جمالية الإحالة في رواية مجنون سَلمى للروائي #جان دوست#
خالد جميل محمد
دراسة
=KTML_Bold=1. مجنونُ سَلمى في روايتين:=KTML_End=
مجنون سَلمى إحدى روايات الكاتب الكُردي (جان دوست)، طُبعت ونشرت أولَ مرةٍ في أيار / مايو 2023، وقد انبثقت من صُلبِ روايةِ إنهم ينتظرون الفجر التي سبقتها في الطباعة والنشر ببضعة أشهُر في (2022)، للكاتب نفسِه، حيث وَرَدَ ذِكرُها وأشير إليها في هذه الأخيرة، من خلال شخصية (أحمد رضا آيدن) الملقَّب هناك ب (آمَد) الذي كان يعتكف في ضريح الشاعر الكُردي الصوفي (ملا أحمد الجزري) المعروف ب (ملاىێ جزيري) (1570-1640م)، في جزيرة بوتان، ساعيًا، بموازاة المعارك الدائرة خارج تلك الحجرة والدمار المحيط بها، إلى كتابة رواية عنوانها مجنون سَلمى، في سياق تفاصيلَ كثيرةٍ وردت هناك في رواية إنهم ينتظرون الفجر على امتداد تسعة وسبعين يومًا، إلى أن انتهت المعارك، وقرر (آمَد) أن يعود إلى بيته في حارة يافث على ضفة دجلة الغربية أملًا في أن يلتقي (نِشْتِيمَان) حبيبتَه التي آثرت أن تواصل المشاركة في المعارك، وفضَّلت حبَّ الوطن على حبّ (آمَدْ) الذي أراد أن يخلق بموازاة عالَم الاقتتال والعنف والحروب، عالَمًا هادئًا مليئًا بالحُبِّ، غنيَّا بالعلم والمعرفة.
=KTML_Bold=2. من الإرجاء هناك إلى الإحالة هنا:=KTML_End=
هناك وهنا علامتانِ إجرائيتان تَخُصَّانِ سياقَ هذه الدراسةِ، حيث تدلُّ هناك على رواية إنهم ينتظرون الفجر وتدل هنا على رواية مجنون سَلمى التالية لتلك التي أُنجزَت عنها دراسةٌ سابقةٌ مماثلةٌ بعنوانِ: جماليةُ الإرجاء الفني في رواية (إنهم ينتظرون الفجر).
هناك، في رواية إنهم ينتظرون الفجر عُرِّف الإرجاء الفني بأنه سَعْيُ الروائي إلى عدم الكشف عن فحوى الأحداث، الموضوعات، الأسماء أو الحقائق بصورة سريعة أو مبكّرة، بهدف خلق التشويق من ذلك الإرجاء الفنّي المتعمَّد، في عملية سَرديّة تعكِس قدرة الروائي على إتقانه الإمساكَ بخيوط عمله، مع الحفاظ على مختلِفِ عناصر الرواية، من بداية السرد حتى نهايته، دون أن ينزلق خيطٌ منها من بين ذلك التضافر الجامعِ لوحدات النص الروائيِّ الممتد على مساحة 414 صفحة.
ثم أشير إلى أن (الإرجاء) في سياق تلك الدراسة قُصِدَ منه التأخير والتأجيل، أمّا اصطلاحاً فقد كان مفهومًا إجرائيًّا وظيفيًّا أثمرته القراءة النقدية النَّصِّيَّةُ التحليلية الخاصة برواية إنهم ينتظرون الفجر دون غيرها. واقتصرَ استخدامُه بهذا المعنى، على تلك الدراسةَ سياقاً ومضموناً، حيث بحثت تلك الدراسة الإرجاء الفنيّ، بصفته عمليةً سرديةً فنيَّةً، للكشف عن عناصر الأدبية والفنية والأبعاد الجمالية والسَّردية لذلك الإرجاء، فضلاً عن مقاصد الروائي من ذلك الإرجاء.
