مه خورشيد في الهامش من الصفحة 77 للكتاب ( العشائر الكردية ) :
كان بكرزاده الجاف في عام 1919 يقسّمون من حيث الموقف السياسي الى فريقين الأول بقيادة عادلة خانم ( زوجة عثمان باشا الثانية ) وأسرة محمود باشا وكان هذا الفرع معادياً للشيخ محمود وأهدافه القومية ، وسنداً متيناً لقوات الاحتلال البريطاني في منطقتي السليمانية وظة رميان . وأمدوها بالرجال حيثما طلبت منهم ذلك وزودوا مخابراتها بكافة المعلومات المتعلقة بالقوات العشائرية المؤيدة للشيخ محمود ورصدوا لها تحركاتها .
ويقول : وفي عام 1919 منحتها سلطات الاحتلال البريطاني وسام ( خان بهادور ) وهي في عمر الستين ، تكريماً لخدماتها التي قدمتها لقوات الاحتلال البريطاني ولمعاداتها لثورة الشيخ محمود ...
وتصرفت بريطانيا في كركوك وفي قضاء كفري ما تصرفت في حلبجة مستغلة العداء العشائري القديم بين أسرتي الطالبانية وبرزنجة ، فعينت عدداً من الطالبانيين قائمقامين ومدراء نواحي في كفري وكل وقره حسن للتصدي للشيخ محمود .
انتفاضة الأكراد بقيادة الشيخ محمود
كان الشيخ محمود يرفض أن يكون ( حكمداراً ) شبيهاً بالحكمدارية البريطانية في الهند والذي يطالب بتكوين دولة كردية فاتصل سراً بزعيم قبائل دزلي ( هورامان ) ليعد انقلاباً ضد الضباط البريطانيين في السليمانية فنفذ محمود خان دزلي والقى القبض على الضباط البريطانيين الذين كانوا مستشارين للشيخ محمود وذلك في 20 مايس 1919 .
ويقول ويلسن :
أصبح الشيخ محمود سيد الموقف ... ونادى بنفسه حاكماً عاماً على كردستان جميعها ، فرفع علماً خاصاً له وأصدر طوابع بريدية خاصة به ، ثم عين رجال حاشيته هو للسيطرة على كل منطقة من المانطق (4) ارنولد ويلسن المصدر السابق .
قامت بريطانيا بحملة عسكرية لاستعادة سيطرتها في السليمانية والمناطق المجاورة . ويقول ويلسن :
ان الأشراف المباشر في منطقة السليمانية كان ضرورياً لحماية مصالح بريطانيا في كفري وكركوك ولهذا بادرت بتهيئة حملة عسكرية ضد الشيخ محمود جرت أولى معركة بين الأكراد والانكليز في منطقة طاسلوجة تمكن الأكراد فيها تمزيق الفوج البريطاني والاستيلاء على أسلحته وأعتدته بينها مدرعات وتمكن الأكراد من تحرير جمجمال ,اسر معاون الحاكم السياسي البريطاني ، ثم زحفوا على رانية وكويسنجق .
حشدت بريطانيا حوالي فرقة كاملة من بغداد وكركوك فتمكنت في معركة بازيان من التغلب على القوات الكردية وأسر الشيخ محمود وهو جريح .
وتمت محاكمة الشيخ محمود أمام محكمة بريطانية في بغداد لتحكم عليه بالإعدام ثم ابدال الحكم بالحكم المؤبد ونفيه إلى الهند . (4) ارنولد ويلسن المصدر السابق .
وبدأ الأكراد بالتحرك السياسي وتأسيس جمعيات سياسية سرية . وكانت بريطانيا تخشى من انتشار الأفكار الثورية في كردستان بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا. وقد كتب ميجر سون إلى وكيل الحاكم الملكي العام ويلسن :
... فليس فيه شك أن التأثير الطويل في تسوية شؤون الصلح مع تركية يعد عقبة في طريق الادارة المدنية ، وانه يشغل الآن تفكير الناس المهمين في كردستان الجنوبية . اضف الى ذلك ان أسم البلشفية وتعاليمها أصبح معروفاً للناس لسوء الحظ بواسطة جريدة كركوك في الدرجة الأولى ...
وقد حدثت انتفاضات مسلحة ، خلال هذه الفترة ، في زاخو ، حيث هاجمت قبيلة كويان القوات البريطانية . وهاجمت قوات كردية أخرى بلدة العمادية فقتل معاون الحاكم السياسي فيها .
ويقول ويلسن :
أعقبت هذه الحركات عمليات تأد يبية حصل فيها قتال عنيف انزلت خلاله خسائر غير يسيرة بالاكراد ، ثم حوكم عدد من الأغوات البازانيين الذين عرفوا بصلتهم الوثيقة بقتل الحكام السياسيين ، وتم اعدامهم .
بالاكراد ، ثم حوكم عدد من الآغوات البارزانيين الذين عرفوا بصلتهم الوثيقة بقتل الحكام السياسيين ، وتم اعدامهم .
وقام البرزانيون والزيباريون بانتفاضة تمكنوا من تحرير عقرة من أيدي الانكليز .
ويتحدث ويلسن عن الوضع في كردستان بين عامي 1919و 1920 وقد تغلب البارونات الاكراد في الوقت الحاضر على الادارة المدنية وصارت الفوضى تضرب اطنابها في كردستان الوسطى . أما كردستان الجنوبية ، فقد ازيل الشيخ محمود من الوجود بقوة السلاح . وكان يجمع دور البارون الجموح ودور رجل الدين المتمرد ، فساد السلم المستقر خلال سنة 1920 وكان السلم يخيم على أربيل ومن ضمنها كويسنجق أيضاً .
المؤلف
الدكتور#مكرم الطالباني#
يقع البحث في كتاب صغير الحجم ، عدد الصفحات 184 صفحة .
صادر عن ( مركز خاك للنشر والأعلام ) في السليمانية عام 2002.[1]