مقاومة كوباني إثبات صحة استراتيجيتنا
الدار خليل
1-ما هو تأثير النتائج التي تمخضت عن سقوط الموصل على التوازنات الإقليمية والسورية وروج آفا؟ هل لسقوط الموصل علاقة باستهداف شنكال أم أنه كان نتيجة اكتساب داعش قوة معنوية وعسكرية بعد سيطرته على الموصل دون مقاومة تذكر أم كان مخططاً له مسبقا؟
– الصراع في المنطقة له أبعاد تاريخية وأبعاد مؤثرة جداً، حيث لا يمكن ربطها بموضوع سقوط مدينة أو منطقة. لأن ظهور داعش على الساحة وقيامه بهذه العمليات الإرهابية ومداهمة المدن وخلق فوضى كبيرة في المنطقة يشير إلى خطط وبرامج ومشاريع واستراتيجيات أكبر مما نتوقع. تعيش المنطقة حالة أزمة جراء الأنظمة أو النماذج الموجودة فيها، ونتيجة الأزمة الموجودة يتم البحث عن بديل لتلك الأنظمة والهيكليات التي تدير تلك المنطقة وخصوصاً موضوع الدولة القوموية التي باتت في أزمة حقيقية تتطلب البحث عن بديل لها. ويبدو أن داعش والقوى التي تساندها تحاول قدر الإمكان إيجاد صيغة بديلة تستفيد من هذه الفوضى أو هذا الوضع الموجود بدلاً من المشروع أو النموذج الديمقراطي الذي تطرحه حركتنا. فطرح موضوع الخلافة الإسلامية يشير إلى سعيهم إلى القضاء على الأرضية أو إعاقة تطور مشروع الأمة الديمقراطية أو مشروع المجتمع الديمقراطي لرؤيتهم حالة الأزمة التي يحياها النظام القديم. فتطوير داعش لنموذج الخلافة الإسلامية يعتبر مشروعاً يستهدف المشروع الديمقراطي قبل أن يستهدف الدولة القوموية. إضافة إلى ذلك أثبت سقوط الموصول بأن الدول الموجودة في المنطقة عاجزة عن حماية مرتكزاتها، وعاجزة عن حماية المستوى الذي توجد فيه، وهي تسقط جراء هذا الواقع الذي تعيشه. كان لسقوط الموصول تداعيات وأبعاد كثيرة لا نريد أن نحصرها فقط في المجال العسكري والميداني، فالجميع يعلم بأن سقوط الموصول أدى إلى سيطرة داعش على الكثير من الموارد المالية والمبالغ النقدية والإمكانيات التي تؤهله ليصبح أقوى تنظيم من حيث الاقتصاد في العالم إلى جانب تمكنه من زعزعة أمن المنطقة والسيطرة على منطقة يمكن الانطلاق منها يميناً ويساراً ضمن الأراضي العراقية وصولاً إلى الأراضي السورية، إلى جانب ذلك فإن سيطرته على قوات عسكرية وعتاد وذخائر وأسلحة كثيرة أكسبته قوة وزخماً ساهم في توسعه في المنطقة، بالإضافة إلى اكتسابه للمعنويات وتحطيم معنويات الأطراف المواجهة له، كما ساهم في أن يظهر داعش وكأنه قوة لا تقهر ولا يمكن لأية قوة مواجهتها مما دفعه لأن يتوسع في عدة محافظات عراقية ويصل إلى مشارف بغداد ويتوغل ويقوي نفوذه في الداخل السوري كمدينة الرقة وغيرها من المحافظات السورية كدير الزور وريف الحسكة وإلى ما هنالك من مناطق حدودية.
