تاريخ حركة الحرية الكردستانية الحلقة 5
جميل بايك
أود التطرق إلى موضوع انضمام بيلوت إلى هذه الحركة، الذي ضم بيلوت إلى صفوفنا هو عبد الرحمن، وكلاهما من “آغري”، عبد الرحمن كان يدرس في كلية العلوم السياسية وأنضم إلينا، وذكر في أحد الأيام أن هناك شخص من آغري ويعمل في توركوشو، وأنا أعرفه وهو شخص جيد يريد الانضمام إلينا، ويمكننا الاستفادة منه، و”توركوشو” هي مؤسسة للطيران المدني، ويدعي أنه يعمل هناك ولديه راتب مثل أي موظف، وتوضح لنا فيما بعد أنهما عندما كانا يدرسان الثانوية بل وحتى الإعدادية يقوم ضابط برتبة مقدم بعقد علاقة معهما مع مجموعة تتكون من سبعة أشخاص، ويجلبهم المقدم إلى أنقرا ويستأجر لهم بيتاً في حي Emek ويسجلهم جميعاً في الجامعات، في المقاعد المخصصة للاستخبارات MIT، ففي كلية العلوم السياسية مثلاً كان هناك عشرون مقعداً مخصصاً لMIT يسجلون فيها أتباعهم بإسم الطلبة ليدرسوا ويمارسوا ما يطلب منهم، وليقوموا بتنظيم أنفسهم بين الطلاب ويحصلوا على المعلومات وهكذا يعدون ويدربون كوادرهم، وهذا الأمر يسري على كل الجامعات. هذه المعلومات حصلنا عليها فيما بعد، فقد زرعوا بيلوت بيننا والآخرون بين التنظيمات اليسارية التركية، حتى أن أحد هؤلاء دخل في اللجنة المركزية لتنظيم يساري تركي، وكان يحتل الصدارة في كافة النشاطات، وكنا معجبين جداً بجرأته ونقول: أنه جريء جداً، ولا نعلم أنه رجل المخابرات ويستمد جرأته من هناك.
لم يجلب عبد الرحمن إلى صفوفنا سوى شخص واحد وهو بيلوت، أما فاطمة فقد جلبت امرأة واحدة وهي مهاجرة يوغسلافية اسمها “نادرة”، وعندما رحلت فاطمة ذهب نادرة أيضاَ معها. قطعنا علاقتنا مع عبد الرحمن في اجتماع عقدناه في بيت طلبة سيرت، والسبب في ذلك أنه لم يكن منضبطاً حسب ضوابط هذه الحركة، فقد كان غامضاً ويتسبب في المشاكل أينما ذهب، لم يكن أي من الرفاق قادراً على العمل معه، ولهذه الغاية عقدنا اجتماعاً في بيت طلبة سيرت، وحينها قال : إما أن تلقوا بعض الخطوات وإما أنكم ستتعرضون للإبادة في وقت ليس ببعيد. فكل همه هو أن نلقي بعض الخطوات، والخطوات التي يتحدث عنها لا يحتملها الوضع الذي نحن فيه، ويستحيل القيام بها. وقال بأنه لن يسير معنا إذا لم نلق الخطوات التي يريدها، وعندها قلنا بأننا لن نعمل معك ثم قاطعناه. ولكن عندما تلفظ بتلك الكلمات قال الرفيق كمال: أن هذا يعلم بعض الأمور، فقلنا: أنه عبد الرحمن ويثرثر، قال الرفيق كمال: لا، يبدو أنه يتكلم بشكل قطعي ولا بد أنه يعرف أشياء نجهلها، وعليه أن يوضح ذلك وأن لا نتركه لحاله. ولكننا لم نلبي طلبه. لقد كان الرفيق كمال بير مرهف الحس ذو تفكير قوي جداً، وسريع الجواب والبديهة، هذه مزاياه، كان يلتقط ما بين الكلمات ويرد بسرعة، وكان قادراً على رؤية ما لا يراه الآخرون، لأنه كان يلاحظ كل كلمة وكل حركة، لأن الانتظام في شخصيته كانت في أعلى المستويات، وكان عميق الوعي، ولهذا كان يرى مابين الكلمات. ونحن لم نأخذ ذلك محمل الجد في ذلك الوقت.
هكذا قطعنا العلاقة مع عبد الرحمن، وبقي بيلوت بين صفوفنا، وهو يصاحبنا أينما ذهبنا، ليس لديه معرفة على الصعيد الإيديولوجي ولكنه يتظاهر بأنه مستعد للقيام بكل ما تطلبه الحركة منه، ليثبت ارتباطه الوثيق بها، وكان يدعي أن أسرته فقيرة وليس له سوى الراتب، وأنه دخل كلية العلوم السياسية بعلامة عالية جداً، سألناه عن كيفية الدخول إلى الجامعة، كان يجيب بأنه أدخل شخص آخر إلى الامتحان بدلاً عنه، صدقنا كلامه حينها. كان ينشغل دائماً ببعض الرفاق وليس جميعهم ، خصوصاً المتقدمين في المجموعة، ويحاول دوماً أخذهم إلى أمكان تابعة للمخابرات بحجة أنه يعزمهم أو ليشتري بعض الحوائج كي يتمكن من إلتقاط الصور وإصراره في ذلك كان لهذا السبب.
عمل جميع الرفاق في سروج ووفروا النقود لنتمكن من شراء كلاشينكوف، كل ميزانية التنظيم وتوفيراته لم تكفي، واضطررنا إلى استدانة مبلغ ألف ليرة من مهربي السلاح لنشتري ذلك السلاح، فالمهرب كان معروفاً ووعدناه أن نسدد دينه فيما بعد ، أخذناه إلى أورفا حيث ذهب كمال وبعض الرفاق إلى هناك ومعهم بيلوت. طبعاً كنا مسرورين جداً لأننا أصحاب كلاشينكوف وبعض الرفاق كانوا يقولون: نستطيع الحرب من الآن فصاعداً. كانت معنويات الرفاق عالية. بيلوت يقوم بوضع السلاح بين يدي كل رفيق ويقول لكل واحد منهم: إنك مذهل مع السلاح فهو يليق بك كثيراً، ثم يلتقط له صورة مع السلاح، ثم يغيب عن الميدان،يقلق الرفاق عليه لأن الفاشيين كانوا متحكمين في أورفا في ذلك الوقت، ويخاف الرفاق أن يصاب بمكروه، وعندما يعود يسأله الرفيق كمال: أين كنت فقد قلقنا عليك؟ يقول: لقد التقيت بزملاء لي من “توركوشو” وذهبت في جولة صغيرة معهم، ولهذا تأخرت، ولا يفكر الرفاق أن هذه أورفا، فكيف يلتقي بزملائه؟ وكل قلقهم على سلامته، فمادام قد عاد، ليست هناك أية مشكلة. بينما الحقيقة أنه قام بتسليم تلك الصور التي التقطها إلى المخابرات ثم عاد، طبعاً علمنا بذلك فيما بعد.
