إليزابيث تسوركوف
استخدم مازن وهو مقاتل في الجبهة الشامية ضمير الغائب لوصف مشاركة فصيله في التدخل التركي لسوريا: إنهم مقاتلو الجيش الوطني السوري موظفون لدى الدولة التركية لحماية حدودها ثم تحول إلى ضمير الشخص الأول الحاضر : الأتراك يستخدموننا كوقود لمدافعهم فقد اصبحنا مرتزقة.
كان ثمة علم تركي صغير موضوعا على مكتب الفصيل المدعوم من قبل تركيا في منطقة سكنية في شانلي اورفا جنوبي تركيا. كان الرجال في الغرفة من المقاتلين المحنكين من شرقي سوريا وقد كانوا ينتظرونني وبذلوا قصارى جهدهم لتحديد موضع علم الثورة السورية قبيل الاجتماع في صيف 2019. لم يستطيعوا العثور على واحد. كل ما يتعلق بالاجتماع، موقعه وديكوره ومحتواه اوحى لي بأن الرجال المتواجدين في الغرفة ليسوا هم المسؤولين. كانوا يأملون في شن هجوم قريبا على شمال شرقي سوريا، لكن لم يكن لديهم ادنى فكرة عن حين اصدار صناع القرار الحقيقي والمسؤولون الاتراك اوامرهم بالمسير.
كان نشوء الجيش السوري الحر المدعوم من قبل تركيا والمعروف ايضا باسم الجيش الوطني السوري نتيجة تحول استراتيجي في موقف تركيا في سوريا. وتحول موازين القوى بشكل حاسم لصالح نظام الاسد عقب التدخل الروسي في الحرب في سبتمبر غلم 2015. لذا عدلت تركيا من طموحاتها لتقديم مجموعة اضيق من المصالح. كان على رأس اولويات انقرة هدف ألا وهو منع دخول المزيد من اللاجئين السوريين والرغبة في محاربة وحدات حماية الشعب الكردية (#YPG# ) المكون الريادي لقوات سوريا الديمقراطية، وهي المظلة التي تضم الميليشيات العربية والسريانية. كما ان وحدات حماية الشعب هي فرع من الحركة المسلحة المستوحاة من تعاليم الزعيم الكردي المسجون عبد الله اوجلان والذي قد اثار بدوره تمردا دمويا ضد تركيا الثمانينات. وراقبت انقرة بقلق متزايد باعتبار ان الميليشيات التي يقودها الكُرد سيطرت على مساحات واسعة في البلاد جراء عمل قوات سوريا الديمقراطية عن كثب مع الجيش الامريكي في الحملة ضد داعش في سوريا.
بالفعل، قررت تركيا في اغسطس 2016 البدء بإجراء من اجل منع قوات سوريا الديمقراطية من ضم المنطقتين المتواجدتين في نائية حلب تحت سيطرتها عفرين ومنبج وكذلك طرد الخلايا المتبقية من مقاتلي داعش من مناطقها الحدودية. اطلقت تركيا على تلك الحملة اسم درع الفرات الاولى و نشرت خلالها فصائل مسلحة كقوة داعمة للجيش التركي و التي كان لها ان تعرف فيما بعد بما يسمى الجيش الوطني السوري. سخرت الحملة الثانية في اواخر 2018 التي اطلق عليها اسم غصن الزيتون لطرد وحدات حماية الشعب من عفرين واخضاعها لسيطرة تركيا وفصائلها السورية. اُطلِقت العملية الاخيرة التي سميت – على ما يبدو دون تهكم – نبع السلام بعد اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب بانسحاب القوات الامريكية المتمركزة بالقرب من الحدود السورية التركية والتي كانت تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية. سعت تركيا للاستفادة من فقدان وحدات حماية الشعب للحماية الامريكية من خلال البدء بعملية لطردها من شمال شرق سوريا.