حيث بات تهديده يشكل عاملاً مؤثراً في المنطقة. كانت شنكال إحدى النتائج التي حصدها داعش جراء سيطرته على الموصول، وبذلك وجه عدة رسائل وهي أنه قبل كل شيء يرفض الأقليات والمكونات الموجودة في المنطقة ويريد أن يصل إلى خلافة إسلامية سنية متشددة لا تضم أية أقلية أو طرف أو طائفة أو مذهب آخر. وعند متابعتنا لسبب تركيزه على مناطق جلولاء وشنكال وتل اعفر والمناطق الأخرى على الخارطة نرى وبكل وضوح استهدافه للشبك والتركمان والايزيديين وجميع الأقليات الأخرى ، ومحاولة بسط نفوذه بالكامل. هذه هي الايديولوجية التي يعتمد عليها. وبالإضافة إلى ذلك يسعى إلى التوسع جغرافياً. فاستهدافه للايزيديين لم يكن محض صدفة إنما جاء بمخطط مدروس الهدف منه استهداف الايزيديين كديانة وكمكون وككرد بالتأكيد، بالإضافة إلى هذا تشكيل بوابة للدخول والتوسع في الأراضي السورية وخصوصاً المناطق الكردية في سوريا.
2-استهداف داعش لقضاء شنكال ساهم في توحيد الصف الكردي و خلق وحدة وطنية من خلال تشكيل قوة دفاعية مشتركة … ما هو تأثير مؤشرات هذه الوحدة على موقف الرأي العام العالمي تجاه الكرد؟
داعش مشروع يستهدف المشروع الكردي كما ذكرنا في البداية وهو مشروع يستهدف مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية وفي نفس الوقت هو ليس معادياً للديمقراطية فحسب إنما معادٍ للوجود الكردي. لم يحارب النظام ولم يحارب أية قوة عسكرية أخرى في سوريا باستثناء القوات التي تريد الديمقراطية في سوريا، ومن ضمن هذه القوات كياننا الموجود في روج آفا. فاستهدافه لروج آفا يعني استهدافه للإرادة والوجود الكردي.
هيأ استهداف داعش لشنكال المجال لتوحد الصف الكردي وفتح المجال ليقوم الكرد بحماية أشقائهم. بالطبع كنا نعتزم القيام بهذه الخطوة في المؤتمر الوطني الكردي، حيث كنا نعتزم تشكيل هيئة مركزية للحماية خلال ذاك المؤتمر تخص الأجزاء الأربعة من كردستان وتقوم بمهمتها هذه، ولكن تأخر انعقاد المؤتمر وسيطرة داعش على شنكال وتشريد أهلها دفعنا إلى خطو خطوات عملية من دون انتظار هكذا مؤتمرات. هذه الخطوات العملية أثبتت وحدة الصف الكردي وأثبتت أننا مؤهلون وجاهزون لأي صيغة توحد الكرد، وأعتقد أنها أثرت في المستوى العالمي أيضاً. بالطبع تقرب و تعامل القوى العالمية مع الكرد المشتتين يختلف عن تعاملها وتقربها من الكرد الموحدين. حيث أنه عندما نكون مشتتين وغير متوحدين لا يمكننا فرض سياسة أو طرح مشروع أو القيام بتقديم مقترح ما بخصوص حل القضية الكردية، لأن تلك القوى ترى وتستفيد من الثغرات والاختلاف في الآراء التي يتم طرحها ولهذا السبب لا تأخذ مجرى مؤثرا في تلك اللقاءات أو المحاولات أو ضمن تلك المحافل.
ولكن توحيد الصف الكردي يضع القوى العالمية والإقليمية أيضاً أمام اعتبارات وأمام واقع يضطرون للتعامل معه عندما يرون الموقف الكردي الموحد. ونعتقد أن قدوم داعش بقدر ما هو شيء خطر وسلبي وغير إنساني إلا أنه خلق نتيجة ظهوره ، طبعاً بشكل لم يكن يريده أي خلق رغماً عن إرادته، أرضية لتوحيد الصف الكردي.
