عبادة الأصنام وعبادة الماضي
كامل سلمان
عبادة الأصنام ليس فيها أية منفعة ، مجرد خداع للنفس بأن هذا الصنم المصنوع من الكلس او الحجر ممكن ان يتدخل لتغيير مستقبل الإنسان . وكلنا نعلم بأن الصنم حجر لا ينطق ولايفكر ولا يقدم ولا يؤخر ، فمن آمن بهذا الحجر فهو أيضاً حجر ويحمل في رأسه دماغ متحجر ، كذلك عبادة الماضي خدعة بأن المستقبل ممكن ان يعود للماضي ، ومن يتقبل مثل هذه الفكرة فحاله حال عبيد الاصنام ، نعم المستقبل يمكن ان يعود للماضي في حالة واحدة هو التخلف ورفض التطور ، وعندما يحصل التخلف يعود الدماغ مرة ثانية متحجراً مما يسهل عودة الإنسان لعبادة الأصنام ولعبادة الحجر ولكن هذه المرة أصنام من لحم ودم أي أصنام آدمية فهي البديل المقنع عن الاصنام الحجرية بالنسبة للتائهين . إذا كان ماضي الإنسان او المجتمع أفضل من حاضره هذا لا يعني بأن الماضي كان عظيماً بل يعني بأن الماضي كان سيئاً بدرجة انه جعل الحاضر أسوأ منه ، لأن الماضي هو الذي صنع الحاضر ، فالحاضر لم يولد من تلقاء نفسه بمعنى اوضح ان عبدة الماضي توصلوا الى قناعة مطلقة بأن الماضي هو الحد الاعلى الذي يمكن ان يصلوا اليه ، وأن الإنسان غير مسموح له ان يخرج من الماضي لأن الخروج من الماضي ببساطة يعني الانطلاق للمستقبل ، المستقبل بالنسبة للجهلاء غموض وخوف وضياع ، والمستقبل بالنسبة للعقلاء الاحرار هي الحياة المرجوة . لذلك لا يصل الى المستقبل الا الشجعان العقلاء الاحرار .
لا يوجد إنسان على وجه الأرض يختار عبادة الأصنام من تلقاء نفسه دون تأثير البيت والمجتمع ، كذلك لا يوجد إنسان على وجه الأرض يختار عبادة الماضي الا بتأثير أفكار ضالة مضلة مظلمة ، فالمعادلة واحدة والنتيجة واحدة والضحية هو نفس الضحية هو الإنسان الساذج البسيط ، والا فالإنسان المتعلم الواعي لا يشتري كلا العبادتين بعفطة عنز ولن يسمح لنفسه ان تكون ضحية لهذه الانواع من العبادات . هذه بضاعة مغشوشة يمكن تصريفها على البسطاء المغفلين وفي اسواق الفقراء والمحرومين . دائماً الافكار النتنة يمكن ترويجها عند طبقة المحرومين والسبب ان المحروم يعيش حالة طفولية مليئة بالعاطفة والالم وقلة المعرفة ، فعندما تأتيه الافكار النتنة لا يميز رائحتها فأنفه قد تشبع بالروائح النتنة التي تحيط به فيظنها من الواقع وهي فعلاً من الواقع المغلوب على أمره والذي سوف لن يتغير . المحروم الحقيقي هو من حرمت عليه المعرفة والثقافة فأصبح ضحية للأفكار البالية .
الافكار الميتة او النتنة لا تستطيع ان تغير اي شيء نحو الاحسن ، سواء صبر الإنسان سنة او الف سنة لا شيء يتغير بل العكس فالعد التنازلي هو الذي يظهر . بمعنى ان الرهان على الفكر الماضيوي هو خداع للنفس لا يختلف عن خداع الإنسان لنفسه حين عبد الاصنام ، ، الأب الناجح هو ذلك الأب الذي يتمنى ان يكون مستقبل أبنه ناجحاً أفضل من أبيه ويظن ذلك ممكناً بالعمل والتشجيع وكذلك المجتمع الناجح هو الذي يرسم الطريق الصحيح للجيل الذي يليه ، أمًا الأب الفاشل هو ذلك الأب الذي يعتقد استحالة مقارنة أبنه به لأنه ظاهرة نادرة لا تتكرر في التأريخ حسب اعتقاده فيضع حواجز امام ابنه لمنع بناء نفسه ، هذه المقارنة هي نفسها يعيشها المجتمع ، تأريخ كله فشل ونظن بأنها ظاهرة تأريخية لن تتكرر لذلك منُع العمل وانقطع التشجيع ، فأنتج المجتمع كل المساوىء في باقة واحدة وللأسف ليست باقة ورود وإنما باقة جهل وتخلف وضياع .
لم يشهد التأريخ ان الجهل كان له صوتاً وترويجاً ووسائل اعلام مقروءة ومسموعة تتحدى العلم والمعرفة بكل وقاحة مثلما يشهده حاضر مجتمعنا ، ظناً من أصحاب هذا التوجه أنهم سينالون من الحاضر والمستقبل ويعيده نادماً في احضان الماضي .
هذا الوهم سيدفع ثمنه ارباب التخلف غالياً ، فياليتهم يصحون من غفلتهم و يستفيقون من هذه الاوهام لأن طريق الحياة بإتجاه واحد لو كانوا يعلمون .[1]