سرعان ما ان اكتسبت الميليشيات المدعومة من قبل تركيا سمعة سيئة بعد بدء الاجتياح التركي وذلك بُعَيدَ ان تم تصوير افرادها وهم يرددون شعارات ارهابية وينفذون اعدامات ميدانية. ولقبهم احد المسؤولين الامريكيين ب بلطجية وقطاع طرق اجبرت العملية التركية الاخيرة قيادة قوات سوريا الديمقراطية على افساح المجال لقوات النظام السوري للتوغل إلى مساحات شاسعة من شمال شرقي سوريا و بهذا تكون تركيا و الفصائل المسلحة التابعة لها و التي تتشدق بمعارضتها لنظام الاسد قد ساعدت قوات نظام الأسد في الحصول على موطئ قدم و دون اطلاق رصاصة واحدة .
لكن من هم هؤلاء الرجال الذين يبلغ عددهم حوالي 35.000 رجل و يقاتلون نيابة عن تركيا في سوريا؟ لقد استبقيت على اتصال منتظم مع البعض من هؤلاء المقاتلين منذ بدايات 2014 فغالبيتهم هم من العرب السنة الذين نزحوا من منازلهم اثناء الحرب. كشفت لي المقابلات العديدة التي اجريتها مع هؤلاء المقاتلين منذ عام 2014 سواء عبر الهاتف او عبر الرسائل الفورية او المقابلات المباشرة عن انهم طاقم متنوع من الرجال الذين بغالبيتهم قد تعرضوا لصدمات و شعروا بالفقر و قد عبروا عن ان دافعهم للقتال نيابة عن تركيا هو لتحقيق مكاسب مالية. فقد انضم البعض من هؤلاء الرجال للفصائل لأجل السرقة والنهب، اما بالنسبة لهؤلاء الذين ليس لهم ذاك الدافع فهم يدركون و بشكل متزايد ان مصالح تركيا لا تتماشى مع آمالهم في اسقاط نظام الاسد حيث تشير انقرة الى استعدادها للتعاون مع نظام الاسد، لذلك تجدهم يجتهدون لتبرير و تسويغ مشاركتهم سواء لأنفسهم او لمجتمعهم اذ ان افعالهم وانتمائهم لتلك الفصائل هو موضع ازدراء من قبل اقرانهم السوريين, ولا سيما من قبل المدنيين الذين يرزحون تحت حكمهم.
صناع القرار
باستثناء بعض المناوشات، لم تحارب الفصائل المدعومة من تركيا نظام الاسد. اذ تندرج العمليات الثلاث التي تم تنفيذها ضمن ترتيبات عدم التعارض مع روسيا (وبالتالي مع نظام الاسد). فالمناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري لا تتعرض للقصف من قبل نظام الاسد او روسيا، على نقيض المناطق التي يسيطر عليها الثوار، بينما تقع الحدود التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري شمال حلب على خط التماس مع الاراضي التي يسيطر عليها النظام, وهكذا فان القوات المدعومة من قبل تركيا لم تشن اي هجوم مصرح به ضد النظام وبقيت الخطوط الامامية ثابتة.
تحتفظ تركيا بالسلطة و السيطرة و بوصايتها على تلك القوات و لتركيا القرار الفصل بكل ما يتعلق بالعمليات العسكرية و إستخدام القوة اذ يتم توفير رواتب المقاتلين وتدريبهم والاشراف عليهم في المعركة من قبل تركيا. متحدثاً من نقطة تفتيش كان يحرسها في تل ابيض، البلدة التي تم الاستيلاء عليها من قبل القوات التي يقودها الكُرد في الهجوم الاخير للجيش الوطني السوري. وضح مقاتل مع فيصل الجيش الوطني السوري باسم فيلق المجد من ادلب الذي سألقبه محمد ( تم تغيير اسماء جميع الاشخاص في هذا المقال لحمايتهم من اي ثأر محتمل) المقاتلون هنا كالحمير يتبعون اسيادهم والقادة هم ايضا حمير يتبعون اوامر تركيا حتى وان كان هذا الشيء يضر بمصالح الثورة} المعارضة للأسد {، فهم لا يبالون.
أكد مازن وهو متمرد مخضرم من الرستن في ريف حمص الشمالي و قد خضع لتدريب على يد عسكريين اتراك في تركيا وسوريا والذي يقاتل في صفوف الجبهة الشامية وهي فصيل اخر من فصائل الجيش الوطني السوري أن ان جميع القرارات في الجيش الوطني صغيرها وكبيرها تُتَخذ من قبل غرفة العمليات التي تديرها الاستخبارات التركية. و كان هناك صدرى يتردد في اعترافات كل من قابلتهم يفيد بأن صنع القرار كان امراً خارجاً عن ايدي القادة السوريين انفسهم.