-3 استمرت هجمات داعش على المناطق الكردية، ولكن ما هو الهدف من تركيز تلك الهجمات بشكل خاص على منطقة كوباني؟
طبعاً استمرت هجمات داعش على المناطق الكردية وقد تستمر في المستقبل أيضاً لأنهم يهدفون إلى إفشال مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية ويهدفون إلى كسر الإرادة الكردية ويهدفون إلى ضرب الكرد ولذلك هم مصرون على هجماتهم. ولكن تركيزهم على مدينة كوباني له أسباب كثيرة؛ فهم قبل كل شيء يريدون فصل مناطق روج آفا عن بعضها ويريدون التوسع في خلافتهم ، وكما هو معلوم فهم يعتبرون مدينة الرقة عاصمة هذه الخلافة، وبقاء كوباني القريبة من تلك العاصمة خارج تلك الخلافة أي خارج سيطرتهم وعدم التوسع في المناطق التي تقع شمال الرقة لن يعطي المصداقية لعاصمتهم تلك هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد كانوا يتوقعون ويعتقدون بأنها ضعيفة وتعاني من هذا الضعف نتيجة الحصار المفروض عليها وعدم وجود احتمالات لإمكانية دعمها لوجستيا بالسلاح وإلى ما هنالك، أي أنهم كانوا يعتقدون بأن كوباني ستكون الخاصرة الضعيفة للإدارة الذاتية الديمقراطية. ولكن الأحداث أثبتت أن كوباني ليست ضعيفة و لن يؤثر أي شيء على دعم كوباني من كافة النواحي، وفشل توقعاتهم وتكهناتهم بهذا الصدد. النقطة الأخرى هي أن كوباني تمثل رمز ثورة 19 تموز التي انطلقت في روج آفا، وهم من خلال استهدافهم وتركيزهم على منطقة كوباني يوجهون رسالة للكرد في روج آفا ويقولون لهم فيها: ها قد سيطرنا على منطقتكم التي انطلقت منها ثورة روج آفا. إلا أن كل حساباتهم اصطدمت بجدار مقاومة تلك المنطقة وفشلت وانتصرت كوباني. كانوا يريدون من خلال كوباني ضرب الإنجاز الكردي والإدارة الذاتية الديمقراطية والتجربة الديمقراطية، ولكن النتيجة انقلبت عليهم بحيث تم التطور في بعض الخطوات حيث كنا نعاني صعوبة في إيصال أفكارنا إلى الكثير من القوى العالمية ولكن بمقاومة كوباني الباسلة تم خطو خطوات أسرع والوصول إلى نتائج أفضل.
-4 جوبهت هجمات داعش بمقاومة باسلة من قبل الشعب الكردي في منطقة كوباني … ما هو تأثير نتائج هذه المقاومة الباسلة على روج آفا، كردستان ككل وسوريا؟
جوبهت هجمات داعش بمقاومة باسلة وعتيدة في مناطق جزعة وتل براك وتل حميس وتل كوجر وربيعة وسري كانيه والكثير من المناطق الأخرى، ولكن مقاومة كوباني أخذت صدى أكبر لأن الجميع كانوا يعتقدون بأن كوباني لن تستطيع الصمود أكثر من يومين أو ثلاثة، وكانوا يتعقدون بأن هذه المقاومة لا يمكنها الصمود أكثر من أسبوع كحد أقصى. ولكن استمرار المقاومة أظهر للجميع أن كوباني صامدة وصاحبة قوة تنظيمية عظيمة لها القدرة على إبداء آيات عظيمة في المقاومة والتضحية.
هذه المقاومة التي أبدتها كوباني أثبتت للعالم أجمع بأن الاستراتيجية التي اعتمدنا عليها والتحضيرات والتدابير التي اتخذناها كانت صائبة وجدية، وصحة توقعاتنا بصدد المستقبل القريب، وصحة قراءتنا للوضع في سوريا بشكل عام عكس ما كانت تعتمد عليه القوى الأخرى. بالإضافة إلى القوة التي اكتسبناها من هذه القراءة الصحيحة والاستراتيجية الصائبة وصحة التوقعات وجود الحالة التنظيمية التي نعيشها أي تنظيم تلك القوات والوحدات والتنظيم الجماهيري ومجموعات الحماية كلها مجتمعة أثبت جدارتها فلولا هذا التنظيم وبتلك الإمكانيات المتواضعة لما كان بالإمكان القيام بهذه المقاومة خاصة في حالة الحصار الذي كانت تعاني منه كوباني. إلى جانب هذا وجود الروح المعنوية والإصرار على المقاومة ضد القوة العسكرية التي يمتلكها داعش بالرغم من الإمكانيات المتواضعة لتلك الوحدات المقاومة في كوباني. هذه الروح المعنوية التي يمتلكها مقاومو كوباني لا يمكن أن تنوجد عند أي قوة أخرى. أي أنه تمت مواجهة هجمات داعش بهذه الروح قبل مواجهتها بالسلاح. أظهرت كل هذه الأمور مجتمعة للعالم قوة تنظيمنا وقوة هذه الحركة وقوة الإدارة الذاتية الديمقراطية. فالجيش العراقي وكل القوى الإقليمية والعالمية أخذت العبرة من هذه المقاومة الباسلة، لأنهم كانوا يحيون حالة من التردد ويفتقدون إلى الأمل في كيفية مواجهة داعش. ومقاومة كوباني أظهرت أنه بإمكان الإنسان مقاومة ومواجهة ودحر الإرهاب، وأكسبتهم المعنويات. لهذا السبب عند استمرار المقاومة قامت تلك القوى بمراجعة حساباتها واتخاذ مواقف مغايرة للموقف الذي كانت قد اتخذته سابقاً تجاه الإدارة الذاتية الديمقراطية وتجاه حركتنا وتجاه روج آفا.
