غولاي ظاظا، كاتبة كردية من مدينة قامشلو، تكتب في عدة صحف ومجلات منها صحيفة الحياة اللندنية.
تكتب في مسلسل كرتوني درامي ساخر باسم «تمر هندي»، كما تكتب في الأدب والثقافة.
تعمل غولاي في إعداد وتقديم برامج إذاعية في عدة إذاعات سوريّة.
– ترصدين في كتاباتك العديد من القضايا المرتبطة بالمرأة والتحولات العميقة المرافقة لتغيّر ذهنية المجتمع وكيفية تعاطيه مع مثل هذه القضايا، برأيك هل ثمّة انسجام في حجم التغييرات الاجتماعية التي طرأت على مسألة التعاطي مع حقوق المرأة بشكل عام والتغيرات السياسية والاقتصادية الحادة التي شهدتها مجتمعاتنا مؤخراً؟
لم أقترب بشكل جاد من موضوع المرأة حتى الآن على مستوى الكتابة. ربما لا يزال الوقت مبكراً على تقديم رؤية متكاملة بعيداً عن التأثر بالضخ الإعلامي. ألاحظ نمطية في الطروحات الموجودة على المستوى الإعلامي، لكن واقعياً ليست هناك الكثير من التغيرات الإيجابية كون عملية التعاطي مع قضايا المرأة تكون بطيئة وتخضع للتطور السياسي العام. ولا ننسى هنا الاستثمار السياسي في ملف المرأة من كافة الأطراف السياسية، وللأسف هذا الاستثمار إيجابي من حيث أنه يضمن ارتقاء نخبة محددة من النساء دون أن يصل التأثير إلى الجميع، لكنه في الوقت نفسه لا يحمي المرأة من استثمارها للعرض الإعلامي، باستثناء التعاطي الجاد نوعاً ما من الأحزاب الكردية. رغم ذلك، لا أحمّل المجتمع الذكوري مسؤولية عدم التناسب بين حجم التغييرات في وضع المرأة والتغييرات السياسية والاقتصادية، فهناك مسؤولية مباشرة تقع على عاتق المرأة نفسها، وهو أنه حين تأتيها فرصة الارتقاء فإنها لا تبذل الجهد الذي يؤهلها للنجاح. وفي الكثير من المناطق السورية خلال السنوات الماضية تعرضت المرأة لنكبة على كافة الأصعدة ودفعت ثمناً مضاعفاً في الحرب.
– ظهرت خلال السنوات الست الماضية تجارب إعلامية سورية كثيرة، بينها إذاعات ومواقع وصحف ومجلات، وكصاحبة تجربة في مجال العمل الإذاعي والصحفي، كيف تقيمين التجربة الإعلامية الناشئة في سوريا عامة وفي المناطق الكردية خاصة، هل بإمكاننا التعويل على هذه التجارب لتأسيس إعلام متزن قادر على صناعة رأي عام يكون جزءاً من منظومة الحل أم أن المؤشرات تقود إلى حتمية بقاء هذه التجارب أسيرة لإرهاصات الأزمة؟
مؤمنة بكل تجربة إعلامية أو غيرها، مؤمنة بقدرة الأفراد على خلق وتوظيف الإبداع في كافة مجالات الحياة العامة. بالنسبة لكثرة التجارب والمؤسسات الإعلامية من حسن الحظ أن وجودها ساعد الكثير من الشباب على ممارسة العمل وتوظيف الامكانات التي لربما لم يكن لها مكان في سوريا الأسد. مع ذلك لا اعتقد أنها منصة مستقرة دائمة فهناك خلل وسوء تنسيق دائم، مؤسسات تتبع التمويل ومايريد الممول ولذلك لن تختلف عن الإعلام الموجه تقليدياً. لكن لا يمكن إنكار أن الإعلام كان المجال الذي وفر أكبر فرص للعمل خلال السنوات الماضية لغير المختصين، وأنا جئت إلى مجال الإعلام بدون تخصص. بدأت في الإذاعات ثم المهمة الأصعب التي ما زلت في بدايتها، وهي الكتابة الصحفية.
وسواء في المناطق الكردية أو الإعلام السوري بشكل عام، فمن المؤكد إنه مع تراجع وتيرة الحرب ستختفي الكثير من المؤسسات الإعلامية الحالية نتيجة المنافسة المهنية أو انتهاء التمويل.