هناك، في رواية إنهم ينتظرون الفجر، تزامَنَ الاعتكاف وتوازى مع مجريات أحداث المعارك خارج ضريح الملا الجَزَرِيّ، وتمثَّلت القيمُ الأدبية والفنيةُ والجمالية للرواية، في عملية (الإرجاء) التي اتسمت بقيمة أُمْكِنَ أنْ تؤسَّسَ عليها دراسةٌ تحليلية للنص السردي سعيًا إلى اكتشاف خباياه وخفاياه، وملامسةِ القيم الجَمالية والفنية والأدبية فيه، انطلاقًا من هذه القيمة / العنصر. وقد تحقق ذلك التمثُّلُ عندما أراد (آمَد) أن يبنيَ عالَمًا من حُبٍّ وجَمال، في مواجهة الدمار الذي هيمن على الواقع خارجَ مكانِ اعتكافه في ضريح الملا الجزري، حيث كان يعمل بشغف شديد ومتواصل على إنجاز روايةٍ أراد أن يجعل عنوانها مجنونُ سَلْمى بصفتها نوعًا من مواجهةِ أمرٍ واقعٍ لا حول له فيه ولا حيلة، إزاء معاركَ طاحنةٍ ودمارٍ خارجَ تلك الحجرةِ التي بقي يستنجد بها أملًا في خلاصٍ منشودٍ أراده (آمَد) وكلُّ مَنْ كانوا ينتظرون الفجر الذي طَلَعَ عليهم بعد تسعة وسبعين يومًا من حظر التجوال المتزامن مع دوران رحى المعارك في جزيرة يوتان حتى ذلك الوقت الذي رُفِعَ فيه الحَظْرُ.
أمّا هنا، في رواية مجنون سَلمى، فتُعرَّف (الإحالة) بأنها إجراءٌ يتحقق بموجبه تَدرُّجٌ وانتقالٌ من نصٍّ ماثلٍ أمام القارئ، إلى امتدادات النصِّ نفسِه وما يشتمل عليها من موضوعات داخلية في إطار ذلك النصِّ، أو أنها قد تكون توجُّهًا أو توجيهًا للقارئ من ذلك النصِّ الماثل أمامَه إلى نصٍّ / نصوصٍ خارجةٍ عنه، يكون لها وجودٌ سابقٌ يتقاطع معها ذلك النصُّ، ويمكن أيضًا أن تكون الإحالة بمعنى (الإشارة) كما سيتوضح ذلك لاحقًا مع توالي فِقْرات الدراسة.
=KTML_Bold=غلاف رواية مجنون سلمى=KTML_End=
الإحالة، هنا، بصفتها مفهومًا إجرائيًّا خاصًّا برواية مجنون سَلمى، عنصر فنيُّ، أدبيٌّ وجماليٌّ من مُعْطَيات النصّ، تُعين على الانتقالِ من قضايا معلومةٍ مُسَلَّمة إلى قضايا مجهولةٍ، لبلوغِ الأبعادِ الداخليةِ والخارجيةِ للنصِّ، والتوجّهِ نحو تلك القيمِ الفنية، الجَمالية، الأدبية، الذاتية والموضوعية، وتَعَرُّفها ومُلامَسَة عناصر النصّ ومقوِّماته ومكوِّناته ودلالاته المختلفة، وفَهْمِ مرامِيْهِ وجمالياته في إطار كون النصِّ نسيجًا متماسكًا مترابطًا ووحدةً لغويةً متكاملةَ البنيان، يمكنها الاكتفاء بذاتها وكذلك يمكنها توجيه القارئ نحو خارج ذلك البنيان في آنٍ معًا.
