تاريخ كردستان في الألف الثاني قبل الميلاد
عبدالله شكاكي
=KTML_Bold=اللغة والثقافة الكاشية:=KTML_End=
حكم الكاشيون ميزوبوتاميا كأقلية حاكمة لأراض شاسعة، وسكانها مزيج من الشعوب السامية والزاغروسية والهندو أوربية، ولذلك تأثروا بثقافة ولغة الشعوب المتعايشة معها واندمجوا فيها، ولم يُعثر على مدونات كافية خاصة بهم، إما لقلة مدوناتهم أو لعدم اكتشافها وذلك ليتم دراستها والتعرف على حضارتها وإن المكتشفات القليلة التي بين أيدينا مفردات مترجمة إلى اللغة البابلية وأسماء اعلام كاشية وأسماء آلهة، مثل ميرياش )الأرض( و ناصابو )روح( و نازي )سلام( و كادشمان )مساعدة( وساكاراكتي )التوبة( و سيماش )ذرية، نسل( و سوبارو )البلاد العليا أو الشمال( و بورنا )الوجه الجميل(، وأقرب اللغات إلى الكاشية هي العيلامية، كما يراه )هوزينغ(، واستعمل الكاشيون في الكتابة أسلوب كتابي قديم شبيه بالمسمارية، كانت مستعملة منذ فجر التاريخ، ويتبين اهتمام الكاشيين بمسألة الدين وبناء المعابد، مثل معبد إنانا الذي شيده الملك كراينداش في أوروك، وبناء معبد للإله مردوخ في بابل، بعد أن استرجع الملك آكوم كاك ريمي تمثاله من منطقة عانه، وتجديد المعابد في مدن أور ونيبور ولارسا، وبناء معابد لتكريم الإله إنليل وزوجته نينليل وولدهما نينورتا، وهو المجمع الإلهي في عموم ميزوبوتاميا، وزينوا المعابد بالزخارف والرسوم الجدارية الملونة الخاصة بالزاغروسيين والذي انتشر في ميزوبوتاميا وورثه الأخمينيون في تزيين عاصمتهم اصطخر، وعبد الكاشيون آلهتهم الخاصة إلى جانب الآلهة المحلية، مثل:
كاش و شيباك و بورياش، وكذلك عبدو آلهة آرية لأن الطبقة الارستقراطية الحاكمة كانت هندو أوربية مثل )سورياش( المطابق للإله الهندي )سورْيا(، والميتاني )آسورا( والآري )آهورا(، حيث استمر آهورا في الزردشتية وبقي الرمز إلى اليوم لدى العلوية الكردية في شمال كردستان.
والخلاصة إن مساهمة الكاشيين في حضارة ميزوبوتاميا إضافة إلى استكمال ما قام بها من سبقهم، فإن بصماتهم بقيت على منجزات خاصة بهم تمثلت في عدد من الابداعات وعلى رأسها اختراعهم لأحجار )كدورّو( لتحديد الأراضي الزراعية درءاً للخلافات بين المواطنين، وهي تحفة فنية حجرية على شكل مخروط تدون عليها بأمر من الملك: اسم المالك، ونص اقطاع الأرض ومواصفاته ومساحته وحدوده، وامتيازات العقار كالإعفاء من الرسوم والضرائب وغيرها، وتدون رموز الآلهة كقرص الشمس، وتدون أيضا لعنات الآلهة لمن يحركها أو يبدل في نصوصها، المنجز الآخر كان ادخال الحصان إلى ميزوبوتاميا والشرق الأوسط واستعمال العربة التي تجرها الحصان للنقل والعمليات الحربية، ولهم الفضل في وضع تقاويم تستند إلى سنوات حكم الملوك بعد أن كانت تعتمد على حوادث خارقة مثل الطوفان، وكذلك تشجيع الحركة الأدبية وإعادة نسخ الملاحم والنصوص السومرية كملحمة كلكاميش، ونصوص فلكية وطبية وتنجيمية وتعاويذ ومعاجم مسمارية للغات السومرية والأكادية والكاشية والبابلية، إضافة إلى أن الكاشيين هم جعلوا اللغة البابلية لغة المراسلات الدولية والعلاقات الدبلوماسية، بقي أن نذكر إلى أنهم أطلقوا على بلاد بابل التسمية الكاشية بلاد كاردونياش )بلاد الاستسلام لإله الأرض(.