المقاتلين
المقاتلون المدعومون من تركيا هم مزيج من الثوار السابقين والمقاتلين المجندين حديثا. واعتمدت تركيا على فصائل الثوار السابق وجودهم والتي تلقى البعض منهم الدعم من قبل قيادة العمليات العسكرية او من خلال برنامج التدريب والتجهيز التابع لوزارة الدفاع. حيث تم اغلاق برنامج وكالة الاستخبارات المركزية المسمى ب Timber Sycamore في اواخر 2017, بينما فشل برنامج التدريب والتجهيز في غرب سوريا في عام 2015. كانت الجبهة الشامية من بين المجموعات التي تلقت الدعم الامريكي المباشر وكذلك لواء حمزة (الذي اندمج مع مجموعات ثوار اخرى لتشكيل فرقة الحمزة)، وتولت تركيا دفع رواتب المقاتلين قبيل عملية سنة 2016 وزودت من صفوفهم بشكل كبير. كَبُرَ حجم الفصائل من العشرات والمئات الى آلاف وهكذا فإن اكبر مجموعات الثوار اندمجت مُشكلةً الجيش الوطني السوري، بينما لم تحظى الفصائل التي تشكل احرار الشرقية وجيش الاسلام بالدعم الغربي.
نشأت فصائل اخرى وخصوصا تلك التي تحمل اسماء تركية وعثمانية تحسبا لعملية 2016 ويميل المجندون الجدد بعد 2015 إلى ان يكونوا اصغر سنا ويتم اغوائهم للانضمام للمعركة بالأجور المعروضة. تم تجنيد الكثير منهم كقاصرين، كلاجئين شبان يعيشون في تركيا ولم يكملوا حتى التعليم الابتدائي الذي تعطل جراء الحرب.
يبدو ان غالبية المقاتلين اليوم هم من المجندين الجدد دونما خبرة سابقة في قتال نظام الاسد. قدّر القادة والمقاتلون في صفوف الجيش الوطني الذين تمت مقابلتهم لأجل المقال أن المقاتلين الذين تم تجنيدهم في صفوف الفصائل لعملية 2016 ثم في حملة تجنيد اخرى قبل اجتياح عفرين سنة 2018 يشكلون 60 بالمئة من القوة. وقال مصطفى وهو قائد في لواء حمزة والذي انضم بنفسه للمعارضة السورية المسلحة سنة 2013 بينما كان يبلغ من العمر حينها اربعة عشر عاما أن هؤلاء المقاتلون المعروفين - بسخرية - باسم ثوار سنة 2016 انضموا على الاغلب للرواتب وليس للثورة.
المقاتلون في الجيش الوطني السوري بأغلبيتهم الساحقة هم من الرجال السنة ذوي خلفيات متواضعة كالثوار السوريون المعارضين للأسد. اغلبيتهم فقدوا منازلهم واقاربهم واصدقائهم بسبب نظام الاسد و قد احصى القليل منهم وقوع مثل هذه الخسائر على يد داعش او قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكُرد. فغالبيتهم نازحون داخليا من كافة المحافظات السورية و يعيشون في مساحة ضيقة من الارض على طوال الحدود التركية-السورية. وعليه فان نسبة 83 بالمئة من النازحين السوريين يعيشون الان تحت خط الفقر بمعدل 6$ لليوم الواحد و هم مستضعفون بشكل خاص: فهم منقطعون من مصادر الدخل التقليدية مثل العمل في المزارع و المتاجر الخاصة بالعائلة ولديهم شبكة دعم محدودة حيث يعيشون الآن، وعليهم دفع الايجارات وهذا ما يجعل النازحون اكثر عرضة للانضمام للجماعات المسلحة.