-5 في بداية مقاومة كوباني التزمت القوى الإقليمية و العالمية الصمت ولكن مع استمرار المقاومة غيّرت هذه القوى من موقفها وسارعت إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة هجمات داعش والحد من توسعها، كما أن العديد من وسائل الإعلام نشرت وثائق تؤكد دعم تركيا المباشر لمرتزقة داعش ومن جهة أخرى سمحت بمرور قوات البيشمركة من أراضيها إلى كوباني لاسيما أنها كانت قد رفضت فكرة فتح معبر آمن يصل المقاطعات الثلاث لروج آفا. ؟؟؟ …. ما هو سبب هذا التغيير في الموقف وكيف تفسرون هذا؟
بالطبع تغيرت رؤى ومواقف تلك القوى التي لم تكن تعطي أية أهمية للتنظيم والحالة الإدارية الموجودة في روج آفا ولكنها عندما رأت تلك المقاومة اقتنعت بأن القوة الأكثر تنظيماً ونجاحاً وتمكناً من إدارة الأزمة وإدارة الأمور والثورة والتي تمكنت من قراءة الأمور بشكل صحيح هي هذه الحركة. ولذلك باتت كوباني كامتحان لهذه الإدارة، فالقوى العالمية في بداية الأمر كانت في وضعية متابعة الأوضاع حتى ترى ما الذي ستتمخض عنه هذه الأوضاع. وعندما وجدت المقاومة مستمرة وقوية قررت دعم هذه المقاومة ومساندتها. هنا لا بد من الإشارة إلى الموقف التركي أيضاً فقد كان له دور مؤثر، فالأتراك كانوا يقولون ويصرحون وعلى رأسهم الرئيس التركي «سقطت كوباني
– كوباني تسقط – سوف تسقط خلال ساعات « وما شابه. أي كانوا يصرحون وكأنهم قادة ضمن تنظيم داعش. هذا طبعاً كان يخلق حالة من التردد لدى القوى العالمية، لكن كوباني أظهرت نتيجة توصلت إليها القوى العالمية ألا وهي أن الأتراك كان لهم دور في تقوية وتطوير داعش، هذا الأمر كان مخفياً عن الجميع ولكن بأحداث كوباني هم أيضاً اقتنعوا بأن الدولة التركية لها دور في هجوم داعش على كوباني. ظهرت هذه الأمور من خلال فتح تركيا المجال أمام داعش ليتحرك بسهولة على الحدود التركية إلى جانب عدم اتخاذ موقف حازم من قبل الحكومة التركية تجاه داعش بالإضافة إلى تبادل الرهائن الذين كانوا موجودين لدى داعش، وبالطبع المواقف التي اتخذتها الحكومة التركية ضد مقاومة كوباني فقد كانت تحاول دائماً سد الطريق أمام أهالي كوباني وعدم إفساح المجال لهم للاستفادة من الأراضي التركية وما إلى هنالك من أمور. ولكن بعد الضغط الأمريكي وضغط قوى التحالف لم يعد هناك خيار آخر أمام الدولة التركية فإما أن تعترف بعلاقتها مع داعش أو تتخذ موقفاً حاسماً ضده. إلا أن الحكومة التركية اتبعت سياسة المراوغة كما فعلت عام 2003 عندما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تضرب صدام حسين عبر الأراضي التركية، فتركيا في اللحظات الأخيرة غيّرت موقفها ولم تعطِ المجال للقوات الأمريكية بأن تنطلق من أراضيها، فهي في تلك الفترة خيبت آمال الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم الآن بتكرار الشيء نفسه ، فالأتراك ماطلوا وراوغوا ولكن جاءت ساعة الحسم. فكيف تم الوصول إلى ساعة الحسم؟ ساعة الحسم تمت بتطور المقاومة واستمرارها فلو لم تستمر المقاومة في كوباني لما وُضِع الأتراك في موقف يضطرون فيه إلى الإفصاح عن موقفهم الحقيقي، كانوا سيقولون «كنا نريد أن نفعل كذا وكذا ولكن بعد أن سقطت كوباني لم يعد بوسعنا عمل شيء نعتذر »، إلا أن استمرار المقاومة تحول إلى امتحان بالنسبة إلى الحكومة والدولة التركية. فالدولة التركية وحكومتها كانتا تعولان دائماً على سقوط كوباني، فعلى سبيل المثال عندما حاولت قوى التحالف إرسال بعض الدعم اللوجستي لوحدات حماية الشعب في كوباني اتخذت الدولة التركية موقف المماطلة وتأجيل الأمور وفي نفس اللحظة كانوا يقومون بالاتصال مع قادة داعش وحثهم على الإسراع في السيطرة على المعبر الحدودي. أي أنهم كانوا من جهة يطلبون من داعش الإسراع ومن جهة كانوا يماطلون في مسألة إرسال الدعم لوحدات حماية الشعب، حيث كان هذا بهدف تبرئة نفسها عندما تسقط كوباني .أي أنها بهذا الشكل كانت تنوي رمي الكرة إلى ملعب داعش أو الأطراف الأخرى، ولكن عندما استمرت المقاومة وتمكنت وحدات حماية الشعب من المقاومة وسد الطريق أمام داعش عندها تم فضح الموقف التركي واضطرت إلى الإفصاح عن موقفها فإما أن تكون مع داعش أو ضد داعش.
طبعاً الدولة التركية تراوغ في هذا الموضع حتى الآن، ففي موضوع إرسال المساعدات عن طريق المظلات تحدث أردوغان مساء ذلك اليوم وقال إن الوحدات الكردية التي تحارب في كوباني هي أيضاً إرهابية وهي تماثل داعش ولا يمكن لنا أن نسمح بأن يقدَّم لهم أي دعم. ولكن قوى التحالف قامت بإرسال الدعم في الليلة نفسها. عندها تم الوصول إلى قناعة بأن الأتراك أمام خيارين ولا بد لهم من أن يحسموا الأمر فإما أن يكونوا مع داعش أو ضده.
هذه الأمور تطورت حتى وقت إرسال البيشمركة فالأتراك في البداية كانوا يعولون على سيطرة داعش على المعبر الحدودي ولذلك كانوا يأتون كل يوم بحجج وذرائع لمنع مرور البيشمركة ولغاية اللحظات الأخيرة من وصول البيشمركة إلى البوابة من الطرف التركي، وفي تلك الأثناء كانت تركيا تشجع داعش على التركيز في هجماته. حيث أن أي متابع عادي للأمر يمكنه رؤية كيف أن داعش قد ركز هجماته في تلك الفترة وخصوصاً في الأيام الثلاثة الأخيرة على المعبر للاستيلاء عليه بإصرار كبير. وطبعاً كان هذا مخططاً تركياً. ولكن عند عدم نجاحهم وتطور المقاومة واستمرارها فشلت الرهانات التركية في كوباني.