=KTML_Bold=-4 الخوريون Xorriyan=KTML_End=
يعتبر الخوريون أحد أهم أسلاف الكرد القدماء إلى جانب الكوتيين واللوللوبيين والكاشيين الذين استقروا على أرض سوبارو موطن السلف الأول للشعب الكردي، والتي تضم معظم جغرافية كردستان الحالية، وشكلوا عنصراً حضارياً هاماً منذ الربع الأخير من الألف الثالث ق.م، وهم الذين نقلوا حضارتهم التي تلاقحت مع السومرية والأكادية إلى آسيا الصغرى وبلاد الشام، وبدأ نشاطهم السياسي لأول مرة عندما قام الخوريون بانتفاضة ضد نارام سين الأكادي في القرن الثالث والعشرين ق.م، وأن أول ملك خوري حكم في الألف الثالث ق.م كان كيكليب- أتل الذي كان يقيم في مدينة توكريش جنوب شرق بحيرة أورميا، ومن ثم شكل الملك أتل شين دولة واسعة وجعل أوركيش )شرق عامودا( عاصمة له، وذلك في نهاية الألف الثالث ق.م وتمكن من بسط سلطته على أغلب مناطق كردستان، وحكم بعده الملك تيش-أتل الذي أهدى أحفاده الكرد الكتابة المسمارية باللغة الخورية على لوحة عامودا )أسد أوركيش( عند تدشين معبد الإله )نركال nêrgal ( وهو أول ملك وضع إشارة الألوهية أمام اسمه.
إن الخوريين الذين صعدوا كقوة سياسية ذات شأن استفادوا من فرصتين هامتين لإنجاز عملية التحول من تحلف قبلي إلى شعب وكيان سياسي ذو شأن، وبسطوا نفوذهم على معظم جغرافية كردستان، أولهما: الانتصار الذي حققه الكوتيون أبناء عمومتهم على الأكاديين وبسط نفوذهم على معظم جغرافية كردستان وميزوبوتاميا، وثانيهما: الضغط التي مارسته موجات العموريين في حركتها من غرب الفرات صوب الأراضي الميزوبوتامية، خصوصا على سلالة أور الثالثة.
مع مطلع الألف الثاني ق.م وتوافد موجات القبائل الهندو آرية إلى جبال زاغروس الذين مارسوا ضغطا على الشعوب الزاغروسية، بدأ الخوريون بالانتشار على أراضي سوبارتو وأطرافها وغرب الفرات إلى البحر المتوسط، وجنوبا إلى فلسطين، ليصلوا إلى مصر ويشكلوا دولة باسم الهكسوس دامت قرنا ونيف، وبعد تراجعهم من مصر فإن مصطلح )خورّ( يرد في وثائق المملكة المصرية الوسطى كإشارة إلى سكان فلسطين وسوريا، ويرد مصطلح )خورّي( بالعبرية في العهد القديم حيث ترجم إلى اليونانية بصيغة )خورّايوس(، وإن الألواح الأثرية المكتشفة في اسرائيل تشير غلى ان الأسماء الخورية الواردة فيها أكثر بكثير من الأسماء الكنعانية، لكن الاسرائيليون كانوا يعتبرون الخوريين جزء من المجتمع الحثي بعد الحملة الحثية على المملكة الميتانية، ويعتقد الكثير من العلماء أن النبي إبراهيم نفسه كان خورّياً، وأن الإله الخوري )بوري( كان منتشرا في عموم فلسطين، وكانت توجد مدينة في فلسطين باسم )خورّا(.
