د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
-مقدمة
أثار إعلان #مسعود البارزاني# رئيس إقليم كردستان-العراق المنتهية ولايته منذ سنتين وفي خطوة مفاجئة، بعد اجتماعه، مع الأحزاب الكردية، يوم الأربعاء 07 -06- 2017، تحديد موعد إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، والسادس من نوفمبر/ تشرين الأول من العام الحالي لإجراء انتخابات برلمان ورئاسة الإقليم.
وطيلة 120 يوماً اللاحقة كان أداء وردود أفعال حكومة حيدر العبادي في بغداد، ضعيفاً بل ويكاد يكون معدوماً، رغم العديد من محاولات الوساطة وزيارات الوفد الكري الى بغداد. وربما كان مرجع ذلك، هو قناعة الحكومة الإتحادية بإمكانية الغاء الإستفتاء. وبالمقابل كان الجانب الكردي مصراً على إجراء الإستفتاء بوقف متّسم بالعناد والتصلب، حتى تجاه أقرب الحلفاء كالولايات المتحدة الأمريكية التي أوفدت وزيري خارجيتها ووزير الدفاع الى كردستان، ولكن دون جدوى.
وقد تراوحت مواقف الدول تجاه فكرة الإستفتاء الكردي بين مؤيد ومعارض، وكان أشدها تأييداً له هو الموقف الإسرائيلي عبر تصريحات عديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كما وقفت الإمارات العربية المتحدة موقفاً مؤيداً وداعماً بشكل واضح وكان لبعثتها الدبلوماسية حضور واضح أثناء إجراء عملية الإستفتاء. في حين رفضت دول جوار العراق تركيا وإيران وسوريا، وكان أشدهم الموقف التركي الذي هدّد مسعود البرزاني على لسان رئيسه رجب طيب أردوغان، لسبب مبرر وهو وجود أقليات كردية في هذه الدول.
وأخيراً، أجريّ الإستفتاء بعد فشل كل المفاوضات بين الحكومة الاتحادية وأقليم كردستان-العراق، وفي ظِل أجواء مشحونة بالتطرف والشّد العاطفي المنفلت من الطرفين، ورفعت أعلام إسرائيل لأول مرة في العراق بهذا الشكل العلني وغير المسبوق، كما حرق ذات العلم في بغداد، ومزق جواز السفر العراقي هناك، وإنتشرت عبارات وداعا ياعراق، في مشاهد تذكِّر بأحداث عام 1991، عندما إلتجأ المعارضون الشيعة الى رفحاء بالسعودية بعد إنتفاضتهم الفاشلة، وهم يهتفون باي باي عراق.
والواقع إن هذا الإستفتاء الذي أخذ مديَات بعيدة، نتيجة الإعلام غير المسؤول، ليس الأول من نوعه في كردستان-العراق، فقد مارسته سلطات الإقليم ذاتها بالتزامن مع انتخابات عام 2005، وصوّت المواطنون في الإقليم المذكور بالموافقة على الإستقلال من عدمه، علما أن الكثير قد صوّتوا بنعم، وهم يعتقدون أن القصد من ذلك مشاركتهم في الانتخابات. ولم يُثر ذلك الإستفتاء أي ضجة كبيرة في حينه، وربما يعود ذلك لضعف الحكومة المركزية في بداية عهد التغيير السياسي آنذاك.
- كلمة لا بد منها ورأي شخصي
كلمة لابد منها، قبل الخوض في الجوانب القانونية للاستفتاء موضوع البحث، وقبل التطرق الى النصوص القانونية الخاصة أو ذات الصلة بذلك، وهي تتضمن مواقف إتخذتها وآراء طرحتها أثناء مناقشة الدستور مدار البحث. فبالرجوع الى إجواء عام 2004-2005 إثناء إعداد دستور جديد دائم للعراق بإشراف الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، فقد عقدت العديد من الندوات وأجريت الكثير من الحلقات الدراسية وورش العمل، وإشتركت العديد من سفارات الدول الأجنبية وكلها تدلو بدلوها وتقدم تصورها الخاص لشكل الدستور العراقي القادم بعد مرحلة صدام حسين. وقد رَعَت السفارة الأميركية ببغداد الكثير منها، وإستضافت العديد من المختصين ورجال القانون وخبراء القانون الدستوري قبل عرضه على الإستفتاء الشعبي. وكنت من بين من تمت إستضافتهم لأكثر من مرة وفي أكثر من مكان.
وقد ركّزت في موقفي على عدد من الملاحظات القانونية، سأورد بعض منها لتعلقها بالوضع الراهن، على أمل أن أنشر البقية في صيغة تعديل لهذا الدستور لاحقاً، وهي: -
1. عدم وجود طبقة منتصرة: أثناء المناقشات العديدة، وبعد إطلاعي على المسودة الأولية لمشروع الدستور، تساءلتُ عن معنى الدستور كمدخل لفهم هذه النقطة. وكان الجواب يأتي أكاديمياً في أغلب الأحوال، ووفقاً للفقه القانوني التقليدي الذي نُدّرسه لطلبة المرحلة الأولى في كليات القانون، والمتمثل في تعريف الدستور، وهو بأنه: مجموعة القواعد القانونية التي تنظم ممارسة السلطة في بلد معين وفي زمان معين.
