خلفية تاريخية.
بعد سقوط الامبراطورية العثمانية سنة 1922، دخلت سوريا تحت وصاية الانتداب الفرنسي، الذي أبرم مع تركيا وبريطانيا مجموعة من الاتفاقيات، لتتقاسم فيما بينها، وعلى حساب الشعوب أصحاب الأرض، مناطق النفوذ. لذلك، تأرجحت الحدود بين سوريا وتركيا على مدار 15 عاماً. ولم تستقر إلا سنة 1939، بعد اعتماد خط سكة الحديد بين بغداد وإسطنبول، كحدّ فاصل بين سوريا وتركيا.
قبل هذه التواريخ، كانت الجنسية العثمانية هي الوثيقة الرسمية لرعايا الدول التي احتلها العثمانيون. أعقب ذلك ظهور قوانين ناظمة للوضع القانوني لرعايا الدولة السورية المنتدبة من قبل السلطات الفرنسية، التي اعتمدت المبدأ المكاني معياراً للحصول على الجنسية. لذا، باتت العوائل والقبائل الكردية التي فصلت بينها حدود قسرية، وضعتها دول أجنبية، تنتظم وفق جنسية الدول الجديدة التي تحللت إليها على نحو جائر، الإمبراطورية العثمانية. وهكذا، أصبح من كانت لديه الجنسية العثمانية، وسندات الملكية العقارية العثمانية، وكانت أراضيه ضمن الحدود الجديدة لسوريا، مواطناً سورياً، وسحبت منه الجنسية العثمانية.
على هذا المنوال، عُولِجت الأحوال المدينة والجنسية في المناطق الكردية في شمال وشرق سوريا. ونظراً للكثافة السكانية الكردية في المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، طالبَ محمد كرد علي الحكومةَ السورية بإجراء عملية تغيير ديموغرافي في المناطق الكردية، ونقلِ الكرد وتوزيعهم على المدن السورية الأخرى، تجنباً لاستقلال كردستان سوريا. ومع تسلُّم حزب البعث الحكمَ في سوريا، أوفد ضابطاً أمنياً إلى محافظة الحسكة، الذي رفع تقريراً حول الحالة الاجتماعية والاقتصادية في محافظة الحسكة، مطالِباً بتجريد الكرد من الجنسية وإبادة الهوية الثقافية الكردية.
ما هو الإحصاء السّكاني في محافظة الحسكة؟
في 23 -08- 1962، أصدر رئيس الجمهوريّة السّوريّة، ناظم القدسي، المرسوم التّشريعيّ رقم (93)، الذي نصّ على إجراء إحصاء سكاني استثنائي في محافظة الحسكة. استندَ المرسوم إلى المرسوم التّشريعي رقم (1) والمؤرخ في 30-04-1962، وإلى القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء، بشير العظمة، والمؤرخ في 22-08-1962.
تضمّن الإحصاء السّكاني، الذي عُرِفَ لاحقاً باسم إحصاء الحسكة 1962 ما يلي:
• يجري إحصاء سنة للسكان في محافظة الحسكة، في يوم واحد، يحدد تاريخه بقرار من وزير التخطيط بناءً على اقتراح وزير الداخلية.
• عند الانتهاء من عملية إحصاء السكان، تشكَّلُ لجنةٌ عليا بمرسوم جمهوري بناءً على اقتراح وزير الداخلية، لدراسة نتائج الإحصاء، وتقرير تثبيتها في سجلات الأحوال المدنية الجديدة أو عدمه، وإعداد التعليمات لذلك.
أجريَ الإحصاء السّكاني في محافظة الحسكة في 5-10- 1962، ونجمَ عنه انقسام الكُرد في المحافظة إلى ثلاث فئات رئيسيّة في القانون، وهذه الفئات هي:
• الكرد السّوريين الذين يملكون الجنسيّة السّورية (هذه الفئة تمكّنت من الحصول على الجنسيّة السّوريّة من خلال الإحصاء).
• الكرد السوريين المجرّدون من الجنسيّة السّوريّة (هذه الفئة تمّ تثبيتها في القيود الرسميّة على أنّهم أجانب يعيشون على الأراضي السّوريّة).
• الكرد السّوريون المجرّدون من الجنسيّة وغيرُ المسجّلين في سجلات الأحوال المدنيّة الرسمية (هذه الفئة تم وصفهم بمكتومي القيد، وهو مصطلح يشير إلى عدم وجود أيّ إشارة للشخص المشمول في السجلات الرسميّة، ويشمل كل من ولِدَ من أب أجنبي وأم سورية، ومن ولِدَ من أب أجنبي وأم مكتومة القيد، وأيضاً من أبوين مكتومي القيد).