في أحد الأيام جاء وقال لنا كمال وأنا، أن هناك نقوداً كثيرة في توركوشو (الشركة التي يعمل بها)، وتحدث عن 12-13 مليون ليرة، وكان مبلغاً طائلاً في ذلك الوقت، وقال بأنه لا توجد تدابير أمنية مشددة عليها، ويمكننا الحصول عليها بدون أية خسائر، عندها قلنا: مادام المبلغ كبيراً إلى هذه الدرجة يمكننا المخاطرة، فلو استولينا على مثل هذه الأموال فإننا نستطيع إحياء الثورة، حتى ولو ضحينا ببعض الشهداء. ففرحنا وذهبنا إلى القائد وأخبرناه بشأن الأموال، وقلنا : إن بيلوت أخبرنا بها، ويمكننا الاستيلاء، قال القائد: هذا غير ممكن، فاحترنا في أمره، أنه يعرف تفاصيل وضعنا فلماذا يقول لا يمكن؟ ثم ذهبنا إليه مرة أخرى فرفض، وعندما كرر رفضه للمرة الثانية تخلينا عن الموضوع. توقعنا أن القائد يرى الوقت مبكراً لمثل هذه الأعمال، فلو دخلنا في مثل هذه الممارسات ستتحامل الدولة علينا وربما لن يستطيع التنظيم تحمل ذلك العبء، ولهذا يرفض القائد، وإلا فإن المبلغ كبير، بينما الحقيقة هي أن القائد يشتبه في أمر بيلوت ولهذا يرفض، ولا يخبرنا بشكوكه، ذلك ما أخبرنا به القائد فيما بعد. القائد يشك في بيلوت عندما يقارن بين دخله ومصاريفه، فالراتب الذي يدعي أنه يقبضه ضئيل جداً بالنسبة لمصاريفه، ويدعي أن أسرته فقيرة ولا ترسل له شيئاً، وراتبه معلوم، بينما مصاريفه تتجاوز خمسة أو ستة أضعاف الراتب، فيعتقد القائد أن هناك من يدفع له، ويشك في أمره، فمن هو الذي يدفع له؟. يمكن أن تكون الدولة، ويمكن أن يكون هذا الشخص مدسوساً، ويتابعه عن قرب، بينما نحن لم نكن نشك، صحيح أنه كان يصرف ولكننا لم نشك في أن يكون مدسوساً وكنا نحاول منعه من الإسراف، فإذا كنا نحتاج إلى المال لماذا نصرفه في المطاعم، هذا ما كنا نفكر فيه ولا نفكر في مصدر الأموال. بينما القائد فكر فيه وأكده.
كان بيلوت يتوقف على القائد وبعض الرفاق، ويعتمد على النقود، لجر الحركة إلى بعض الممارسات غير المخططة، فإن استطعت تصفية البعض في بعض الممارسات واعتقلت البعض الآخر وسيطرت على البعض بالمال عندها ستتمكن من السيطرة على الحركة، وهذا ما كان يقوم به بيلوت، كان يلتقط من لديه نقطة ضعف نحو المال،أما الآخرون فيقضي عليهم من خلال دفعهم إلى ممارسات خاطئة مثلما فعلوا بماهر جايان فقد كان المدسوس هناك برتبة مقدم أيضاً. وبعد ذلك فهمنا أن بيلوت كان نقيباً في المخابرات وعمله في توركوشو وما إلى ذلك كلها أكاذيب ليس لها أساس من الصحة. وقد تدرب بشكل خاص من أجل هذه الحركة، فقد كان ذو بنية رياضية ممتازة، تظهر مدى التدريب الذي تلقاه، مما يعني أنهم دربوه بشكل خاص، وهكذا حال القائد دون دفع بيلوت للحركة إلى التورط في ممارسات قد تسفر عن التصفية بالقتل والاعتقال، كما حال دون تمكن بيلوت من السيطرة على الحركة بالمال، هكذا كان الصراع الذي خاضه القائد ضد بيلوت.
بعد أن تيقن القائد من شخصية وعمل بيلوت، بدأ بإرسال المعلومات المضللة إلى الدولة عن طريقه حتى حادثة توزلوجاير، عندها علمت الدولة أن المعلومات التي يأتي بها بيلوت غير صحيحة، أما قبل ذلك فلم تكن تعلم، مثلاً كان يسأل القائد عما يريد القائد القيام به، والقائد يجيبه بأنه يريد القيام بما تقوم به الحركات الأخرى، مثل تأسيس جمعية أو إصدار صحيفة، ولكن ليس لدينا المال. فيقول بيلوت: أنا أتكفل بالمال. يسأله القائد: من أين ستأتي به؟ يجيب: سأجمعه. وإن قلنا نحن بحاجة إلى مائة ألف يقول: سأجلبه فوراً. كان يخاطب القائد ب “آبي” (الأخ الأكبر). يقول: يا آبي إن قلت لي ارم نفسك من النافذة سأرمي نفسي بدون تردد!. ليؤكد على مدى ثقته بالقائد. ولكن الجانب الذي كان يكشف عن حقيقته هو ضعفه الكبير من الناحية الإيديولوجية. كان قوياً من كل الجوانب ماعدا الجانب الإيديولوجي، وهذا الجانب هو الذي شد انتباه القائد، قال القائد: لقد وجدته ضعيفاً من الناحية الإيديولوجية ولا يعمل على تدريب نفسه، فمثلما توقف القائد على كل رفيق من أجل تدريبه على الجانب االايديولوجي توقف على بيلوت أيضاً، ولكنه وجده لا يرغب في تدريب ذاته على هذا الصعيد، فيعطيه كتاباً ليقرأه، ولكنه لا يقرأ، وعندما يسأله يقول لقد قرأته. بينما القائد يراه لا يقرأ، هذا ما أثار انتباه القائد حتى تأكد من شكوكه. وبعدها تم استخدامه، فقد استطعنا سحب مبالغ طائلة من الدولة، ونقل المعلومات المضللة عن طريقه إلى الدولة، مما أنقذنا لفترة من اعتداءات الدولة. وهكذا استطاع القائد استخدامه حتى حادثة توزلوجاير.