إن النصوص والوثائق المكتشفة من المواقع الأثرية مثل شاغر بازار )شمال شرق الحسكة( وشُبَت إنليل )تل ليلان شرق القامشلي(، وتل براك )شرق الحسكة( وماري )تل الحريري-البوكمال(، وألالاخ )تل العطشانة على نهر العاصي- سهل العمق( إضافة إلى مستوطنتي قطنا )تل المشرفة-شرق حمص( وأوغاريت )رأس شمرا قرب اللاذقية(، كلها تشير إلى أن سكان تلك المناطق غالبيتهم من الخوريين وذلك من خلال أسماء الأعلام )الأشخاص( وخصوصاً وثائق كاسور )نوزي( التي تشير انتمائها إلى لغات زاغروس السوبارية ، وكذلك المستوطنات الخورية في ميزوبوتاميا السفلى مثل نيبور وديلبات، أما وجودهم في نوزي جنوب كركوك فتدعمه آلاف الوثائق من القرن الحادي عشر، وهم الذين غيروا اسم المدينة من كاسورGasor إلى نوزي وأعادوا بناء معبد الإلهة عشتار لتعبد إلى جانبها الإلهة الحورية شاوشكا )إلهة الطقس( ورئيس المجمع الإلهي الخوري الإله تيشوب الذي انتشرت عبادته بشكل واسع، وكذلك مئات الألواح المكتشفة في مدينة آشور والمدونة باللغة الخورية العائدة إلى القرنين 15 – 14 ق.م. تشير وثائق سلالة أور الثالثة أن ثاني ملكهم شولجي 1982-2029 وجه حملة شاملة إلى البلاد الخورية في شَشرُم أو شوشارة )شمشارة(، وهولير والسليمانية )مركز اللوللو(، وسيموروم وكرخر في جبل حمرين وغنموا أعداداً غفيرة من الأسرى الخوريين لكن أوركيش بقيت خارج سيطرة سلالة أور وأنها قاومت بشدة لتوسيع مملكتها وتحرير أسراها من أور وتم ذلك في عهد إبي- سن ) 1940-1963 ( ق.م، وأضحى للخوريين مملكة قوية وأن ملوكها وضعوا إشارة الالوهية أمام أسمائهم وعلى أختامهم الملكية مثل )تيش أتل ملك كَرَخَر(،وتقع كرخر على منابع نهر ديالا، ويبدو أنه يوجد أكثر من حاكم يحمل لقب تيش أتل وأن ملوك أوركيش ملوك حسب النصوص المكتشفة كانوا يرون عاصمتهم مماثلة لأكاد.
إن الوثائق المكتشفة من القرن الثامن عشر ق.م في مدينة ماري )تل الحريري على الفرات( تشير بوضوح إلى دولة خورية تمتد من جبال زاغروس وشمال ميزوبوتاميا حتى طوروس وشمال سورية، وهذا لايعني أن الخوريين قاموا باحتلال أراضي الغير، لأن النصوص ذاتها تفيد عدا أن أسماء الملوك خورية وغالبية أسماء السكان خورية، أن الخوريين استقروا في تلك المناطق قبل نشوء دولتهم، أما النصوص المكتشفة في ألالاخ منذ بداية القرن السابع عشر ق.م فتشير أيضاً إلى خورية أسمائهم، وأن أحد قواد جيش ألالاخ حوالي عام 1650 ق.م يدعى زكوي رشي يعتقد أنه ينتمي إلى عشيرة )رشي- رشوان( العريقة والمشهورة في كردستان حتى اليوم وينتشرون في ولايات ديلوك )عينتاب(، آديمان، كركوم )مراش(، أناتوليا الوسطى في ولايات كيرشهر وأنقرة وجيهان بلي وهايمان، إضافة إلى عشرات القرى في منطقة الباب ومنبج واعزاز والسفيرة وعشرات القرى في جبل الأكراد- عفرين بسهل جومه.