حدّدت الحكومة السوريّة، وقتئذ، يوماً واحداً فقط لإجراء الإحصاء، وكان على الكرد إثبات أنّهم يعيشون في سوريا منذ سنة 1945 على الأقل، وتحجّج النظام السّوريّ بأنّ من سُحِبَت منهم الجنسيّة هم من أصول تركيّة، وهاجروا إلى سوريا نتيجةً للثّورات الكرديّة التي حدثت في تركيا خلال عشرينيات القرن الماضي. إلّا أنّ القانون كان هدفه تجريد الكرد من الجنسيّة السوريّة، والحد من الكثافة السّكانيّة الكرديّة في محافظة الحسكة؛ فكلّ سكان المحافظة كانوا مقيمين فيها منذ الثلاثينيات؛ قبل أن تصبح الجزيرة العليا جزءاً من سوريا، والعائلة الكرديّة الواحدة انقسمت ما بين مجنَّسٍ وأجنبي. على سبيل المثال؛ من نتائج الإحصاء كان تجريد شخصيّات كرديّة سوريّة معروفة من الجنسيّة السّوريّة، مثل اللواء توفيق نظام الدين، قائد الجيش السّوريّ السابق، وشقيقه عبد الباقي نظام الدين، الذي تولّى مناصب وزاريّة عدّة بين سنتيّ 1949 و1957. مع إيضاح أنّ عائلة نظام الدين تملك معظم عقارات مدينة قامشلو، وحتّى الآن يحتاج مواطنو المدينة إلى تنازل من العائلة؛ للحصول على حقّ الملكيّة. فضلاً عن أنّ القانون يخالف قوانين الانتداب الفرنسيّ و#معاهدة لوزان# .
سنة 1923، وضعت معاهدة لوزان قوانين جديدة، فيما يتعلّق بالجنسيّة للدول الجديدة الّتي أوجدتها بما فيها سوريا؛ إذ إنّ الاتّفاقيّة وضعت ثلاثة تشريعات في هذا الصدد، منها تنظيم إجراءات منح الجنسيّة السّوريّة الجديدة على أساسِ مكان الإقامة.
تقول المادة (30) من المعاهدة:
(يُمنح كل مواطن تركي موجود على أراضي الدول الجديدة، التي انسلخت عن تركيا بموجب هذه المعاهدة، جنسيةَ البلد الذي يعيش فيه؛ وعليه فإن أي شخص كان يعيش على الأراضي السورية أصبح مواطناً سورياً).
أمّا سنة 1924، فقد أصدر المندوب السّامي الفرنسيّ المرسوم رقم (2825)، الّذي تناول إجراءات وقواعد الانتقال من الجنسيّة العثمانيّة إلى الجنسيّة السّوريّة، وحدّد ثلاث حالات يحصل فيها الفرد على الجنسيّة السّوريّة، ونصّت على ما يلي:
كل شخص من أصول تركيّة، ويعيش على الأراضي السّوريّة بتاريخ 31-08-1924، يعتبر مواطناً سوريّاً وتُسحب منه الجنسيّة التركيّة. وسمَح للأشخاص من ذوي الأصول السّوريّة ويحملون الجنسيّة التركيّة ويعيشون في الخارج، أن يتقدّموا بطلب للحصول على الجنسيّة السّوريّة. كما أعطى المرأة حقَّ الحصول على جنسية زوجها السّوري.
ما هي نتائج الإحصاء السّكاني؟
1. إحصاءات المجرّدين من الجنسيّة والمكتومين:
• بلغ عدد فئة أجانب محافظة الحسكة، من الكرد السّوريين والمسجّلين في مديريّة النفوس بمحافظة الحسكة، حتّى سنة 2011، (346.242) ألف كرديّ.
• بلغ عدد فئة مكتومي القيد في محافظة الحسكة، من الكرد السّوريين في مديرية النفوس بمحافظةِ الحسكة، حتّى سنة 2011، (171.300) ألف كرديّ.
بحسب هذه النتائج، فإنّ عدد الكرد السّوريين المجرّدين من الجنسيّة ومكتومي القيد، في محافظة الحسكة، بلغ أكثر من نصف مليون كرديّ، وهذا الرقم لا يشمل الكرد السّوريين المهاجرين والمغتربين في الدول الأوربيّة، الّذين لم يسجّلوا أبناءهم في سجلات الدولة السّوريّة، ولا يشمل الكرد السّوريين الّذين انتقلوا إلى تركيا وحصلوا على الجنسيّة التركيّة ولم يسجّلوا أبناءهم في سجلات الدولة السّورية.
2. التجريد من الحقوق المدنيّة:
كان أحد أبرز المشاكل الّتي تواجه المجرّدين من الجنسيّة من الكرد السّوريين، الذين لم يغادروا سوريا نتيجة هذا الإجراء، هو فقدانهم كلّ حقوقهم المدنيّة في سوريا.
• لا يحقّ للأجنبي ومكتوم القيد، من الكرد السّوريين، الترشّح لأي منصب سوريّ، ولا يحقّ له الانتخاب.
• لا يحقّ للأجنبي ومكتوم القيد تشكيل الأحزاب السياسيّة وممارسة العمل السياسيّ.
• لا يحقّ للأجنبي ومكتوم القيد الحصول على عمل ثابت في القطّاع العام.