=KTML_Bold=3. تجليات الإحالة:=KTML_End=
في اعتماد الإحالة سبيلًا لهذه الدراسة، اتُّبِعَ المنهجُ النصّيُّ، بوصف النصّ نسيجًا ووحدةً لغوية متماسكةً، مترابطةً ومتّسقةً، متجاوزةً بنيةَ الجملةِ الواحدةِ، إلى رحاب النص في كلّيَّته وعلاقاتِه الداخليةِ والخارجيةِ، وهو يقوم على إحالات يمكن التَّجَوُّلُ بموجبِها في متن النص أو الانتقال إلى خارجه وما يتقاطع معه من نصوصٍ أو وقائعَ وأحداثٍ. وقد اعتمدت الدراسةُ الإحالةَ بصفتها مفتاحًا تحليليًّا وقيمةً فنيةً وجَماليَّةً وأدبيةً معًا، يمكن التوسُّلُ بها لرصد كثير من الجوانب الفنية والأدبية في النص، وبصفتها عمليةً تمنح النصَّ تماسكَه وترابطَه واتِّساقَه وانسجامَ عناصرِه، وتُعِطي أدوات البحث، الدراسة والقراءة طاقةً إضافية للاستغراق في النص واستكشاف عوالمِه وبُناه إضافةً إلى أبعادِه الثقافية، المعرفية، التاريخية، الاجتماعية والنفسية.
بإدراك تلك الأهمية للإحالة، يمكن إدراكُ القيمِ نفسِها التي يحملها النصُّ في داخلِه، وما يتعلق به ويتواشج معه من خارجه، فلا يعودُ مجرَّدَ نصٍّ لغويِّ، بل يستمد أهميَّتَه من تلك الإحالة ليكون رسالةً ذاتَ وِجْهتَينِ: وِجهةٍ داخليةٍ نحو المتن، ووجهةٍ خارجية نحو المُحَالِ إليﮪ/ا، وما يحال إليﮪ/ا ليس هباءً أو خَواءً، بل له ما يعزِّز وجودَه الفعليَّ المتميِّزَ والمفيدَ على مستوى النصِّ المعيَّن، وتداخلَه مع ما هو مستقلٌّ عنه ومرتبطٌ به في آنٍ معًا. وهنا، يتوسط الإحالتين الداخلية والخارجيةِ، إحالة سياقية إلى رواية إنهم ينتظرون الفجر السابقة عليها.
3/1. الإحالات الداخلية: وتشمل إحالات العتبات (العناوين وضمنها عناوين المقامات / الفصول، والإهداء، والتوطئة، والاقتباسات)، ثم إحالات المتن.
3/1/1. إحالات العتبات: وأولها إحالات العناوين، عنوان الرواية مجنون سَلمى، وعناوين الفصول / المقامات (مقام الشرب، مقام السُّكر، مقام الصحو).
=KTML_Bold=3/1/1/1. العناوين:=KTML_End=
- مجنون سلمى سيرةٌ مُتَخَيَّلَةٌ لشاعر حقيقي: عنوانٌ يحيل إلى السيرة الشخصية للشاعر الكُردي (ملا أحمد الجزري 1570-1640م)، وقصةِ عشقِه الإنسانيِّ الذي ربما كان سابقًا على حبِّه الإلهي، أو ربَّما كان قَنْطَرةً لبلوغ ذلك الحبِّ، على النحو الذي قال في إحدى قصائده:
بحوسنا (أحسن التقويم) وظاهر صوورەتێ ذاتی نەظەر دى (علَّمَ الأسماءْ) وَباطن عەين مرآتى
د پا بۆسا سەمەن سایێ، م نێری بەژن و بالایێ (لعلّي أبلغ الأسبابَ أسبابَ السَّمواتِ)
ژڤی تەقویمێ ئینسانی، نظر دا سرێ سوبحانی (فهذا الوجه من أجلى براهينٍ وآياتِ)
تلك السِّيرَةُ المُتَخَيَّلَةُ والحكايات الخرافية الملازمة لها، نسجهما الخيال الشعبي عن شاعرٍ بَرَعَ في شعره بأسلوبٍ مُعجِزٍ، وفي التعبير عن حبِّه بما استوجب اختلاق مثل تلك الحكايات على مرّ الزمان.