لقد استطاع القائد تأمين مصاريف هذه الحركة أولاً مما جمعه خلال عمله كموظف في آمد، من راتبه، عندما تقول له والدته: اشتري لي فستاناً من مالك، فيجيبها القائد بالرفض، أي أنه حتى يرفض شراء فستان لوالدته كي لا يهدر ما يجمعه، ثم يصرف ما جمعه في خدمة الحركة، وثانياً ما استطاع الحصول عليه من بيلوت ليستخدمها في تمويل الحركة، حتى تقدمت الحركة، المصدران من مال الدولة. ولأنه استطاع أن يحصل على المال من الدولة لتمويل الحركة، واستخدام عميلهم المتدرب لصالح الحركة، لم تستطع الدولة التركية هضم ذلك، فكيف يمكن خداع الدولة التركية؟ فكيف يمكنك تطوير حركة مناهضة للدولة بإمكانياتها؟. ولهذا كان يجب الانتقام من القائد بشكل فظيع، وعندما نرى اليوم مدى حنق الدولة التركية ومدى قسوتها على القائد، فذلك هو السبب بالإضافة إلى الأسباب الأخرى، فهو ثانياً استطاع أن يدفع بتركيا إلى تأسيس الدولة الكردية في الجنوب بأيديهم، وثالثاً حالت الحركة دون تأسيس إمبراطورية تركية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورابعاً أرادت الدولة التركية تأسيس دولة قومية ذات قومية واحدة وحال القائد دون ذلك أيضاً، وخاصة أن القائد قام بالتركيز على الدولة القومية ومساوئها في مرحلة ما بعد المؤامرة وأثبت أن عصر الدولة القومية قد ولى ويستحيل استمرارها في هذا العصر، لكل هذه الأسباب تعمل الدولة على الانتقام من القائد شر انتقام، فهم يعملون على خلق دولة الأمة التركية، والقائد يقول باستحالة ذلك، وهذا أيضاً سبب للانتقام.
استمر وضع بيلوت على النحو الذي ذكرناه حتى حادثة “عمر بولات” وهو كاتب من آغري، ففي أحد الأيام وصلنا نبأ أن عمر بولات تعرض لإعتداء من طرف الفاشيين، وقد استطاع النفاذ بجلده من البيت، بينما بقيت زوجته وأطفاله في البيت أسرى بيد الفاشيين، وهو يطلب منا المساعدة، في ذلك الوقت كنا في بوفيه كلية الحقوق، والذي نقل إلينا المعلومة هو عبد الرحمن، حيث كان بيننا في ذلك الوقت، طبعاً قلنا : لنذهب مادام الأمر كذلك، وعندما وصلنا لم نجد الفاشيين حول المكان، ودخلنا البيت لم نرى آثار الخوف والرعب على الزوجة والأطفال، فكيف بامرأة يحيط بها الفاشيون ويهرب زوجها خوفاً منهم، فإما أن تموت من الرعب، أو تبكي وتولول على الأقل، ولكننا لم نر شيئاً من ذلك! عندها قلت للرفيق حقي قارار، كيف هذه المسألة؟ أنا لم أفهم شيئاً منها. قال: سنتحدث عن ذلك فيما بعد. فأخذنا المرأة وخرجنا وليس هناك فاشيون ولا أي شيء آخر. وعندما وصلنا إلى “أولوس” قال عمر بولات نحن نشكركم ويمكنكم الذهاب الآن، فغادرناهم. لم نعرف ما يجري حينذاك، وفهمنا فيما بعد أن بيلوت يريد أن يؤكد للمخابرات بأنه قادر على أن يجرنا إلى حيث يريد لتأكيد مصداقيته، فتقوم المخابرات بصنع هذا السيناريو لتتأكد من ادعاء بيلوت، وعندما شاهدونا نذهب حوالي خمسة عشر من الرفاق تأكدوا من صحة ادعائه، وأن له تأثير، ونحن نقوم بما يريده بيلوت وعبد الرحمن، ولهذا زادت ثقتهم به، ويعطيه القائد معلومات مضللة فيثقون به، إلى حادثة توزلوجاير، ومداهمة المنزل الذي يقطنه الرفيق قره سو.
يتردد بيلوت على القائد ويطالبه القيام بالعمليات، فيقول له القائد مادمت تطلب ذلك مراراً، فلنقم بها، لنجتمع غداً في المنزل الذي يقيم فيه قره سو وسيأتي فلان وفلان ويذكر أسماء جميع الرفاق، وكذلك سأحضر أنا وتعال أنت لنقوم بوضع بعض الخطط للعمليات. ويستمر الحديث ويؤكد بيلوت على الوعد ثلاث مرات: غداً الساعة الفلانية في المنزل الذي فيه قره سو، والقائد يجيبه بنعم، والرفاق فلان وفلان سيحضرون، والقائد يجيب بنعم. فيخرج بيلوت ويذهب إلى المخابرات مباشرة ويخبرهم بالموعد والمكان، ثم يرسل القائد أحد الرفاق ليرى إن كان قره سو في البيت أم لا. فيقترب الشاب من ذلك المكان ليرى أن البوليس قد حاصر المكان بالكامل في ثلاث حلقات، فيعود إلى القائد ويقول له: هناك ثلاث حلقات للبوليس حول ذلك المكان وهو أمر غريب، والقائد يقول لا بأس. ولم يذهب أحد إلى هناك، وبالمصادفة تم اعتقال الرفيق كمال بير مع سلاحه في ذلك الوقت ، حيث كان ينتقل من مكان إلى آخر وجرى اعتقاله في السيارة، فقد كان وقت الانتخابات ويجري التفتيش أحياناً، وفي تلك الأجواء يجري اعتقاله، ينتظر البوليس فلا يرى أحداً يتردد فيعتقد أن من يريدونهم قد سبقوهم في الدخول إلى البيت، فيقتحمون البيت فلا يجدون سوى قره سو في البيت، فيسألونه عن صاحب البيت فيقول أنا هو، فيقولون: هل تقيم وحدك وليس لك رفاق؟ فيجيبهم بنعم وحدي، فيفتشون البيت عن السلاح والممنوعات فلا يحصلون على شيء، عندها يفهمون أن المعلومات التي يزودهم بها بيلوت كلها غير صحيحة. وبعد تلك الحادثة أصبح بيلوت يبحث عن القائد بهدف التصفية. ربما قالوا له أنك خدعتنا، ولن نقبلك إلا بعد أن تقوم بتصفيته، لهذا السبب كان يبحث عنه بإصرار، حيث ذهب إلى أورفا وإلى بيت والد القائد وإلى عنتاب حيث كنت هناك وأرسلت إليه أحد الرفاق، ليقول له أن القائد موجود في إزمير، في حي قديفه كاله، وعندما يذهب إلى هناك سيتمكن من لقائه، وكانت نيتنا أن نوقعه في مصيدة، وكنا نعلم أنه ليس لوحده، فهو لن يتجول لوحده ولا بد من أن يحميه بعضهم، ولكن لم نتمكن منه. لقد حاول بيلوت كثيراً أن يقضي على القائد بعد ذلك التاريخ ولكن القائد بات مختفياً، ثم قالوا بعد ذلك أنه قتل في حادث طائرة خلال انقلاب 12 أيلول في أضنه. هكذا كان وضع بيلوت، فهدفه الأساسي كان السيطرة على القائد ليتمكن من فهم الحركة وتصرفاتها من خلاله، ليتخذوا تدابيرهم حسب ذلك، ومن الناحية الأخرى استخدموا المال للسيطرة على الحركة، ثم بدفع الحركة إلى أعمال غير مبرمجة لقتل الكوادر أو اعتقالهم، لتصفية الحركة مثلما فعل إلياس في DHKP-C، فهو أيضاً كان نقيباً مثل بيلوت، ومرتبط بدائرة الحرب الخاصة، مكلفاً بتلك المهمة، ولكن القائد حال دون حدوث ذلك، فهو حال دون استسلام الحركة للمال. وهذا أمر مهم.