– المتابعون للحالة السورية يسجلون مآخذ كثيرة على دور المرأة ومشاركتها في الحياة العامة وأيضاً في عملية التغيير المستعصية، هل بإمكاننا الحديث عن أسباب متعلقة بمحدودية الإمكانيات والخبرات النسوية، أم أن الوضع العسكري العام في البلاد والعطالة الاجتماعية خلال سنوات الأزمة تقف وراء محدودية مشاركة المرأة السورية في حيّز الحياة العامة بمختلف جوانبها؟
المرأة دائماً كانت تأمل المشاركة في الحياة العامة، واليوم أمامها فرصة لتحقيق ذلك، وهذا يكون بإثبات نفسها في الساحة الثقافية والسياسية بشكل فعال. الواقع أن الحرب لعبت دوراً سلبياً في مكانة المرأة، وهذا مشروع للكتابة لدي، مثلاً تراجع دورها بشكل تلقائي نتيجة الحرب، فالحرب يخوضها الذكور، والمرأة تتراجع من الفضاء العام إلى العزلة لتكون بأمان مع أطفالها، وهذا يؤثر على دورها سلباً. من الصعب أن نتحدث عن نجاحات للمرأة في الحروب. يمكن إحصاء الكثير من الخسائر.
في الحالة الكردية سجلت المراة حضوراً فاعلاً في الحياة العسكرية ووصلت سمعتها إلى العالمية وباتت مضرب مثل، وكذلك في الحياة السياسية. وهي حالة مناقضة للوضع السوري العام. ربما يعود إلى التجربة الحزبية الطويلة في الحالة الكردية، في المقابل لا توجد حياة حزبية حقيقية في بقية أنحاء سوريا. يضاف إلى ذلك اختلاف طبيعة المجتمع نفسه في الموقف من المرأة.
– دائماً ما تواجه الكتّاب الكثير من المنغصات المختلفة، ككاتبة كيف تواجهين موضوعة الكتابة، وماهي حدود المكان وحضوره وتأثيره على النمط الذي تختارينه في الكتابة الصحفية؟
حرّة أنا في الكتابة دائماً، اكتب ما أريد لكن ليس دائماً أنجز ما أريد، ربما السبب يعود إلى تداخل متطلبات الحياة اليومية وتأثيرها على الكتابة سلباً. غير ذلك لا أواجه أيّة مشاكل في الرغبة والاستعداد والشغف بالكتابة، وإن حدث ما يمنعني عن كتابة ما أريد سأتوقف مباشرة عن الكتابة حتى في دفتر يومياتي. بالنسبة للمكان، أعتقد أن هناك ما هو أهم، وهو ما الذي أوصلني إلى هذا المكان. وهناك أيضاً عامل آخر وهو نوعية القراءة ومجالات الاهتمام المعرفي الذي يقلص من تأثير المكان وسحره أو حتى سلبياته. من بستان القراءات أنتج الكتابة أكثر مما أنتجه بتأثير المكان. والأجمل أن يتقاطع كلاهما معاً، فمع المعارف الجديدة والمناسبات المتوافقة معها تنتج موضوعات كتابية. اسطنبول مدينة المعارض والمهرجانات والحفلات مدينة مليئة بالحياة والتفاصيل الكثيرة، هذا ما يدعم حرية اختياري للمواد.
– تقيمين في اسطنبول منذ سنوات، ما الذي تمثله لك هذه المدينة، وعلى ماذا تعتمدين في اختيار المواضيع والطروحات الإشكالية التي تستنبطينها من تجربتك الحياتية في هذه المدينة؟
اسطنبول من أقرب المدن إلى قلبي، التي ما زلت لا أفهمها وانبهر بها دائماً، مكانٌ للجمال الرفيع، مدينة بلا نهاية، استمرارية تفاصيلها المرتبطة بالتاريخ العثماني الغني يجعلني في حالة بحث مستمر عن ماضي هذه المدينة، والحزن على ماهي عليه الآن.
اكتب مواد ثقافية منوعة عن المدينة، استند إلى تاريخها دائماً في طرح ومعالجة أي موضوع كان، اهتم كثيراً باسطنبول القديمة، بالرسامين والروائيين والشعراء. أبحث عن مواضيع مرتبطة وعلى تماس بالتاريخ دائماً.
أبهرتني روايات أورهان باموك عن المدينة وأعادت تعريفي لها. في السنتين الأولى والثانية كنت قضيت معظمها خارج اسطنبول، لم أغادر أجواء سوريا. في اسطنبول أيضاً بحثت فيها عن أجواء سوريا، لكن هناك الكثير الذي اكتشفته بعد متابعتي لدروس اللغة التركية وتمكني من التعرف على المدينة بلغتها. فرق شاسع بين أن تكون في المكان وبين أن تصبح جزءاً منه. واعتقد أن اللغة والتواصل عبر المجالات المعرفية والفنية للمدينة تترك تأثيراً عميقاً على الشخصية. قبل توغلي في عمق المدينة لغة وقراءة كنت أقيم على حافة اسطنبول. من هنا اختار الموضوعات التي أكتبها التي ترسم هوية ثقافية وفنية لها، وأحاول دائماً أن أضمّن الموضوعات جرعة من ماضي المدينة لتتوضح صورتها الحاضرة أكثر للقارئ ولي أيضاً.[1]