يكشف تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المشكلة من قبل الأمم المتحدة، الذي صدر مؤخراً، كيف سقط الشعب السوري بين ناري انتهاكات نظام بشار الأسد من جهة والميليشيات والمرتزقة التابعة لتركيا من جهة أخرى، والتي ترتقي جميعها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
مركز القاهرة:
يكشف تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المشكلة من قبل الأمم المتحدة – الذي صدر مؤخراً – كيف سقط الشعب السوري بين ناري انتهاكات نظام بشار الأسد من جهة والميليشيات والفصائل الموالية لتركيا من جهة أخرى، والتي ترتقي جميعها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تستوجب المسائلة.
وذكر تقرير اللجنة أن تلك الجماعات المسلحة تمارس التعذيب مثلها مثل نظام بشار الأسد وسوء المعاملة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والاعتقال والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارحي والأعمال التي ترقى إلى الاختفاء القسري.
انتهاكات هيئة تحرير الشام
وفيما يتعلق بهيئة تحرير الشام والتي عززت منذ عام 2017 سيطرتها على أجزاء من مدينة إدلب وأجزاء من محافظتي حلب وحماة في شمال غرب سوريا، وأقاما لاحقاً بحكم الأمر الواقع شبه سلطة إدارية هناك، بما في ذلك ما يسمى بحكومة الخلاص ووزارة العدالة التابعة لها التي تدير مرافق الاحتجاز، بما في ذلك السجون.
وفي عام 2020، أنشأت هيئة تحرير الشام ما يعرف بمديرية الأمن العام وهي هيئة إنفاذ قانون واستخبارات تديرها أيضاً، وقد سبق للجنة أن وثقت حالات الأفعال التي ترقى إلى الاختفاء القسري والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب وسوء المعاملة، وأشكال العنف الجنسي والموت أثناء احتجاز الأشخاص المحتجزين لدى هيئة تحرير الشام.
وتشمل المرافق التي تم توثيق مثل هذه الانتهاكات فيها منذ عام 2020 سرمدا ومراكز احتجاز الحريم الفروع 107 و77، وكذلك الفرع 33 في إدلب، كما خلصت اللجنة إلى أن هيئة تحرير الشام واصلت تنفيذ جريمة حرب تتمثل في المعاملة القاسية والتعذيب، فضلاً عن القتل وجرائم الحرب الأخرى، والتعذيب والمعاملة السيئة، وفق التقرير، هي الأكثر شيوعاً لانتزاع الاعترافات أو المعاقبة.
وعلى سبيل المثال، اعتقل رجل من قبل ما يعرف ب الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام عام 2022 وكان معصوب العينين ومقيد اليدين، وتم جره من منزله، بينما كان يتم ضربه بشكل متكرر على رقبته بعقب البندقية، كذلك كان هناك محتجز في سجن حارم لشهور تعرض للتعذيب وطُلب منه الاعتراف خلال استجواب، وعندما رفض الاعتراف تم شبحه لمدة 4 ساعات بينما كان يتم ضربه بخرطوم.
وبالمثل احتجز رجل لمدة خمسة أشهر وقد تعرض للضرب من قبل شرطة هيئة تحرير الشام في إحد مراكز الاحتجاز، حيث تم تكبيله بسلك وتعليقه في سقف الزنزانة ليدلي بالاعترافات التي يريدونها، كما وصف رجل ثالث أنه احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي في عام 2021 وتعرض للضرب من قبل أعضاء هيئة تحرير الشام باستخدام خرطوم بلاستيكي أثناء الاستجواب، كما حكم عليه من قبل محكمة محلية بعقوبة 300 جلدة وخمس سنوات سجنا بتهمة القتل وهي جريمة أنكرها الرجل.