-6 يشبّه البعض دخول الجيش الحر إلى كوباني بقصة حصان طروادة، ويذكرون بأن المستفيد من هذه الضربات هو النظام… ما هو تفسيركم وتعليقكم على هذا؟
لا نريد أن نحكم على قدوم الجيش الحر إلى كوباني بهذا الشكل. نحن نعلم أن بإمكان الإعلامين والمثقفين والجميع إبداء رأيه وتحليل الأمور حسب ما يتوقع، ولكن توجد حقيقة وهي أننا لم نفكر في يوم من الأيام بأن ننفصل عن سوريا ولا نعتبر نفسنا خارج سوريا. ولذلك وكطرف من المعارضة لم نقيّم وجودنا أو مقاومتنا وكأنها ضد الجيش الحر أو ضد المعارضة السورية، وعندما طلب الأخوة المشاركة في هذه المقاومة فكما أننا لم نرفض دعم التحالف للمقاومة ولم نرفض دعم البيشمركة لم نرَ ضرورة لرفض مشاركة مجموعة من الجيش الحر ولو كانت رمزية في هذه المقاومة، لكونها تعبّر عن أمرين؛ أولاً أننا أيضاً جزء من هذه المعارضة وكوباني جزء من الأرض السورية. ثانياً نحن جميعاً نشترك في هدف واحد وهو محاربة داعش. أي
يمكننا إفساح المجال أمام كل من يمكنه المشاركة في موضوع محاربة داعش ومواجهة إرهابه كي يقوم هو الآخر بدوره، ولكن بالنسبة لهذه القوات لا نريد أن يتم التضخيم من شأنها فهي عبارة عن مجموعات رمزية جاءت لتشارك وفي حقيقة الأمر هي لم تتمكن من الانتشار ولعب الدور المؤثر في تلك المقاومة كما يتوقع الكثيرون. فهم جاؤوا ليعبروا عن موقفهم الرافض والمقاوم لداعش ، لا نتوقع بأن يلعبوا دور حصان طروادة ولا نحكم على الأمور بهذا الشكل.
هناك كثيرون يحاولون تفسير الأمور حسب أهوائهم ولكن استفادة النظام السوري من هذه الضربات أو عدم استفادته هذا الأمر موضوع آخر، الموضوع الهام بالنسبة لنا هو هل نحن ككرد وكمكون وكإدارة ذاتية ديمقراطية نستفيد من هذه الضربات أم لا؟ هل يستفيد سكان المنطقة من هذه الضربات أم لا؟ داعش تتضرر أم لا؟ فإن كانت لها جوانب يستفيد منها النظام فليس لنا علاقة بهذا الأمر فنحن قبل كل شيء معرضون لهجمة إرهابية ونريد أن نتخلص من هذا الإرهاب. قد تستفيد الكثير من القوى من محاربة الإرهاب، وقد تستفيد منها الكثير من الأنظمة وقد تستفيد منها الكثير من الشرائح والفئات حتى أن بعض الدول البعيدة عن منطقتنا وفي قارات أخرى قد تستفيد من هذا، فضرب الإرهاب أينما كان يكون مفيدا،ً ولكن تركيز الأمور وتوجيهها نحو النظام بشكل مستمر لا أجده أمراً صائباً. حيث أن تحليل حالة النظام تحتاج إلى تحليلات ودراسات أكبر وأوسع من ذلك.