في نهاية القرن الثامن عشر ق.م استطاع شمشي أدد السيطرة على البلاد الآشورية بدعم من بابل وفرض سيطرته على شمال ميزوبوتاميا، ولكن دولته زالت بموته لأن وريثه )إشمي- دجن( لم يتمكن من الاحتفاظ بميراث أبيه بفعل الحركات الخورية الاستقلالية وظهر في شمال ميزوبوتاميا خمسة ممالك خورية وهي: مملكة )بورندم( وحاكمها أتل- شني ومملكة )إلَخُت( حاكمها شُكرُم- تيشوب ومملكة )خابوراتم( على نهر الخابور حاكمها ننيب شويري ومملكة )أزوخينم( وحاكمها شدو- شري ومملكة )مَردَمان( حاكمها تيش ألمي في جنوب زاخو، وفي أحداث القرن السادس عشر أو حوالي 1560 ق.م يتحدث لاندس برغر Lands Berger عن وجود أربع ممالك خورية هي حلب وأرشم وخشوم وكركميش في شمال سورية، إضافة إلى مملكة ألالاخ في سهل العمق، و مملكة أوغاريت على ساحل المتوسط الذي اكتشفت فيه أقدم نوتة موسيقية في العالم )والنوتة على مقام كرد كانت تعزف في المعابد الخورية أثناء الصلاة وبقيت إلى اليوم ترنم في أديرة السريان الأرثوذوكس(، ومملكتي قطنا وقادش )تل النبي مند جنوب حمص( وأخيراً مملكة كيزوفتنا )كيليكيا(. إن كثرة الممالك الخورية تعني أن الخوريين شكلوا امبراطورية واسعة الأطراف، لكن الطبقة الأرستقراطية الحاكمة منذ القرن السادس عشر كانت في غالبيتها من الشعوب الهندوآرية التي وفدت إلى المنطقة باسم )ميتاني( منذ بداية القرن العشرين ق.م واندمجوا مع الشعب الخوري والثقافة الخورية، ولذلك يلاحظ أن غالبية أسماء الملوك هي أسماء آرية، ويبدو أن الاحتكاك حدث بين الميتانيين الذين يعتقد أنهم قدموا من منطقة القوقاز، والخوريين في جبال زاغروس القريبة منهم، ولكن يبدو أن التأثير اللغوي الخوري على الميتانيين كان قوياً لكن مصطلحات هندوآرية دخلت على الخورية كأسماء أعلام وآلهة ومصطلحات حرفية تتعلق بتربية الخيول، حيث اشتهر الميتانيون بتربية الخيول وأن استعمالهم الخيول في الحرب ساعدهم في الانتشار والسيطرة لأن الحصان كان تكنيكاً حربياً متطوراً في تلك المرحلة، حيث تتحدث النصوص المكتشفة في نوزي والعائدة إلى القرن الرابع عشر ق.م عن صفات وأنواع الخيول وتدريب الخيول وتلك النصوص مدونة من قبل ميتانيين مختصين ورافق استعمال الخيول استخدام عربات حربية على دولابين لتسهيل الحركة في العمليات الحربية إضافة إلى ابتكار القوس الحربي الذي اشتهر بالقوس الميتاني.