عندما أنشأت تركيا فصائلها السورية في بادئ الامر و قبل عملية درع الفرات كانت رواتب المقاتلين في غاية العلو: 300$ شهريا و كانت تدفع بالليرة التركية. و مع مضي الوقت، انخفضت الرواتب مع بداية 2019 اذ تم استقطاع الرواتب حتى وصلت ال 100$ يتم توزيعا كل سبعة او ثمانية اسابيع. هذا المعدل اي حوالي 50$ للشهر الواحد يعتبر غير كافيا لتغطية حتى الضروريات الاساسية لذا على المقاتلين عموما الاعتماد على الاقتراض، و دعم اسرهم و اعمال اجرامية مثل النهب لتغطية نفقاتهم. والقادة يجنون 300 دولار شهريا على الاقل حسبما افاده لي محاسب مع الجيش الوطني السوري المعروف باسم لواء المعتصم.
المساحة غير المحكومة
ترتبط حَوْكَمَةِ المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش الوطني السوري في شمال حلب والمناطق المستولى عليها حديثا في شمال الرقة والحسكة ارتباطا وثيقا بتركيا. اذ تدفع تركيا رواتب المستشارين المحليين والمعلمين والاطباء، اضافة الى رواتب الشرطة المحلية والشرطة العسكرية والفصائل المسلحة. على الرغم من وجود الشرطة العسكرية في المنطقة إلا انها غير قادرة على منع الانتهاكات التي يرتكبها الجيش الوطني السوري ضد المدنيين او على منع الاقتتال بين الفصائل. فالفوضى متفشية والقليل من المقاتلين واجهوا عواقب اعمالهم الاجرامية. وقال أيمن وهو رجل يخدم في الشرطة العسكرية في عفرين انه تم معاقبة عدد من المقاتلين بتهمة السرقة في المحاكم العسكرية، لكن عندما يتعلق الامر بالقادة فهذا محال... فالفصائل اقوى من الشرطة العسكرية وقال لئن حاولت الشرطة العسكرية اعتقال القادة فسيتم مواجهتهم بالقوة.
على الرغم من انه كان لجميع الجهات المسلحة يد في الانتهاكات ضد المدنيين، إلا ان مستوى الاجرام في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري مرتفع بشكل خاص و ذلك بحسب المدنيين الذين تحدثت معهم ممن يعيشون هناك وكثير منهم نزحوا من المناطق التي كانت تخضع لسيطرة الثوار و التي تم اقتحامها لاحقاً من قبل النظام. السكان المحليون وافراد من الجيش الوطني السوري يربطون هذا المستوى العالي من الاجرام بطبيعة الفصائل ونوع المقاتلين الذين ينتمون اليها – افراد يتم اغوائهم بحوافز مالية - وغالبيتهم يفتقرون لروابط مجتمعية .
يستدرك المقاتلون اجورهم الضئيلة من خلال مخططات مختلفة اذ ان السيطرة على نقاط التفتيش بين المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري والمناطق الخاضعة لسيطرة الثوار، ومناطق النظام ومناطق قوات سوريا الديمقراطية يعتبر كمصدر دخل كبير للإيرادات – مما يؤدي الى العديد من حالات الاقتتال الداخلي. وفي الهدنات غير المستقرة التي تلي جولات الاقتتال الداخلي تلك، تقسم الفصائل سيطرتها على المعابر فيما بينها واحيانا تلجأ لتقاسم عملية السيطرة و الاشراف عبر تقسميات وقتية قد تمتد لساعات او ليوم او بضعة ايام في كل مرة. اخبرني محسن وهو ثائر منذ فترة طويلة من مدينة حلب ويقاتل الان في صفوف لواء المعتصم ان السيارات التي تعبر نقاط التفتيش تلك ينبغي ان تدفع للحراس إما نقدا او بوسائل اخرى. على سبيل المثال تلك التي تنقل الادوية يدفعون للمقاتلين من خلال اعطائهم حصة من البضائع التي ينقلونها قياسياً حبوب منشطة مثل الترامادول.