-7 ساهمت المقاومة الباسلة في كوباني في تقوية الوحدة الوطنية كما تطرقنا آنفاً …. ما هو تأثير هذه المقاومة الباسلة على عقد الاجتماع في دهوك والذي جمع حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، وعلى القرارات التي تم التوصل إليها؟ وما هي الأطراف التي حثت على عقد هذا الاجتماع؟
طبعاً كان الوصول إلى اتفاقية دهوك من إحدى تداعيات ونتائج مقاومة كوباني. فاجتماع دهوك تم في أجواء إيجابية من حيث الجو العام، مثلاً توجد مقاومة، يوجد انتصار كردي، الإدارة الذاتية الديمقراطية أثبتت نجاحها في أحداث شنكال وما بعدها وفي الأمور الخدمية وغيرها، الظروف الدولية كلها مشجعة لتلاحم كردي كردي، والدول الإقليمية وجدت أن الكرد لاعب أساسي في المنطقة، وظهور حقيقة صحة مشروعنا الديمقراطي كل هذه الأمور بالإضافة إلى فشل المشاريع الأخرى أو )إن لم نقل فشل( عدم تمكن المشاريع الأخرى من إثبات نجاحها أو قوتها على الأرض ولذلك فمن كان يعول على القوى والمشاريع الأخرى بات شبه مقتنع بأن الأسلوب الأنجح هو الأسلوب الذي نعتمد عليه نحن. كل هذه الأمور أظهرت ضرورة العودة إلى البيت الكردي. وطبعاً عودة المجلس الوطني الكردي إلى البيت الكردي نجده شيئاً إيجابياً ونتمنى أن يتعاون لتطوير هذا الاتفاق وإنجاحه في الممارسة العملية وأن يباشر في العودة إلى روج آفا لنباشر العمل على المرجعية الكردية. هذه المرجعية السياسية الكردية التي نجدها مركزاً لترتيب البيت الكردي والاعتماد على سياسات واستراتيجيات تهم القضية الكردية في روج آفا. في طبيعة الحال الاتفاق الكردي الكردي قد يكون من مصلحة جميع القوى الداعية للديمقراطية وجميع القوى التي تواجه الإرهاب وكل من يؤمن بضرورة أن يحظى الشعب الكردي بحل عادل لقضيته. القوى التي ساهمت في تطوير هذه الاتفاقية أو التي دعت إلى تطويرها كانت القوى الكردستانية، طبعاً لم يكن هذا بشكل مباشر ولكننا وجدنا الأجواء الإيجابية التي لمسناها من القوى الكردستانية ورئاسة الإقليم ومنظومة المجتمع الكردستاني وحتى المثقفين والمؤسسات أو الشخصيات الكردية الأخرى، وجدنا أنه يوجد إجماع كردي على ضرورة عقد هذا الاجتماع وتطويره. أما بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية فلم تطلب أي جهة ذلك منا بشكل مباشر ولكننا كنا نرى ونجد بأن الجميع متفهمون لذلك ويريدون أن تتطور هذه العلاقة.
تمحور اجتماع دهوك حول ثلاثة محاور:
المحور الأول كان حول البحث عن آلية لاتفاق أو توافق أو إجماع كردي في روج آفا، ولهذا كان الاتفاق على تشكيل مرجعية سياسية كردية تبحث في السياسات والاستراتيجيات الكردية في روج آفا وسوريا وتلم شمل الكرد في روج آفا ضمن سياسة واستراتيجية موحدة وتتخذ المواقف الموحدة تجاه المستجدات والتطورات.
والمحور الثاني كان حول الإدارة: كما تعلمون تم تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية قبل عشرة أشهر وهذه الإدارة تقوم بمهامها وهي موجودة على أرض الواقع، وبقاء المجلس الوطني الكردي خارج هذه الإدارة نعتبره خطأ لابد من تلافيه. طبعاً هذا الخطأ ارتكبه المجلس الوطني الكردي بعدم انضمامه لهذه الإدارة. وبمقاومة كوباني واتفاقية دهوك نتمنى من الأخوة في المجلس الوطني الكردي أن يلتزموا باتفاقية دهوك عبر البحث عن آليات لانضمامهم إلى مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية. طبعاً نحن في دهوك اتفقنا على هذه النقطة ولكن بقيت التفاصيل والآليات والسبل حيث سيتم التباحث في هذه الأمور عند عقد اجتماع المرجعية الكردية، وتعتبر هذه مرحلة تمهيدية لمرحلة الانتخابات التي سيتم فيها إجراء الانتخابات وتشكيل إدارة جديدة حسب نتائج الانتخابات.