هذه التقنيات التي ابتكرها الميتانيون ساعدتهم في انتصاراتهم ووسعت جغرافية دولتهم، ومنهم انتشرت تقنية العربات العسكرية التي تجرها الخيول في عموم الشرق القديم ومصر والمنطقة الإيجية، ومن هذا الكشف انتشرت مصطلحات الفرسان والخيالة وفرقة العربات الحربية التي كانت تحسم المعارك بسرعة، وعرفت الخيالة وقواد العربات في مملكة ميتاني باسم )ماريانا( التي تعني )الفتى- النشمي( في الهندية القديمة، وفي لغة الآفستا تعني )عضو في اتحاد رجالي( وبقيت في الكردية إلى اليوم بصيغة )مير، ميران(، وتطور وضع تلك الفئة مع مرور الزمن إلى طبقة حاكمة أرستقراطية )النبلاء(، وبواسطة هذه التقنية الحديثة تمكن الهكسوس الذي يعتقد أنهم خوريون الوصول إلى مصر وشكلوا الأسرة الملكية الخامسة عشر التي دامت مائة وخمسون عاما واتخذوا من مدينة أواريس عاصمة لهم، وباعتلاء الأرستقراطية الميتانية سدة الحكم حل مصطلح المملكة الميتانية مكان المملكة الخورية العظمى واتخذت مدينة واشوكاني )سيكاني- سري كانية( عاصمة لها، لكن الحثيين الذين كانوا يسيطرون على غرب الأناضول لم يتركوا للميتانيين حق العيش بسلام، فقد وجه ختوشيلي الأول حملة عسكرية عام 1560 ق.م إلى مملكة ألالاخ الميتانية غرب حلب ودمرها بأكملها، وهذا ما شجعه على الاستمرار فتوجه إلى )أرشم( لكنه أخفق بسبب المقاومة الشديدة وتراجع، لكن الخوريون حولوا دفاعهم إلى الهجوم حيث يرد في تقرير القصر الحثي باسم ختوشيلي نفسه: «دخل العدو الخوري القادم من خاني جلبت )مثلث الخابور- مركز الميتانيين( إلى بلادي ولم يبق منها سوى العاصمة خاتوشا »، وبعد سنوات أعاد الهجوم على ألالاخ ثم عبر جبل الأمانوس نحو مدينة )خشّو Xeşşo ( ودمرها ثم عبر نهر بُرَنا Burena )يعتقد أنه نهر عفرين( بعد أن نقل آلهتها ومنها )خِبات( إلى معبد الشمس الحثي في مدينة أرينا )تركيا(.
في فترة حكم مورشيلي الحثي تم احتلال حلب وكان ذلك بمثابة ضربة قوية للملكة الخورية، لكن الخوريين أعادوا السيطرة على معظم المناطق المحتلة من قبل الحثيين في نهاية القرن السادس عشر ق.م بسبب ضعف الدولة الحثية، وانفصلت كيزوفتنا)أضنة( عن الحثيين وعن طريقها انتشرت الثقافة والديانة الخورية، وبسبب الحروب الخورية الحثية انتهت سيطرة الهكسوس على مصر.
في عهد الملك الميتاني بَرّتَرنا حوالي عام 1470 ق.م تمت السيطرة من جديد على غرب الفرات وحلب ومملكة موكيش )ألالاخ- تل العطشانة(، وغدت ممالك شبه مستقلة خاضعة لمملكة ميتاني وتقدم لها الجزية، ونشير هنا إلى أن مصطلح )مملكة ميتاني أو خوري( واحد حيث يعتقد البعض أنهما مملكتين، فقد كانت المصادر الأجنبية في تلك المرحلة تشير إليها بعدة مصطلحات )خوري، ميتاني، خاني جلبت، نهارين(، لكن مصطلح الميتاني انتشر بشكل أوسع منذ القرن 15 ق.م.
في عام 1458 ق.م خاض فرعون مصر تحوتمس الثالث حملة عسكرية ضد الدويلات السورية الخاضعة للنفوذ الخوري وخاصة من الناحية الثقافية حيث كانت غالبية الشعب ينطقون بالخورية، وحدثت المعركة قرب مدينة مجدو )شرق طولكرم( وكان التحالف السوري مدعوماً من مملكة ميتاني بقيادة ملك قادش )تل النبي مند جنوب غرب حمص(، وهذا ما شجع الآشوريين لتقديم المساعدة المعنوية لمصر من أجل وقف التوسع الخوري في بلادهم، ولذلك أرسل الفرعون المصري ذهباً إلى )آشور- نادين( حاكم آشور في عام 1430 ق.م، ثم تابع الفرعون المصري حملته واحتل قادش ومنها إلى كركميش، ورغم الاحتلال الحاصل لكن المصريين لم يتمكنوا من السيطرة الكاملة على الدويلات السورية وضمها إلى مصر فبدأت نشوب الثورات ضد الحكم المصري خصوصاً في مدينتي قادش وتونيب عام 1438 ق.م.