و تزخر طرق و خطط عديدة اخرى للربح، وافاد محسن انه اضافة الى نقاط التفتيش الموجودة يقوم المقاتلين بوضع نقاط تفتيش مؤقتة وابتزاز الاموال من المارة. ويطلب قادة الجيش الوطني السوري ايضا اموال الحماية من الشركات مثل وكلاء السيارات واصحاب المطاعم وبائعي الذهب ومالكي المصانع فهي كالمافيا تماما, وبعض الجماعات الاخرى تقوم باختطاف المدنيين - الاثرياء عادة - أو الذين لديهم اقارب في الخارج للمطالبة بدفع الفدية.
في حين أن الانتهاكات منتشرة في جميع انحاء المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري فإن الكُرد الذين يعيشون في عفرين يعانون بشكل خاص. فبعد كل عملية كان المقاتلين يقومون بنهب ممتلكات المدنيين. ففي عفرين عام 2018 كان النهب اكثر امتدادا و انتشاراً من المعتاد. وعليه الكثير من الرجال }زملائي من مقاتلي الجيش الوطني{ كانوا يقومون بالنهب, ولم استطع ايقافهم وحتى الاتراك لم يستطيعوا ايقافهم. وقام }اللصوص{ بضربنا واطلاق الرصاص علينا حسبما قال منصور وهو قائد في اللواء التاسع احد فصائل الجيش الوطني السوري. فقد اتاح النزوح الجماعي للمدنيين خلال العملية العسكرية وعدم قدرتهم على العودة فرصة مربحة لمصادرة المنازل والسكن فيها او تأجيرها لعائلات عربية نازحة من المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في اقصى الجنوب. لقد كانت المنطقة ذات يوم ذات غالبية كردية، لم يعد معظم السكان وفقا لسكان عفرين من الكُرد.
اخبرتني دجلة وهي امرأة تعيش في عفرين أنها شعرت بانها محظوظة. وعلى الرغم من انه تم اعتقالي فورا بعد استيلاء لواء السلطان مراد على المنطقة قالت بالكاد تم لمسي على النقيض من النساء الاخريات المحتجزات معي. فالنساء بعمر السبعين تم ضربهم وتعذيبهم وهي تعزو حظها الجيد إلى كونها معارضة معروفة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD وهو الحزب السياسي المرتبط بميليشيا وحدات حماية الشعبYPG الكردية التي حكمت المنطقة فيما مضى. ومع ذلك تم احتجاز دجلة لمدة شهر.
أُطلِقَ سراحها في نهاية المطاف، وعادت الى عفرين التي تغيرت – ونُهِبَتْ بالكامل. وأفادت الآن 90 بالمئة من النسوة الكُرديات يرتدون الحجاب خوفا من التحرش، وتعرضت للتحرش والتهديد في الكثير من المرات، إلا انني لا زلت انزع الحجاب في المدينة، لكن في الريف حيث الوضع يكون اسوأ فإنني ارتدي الحجاب. ترى مقاتلون يبدون بعمر الثالثة عشر يحذرون المرء و يطبون ارتداء ملابس محتشمة، لكن في الوقت نفسه هم يتعاطون الممنوعات ويقومون بأمور محرمة }دينيا{.
قال سمير وهو صحفي من ادلب وزار عفرين قبل وبعد الاستيلاء التركي أن عفرين اعتادت ان تكون مكانا محفوفا بالحياة. تغلق المتاجر مبكرا الآن، وترى كتابات فصائل مختلفة على الجدران محددة مناطق سيطرتها . اعترف منتصر وهو مقاتل في فرقة الحمزة وهي جماعة متورطة في انتهاكات عديدة في عفرين أن مثل هذه الانتهاكات شائعة، لكنه القى اللوم على الفصائل الاخرى. يعاني المدنيين على ايدي بعض الفصائل في حين ان اخرون يعاملونهم معاملة حسنة. احرار الشرقية، الاله رحيم، هم متطرفون قذرين... فهم يضطهدون المدنيين كثيرا. فقد صاغت دجلة الأمر على هذا النحو: نحن خائفون باستمرار، بإمكانهم اعتقالنا في اي لحظة فلا يوجد قانون.