أما المحور الثالث فكان محمور الحماية والدفاع: طبعاً الأخوة أعربوا عن رغبتهم في المشاركة في حماية روج آفا ونحن أيضاً عبّرنا عن رأينا في موضوع المشاركة في الحماية والدفاع، فالحماية واجب على جميع الأفراد في سوريا وخاصة في روج آفا وهو حق للجميع ولهذا يمكنهم المشاركة في واجب الحماية والدفاع. ولكن كيف سيتم ذلك وما هي الآليات والسبل؟ هذا ما تركناه للجنة التي سيتم تشكيلها بشكل مشترك، هذه اللجنة ستتباحث الموضوع مع قيادة وحدات حماية الشعب والمرأة للاتفاق حول هذه الآليات والسبل. طبعاً نحن لم نناقش هذه التفاصيل في دهوك، ولكننا اتفقنا على نقاط عامة؛ أولاً ستكون لدينا مرجعية نتباحث من خلالها السياسات والاستراتيجيات المشتركة، وتحديد المواقف من التطورات والمستجدات. المحور االثاني هو ضرورة المشاركة في الإدارة الذاتية، المحور الثالث هو ضرورة المشاركة في الدفاع. لكن هذه المحاور الثلاثة بحد ذاتها تحتاج إلى تفاصيل بحث وبدء. هذه التفاصيل سيتم مناقشتها في لجان ستتشكل ضمن المرجعية وهذه اللجان سيتم الاتفاق عليها عند عقد اجتماع المرجعية.
-8 هل من الممكن أن تخدم اجتماعات دهوك السياسة الاستراتيجية لروج آفا بعد تشكيل المرجعية الكردية التي تم الاتفاق عليها؟ وهل يمكن القول بأن كوباني ستكون المفتاح لعقد المؤتمر الوطني الكردي؟ كيف ترون آفاق الحل لسورية المستقبل؟
بالطبع إن تمَّ عقد اجتماع المرجعية وتمَّ الاستمرار في الاجتماعات والاتفاق على التفاصيل الموجودة في جدول أعمالنا أتوقع بأنها ستكون عاملاً دافعاً لتطوير الإدارة الذاتية الديمقراطية ولم شمل جميع المكونات في المنطقة، وإظهار حقيقة التوجه الديمقراطي الكردي والانضمام إلى الثورة في روج آفا. حتى أنه سينجم عنها انضمام الكثيرين ممن كانوا خارج الفعاليات والنشاطات إلى الثورة والمساهمة في تطويرها. فتشكيل هذه المرجعية سيكون له تأثيرات سياسية عالمية وإقليمية وكردستانية.
وأتوقع أن يكون الحل في سوريا حلاً سياسياً ولا بد أن تتفق الأطراف كلها مع بعضها على سبل حل سياسية وأن يتم تجنب الحرب والصراع والمعارك، الحل العسكري لن يجدي نفعاً. الحل العسكري قد يكون مجدياً من أجل الحماية والدفاع ولكن في إطار البحث عن حل لعموم مشاكل سوريا.
فبمجرد البحث عن حل لابد أن يكون الحوار والتباحث والسبل السلمية هي الأساس، ولذلك نتوقع أن تتم العودة إلى الحل السياسي والسلمي مهما طالت الأمور، وما الجولة التي يقوم بها ديموستورا المبعوث الأممي حالياً إلا فاتحة للبحث عن سبل للحل السلمي في سوريا، ولا بد من إيقاف أو تجميد المعارك والحرب والصراع الموجود في سوريا. طبعاً إلى جانب ذلك قد نشهد تحولاً في موضوع التعايش السني والشيعي والعلوي في سوريا، فلغاية المراحل السابقة أو قبل بدء هذه الثورة لم تكن توجد أية حساسية مباشرة ضمن المجتمع، لا أقصد السياسيين، أي بين السني والشيعي والعلوي ولكن خلال هذه الأحداث يبدو أن التعايش بين العلويين والسنة، والشيعيين والسنة بات شبه مستحيل أو صعباً جداً بعد كل هذه المجازر التي حدثت. لهذا أتوقع أن سوريا لا يمكن أن تبقى في حالة مركزية موحدة كالسابق فلا الوضع السياسي ولا الوضع الاجتماعي ولا الوضع الفكري ولا الوضع المعنوي ولا الوضع الروحي للشعب السوري يسمح ببقاء سوريا موحدة كالسابق، لكن قد يتم اللجوء إلى فيدراليات سنية و شيعية أو علوية وكردية في سوريا، وعلى هذا الأساس يتم اجتماعهم ضمن إدارة موحدة، هذه الإدارة تكون ديمقراطية في عموم سوريا. وما نتمناه أن يصبح نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية نموذج الحل في عموم المناطق السورية لتخليص سوريا من هذا الواقع الذي تعيشه.[1]