عندما انضمت فاطمة إلينا، تسببت في الكثير من المشاكل للحركة، وكانت تركز في علاقاتها على القائد في محاولة لفرض سيطرتها على القائد وعلى الحركة معاً، فالقائد بالنسبة إليها هو الأساس وربما مجموعة صغيرة أخرى من المحيطين به، أما الآخرون فلا تحسب لهم الحساب مطلقاً، بل لم تكن تحسبهم حتى في عداد البشر. فهي لم تكن شخصية يستهان بها، فقد كانت واعية ومتدربة وكانت قادرة على النقاش والتأثير على من يناقشها، وتتميز بمزايا إيجابية كثيرة، ولو وضعت مزاياها تلك في خدمة الحركة لاستطاعت تحقيق فوائد كثيرة للحركة، ولكنها لم تفعل ذلك أبداً، واتخذت موقفاً مضاداً للحركة دائماً، وعملت باستمرار على فرض سيطرتها على القائد، حيث جعلت من ذلك أساساً لها ولكل ما تقوم به من نشاط، وكان القائد يقول لها: إنك تحاولين دائماً أن تضعي حبلاً حول عنقي، وأنا لا أقبل بذلك، ولن تستطيعي ذلك. في المقاربة من فاطمة كانت هناك بعض الجوانب العاطفية أيضاً، فالقائد كان يوليها اهتماماً كبيراً، وحاول معها كثيراً ليكسبها لصالح الحركة والشعب، وهي تقاوم ذلك، وعملت دائماً أن تفوز بالقائد، كانت تقول عن القائد: كيف هو هذا الإنسان، أنني عاجزة عن فهمه، حتى أنها قالت لبعض الرفاق مثل الرفيق فؤاد والآخرين: أنني أراكم أقرب مني إليه. إنه لا يشبه الآخرين، ومهما أحاول معه لا أستطيع التأثير عليه. رغبتها هي أن يبقى القائد رب أسرة ومطيعاً لها، بينما القائد لم يكن يتطلع أو يؤمن بتلك التي يسمونها بالحياة حتى في ذلك الوقت، فقد قرر أن لا يحيا تلك الحياة، والشيء الذي كانوا يسمونه بالمدنية المعاصرة في العلاقة الاجتماعية كان يرفضها القائد، بل كان يرى فيها موت الإنسان، والقائد لم يتوقف على التمدن المعاصر في إيمرالي فقط، بل لديه تحليلات عن ذلك في عام 1997، يتحدث فيها عن البدائية والمدنية والمبادئ، وهل الإنسان البدائي هو بدائي فعلاً؟ وهل الذي يدعي التمدن هو مدني بصدق؟ لديه تحليلات واضحة جداً عن البدائية والتمدن منذ ذلك الوقت، وهو يرفض مقاييس التمدن المعمول بها تماماً، بينما فاطمة تحاول شده إلى تلك الحياة، لتجعل منه رجلاً معاصراً، وكان بينهما صراع مستمر ودائم على هذا الأمر، وذلك الصراع لم يكن صراع شخصين، ربما كان يبدو كذلك ظاهرياً ولكنه في الحقيقة لم يكن بين شخصين، حيث كانت فاطمة تمثل طبقة والقائد يمثل طبقة أخرى، وفاطمة كانت تمثل أخلاقاً وثقافة معينة، بينما القائد يمثل أخلاقاً وثقافة أخرى، ومقاييس فاطمة تختلف عن مقاييس القائد، ومواقفهما من الإنسان والمجتمع والحياة مختلفة تماماً، فاطمة كانت ملتزمة بالمفهوم التقليدي وتحاول شد القائد إلى ذلك المفهوم، والقائد يرفض تماماً ذلك المفهوم التقليدي، وكان هذا أحد جوانب الصراع بين فاطمة والقائد، فاطمة كانت تمثل الطبقة الكردية المتواطئة العميلة، بينما القائد يمثل الكردي المتحرر، وذلك هو السبب الآخر للصراع، فاطمة كانت تمثل السلطة الحاكمة بينما القائد كان يمثل المجتمع، بل الطبقة الأكثر انحطاطاً في المجتمع، فاطمة تمثل المرأة وتحاول جعل القائد رجلاً، والقائد يرفض الرجولة والأنثوية التقليدية، هذه هي الأسس التي شكلت أساس الصراع بين فاطمة والقائد، وكان صراعاً عنيفاً جداً، استمر القائد في هذا الصراع لعشر سنوات، ورأى أنه يستحيل إصلاح فاطمة، وللاستمرار يجب عليه الانصياع لرغبة فاطمة وذلك أمر مستحيل، ولهذا تخلص من تلك العلاقة. ويتحدث القائد عن ذلك في تحليلاته فيقول: لقد أصبحت أمام خيارين، إما أن أتحول إلى رجل تقليدي، وفي ذلك تكون نهايتي ونهاية هذه الحركة، وإما أن أتخلص من تلك العلاقة، ففضلت التخلص منها.