أما لقب (مجنون سَلمى) فقد أطلقه عليه صديقُه (محمد مكسي/ فقى طيران) (1590-1660م) في سياق فصل / مقام السُّكْرِ، حين بلغ عشقه درجاتٍ سوّغتْ إطلاق هذا اللقبِ عليه، حيث أشير في أثناء حوارهما إلى (مجنون ليلى) قيسِ بنِ المُلوَّح.
هنا، في رواية مجنون سلمى، تبدأ الإحالة من العنوانِ، ومن ثَمّ تتعدد وتتدرَّج متَّجهةً نحو متن النصِّ من جانبٍ، ونحو خارج النصِّ من جوانبَ أُخرى، حيث يشتمل عنوان مجنون سَلمى على إحالات متنوعةٍ، منها إحالةٌ نصّيةٌ تَتَّجِهُ نحو متن الرواية نفسِها، وإحالةٌ خارجيةٌ متعددةُ المستوياتِ، أحدُها مستوى الإحالة السياقية التي تدخل في إطار العلاقة بين هذه الرواية ورواية إنهم تنظرون الفجر، ومستوى إحالة تاريخية تتجه نحو الماضي ووقائعه وأحداثه، إلى جانب قصة عشق (ملا أحمد الجَزَرِيّ)، الذي قال في سياق إحدى قصائده الملمَّعة:
ما بلەعلێن جانفەزا ناڤێ مە بینت جارەكێ (بالدُّعا بَلِّغْ تحياتي لِسلمى يا بَريْدْ)
التركيب الإضافي الإحالي في عنوان الرواية، بإضافة مجنون إلى سَلمى، يتسم بالتشويق، من باب إضافة الاسم إلى صاحبه أو ما له صِلَةٌ به، حيث يكون اسم مجنون نكرةً معمَّمَة لا تدل على مسمّى معيَّن، ولا تقتصر على شخصٍّ بحدِّ ذاتِه، بل يَفقدُ قيمتَه الدَّلالية الإحالية المحدَّدةَ والمحدِّدة، لولا تلك الإضافةُ إلى الاسم المعرفةِ سَلمى الذي منح المضاف مجنون تلك القيمة التركيبية، اللغوية والدَّلالية باكتسابِه التعريفَ من عملية الإسناد، على قاعدة التعريف بالإضافة إلى معرفة، في مستوى تركيبيٍّ اشتمل على سِمة الإحالة المأمولةِ منها، بحيث اكتسب المجنونُ تعريفه من إضافته إلى سلمى التي أعطته قيمة التعريف بعد التنكير، وهو ما يسوغ لاحقًا ذِكْرُه معرَّفًا ب (أل العهدية) / (المجنون) في إشارة إليه بعد أن صار معهودًا.