تعم الفوضى في غياب القانون حول المناطق الريفية في عفرين. وقالت هناك عمليات سطو في الليل و يقتحمون منزلك ولا يمكنك المقاومة، فالذين يقاومون إما يُضربون او يُقتلون. وقالت انه لا يوجد محاسبة لأن الفصائل تهدد وتضرب الاناس الذين يتقدمون بشكوى، لذا يفضل الناس الالتزام بالصمت او الفرار. الاغتصاب جريمة حرب لطالما امتنعت جماعات الثوار عن ارتكابها، لكن تقارير حالات الاغتصاب التي ارتكبها مقاتلو الجيش الوطني السوري تتداول بين الكُرد المحليين ووسائل الاعلام الكردية. من المقلق ان اثنين من افراد الجيش الوطني السوري قاسم ومحسن اكدوا لي حدوث مثل هذه الحالات وكان بإمكانهم تسمية نساء اكراد ايزيديات ممن تعرضن للاغتصاب من قبل مقاتلي الجيش الوطني السوري في عفرين.
قال محسن الذي شارك في الهجوم على عفرين ان الأهالي يكرهون الفصائل ويخشونهم. واعترف مشيراً الى تقارير اغتصاب النساء الكُرديات من قبل مقاتلو الجيش الوطني السوري أنه هناك اغتصاب الجثة ... ثم انتهكوا جنسيتهم الكردية مشيرا إلى انتهاك حقوق الكرد اللغوية والثقافية تحت الحكم التركي. حقوقهم مغتصبة ونتيجة لذلك غادر معظم الشباب المنطقة والبقية وهم اقلية يتأقلمون مع الوضع.
يبدو ان مقاتلي الجيش الوطني السوري يقظين تجاه صورتهم العامة. وقال قاسم وهو احد افراد الجيش الوطني السوري انك تشعر بالخزي بانتمائك الى هذا الجانب، خاصة انه لا يمكنك تغيير شيء. فسمعة بعض الفصائل مثل احرار الشرقية المكونة من مقاتلين من شرق سوريا وخاصة من دير الزور سيئة جدا لدرجة ان النازحين من مناطق دير الزور الى مناطق الجيش الوطني السوري يشوبهم الانتماء لتلك الفصائل . وقال خالد وهو ناشط من شرق سوريا يعيش في الباب، موطن الكثير من مقاتلي احرار الشرقية أنه يفترض الناس انه في اللحظة التي تتحدث فيها بلهجة ديرية فأنت مع احرار الشرقية.
في القرى الصغيرة ذات الغالبة العربية والمناطق ذات الغالبية التركمانية وكذلك بلدة مارع عادة ما يكون المقاتلون محليين ويتوافقون مع السكان حسبما افاد ايمن وهو ضابط في الشرطة العسكرية. لكن في مناطق مثل اعزاز والراي وجرابلس وكذلك الباب وعفرين عادة ما يكون المقاتلون دُخلاء حيث تدير الفصائل في هذه البلدات سجونا ينتشر فيها التعذيب. وتنشر القنوات الشهيرة على تطبيق تلكرام – Telegram - للمراسلة مثل الباب, الكابوس و جرابلس, الكابوس بشكل متكرر تقارير عن الانتهاكات التي تنفذها الفصائل.
ما الذي يحفز المقاتلين؟
في صورتهم الرسمية العامة، يعتبر مقاتلو الجيش الوطني السوري انفسهم على انهم امتداد للثورة السورية ويطلقون على انفسهم اسم الثوار. و في السر يتهمون بحرية اولئك الذين يقاتلون بصفوفهم بانهم يقاتلون بغية المال، والبعض الاخر يعترفون بذلك بأنفسهم، ويبررون لذلك من خلال سرد اسعار السلع والايجار والكهرباء والماء التي ينبغي عليهم تأمينها لعوائلهم. لكن لم يعترف احدهم بتورطهم بأعمال اجرامية بأنفسهم، فهم يتهمون المقاتلين الآخرين في فصيلتهم بالقيام بنهب المدنيين وسلبهم دون عقاب. وقال عبد الله وهو مقاتل مع لواء حمزة ان بعض المقاتلين ينضمون من اجل غنائم الحرب والمال وحسب فالانضمام للجيش الوطني السوري يعد شكلا من اشكال الحماية وذو قيمة في منطقة يغيب عنها القانون.