كنا في بيت في آمد القائد وفاطمة والرفيق خيري وأنا، ولا نعلم بما حدث سابقاً بين القائد وفاطمة، ولكن بدأ بينهما نقاش بحضورنا، ونظراً لوجودنا لم يرغب القائد في استمرار النقاش على ذلك النحو، ولم نتدخل نحن لوجود القائد، خرج القائد من البيت وذهب بسبب ذلك، فهو يشير إلى ذلك في تحليلاته قائلاً: لقد هربت. فهو يقصد تلك الحادثة، حيث أراد الرفيق خيري دورموش التحدث مع فاطمة بعد مغادرة القائد، وأراد الرفيق أن يتحدث بقسوة بعض الشيء، ورأيتها تحاملت على الرفيق بدون احترام، عندها قلت للرفيق: الإنسان يتحدث للبشر، ولكن هذه ليست من البشر فلنخرج. قال الرفيق: إنني لن أخرج، ويمكنك الخروج إن أردت. ثم خرجت أنا. كانت للرفيق خيري ميزة وهي أنه لا يغضب بسرعة وكان ناضجاً جداً وهادئا، ولا يتنازل عن المبادئ ولا يساوم على الثوابت، وعندما يغضب لا يستطيع أحد التصدي له. وعندما قلت أنني سأخرج ، وقال لي أخرج كانت علامات الغضب بادية عليه، لأن كلام فاطمة كان فيه تحقير له وللقائد، هو ربما يسكت على الإهانة له ولكنه لن يسكت على إهانة القائد. ولهذا لم يخرج وتحامل عليها. بعدها التقيت بالرفيق كمال وفتحت له الموضوع وتوصلنا إلى قرار تصفية فاطمة من دون علم الحركة من أجل سلامة الحركة، فنحن كنا ندرك أننا لو فتحنا الموضوع للحركة فإن القائد سيمنعنا، فقلنا سنقوم بذلك وليعدمنا الحزب، فنكون قد أنقذنا الحركة والقائد من شرها، ويكفي أن الحركة تحملتها حتى الآن، ثم تناقشنا فيما بعد وغيرنا قرارنا، والسبب هو: عندما عقدنا العلاقة معها كان هناك سبب سياسي أيضاً، حيث أسرتها وعمالة الأسرة ووضعها كان غامضاً، والعلاقة معها كان بمثابة تدبير من أجل حماية الحركة، فلو نفذنا قرارنا ربما شكل خطر على الحركة، ولهذا السبب فقط لم ننفذ قرارنا، أي ليس خوفاً من الحركة أو من العقوبة، فنحن نعرف أن الحركة لن تقبل، وواثقين من أنها ستعدمنا، وكنا راضين بالإعدام من أجل الحركة والقائد. ويكفي أن ننقذ الحركة والقائد منها، بقي هذا القرار بيني والرفيق كمال بير، ولم نخبر أحداً به، وعندما كان الرفيق كمال والآخرون في الإضراب عن الطعام وفي أيامه الأخيرة، كان معه الرفيق ماشاالله أوزتورك في السجن، فيقول له الرفيق كمال، ربما تخرج من السجن يوماً ما لأن عقوبتك أقل من عقوبتنا، وإذا خرجت يمكنك أن ترى الرفيق جمعة وتقول له بأنه كانت بيننا مسألة في التاريخ الفلاني، وعليه أن لا ينسى. يقول له ماشاالله: يا رفيق إنني لم أفهم ما تقصد، فكيف أستطيع إفهامه؟. يقول كمال : قل له ذلك وهو سيفهم. يأتي ماشاالله إلى ساحة القائد، فيسأله القائد عن الرفاق وعن السجون، فيخبره عن وصية الرفيق كمال قبيل استشهاده، والقائد لا يفهم ما المقصود، ولا يستطيع استنتاجه، ثم ذهب الرفيق ماشاالله إلى أوروبا. وعندما ذهبت إلى ساحة القيادة في عام 1988، تكلم ماشاالله من أوروبا هاتفياً مع القائد وبعد أن أكمل حديثه قال: تعال وتحدث إلى ماشاالله فلديه رسالة من كمال إليك ليخبرك بها، فقلت لا داعي للحديث معه فأنا أعلم ما هي. فقال كيف تعرف؟ قلت: أعرف ولا داعي للحديث. وبعدها سألني القائد عنها قلت له المسألة وقرارنا. قال: حسناً فعلتم بعدم تنفيذ القرار. فقد علم القائد بالمسألة في ذلك الوقت ولم يكن يعلم بها قبل ذلك، والرفاق الآخرون علموا بها بعد ذلك.
فاطمة تسببت لنا بالكثير من المشاكل والمسائل داخل الحركة، ولكنها قدمت أيضاً خدمات جيدة للحركة ونشكرها من هذا الجانب، فلولا وجود فاطمة ربما لم يتوقف القائد على قضية المرأة بهذا القدر، ولما تقدمت حركة المرأة إلى هذا المستوى، ولولا وجود فاطمة ربما لم يمكن القائد من إلقاء هذه الخطوات الكبيرة على صعيد التحزب والتقدم بالحركة إلى هذا المستوى، ولهذا أشكرها فهي بوجودها قدمت خدمة كبرى، أي أنها أذاقتنا آلاماً ومشاكل كبيرة في الحركة، وأذاقت أكثر من ذلك للقائد الذي تحملها على مدى عشر سنوات، فنحن لم نتحملها، وعندما تحملها القائد فقد كانت له أهدافه لأن الشعب والرفاقية كانت أساساً ولهذا تحملها، ولولا تلك الأسباب لما تحملها القائد لثانية واحدة، فهو لم يتحمل أباه وأمه، وصعب عليه جداً أن يتحمل فاطمة، فإذا تحملها فهو للأسباب التي ذكرتها. فهو جعل من مقاربات ومواقف فاطمة دافعاً للاهتمام بقضية المرأة وإلقاء خطوات عظيمة للمرأة والحركة وبذلك ينتقم من فاطمة، وهذه إحدى حقائق هذه القيادة، فالانتقام لا يعني بالضرورة التصفية الجسدية، فالإبادة بهذا الشكل أكبر وأعظم من الإبادة الجسدية، ومنذ أن انتهى أمرها مع القائد وغادرت لم تستطع حتى اليوم أن تخرج على الملأ، بل قام بعض الخونة بعقد العلاقات معها بهدف استخدامها ضد الحركة، ولكنها رفضت، وقد ظهر لها مقالة قصيرة قرأتها واستغربت الأمر، حيث قالت: إنني لن أتلاعب بالقيم الوطنية ولن أضعفها. كانت مقالة قصيرة ضمن هذا الإطار، وأقول بصراحة من جانبي: أنني لم أتوقع هذا الأمر من فاطمة. والصراع الكبير الذي خاضه القائد مع هذه الشخصية في تلك المرحلة كان له تأثير كبير جداً على صعيد نمو الحركة وتقدمها وتحزبها، فإذا كان PKK قد تقدم في كفاحه إلى هذه الدرجة، فقد كان للصراع مع فاطمة دوراً أساسياً في التقدم الذي تحقق، ولهذا نحن نشكرها ونعتبر أنفسنا مدينون لها. هذه أيضاً إحدى حقائق هذه الحركة.