=KTML_Bold=- المقامات:=KTML_End=
وزّع الروائيُّ روايتَه على ثلاثة فصول، سمّاها (مقامات)، وهي مقام الشرب، ومقام السُّكْر ومقام الصحو. ولا يخفى ما ل(ولي نقشجان) من دور في ذلك التقسيم، وكذلك من دور في انتقال الجزري من الحب الإنساني إلى الحب الإلهي، وإحالة إلى قول الجزري:
حوبێ جسمانی دوو رۆژن گەر چ دل پور پی دسۆژن
خەف جەگەر پەیكان دنۆژن مثل نەقشێ بێ بەقایە
وفي تلك المقامات إحالة واضحة إلى عالَم التصوف عامة، وعالَم الجزري بصورة خاصة، حيث يغتني شِعرُه بما يدلُّ على الأحوال والمقامات الصوفية، التي جاء عنها في كتاب (اللُّمَع) لأبي نصرٍ الطُّوسيِّ أن معنى المقاماتِ هو قيامُ العبد بين يدي الله، ويقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى الله. ومنها مقامات (التوبة، الورع، الزهد، الفقر، الصبر، الرضا، التوكل..)، وهي غير الأحوال التي تحُلُّ بالقلوب أو تحُلُّ به القلوب، حيث قال عنها الجُنَيدُ: إن الحالَ نازلةٌ تنزل بالقلوب فلا تدوم. والحال هو للذِّكْر الخفيِّ، مثل (المراقبة، القرب، المحبة، الخوف، الرجاء، الشوق، الأنس، الطمأنينة، المشاهدة، اليقين...). أمّا المقامات فهي ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب مما يُتوصَّل به بنوعِ تَصَرُّفٍ وبتحقُّقٍ به، بضربِ تَطَلُّبٍ ومُقاسَاة تَكَلُّفٍ. فمَقام كلِّ أحَد موضع إقامته عند ذلك، وما هو مشتغل بالرياضة له.. فالمقامات مكاسبُ، والأحوال مواهبُ، أي أن الأحوالَ تأتي من عين الجَواد، والمقاماتِ تُحَصَّلُ ببذل المجهودِ. ومن هنا كان تسويغ تسمية المقامات في فصول الرواية، حيث تشير إلى المجهود الذي بذله الجزري لبلوغ سَلمى التي لم يحظَ بها، بل ماتَ دون أن يراها مرّةً ثالثة، بعد أن رآها أول مرة في الجامع وثانيَ مرَّة في يوم عُرسها.
ما يميز المقامات / الفصول، هنا، أنها جاءت مرتَّبةً ترتيبًا دقيقًا، حيث السُّكْرُ يأتي بعد الشُّرْبِ، ثُمَّ يأتي الصَّحْوُ بعد السُّكْرِ، وهو، في اصطلاح الصوفية، صحوٌ يختلف عن الصحو السابق للشُّربِ. وقد جاء عند الصوفية أنَّ السكرَ غَيْبَة لواردٍ قويٍّ، وأنه زيادةٌ على الغَيْبَةِ من وجهٍ، وذلك إذا كان صاحبه مبسوطًا بين يدي الله... فإذا كوشفَ العبد بنعتِ الجَمال حَصَلَ السُّكْر وطاب الروح وهام القلبُ. والصحو على حسب السكر، فمن كان سكرُه بحقٍّ كان صحوُه بحقٍّ. والعبد في حال سُكره يشاهدُ الحالَ وفي صحوه يشاهدُ العِلْمَ، وهذا تعبير دقيق في اصطلاحهم. كذلك الصحو والسكر بعد الذوق والشرب اللذينِ هما من ثمرات التجلي ونتائج الكشوفات وبواده الواردات، وهي بالترتيب: الذوقُ ثم الشرب ثم الرِّيُّ. فصفاء معاملاتهم يوجب لهم ذوق المعاني، ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشربَ، ودوام مواصلاتهم يقتضي الرِّيَّ. فصاحب الذوق متساكر، لأنه في أول السلوك، وصاحبُ الشرب سكرانُ، أما صاحبُ الرِّيِّ فلإنه صاحٍ... ومَنْ قَوِيَ حُبُّه تَسَرْمَدَ شُربُهُ، فإذا دامتْ به تلك الصفة لم يُوْرِثْهُ الشُّربُ سُكرًا، فكان صاحيًا بالحق فانيًا عن كلّ حظٍّ، لم يتأثر بما يَرِدُ عليه ولا يتغير عمّا هو به.