• لا يحقّ للأجنبي ومكتوم القيد التملّك العقاري أو تسجيل أيّ آليّة أو سيارة.
• يحقّ للأجنبي ومكتوم القيد الدراسة في مدارس الدولة والمدارس الخاصّة، ويحقّ له التسجيل في الجامعة، لكن لا يحصل على الشهادة الجامعيّة ولا يوظَّفُ.
• لا يحقّ للأجنبي ومكتوم القيد الحصول على البطاقات التموينيّة الصّادرة عن الحكومة السّورية.
• يتمّ وضع قيود دقيقة على سفر الأجانب ومكتومي القيد داخل وخارج القطر، ويُسمح لهم بالخروج من سوريا بعد الحصول على موافقة حصريّة من وزير الداخلية، بوثيقة سفر ولمرة واحدة فقط.
• لا تمنح المرأة السّوريّة مكتومَ القيد وأبناءها جنسيّتَها، في حين يستطيع الرجل السوري منحَ زوجته من الأجانب ومكتومي القيد جنسيّتّهُ.
• يُمنحَ مكتوم القيد والأجانب بطاقات تعريفيّة، ضمن سجلات خاصّة بهم، تصدر عن مختار المحلّة.
قانون التجنيس سنة 2011:
في آذار/مارس سنة 2011، انطلقت الاحتجاجات الشّعبيّة ضدّ النظام السّوريّ، وكانت الاحتجاجات، حينئذ، تُطالب بمجموعة إصلاحات دستوريّة وسياسيّة. حينها، أصدر رئيس النظام السّوري، بشار الأسد، المرسوم التّشريعيّ رقم (49) المؤرخ في07-04- -2011، تحت العنوان: منح الجنسيّة العربيّة السّوريّة للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة. أغلب المؤشّرات كانت تقول إنّ الهدف من إصدار المرسوم كان تحييد الكرد السّوريين من المشاركة في الاحتجاجات الشّعبيّة.
تضمّن المرسوم التّشريعي ثلاث مواد، وكانت كالتّالي:
المادة 1: يُمنح المُسجَّلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسيةَ العربية السورية.
المادة 2: يُصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة التعليمات التنفيذية لهذا المرسوم.
المادة 3: يُعتبر هذا المرسوم نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
في 13 -07- 2011، صرّح معاون وزير الداخليّة للشؤون المدنيّة، العميد حسن جلالي، أنّ أمانات السجلّ المدنيّ في محافظة الحسكة استلَمت - حتّى تاريخ تصريحه - (37.904) ألف طلب؛ للحصول على الجنسيّة السوريّة، وأنّ عدد البطاقات الشخصيّة التي تم منحها حتى الآن بلغ (21.993) ألف بطاقة شخصيّة.
وصولاً إلى سنة 2018، حصل (326.489) ألف كرديّ سوري على الجنسيّة السورية، مع بقاء (19.753) ألف كردي أجنبي غير حاصلين عليها. فيما حصل (50.400) ألف كردي سوري، من فئة مكتومي القيد، على الجنسيّة السّوريّة، بعد تصحيح وضعهم القانوني؛ من مكتوم قيد إلى أجنبي فمواطن، بينما بقي (41) ألف شخص غير حاصلين على الجنسيّة من هذه الفئة؛ لعدم تصحيح وضعهم القانوني. وذلك بحسب تقارير حقوقيّة.
ميّز النظام السّوري البطاقات الشخصيّة، للحاصلين على الجنسية من أجانب ومكتومي محافظة الحسكة، بشيفرات خاصّة؛ إذ تمّ وضع الرقم (8) بعد رقم القيد، على النحو التالي: ××/8، وهو ما يضع احتماليّة أن يقوم النظام مجدداً بسحب الجنسية منهم، حالَ استعادته قوّتَهُ.
كما لم يقم النظام السّوري بافتتاح أيّ مركز خاصّ بمنح الجنسية، في سفاراته وقنصلياته المنتشرة في الدول الأوربيّة وإقليم كردستان العراق وتركيا، ولم ينظّم أيّ عمليّة إلكترونيّة، تُساهم في حصول الكرد السوريين، المجردين من الجنسية، والمهاجرين إلى الخارج منذ زمنٍ بعيد.
المراجع والمصادر:
1) سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، “المواطنة السورية المفقودة” كيف دمر إحصاء عام 1962 حياة الكرد السوريين وهويتهم، 2018، عبر الرابط التالي: https://stj-sy.org/ar/746/
2) همبرفان كوسه، مكتومو القيد… أكراد سوريّون غرباء في بلادهم، موقع درج اللبناني، 2018، عبر الرابط التالي: https://daraj.com/10523/
3) هيثم منّاع، عديمو الجنسية في سورية (من غير اللاجئين الفلسطينيين)، اللجنة العربيّة لحقوق الإنسان، 2004، عبر الرابط التالي: https://0i.is/ItNO
4) الجزيرة نت، إحصاء الحسكة 1962، 2011، عبر الرابط التالي: https://0i.is/bWsv.[1]