فيما يخص تلك المرحلة هناك وضع سليمان (باقي قارار) أيضاً، وهناك صراع سليمان وفاطمة، كما هناك صراع القائد ضد الاثنين كان سليمان أخاً للرفيق حقي قارار، كان يريد الاستيلاء على ميراث حقي قارار، حيث يقول: إنني أخو حقي أي أخو الشهيد، وكأنه كان يطالب بميراث حقي من هذه الحركة ليعيش عليه، وكانت الأسرة قد حرضته أيضاً، ولهذا كان سليمان يريد ممارسة السياسة على دم أخيه ضمن هذا التنظيم، ليجعل من دم الشهيد رأسمالاً له ليمارس سياسته القذرة، كان يريد الثأر من هذه الحركة، فهو يؤمن أن الرفيق حقي قد استشهد لنشاطه ضمن هذه الحركة ولولا ذلك لما استشهد ولهذا يريد الانتقام له من الحركة، إلى درجة أنه قام بتصفية أحد الرفاق في قارس بذريعة العمالة، فأدعى بأن الرفيق عميل حاول وضع قنبلة في حذائه، ولم يكن هناك شيء من هذا القبيل كان ذلك كذباً، والحقيقة هي أن ذلك الرفيق انتقده على تصرفاته التي لا تليق به كأخِ للرفيق حقي، وأراد سليمان أن يأخذ ثأره منه تحت اسم العمالة، فقام بتصفيته، وكاد أن يقضي على بعض الرفاق الآخرين لولا علمنا بالحادث وتدخلنا حتى أنقذنا حياتهم، ثم أخذنا أولئك الرفاق إلى جانب القائد ليبقوا شهوراً حتى استعادوا ثقتهم وحيويتهم، والرفيق دوغان كان أحدهم، استشهد فيما بعد في منطقة غارزان، وأحدهم كان الرفيق شاهين قلاووز، بتصفية الرفاق كان سليمان يريد الانتقام من الحركة، والسبب هو استشهاد الرفيق حقي من أجل هذه الحركة والأكراد، مدعياً أن الأكراد قتلوه، ولم تقبل به فاطمة، لأنها تقول إذا كان هناك حق فهو لي لأنني زوجة القائد، فإذا كان هناك من سيسيطر على الحركة فذلك هو حقي، ولهذا كان الاثنان يتصارعان فيما بينهما ويتصارعان مع القائد، وذلك الصراع كان بمثابة حرب قذرة جداً، بينما القائد خاض الصراع ضدهما بمنتهى الصبر، ومع ذلك كان يبذل الجهود ليكسبهما ويوحدهما مع الحركة، فقام بنقدهما ثم تحذيرهما بأن يتخليا عن ممارساتهما الخاطئة، ودلهما على السبيل السليم، ولكنهما أصرا على موقفهما وتصرفاتهما، إلى أن هربا وذهبا. الصراع الذي خاضه القائد ضد سليمان وفاطمة كان مهماً على صعيد حركتنا، فلولا ذلك الصراع والتصدي لمفاهيمهما لبقيت الحركة عرجاء وناقصة، ولما استطاعت الحركة تحقيق التقدم، ولتقدم مفهوم التوارث ضمن الحركة، ففاطمة صاحبة ميراث وسليمان صاحب ميراث آخر، ولكن القائد حال دون تقدم مثل هذه المفاهيم ضمن الحركة، كما لم يسمح بتطور التكتلات ضمن الحركة، ولهذا لا يمكن أن تكون هناك تكتلات ضمن الحركة بأي شكل من الأشكال، فواقع هذه الحركة لا يقبل بذلك، مهما كانت الذريعة لا يمكن قبول التكتلات ضمن الحركة، فإما أن تكون ضمن هذه الحركة كالآخرين وإما أن تتخلى عنها، أما البقاء ضمن هذه الحركة كما أنت وتقوم بعمل تكتلات تتناسب مع مزاجك لتقوم بالسيطرة على الحركة، هذا يشكل جريمة ضمن هذه الحركة ، وكل من فاطمة وسليمان أرادا أن يسحبا كوادر هذه الحركة إلى جانبهما، وهكذا كانا يخوضان صراعهما، مما يعني أنهما كانا يريدان سرقة إنسان هذه الحركة منها، نعم إنها سرقة، فلم ينضم أحد إلى هذه الحركة ليتحول إلى تابع لأحد الأشخاص، كل من ينضم إلى هذه الحركة يصبح كادراً للحركة، والكل يجب أن يعمل لجعل المنضمين كوادر للحركة، فمهما كانت مرتبته ومسؤولياته وأهميته ضمن الحركة لن يستطيع أن يجعل أحدهم ملكاً له، أو خادماً أو تابعاً له، فهذه جريمة كبيرة وسرقة الناس من الحركة مما يعني حرباً ضد هذه الحركة بالإمكانيات التي توفرها الحركة، فإذا كان القائد يتحامل على سليمان وفاطمة فهو لهذا السبب، حيث قال: لا يمكنكما ممارسة ما تقومان به ضمن هذه الحركة ما دمت أنا موجوداً، لهذا كان هذا الصراع مهماً. أما ما نراه اليوم هو أن بعضهم يجعل هذه الحركة ملكاً له، ويجعل الكوادر ملكاً له وفي خدمته أو تابعاً له، من خلال بعض المفاهيم والتصرفات والذرائع، بل يرون ما يقومون به صحيحاً، بل أن مثل هذه التصرفات هي حرب ضد هذه الحركة وجريمة كبيرة بحقها، وتعبير عن قلة الأخلاق، ولا يمكن القبول بها، فلا مؤسسات هذه الحركة ولا كوادرها ملك لأحدهم، ويجب أن لا يقوم أحد بمثل هذه الممارسات، وكل ما يجب عليه هو أن يكون كادراً بدون قيد أو شرط، ولا يمكنه أن يقوم بأي شيء آخر.