وفق التقرير، كانت هناك ممارسة شائعة وهي أن الشخص يتم تعذيبه 7 أيام متواصلة حتى لو اعترف بما يريدونه، فيما أفاد محتجزون بأنهم تعرضوا لأعمال عنف جنسي، مما يؤكد صحة ما تم إثباته سابقاً؛ فعلى سبيل المثال تم استجواب شاب محتجز في أواخر عام 2021 اشتبهوا في أنه مثلي الجنس، وقد تم تجريده من ملابسه مع حارسين كان أحدهما يهينه ويناديه ببعض الأسماء المهينة فيما يتبول عليه الحارس الآخر.
انتهاكات ميليشيات الجيش الوطني السوري
وتطرق التقرير إلى انتهاكات ما يسمى بالجيش الوطني السوري (الجيش السوري الحر سابقاً)، وهو أحد الميليشيات المعارضة للنظام والحليفة لتركيا والتي شاركتها في احتلال المناطق الكردية، مؤكداً أن تلك الجماعة ارتكبت جرائم حرب تتمثل في التعذيب والمعاملة القاسية وأخذ الرهائن، والاغتصاب والعنف الجنسي، فضلاً عن الأفعال التي ترقى إلى الاختفاء القسري، حيث تم توثيق مثل هذه الانتهاكات منذ عام 2020 في مرافق تديرها تلك الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري مثل سليمان شاه وحمزة والسلطان مراد وأحرار الشام وأحرار الشرقية وفيلق الشام ومحمد الفاتح.
وروى الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من قبل معدي التقرير أنهم تعرضوا باستمرار للضرب وتعصيب العينين أثناء الاستجواب، واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي في حجز للجيش الوطني، واستخدمت كافة وسائل التعذيب لانتزاع الاعترافات، والتي تشمل الشبح، واستخدام مسدسات الصعق الكهربائي والصدمات الكهربائية، بما في ذلك للأعضاء التناسلية وغيرها من أشكال العنف الجنسي.
التنكيل يطال الكرد بصفة أساسية
وتعليقاً على ما جاء بالتقرير، يقول الإعلامي السوري عبدالرحمن ربوع، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، إن المناطق التي دخلتها الفصائل السورية الموالية لتركيا والممولة منها منذ عملية درع الفرات 2016 إلى درع الربيع 2020، مروراً بغصن الزيتون 2018 ونبع السلام 2019، لم تعرف إلا التشبيح وسلوك العصابات والتوقيف والاعتقال على الهوية، والخطف بقصد طلب الفدية، والتنكيل بالأهالي ومصادرة بيوتهم وأراضيهم ومتاجرهم.
وأضاف ربوع أن هذا يحدث خصوصاَ تجاه الكرد بقصد إرغامهم على ترك هذه المناطق وتوطين آخرين محلهم سواء عرب أو تركمان، ونشعر أو نكاد نجزم أنها سياسة ممنهجة، على غرار سياسة النظام في دمشق وحمص وحماة، بتغيير ديمغرافية المنطقة لصالح تركيا وتنفيذ مخطط أو مشروع حزام عربي تركماني أطلقته تركيا مع إطلاق عملياتها في سوريا قبل سبع سنوات بعد تفاهمات أستانا مع روسيا وإيران.
وقال الإعلامي السوري إنه يلمس بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة ضغوطاً وتمييزاً عنصرياً تجاه الكرد وتجاه المسيحيين أيضاً في هذه المناطق، ما اضطر آلاف العائلات للنزوح إلى مناطق الإدارة الذاتية بحثاً عن حياة كريمة، وتخلصاً من المضايقة والملاحقة، تاركين خلفهم بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم مقابل الخلاص من ممارسات هذه الفصائل على أمل العودة يوماً ما حين زوال خطر هذه الفصائل بزوالها وزوال التدخل التركي.
وفي ختام تصريحاته، أكد ربوع أن الاحتلال التركي يعتبر ككل التدخلات الأخرى الروسية والإيرانية شكل من أشكال الاحتلال والتدخل المرفوض، مهما كانت المسميات أو العناوين التي يختبئ خلفها سواء مكافحة الإرهاب أو مراقبة خفض التصعيد أو التدخل بطلب من النظام أو المعارضة.[1]