في مرحلة الملك الميتاني ساوشتتر حوالي عام 1420 ق.م تم توحيد المملكة من جديد باتباع سياسة دبلوماسية مرنة مع الأعداء الخارجيين ضد الأعداء الداخليين، فتمت السيطرة على مملكتي موكيش )ألالاخ( وأغاريت المركز التجاري واستعادة مملكتي حلب وكيزوفتنا )أضنه( واحتلال آشور، وامتدت حدود المملكة جنوبا حتى سهول بابل، وكان الحكام الآشوريين أمراء اسميين تابعين للمملكة الميتانية ولايحق لهم تقليد لقب ملك، وبهذا غدت المنطقة الواقعة بين جبال زاغروس حتى البحر المتوسط تحت حكم المملكة الخورية- الميتانية بقيادة ساوشتَتَر الذي كان يقيم في العاصمة سيكاني Sêganî )تل الفخيرية قرب رأس العين حيث تشير وثائق سلالة أور الثالثة أواخر الألف الثالث ق.م إلى وجود مدينةSêgan في منطقة الخابور(، كان اسم العاصمة وشوكاني ثم تطور إلى أشوكاني أو خوشكاني )النبع العذب( ثم إلى سيكاني.
يرد ضمن قائمة أسماء ملوك ميتاني اسم ملك يدعى )كيرت- كيرتا( والد الملك شترنا، ومن الممكن أن يكون أصل مصطلح كرد ورد من كيرت وكان كيرت ملكاً لأوغاريت وبطل ملحمة مشهورة .
تحدثنا أن المملكة الميتانية- الخورية انتهجت دبلوماسية مرنة مع الأعداء الخارجيين ومنها مصر، في عهد الملك أرتتما الأول عقدت العلاقة معها منذ أيام أمنحوتب )أمنيوفس( الثاني ) 1400 – 1428 (ق.م ووقعت معاهدة سلام بينهما بعد سبع سنوات من المفاوضات وعلى إثرها تزوج أمنحوتب الثاني من ابنة أرتتما الأول ورسمت الحدود بينهما وكانت حمص حدود الدولتين، ومدينة قطنا )تل المشرفة شرق حمص( تابعة لميتانيا.
وفي عهد شترتا ) 1380 ق.م( تجددت العلاقات السياسية وتزوجت )كلو- خبا( ابنة شترتا من الفرعون المصري تحوتمس الرابع وأنجبت منه أمنحوتب الثالث وأرسلت تمثال الإلهة شاوشكا )عشتار( إلى مصر لشفاء الفرعون المصري من مرضه وليعم بركتها عموم مصر، وبعد وفاة شترتا استلم الحكم من بعده ابنه تشرتا بدلاً من ولي العهد أرتشُمرا الذي اغتيل من قبل أتخي، وفي هذه المرحلة فترت العلاقات مع مصر، ومن ثم ظهر شخص باسم أرتتما الثاني وادعى بأحقيته في استلام العرش، ومن أجل ذلك تحالف مع الحثيين ومن بعده ابنه شترنا الثالث، وفي هذه الفترة انفصلت مملكة كيزوفتنا عن جسم المملكة الخورية الميتانية وتحالف ملكها شُنَشُرّا مع الملك الحثي توتخاليا الثاني، وبسبب قوة الثقافة الخورية في كيزوفتنا فقد انتقلت عن طريقها إلى خاتوشا وعموم المملكة الحثية خصوصاً الثقافة الدينية.