عندما استشهد الرفيق حقي قارار أراد سليمان أن يقوم ببعض الممارسات باسمه داخل الحركة، بينما الحركة والقائد لم يمنحاه الفرصة لذلك، بعض الذين تورطوا في حادثة الاستشهاد كانوا بيننا، وآخرون في الخارج، وكنت قد تحدثت عن تصفيتنا ل Sterka Sor فقد قمنا بتصفية امتداده في داخل حركتنا أيضاً، لأن بعضهم كانوا بيننا، وقد أشرت إلى اسم بوزان، فقد انضمت مجموعة من Halkin Kurtuluşu إلينا، فعندما ذهبنا كمال بير وأنا إلى عنتاب ، التقينا ب إلهان وممو وهما عضوان في THKO وكان إلهان قد تلقى تدريباً لدى الفلسطينيين، وكلاهما محترمان جداً، وحدثت بيننا نقاشات وعلاقات، وباتوا يقبلون بحركتنا هم والمجموعة الملتفة حولهما، كما كانت الإمكانيات مفتوحة لنا، ولو لم تحدث تلك الشهادة لانضموا إلينا بكل تأكيد، فبعد حادثة الشهادة انضمت تلك المجموعة المحيطة بهم إلينا، وكان بينهم بعض المدسوسين، وتبين فيما بعد أنهم أنفسهم الذين قاموا بتصفية إلهان وممو أيضاً، مثلما قاموا بتصفية حقي قارار مع علاء الدين قبلان، وكنا قد حصلنا على معلومات عنهم من استجواب “النجمة الحمراء” قبل تصفيتهم، والذين بيننا هربوا ولاحقناهم وعاقبنا قسماً منهم، وفي المحاولة الثانية تم اعتقال الرفيق كمال في مرعش، والذين قاموا بتصفية الرفيق حقي أعلنوا أنفسهم مدافعين عن حقي قارار في البداية وقالوا نحن “نتبنى نهج حقي”. وبذلك أرادوا السيطرة على الحركة، وعندما فشلوا وظهرت حقيقتهم هربوا ولجأوا إلى “تيكوشين” ودخلوا في مجابهة ضدنا قائلين: نحن ضد آبو والآبوجيين، وبهذا الموقف أرادوا تصفية الحركة، ولم ينجحوا لأننا لاحقناهم، ولهذا تم اعتقال الرفيق كمال. واجهنا نفس الحادثة في مسيرة الحركة مرة أخرى وبنفس الشكل، كان ذلك في المؤتمر التأسيسي الأول لمؤتمر الشعب KONGRA GEL، فالذين كانوا يعادون القائد قالوا: “نحن مع القائد ونفهمه وندافع عن نهجه ونعمل على تطبيق ذلك النهج ولكن هناك من يعرقلنا”، وهم كانوا يقصدوننا بذلك. وهدفهم كان فرض سيطرتهم على الحركة، ولم نكن نحن الهدف، بل الهدف هو القائد، ولكن عندما فشلت محاولاتهم وهربوا قالوا: “نحن نناهض آبو”. و”نحن ضد هذا النهج منذ عام 1991″. لقد كانت المؤامرتان متطابقتان، فما عايشناه في المرة الأخيرة كانت مماثلة لحادثة حقي قارار، بل يمكن القول أنها تكررت، وعندما تدخلت أنا في المرة الأخيرة فلأنني وجدت أننا بصدد تكرار حادثة حقي مرة أخرى، ولو لم نكن عشنا وفهمنا حادثة حقي قارار ولم أكن شخصياً ضمن الأحداث، ولم أكن بين من قاموا بالتحقيق فيها، ربما ما أدركت ما كان يجري في المؤتمر الأول ل KONGRA GEL، فإن كنت قد فهمت فللأسباب التي ذكرتها، لأن المؤامرتان كانتا طبق الأصل.
في أنقرا عندما قررت الحركة الأمتداد إلى كردستان للنضال فيها، كانت قد وضعت بعض حساباتها بدون شك، وبناء عليه ألقت تلك الخطوة، فقد جعلنا من المدن الكردستانية القريبة من تركيا أساساً لنا في تلك المرحلة، ابتداء من عنتاب ووصولاً إلى ديرسيم وآغري، ففي البداية لم ندخل قلب كردستان عن وعي وإدراك، لأن سراج بيلكين كان قد قال: إننا سنكسر أرجلكم. ولو تقدمنا أكثر كان هناك PDK، ولهذا كان علينا أن ندخل كردستان بحذر شديد، وذلك كان السبب في اتخاذ المدن الكردية القريبة من تركيا أساساً لنضالنا في البداية، حيث لم يكن هناك PDK وكنا قادرين على النشاط هناك، ولو رسخنا أسس نضالناهناك سنتمكن من التقدم تدريجياً، وعندها لن نواجه خطراً، وحتى لو كان هناك خطر فسيكون تنظيمنا سليماً من خلفنا وعندها نستطيع حماية أنفسنا، ولو لم نفعل ذلك وذهبنا إلى هكاري وسيرت للنضال، كان من الممكن أن نتعرض للإبادة، هذه أحدى الأسباب التي جعلتنا نبدأ من هناك، السبب للآخر هو أن تنظيمنا قد تشكل في الجامعات بين الشبيبة وفي خضم الصراع ضد الفاشيين، فربما ناضلنا في عنتاب وماماك بعض الشيء إلا أن ذلك أيضاً كان ضد الفاشيين في الواقع، ولم تكن التجربة الكردية متوفرة لنا، بل إننا لم نكن نعرف ما هو الكرد وكردستان، ربما كنا نعرف بعض الشيء عن كردستان نظرياً ولكن التجربة لم تكن متوفرة، بل حتى لم نكن نتكلم لغتنا الكردية، فماذا سنستطيع القيام به لو ذهبنا إلى هكاري وغيرها، أما الأماكن القريبة من تركيا فقد كانت مريحة لنا وكنا قادرين على العمل فيها دون مشاكل كبيرة، فمهما كانت مدن كردستانية إلا أن فيها كثير من مزايا المدن التركية فليس هناك فرق كبير بين عنتاب وأنقرا، وإذا حصلنا على التجربة اللازمة عندها نتمكن من النضال في كردستان، كما كانت لنا حاجة إلى الكوادر وفي هذه المناطق نستطيع خلق الكوادر اللازمة وتأسيس التنظيم نظراً لأن تلك المناطق متطورة على الصعيد الاجتماعي، لهذه الأسباب اتخذنا من تلك المناطق أساساً لنا في البداية، فالنضال فيها يكسبنا الخبرة اللازمة ثم يخلق لنا الأرضية الصلبة التي يمكننا الانطلاق منها إلى المناطق الأخرى، وكان ذلك موقفاً سليماً أعطى ثماره فيما بعد، فلولا ذلك ربما تعرضنا لضربات مؤلمة ولما استطاعت الحركة إلقاء خطواتها التالية، ولتعرضنا للفشل منذ البداية، وكما أشرت فإننا لم نرسل الكوادر دفعة واحدة، بل بالتدريج فكلما استقرت الكوادر أرسلنا بالآخرين واعتمدنا على الكوادر المحلية، واحتفظنا ببعض كوادرنا في أنقرا للاحتياط أولاً، وللقيام ببعض المهام، وهذا طراز نضال الحركة، فمنذ البداية لم يرسل القائد جميع كوادر الحركة إلى ساحات الحرب، واحتفظ بالبعض للإحتياط تحسباً لكل الاحتمالات، فإن حصلت أية ضربة ستتمكن الحركة من التعويض وتلافي ذلك، وأستطيع القول أن الحركة اعتبرت أوروبا ساحة احتياط لنضالها، فإن تلقت الحركة ضربة في الوطن يكون مركزنا وكوادرنا وتنظيمنا قادراً على إدارة النضال من هناك، وجعلنا من ذلك الطراز أساساً لنا إضافة إلى التدابير الأخرى، ونرى الآن من يقول: لقد بقيت كثيراً ولماذا ذهب الآخرون وبقيت أنا؟ ويجعلون من ذلك مشكلة، فهم بذلك يجعلون من الأمور التي لا تستحق مشكلة، ويتجاهلون ما هي المشكلة حقاً، فلو تصرفت هذه الحركة حسب مزاج الأشخاص لتعرضت للتصفية عشرات المرات وليس مرة واحدة. وهذا الطراز أعطى نتائجه، فقد جعلنا دائماً من الطراز الذي يعطي النتائج أساساً لنا سواء على صعيد التنظيم أو النضال والممارسة العملية.