بدأ مقام الشرب بقولين، أحدهما للجَزَرِيّ (1570-1640م)، مؤلّفٍ من الشطر الأخير (العَجُزِ) من كلٍّ من البيتين التاليين:
د ئقلیمێ سوخەن میرم د شعرێدا جەهانگیرم (ويعلو موكبَ العُشَّاقِ أعلامي وراياتي)
چ خوەش نوورەك زەلالی توو د قەلبێ من شەمالی توو (وقَلبي حَيْثُ فيه الحبُّ مصباحٌ بمِشْكاةِ)
والآخَر لأبي القاسم القُشَيْرِي (ت 1073م):
شَرِبْتُ الحُبَّ كأسًا بعد كأسِ فما نَفِدَ الشرابُ وما رَوِيْتُ
ويسبقه قوله:
عَجِبْتُ لِمَنْ يَقُولُ ذَكَرْتُ إِلْفِي وَهَلْ أَنْسَى فَأَذْكُرَ مَا نَسِيتُ
أَمُوتُ إِذَا ذَكَرْتُكَ ثُمَّ أَحْيَا وَلَوْلَا حُسْنُ ظَنِّي مَا حَيِيتُ
فَأَحْيَا بِالْمُنَى وَأَمُوتُ شَوْقًا فَكَمْ أَحْيَا عَلَيْكَ وَكَمْ أَمُوتُ
في ذينكَ القولينِ إحالةٌ إلى مصطلح الشُّرب في معجم التصوف الإسلامي.
وأما قولُ الجَزَرِيِّ أعلاه، فإنه يُحِيْلُ إلى لَقَبِ سلطان العاشقينَ، ابنِ الفارضِ (1181-1234م)، كما تحيل الروايةُ بهذه الفصول / المقامات إلى الشرب والسُّكر:
شَرِبنا على ذِكْرِ الحبيبِ مُدامةً سَكِرنا بها من قَبْلِ أن يخلَقَ الكَرْمُ
في فصل / مقام السُّكْر أيضًا، إشارة إلى حال السُّكْرِ التي تنجم عن الشُّرْبِ، حيث يكثر مثل هذا التعبير في أشعار الجزري، من نحو قوله:
ژعشقێ لەو مەلا خەستە ژ حەرفا بادەیێ مەستە
ژ هۆش و عاقلی رەستە ل دەر گۆشێن د مەیخانێ
ومما قال في هذا المجال أيضًا:
بادە م نۆشی ژ دەست چوومە ژ خۆ مامە مەست
قطرە ببەحرێ گها بەحر بعەینێ خوە ما
وقال:
حەیوان لكوو دمینت ئەم موفتیێ زەمانن
بێتن ژ دەستێ ساقی جاما زەلالی بێ غەش
=KTML_Bold=3/1/1/2. الإهداء:=KTML_End=
فيه إحالة إلى أمِّ الكاتب، التي كانت تسرد له حكايات عن الشاعر (الجزري) سردًا يحيل بدوره إلى حكايات أَخَذَتْ أحيانًا، على مرّ الأزمنة، طابعًا خرافيًّا، من مثل حكاية إسنادِه ظَهْرَه للصخرة التي تقابل قصرَ الأميرة (سلمى)، حيث كانت تلك الصخرة تنسجر تأثرًا بحرارة العشق المنبعثة من أعماقه، وكانت هناك امرأةٌ، تنتظرُ مغادرتَه المكانَ لتَخْبِزَ خُبْزَها على تلك الصخرة، كما شاعت الحكايةُ الخرافيةُ التي أنكرَها الجَزري في سياق رواية مجنون سلمى.
=KTML_Bold=3/1/1/3. توطئة:=KTML_End=
في التوطئة المذكورة، إحالةٌ قَبْلِيَّةٌ تُشِيرُ إلى أمرٍ سابقٍ، وهو أن المؤلف (أحمد رضا آيدن) الملقب ب (آمَد)، في رواية إنهم ينتظرون الفجر، أنجز الرواية في تسعة وسبعين يومًا، أما الكاتب (جان دوست) فقد أنجزها في عام كامل (أيلول 2021 حتى أيلول 2022)، على النحو الذي ورد في هامش نهاية الرواية، وهذا دليل على أن كاتب رواية مجنون سلمى (جان دوست) غيرُ مؤلِّفها (آمَدْ) الذي واصل تأليفها خلال مدة المعارك التي جرت في جزيرة بوتان، وكانت حبيبتُه نشتيمان مشاركةً فيها، وتتضمن إحالة إلى مكان أحداث الرواية في جزيرة بوتان، وتاريخِ هذه الجزيرة، تأكيدًا على أنه تاريخ السّلام والحُبِّ، على النحو الذي أراد (آمَد) مؤلف رواية مجنون سلمى أن يعبّر عنه ويؤكد عليه.