يبدو أن تُشرتّا وضع حداً للامتداد الحثي وتغلب عليهم، ولذلك تحسنت العلاقات مع مصر وتم إحياء مشروع قديم يتضمن زواج الفرعون أمنحوتب الثالث من ابنة تشرتا تتو- خبا )جميلة الله( التي لقبت في مصر باسم نفرو تيتي )وصلت الجميلة(، وتم ذلك فعلاً، وبرز ذلك من خلال نص بديع يدعى في علم الآثار باسم «رسالة ميتاني » التي رافقت الأميرة الميتانية إلى بلاد فرعون ووصفت الرسالة بأنها وثيقة في غاية الأهمية في مجال الدراسات الخورية لأنها كتبت بلغة خورية بليغة وصافية.
مع وفاة أمينوفس الثالث ومجيء أمينوفس الرابع أخناتون فترت العلاقات مع مصر من جديد وازدادت المناوشات بين مملكة ميتاني والحثيين من جهة ونشوب صراع حول العرش الميتاني بين تشرتا وأرتَتَما الثاني الطامع في العرش الميتاني والذي تحالف مع شوبيلولوما العاهل الحثي وأيضاً مع الآشوريين، وأخيراً أعلن أرتتما انفصاله عن تشرتا وأعلن نفسه ملكاً على «خاني جلبت »، وأيد أمنيوفس الرابع استقلال آشور ووجه ملك بابل عام 1340 ق.م حملة دمرت أرّبخا وهاجم شوبيلولوما الحثي من جهة الغرب واحتل ممالك غرب الفرات كركميش الاستراتيجي، وعبر الفرات نحو مقر مملكة ميتاني، لكن تشرتا لم يستسلم بل قاوم من أجل تحرير الممالك الغربية )حالياً سورية(، ويذكر التاريخ بأنه في شخصية هذا الملك تجسمت عظمة المملكة الخورية الميتانية وزوالها في نفس الوقت، وفي المؤسف أنه اغتيل من قبل ابنه واستغل هذه الحادثة شترنا الثالث بن أرتتما الذي استطاع أن يسيطر على العاصمة الميتانية بمساعدة الآشوريين، ولكن هذا الحدث أزعج الحثيين بسبب استغلال الآشوريين للوضع في ميتانيا وتوسع نفوذهم غرب الفرات، وهذا ما جعل الحثيين يقفون في وجه شترنا الثالث، والاعتراف بابن تشرتا «شتّي وازا » ملكاً على المملكة الخورية، وعندما لم يتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها وتعرضه لمحاولة اغتيال فر هارباً والتجأ إلى شوبيلولوما الحثي فاستغل الأخير الوضع وزوج شتي وازا من ابنته ودعمه عسكرياً لمقاومة الامتداد الآشوري المستند على شترنا الثالث، وبهذا تمكن شتي وازا من إعادة المدن الميتانية الهامة وعقد هدنة دولية وترسيم الحدود بينه وبين المملكة الحثية، ويجدر ذكره أن شتي وازا لقبه هندو آري، أما اسمه الحقيقي فكان كيلي تشوب وهو خوري أصيل، وحقق شتي وازا بعض التقدم في المملكة الميتانية، ولكن بسبب التراجع والتآكل في الدولة الحثية نقض شتي وازا المعاهدة المبرمة مع الحثيين وألغى ولاءه للمملكة الحثية في حوالي هام 1325 ق.م، ومن ثم يندر ذكر الميتانيين حسب المصادر المكتشفة، ولكن يذكر أن شتّوآرا الأول كان خليفة شتي وازا، ومن ثم يخلفه في الحكم وازاشَتّا الذي نقل مقر الحكم إلى مدينة تئيد ) Teîd ( بعد تعرض واشوكاني للدمار والنهب مرات عديدة بسبب الضغط الآشوري وتمكن شتّوآرا الثاني خليفة وازاشتا من تثبيت حكمه في وجه الأطماع الآشورية والقبائل الآرامية، وبعد انهيار المملكة الحثية في مطلع القرن الثاني عشر ق.م تختفي الدولة الميتانية، ويرد ذكر آخر ملك لخاني جلبت باسم أتل تيشوب ويستمر ذكر الأسماء الخورية حتى القرن الخامس ق.م. اللغة والثقافة الخورية:
بسبب التأخر في كشف النقاب عن الحضارة الخورية- الميتانية وعاصمتها واشّوكاني بقي تراثها مجهولاً لفترة طويلة، ولذلك جرى البحث والتحري في المراكز الحضارية المجاورة مثل خاتوشّا العاصمة الحثية ومدن فراعنة مصر إضافة إلى الممالك الخورية التابعة للإمبراطورية الخورية- الميتانية، ففي خاتوشّا تم الكشف على عشرات الرسائل الميتانية وأهمها رسالة السائس الميتاني كيكولي التي تروي عن قصة تدجين وترويض الخيول ومستلزماتها وتجهيزاتها في حالة الحرب والسلم وأسماء تلك اللوازم، وفي مدينة نوزي عثر على ختم الملك الميتاني مدون عليه «ساوشتتر ابن بارساتتر ملك ميتاني »، وفي تل العمارنة تم الكشف عن مئات الرسائل تخص الاتفاقات الدولية بينهما ومواضيع شتّى منها الرسالة المشهورة التي رافقت الأميرة نفروتيتي إلى مصر، وفي ألالاخ )تل العطشانة( اكتشف نصب الملك ادريمي ملك ألالاخ يشير فيه إلى سيده الملك الميتاني بَرّتَرنا )شُتّرنا الأول(، وفي أوغاريت تم الكشف عن نوتة موسيقية خورية على مقام كرد تعتبر الأقدم في العالم، وفي مجال اللغة الخورية تم الكشف تدريجيا عن تركيبتها اللغوية وعن عدد كبير من مفرداتها وذلك باللجوء إلى الترجمات الأكادية في مجال الاتفاقيات الدولية وفي مجال الملاحم والأساطير المتوفرة بكثرة تم الاعتماد على الترجمات الحثية، وكذلك قام الخوريون بدور الوسيط في نقل ثقافة شعوب ميزوبوتاميا إلى الأمم الأخرى حيث عث في خاتوشّا على نسخة خورية من ملحمة كلكاميش المشهورة، أما في مجال العاديات المادية الخورية فتشير إلى وفرة المنتجات الحرفية اليدوية في كافة مراكز الانتشار الخورية من زاغروس حتى البحر المتوسط، خصوصا الفخار الملون المرسوم عليها الأشكال النباتية, وكذلك حرفة صناعة الخزف والأختام الاسطوانية وعثر على معظمها في قصر حاكم نوزي وقصر أمير ألالاخ، حيث تعتبر الأختام الميتانية الخزفية تحفاً فنية رائعة ونفيسة إضافة إلى ما تحتويه من رسوم تعكس التصورات الدينية الخورية كالاعتقاد ببعث الحياة من جديد التي رسمت برمزية على الأختام بشكل شجرة بين حيوانين أليفين، وتتميز الديانة الخورية بغنى ثقافي بسبب طول فترة حكمهم في منطقة انتشار واسعة، وتأثرهم بأديان ومعابد الشعب السومري وتطورها في المرحلة الأكادية، إضافة إلى أديان الشعب الخوري في مركزهم الأصلي بكردستان مثل )تيشوب وقرينته خِبات( ومكانة كبير الآلهة الخورية )كوماربي( إضافة إلى المكانة العظيمة للإلهة )شاوشكا( المطورة عن عشتار التي حصلت على القداسة لدى فراعنة مصر، وكذلك المعتقدات الآرية الوافدة مع الميتانيين كعبادة الآلهة ميترا وفارونا وإندرا وآهورا )سورْيا- شمس(، وإن منظومة الآلهة اليونانية انتقلت وتطورت من الآلهة الحثية المتطورة بدورها من المنظومة الخورية، إضافة إلى انتقال الثقافة الدينية الخورية إلى اليونان عن طريق فينيقيا وكيليكيا.[1]