أول كتاب صدر من قبل الحركة كانت تتناول “الاستعمار”، كان ذلك في عام 1976في أنقرا حيث تحدث القائد وقام الرفيق محمد خيري دورموش بكتابته، تلك كانت الوثيقة الأولى لكتاباتنا، في ذلك الحديث وضع القائد مانيفستو طريق الثورة الكردستانية، والكتب والوثائق الأخرى كلها جعلت من تلك الوثيقة أساساً، حيث كان تقييماً قوياً جداً وهو موجود في الأرشيف، وفي المرافعات يتحدث القائد عنها، فالمفهوم الذي يذكره القائد في المرافعات التي يكتبها في إيمرالي موجود في تلك الوثيقة، تلك المرافعات التي كتبها القائد إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، والتي كتبها إلى أثينا وغيرها كلها موجودة هناك، ففيها يتحدث عن الشعب والمجتمع والأثنية والقبيلة والأسرة وكل شيء، ولهذا نقول إنه تقييم قوي ، ففي ذلك التقييم يمكنك رؤية فلسفة وإيديولوجية وطراز هذه الحركة كلها، فذلك التقييم يشكل أساس هذه الحركة منذ ذلك اليوم وإلى الآن. يعتقد كثير من الرفاق أن كثيراً من التغيير قد حصل في هذه الحركة، فعندما نتحدث عن الباراديغما الجديدة والقديمة لنشرح بعض الأمور، فإن الباراديغما ليست جديدة، بل هي الباراديغما الأقدم في تاريخ البشرية، لأنها تتخذ من النيوليتية أساساً لها، بينما كثير من كوادر هذه الحركة رفضوا تاريخهم وقيمهم تحت اسم التحديث قائلين: نحن نجدد أنفسنا ونرفض الماضي ، بل يفعلون ذلك باسم هذه الحركة وباسم القائد ، فهؤلاء لم يفهموا شيئاً من هذه الحركة ومن القيادة، فلا يعرفون ما هو القديم وما هو الجديد، وماذا يقبلون وماذا يرفضون، فهم يريدون القضاء على كل شيء باسم التحديث، ويدعون أنهم يتبنون الباراديغما الجديدة، بينما ما يسمونه بالباراديغما الجديدة هي الباراديغما الأقدم في التاريخ البشري، لأنها تتخذ من فلسفة وحرية وديموقراطية ومساواة العصر النيوليتي أساساً لها.
بعد تلك الوثيقة عن تاريخ الاستعمار، كتب القائد برنامج هذه الحركة في عنتاب وتلك هي وثيقتنا الثانية في تاريخ حزبنا، وبعدها كتب المانيفستو في آمد، حيث تحدث القائد وقام كل من الرفيق مظلوم وعباس وفاطمة بتدوينها، وجعلنا منها كتاباً وأصدرناها في كردستان تحت اسم “سرخوبون “Serxwebun. فقد كان هناك جهاز نطبع عليه كل ما نحتاجه وهذه كانت مطبعتنا، ذلك الجهاز كان مطبعتنا، كل بياناتنا وكل كتبنا طبعت بواسطة ذلك الجهاز ويتم توزيعها، وضعنا الجهاز في بينكول ثم في ألعزيز، إلى قرية خورسيه في قيزيلتبه، وهناك حجزته الدولة. بعد ذلك أصدر القائد كتاباً عن ماهية الإيديولوجية والسياسة، ثم أصدرنا كتاباً عن مجزرة مرعش، كان ذلك حديث القائد الذي قام كل من الرفيقين مظلوم وعباس بتدوينه، فقد كنا قد أنشأنا وحدة للإعلام تتكون من الرفيق عباس ومظلوم وفاطمة فهؤلاء الثلاثة كانوا مجموعة الإعلام الأولى في الحركة، بعد ذلك قام القائد بإعداد بيان الإعلان عن تأسيس PKK، لقد كان كتيباً يشبه المانيفستو، إلى أن خرجنا إلى خارج الوطن، كما صدر كتيب آخر بعنوان :” لنستوعب السبيل القويم “، وذلك كتيب من إعداد محمد خيري دورموش، ويتناول النضال في منطقة حلوان وجوارها، فقد كان الرفيق خيري يناضل في حلوان وقام بإعداده، ولا أعرف إذا ما كان الرفاق قد قرأوه أم لا، وهو يتكون من تقييمات الرفيق خيري، كل هذه خطوات على طريق تحول الحركة إلى حزب، فهي قد لبت الحاجة الإيديولوجية لكوادر الحركة في تلك المرحلة، فبذلك استطاع القائد وضع إيديولوجية للشعب الكردي لأول مرة في تاريخه، وابتدأ الصراع والحرب الإيديولوجية على أساسها واتخذ من النصر النهائي أساساً لتلك الإيديولوجية حتى تأسيس الحزب، فالعمل الذي قام به القائد هو العمل الإيديولوجي، فعندما تحقق النصر في الإيديولوجية قام على أساسها بالخطوة اللاحقة لها، وهي التحول إلى حزب (التحزب) والتحول إلى الجيش (التجيش)، كرس القائد حياته وعمله لهذا الهدف، وبناء على ذلك ألقى الخطوة الأهم وهي: كيفية تحويل الشعب إلى قوة وإلى سلطة، وكيفية نقل ملكية ماقام به من عمل إيديولوجي وتنظيمي وتجييش إلى الشعب، ليصبح الشعب صاحب كل ما تحقق، ولهذا جعل من تطوير وترسيخ إرادة الشعب أساساً له، واعتمد لغة وثقافة هذا الشعب منطلقاً له. وكل العمل والنضال الذي كان يجري كان يهدف إلى ذلك، ويجب فهم هذا الجانب من الحركة أيضاً.[1]