وقال محسن وهو مقاتل مع لواء المعتصم من الجيش الوطني السوري ان البعض من المقاتلين هم ببساطة مدمنو مخدرات ومجرمون. والآخرون مدفوعون بحب السطوة و السلطة يستمتع المقاتلون الشباب على نحو خاص بعروض قيادة السيارات على وسائل التواصل الاجتماعي والتلويح بالأسلحة واقتحام المناطق السكنية في متأخر من الليل واطلاق النار من اسلحتهم والاستمتاع بغيابية القانون الممنوحة لهم. ومع ذلك فلا يزال هناك اخرون مدفوعون برغبة الانتقام من وحدات حماية الشعب YPG ومن بينهم ثوار سابقين من حلب التي تم حصارها وتضور سكانها جوعا جراء قرار وحدات حماية الشعب بقطع الامداد الوحيد الى المدينة. جاء ذلك بعد سنوات من القصف مرارا وتكرارا على الاحياء التي بين المعارضة ووحدات حماية الشعب بينما نزح اخرون من بلداتهم عندما استغلت وحدات حماية الشعب YPG هجوم النظام على حلب لتحقيق مكاسبها ضد المعارضة الناشئة. وقرر الثوار المقاتلون من شرق سوريا انه من غير الآمن العودة إلى ديارهم بعد استيلاء قوات سوريا الديمقراطية قسد على الاراضي التي كانت فيما سبق تحت سيطرة داعش.
العنصرية المحضة تلعب دورها. فإن ايديولوجية حزب البعث العربي بوصفه حزب النظام الحاكم جعلت الكرد مواطنين من الدرجة الثانية نسبة للسوريين العرب ككل. إذ ان هيمنة قوات سوريا الديمقراطية وهيمنة ادارتها الكردية مزعجة بشكل خاص للعرب الذين يشيرون إلى الكُرد على انهم مُلَمِّعُو الاحذية و منظفو الشوارع. وذكرت دجلة أنه قال لي البعض من اطفال العرب في وجهي اشياء مثل انتم عاهرات، نتمنى ان تذهبوا للجحيم وسنقتل جميع الكُرد وتوقفت لبرهة لتعكس ردة فعلها تخيل كم الكره الذي يعلمونه لأطفالهم في المنزل ليتحدثوا هكذا؟
لكن هل جميع هؤلاء المقاتلون هم متطرفون في الغالب كما زعم بعض المسؤولين الأمريكيين؟ وأظهرت الفيديوهات السابقة لمقاتلي الجيش الوطني السوري وهم يشاركون في الترانيم والاغاني الجهادية. البعض من المقاتلين يحملون افكار متعصبة – متجلية، على سبيل المثال في تدنيس المعابد الايزيدية في عفرين، وتدمير المتاجر التي المشروبات الكحولية في عفرين، والارغام القسري بحكم الواقع على ارتداء النساء في عفرين للحجاب. والخطاب الاسلامي الذي يتضمن الاشارة الى قوات سوريا الديمقراطية على انهم ملحدون أو مرتدون والذي اثر على مواقف بعض المقاتلين. عندما يتم السؤال عن هذه الترانيم والفيديوهات، فأن المقاتلون (وافراد من مجتمعاتهم) يزعمون أنهم يضعونها للعرض فقط، ويتظاهرون بأنهم محاربون مقدسون، بينما في الواقع يشربون الكحول ويدخنون ويتعاطون المخدرات.
وقال محمد وهو مقاتل في فيلق المجد لإثبات ان اخوته في السلاح غير مُتَّقِين ان هذا الحديث عن الجهاديين لا معنى له، فلا يوجد هنا داعش او هيئة تحرير الشام }الجماعة الجهادية المسيطرة التي تهيمن على ادلب الخاضعة للثوار{ وأن الشباب هنا يتعاطون الحبوب المنبهة. لأجل هذا: إذا كان المقاتلون جهاديين مؤمنين حقيقيين فمن المحتمل أو الاحرى عليهم التوجه إلى ادلب للانضمام للتنظيمات الجهادية المختلفة العاملة في المنطقة والتغلب على قوات نظام الأسد الكافرة.