والحقيقة، إن هذا التعريف الأكاديمي التقليدي، يفتقر الى المعنى الفلسفي لجوهر الدستور وروحه. فالدستور-أي دستور- إنما هو وثيقة إنتصار طبقة سياسية على الطبقات الأخرى داخل المجتمع. وخبراء القانون الدستور المتمرسين يعرفون تلك الطبقة بمجرد إلقاء نظرة أولية عابرة على الدستور، وأوردت لذلك مثلاً، هو دستور العراق لعام 1968 الملغي، والذي أورد في مادته 41 مايلي:
المادة الحادية والأربعون مجلس قيادة الثورة هو الجهاز الثوري الذي قاد جماهير الشعب والقوات المسلحة صبيحة اليوم السابع عشر من تموز سنة 1968 وتتم تسمية أعضائه بقانون.
وبالنظر الى هذه المادة الدستورية بعين الخبير، كنظر الطبيب الى أشعة المريض يستطيع أن يشّخص الطبقة السياسية المسيطرة في البلد والماسكة لزمام السلطة فيها، والتي بإمكانها فرضها على بقية طبقات المجتمع بالإكراه إستناداً لقوة القانون، والمتمثلة في (مجلس قيادة الثورة) الذي ظَلّ مسيطراً على السلطة في العراق منذ صدور هذا الدستور في 21-07- 1968 ولغاية 9 -04- 2003.
بخلاف ذلك، جاء دستور 2005 غير مُوضِحٍ وكاشفٍ عن الطبقة المسيطرة في العراق، هل هي حزب الدعوة؟ أم الحزب الديمقراطي الكردستاني؟ أو بشكل أدّق كما جرى تسميتهم لاحقاً وهما التحالف الشيعي، أم التحالف الكردستاني؟ والحقيقة، إن القوى السياسية الجديدة في العراق أريد لها أن تكون متكافئة ومتعادلة في القوة والسيطرة لضمان عدم سيطرة طبقة على أخرى.
وقد توقعنا آنذاك إن هذا الدستور سيثير مشاكل عديدة لاحقاً، وقد يقود الى كوارث سياسية خطيرة كالتي نراها ونشهدها اليوم.
لم يرضي جميع الأطراف ملاحظتنا هذه، فقد كانت الولايات المتحدة هي التي عدّت مشروعها الخاص ووضعت بصماتها عليه مثل شكل الدولة الفيدرالي، ومنها أيضاً هذه البصمة الهامة من خلال خبيرها الخاص نوه فيلدمان ، الذي تمكن بمهارة وإحترافية من أن يُلًغم هذا الدستور بألغام عديدة ستنفجر لاحقاً، والإجراء الكردي واحد منها. ولاحظنا أن الدول تسعى الى إستنساخ تجاربها في العراق، فالأمريكان أصروا على الشكل الفيدرالي للدولة المقبلة، وفي أحدى لقاءاتنا مع السفير السويسري في بغداد، كان متحمساً لاستنساخ تجربة الكانتونات السويسرية في العراق، وهذا ما أسميته أنذاك بالإستنساخ غير المنسجم والمتطابق. وقد فصّلت ذلك في دراسة سابقة نشرتها بعنوان (اسباب الانهيار السريع للسلطة في العراق).
2. التداخل التشريعي وإزدواجية التشريع: في إحدى مناقشات إعداد الدستور العراقي القادم والتي نظّمها الفرع الأول للحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة دهوك في خريف 2004، وحضرت بصفتي أستاذا للقانون في كلية القانون جامعة دهوك، ولم أبُدي أي رأي طيلة وقت المناقشة، لولا طلب أحد القضاة الأصدقاء الأكراد ذلك ، بإن الرأي عندي ولكني لا أرغب بالنقاش، فأبديت ملاحظة واحدة فقط، لقناعتي بأن هذه المناقشات هي لإضافة شرعية عراقية على مُسوّدة أمريكية.
وكانت الملاحظة تخُص مشكلة ازدواجية التشريع التي شهدها العراق سابقاً في دستور عام 1970 الملغي، حيث كان هناك ثلاث جهات تصدر القوانين الواجبة التطبيق على قدم المساواة وهي: مجلس قيادة الثورة (يصدر قرارات لها قوة القانون)، ورئيس الجمهورية (يصدر مراسيم جمهورية)، والمجلس الوطني (يُشرّع القوانين).
وبدا مشروع دستور عام 2005 يكرر نفس المعضلة القانونية، رغم وضع بعض الضمانات لإزالة التعارض الي بقي قائماً في التطبيق والواقع العملي. واليوم، نشهد تعارضاً بين قوانين المركز وقوانين الأقليم، بحيث أن سلطات إقليم كردستان غالباً ما إعترضت ورفضت تطبيق الكثير من القوانين التي يصدرها المركز لا بل صدرت قوانين عديدة تتعارض وتتقاطع مع قوانين الحكومة الإتحادية، لان النصوص الدستورية الخاصة بسلطات الإقليم تجيز لها تعديل القوانين الإتحادية وفقاً لمنطوق الفقرة ثانياً من المادة 121 من الدستور الحالي. والتي تنُص على ما يلي: -
المادة ( 121):
اولاً : لسلطات الاقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية.
ثانياً : يحق لسلطة الاقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم، في [1]