التنافر المعرفي
إن تمثيل المقاتلين لأنفسهم على انهم ثوار يقاتلون نظام الاسد القمعي يتعارض مع الواقع. إذ ان قوات الجيش الوطني السوري تجنبت إلى حد كبير المواجهة مع نظام الأسد ويبدو انهم مستسلمين لحقيقة كونهم مستخدمين من قبل تركيا و فقط من اجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية . وما زال القليل يأمل بأن تسمح لهم تركيا بقتال الأسد أو ان يتمكنوا من خداع اسيادهم الأتراك للسماح لهم بقتال النظام. أصر صالح وهو عضو سابق من لواء 20, احد فصائل الجيش الوطني السوري و المكون إلى حد كبير من مقاتلين نازحين من شرقي سوريا ان الاجتياح الحالي لشمال شرقي سوريا سيمكنهم من مواجهة الأسد، ولئن لم تسمح تركيا سيتشابكون مع قوات النظام. وقال لي لا نبالي بما تقوله تركيا بعد دخول شمال شرق سوريا مع القوات الغازية.
وبرر البعض الآخر العمل مع تركيا إلى غياب أي حلفاء محتملين آخرين. وكتب عصام وهو عضو من الجيش الوطني السوري ويعمل في عمليات نزع الالغام بلغة عربية ركيكة من منزله في عفرين الذي تم مصادرته من عائلة كُردية: لا احد يقف بجانبنا حاليا سوى تركيا. أين العرب؟ أين أوروبا؟ لذا علينا الوقوف بجانب تركيا كما وقفت بجانبنا وبعد مرور بضعة ايام وبعد تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ان تركيا لا تعارض سيطرة النظام على مناطق في شمال شرق سوريا، وأشار قانطاً إلى أن الجيش الوطني }السوري{ سوف يحمون الحدود التركية وحسب, هذه هي المهمة ففي أرضنا لا نمتلك }قدرة اتخاذ{ القرار.
لكن يبدو أن المقاتلين الآخرين أكثر ادراكا لعجزهم عن التأثير في مسار الحرب، ناهيك عن تحقيق هدفهم بإسقاط نظام الأسد. لكنهم يشعرون أنهم مقيدون بالتزامهم بإعانة عوائلهم. لم يعبر احد من مقاتلي الجيش الوطني السوري أو من القادة الذين تحدثت معهم عن رغبتهم في ترك الفصائل – وإن وجدت وظيفة اخرى – بسبب شعورهم بعدم الارتياح بقتالهم نيابة عن بلد آخر وشعورهم بعدم الرضا عن التعويضات الضئيلة التي يتقاضونها . الحقيقة المرة التي يواجها هؤلاء الشباب النازحون رغم كونهم من ذوي التعليم والمهارات المحدودة هي وجود فرص قليلة اخرى في المنطقة التي مزقتها الحرب.
وأبانَ حسن وهو من سكان دير الزور الأصليين أنه تم ترحيلي من تركيا إلى ادلب ولأنني كنت مطلوبا لدى هيئة تحرير الشام كان لا بد لي من الفرار إلى شمال حلب و العمل الوحيد الذي استطعت ايجاده كان مع أحرار الشرقية جراء ذلك، فقد شارك حسن في الهجوم التركي الأخير وشاهد مقاتلين زملاء له وهم ينفذون اعدامات ميدانية ومن بينهم السياسية الكُردية وناشطة حقوق المرأة هفرين خلف.
يدرك العديد من هؤلاء الشبان محنتهم و بأن حلم السماح لهم بقتال النظام في نهاية المطاف هو حلم بعيد و ليس في متناولهم فالصدمة والشعور بالذنب باديين للغاية. فقد امضوا ساعات معي بشوق على الهاتف، حيث قدموا تفاصيل العنف والإساءة التي شهدوها. كان الاشمئزاز واضحا في اصواتهم – وغالبا ما لجأوا إلى استعمال ضمير الغائب عند وصف افعال الفصائل، ولا يعزونها لأنفسهم. واشار مازن وهو مقاتل في الجبهة الشامية إنهم }مقاتلو الجيش الوطني السوري { موظفون لدى الدولة التركية لحماية حدودها ثم تحول إلى ضمير الشخص الأول الحاضر : الأتراك يستخدموننا كوقود لمدافعهم فقد اصبحا مرتزقة.[1]