3/1/1/4. الاقتباسات: تضمّنت الرواية في بداية كلِّ مقام / فصلٍ، اقتباساتٍ من أقوال أبي القاسم القشيري (ت 1073م) تناسب المقامَ المعيَّنَ وتُحيلُ إلى متن ذلك المقام / الفصلِ، كما تَربُطُ المتنَ، في إحالة خارجيةٍ، بعالم التصوف الإسلامي، من خلال أقوال القشيري، دونَ سِواه من الصوفية، في إشارة إلى القواسم المشتركة بينه وبين الجزريّ في عوالم الشِّعرِ والحبِّ.
=KTML_Bold=3/1/2. إحالات المتن:=KTML_End=
من أكثر الصور الدالة على الإحالة في متن رواية مجنون سلمى الإكثارُ من الأفعال الماضية، أو الأفعال المضارعة التي تستحضر ماضيًا، والضمائر، وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وأل العهدية..)، بحيث كانت تلك الأدواتُ والصيغُ التعبيريةُ إغناءً للأسلوبِ وصونًا لعملية السردِ من الانزلاق نحو مثلبة التكرار غير المستساغ، فضلًا عن الترابط والتماسك اللذين أوجدَتْهُما هذه الطريقةُ في الإحالة.
أما الصور الأخرى للإحالة في المتن فكثيرة وغزيرة وغَنِيَّة، منها: الدَّمُ النازفُ من جرح أُصبع سلمى في نهاية الراوية، بسبب المرآة المهشَّمة، وفيه إحالة إلى الدم النازف من اقتتال الأخوة على السلطة في المراحل المتعاقبة من تاريخ تلك الإمارة الكردية، والألمِ الناجمِ عن ذلك النزف المتواصل الذي أحال بدوره أيضًا إلى رواية إنهم ينتظرون الفجر حيث لا يزال النزف مستمرًّا، في هذه الأخيرة التي تناولت العصر الحديث.
في المقطع /3/ من مقام الشرب، حيث تنتقل عملية السَّرْدِ من السارد المجهول إلى ملا أحمد الجزري وهو يروي لتلميذه (فَقَه رَسُول) حكايتَه، إحالةٌ داخليةٌ قَبْلِيَّة، عن حوادثَ جَرَتْ سابقًا وصارتْ ماضيًا يستذكره الجزريُّ لتلميذه، من بدايات الرواية حتى نهايتها.
تضمنت إحالة إلى علاقة ملا أحمد الجيدة مع الأمير شرفخان آزيزي الذي مَدَحَهُ الجزري في بعض أشعاره، وتمنى له أن يكون حاكمَ الدينا، وهي العلاقة التي فيها إحالة إلى تلك الأشعار التي جاء في بعضها قوله:
نەی تنێ تەبریزو كوردستان لبەر حوكمێ تە بن صەد وەكی شاهێ خوراسانێ دفەروارێ تە بی
گەر چ دەر ئقلیم رابع هاتە تەختێ سەلتەنەت پادشاهێ حەفت ئقلیمان سەلامكارێ تە بی
كذلك تضمنت الرواية إحالة إلى حكاية الصخرة التي أخذت طابعًا خرافيًّا، ثم كانت إعادةُ زيارة الجزري، في نهاية الرواية لتلكَ الصخرة، إحالة إلى ماضٍ غنيٍّ بالأحداث والمشاعر. ومثلها عودةُ ظهورِ المنديلِ الأبيضِ، حيث اشتمل على إحالة داخلية إلى الماضي الذي كان يخصّ علاقة الجزري بسَلمى واحتفاظها بتلك الذِّكرى.
=KTML_Bold=3/2. الإحالات السياقية:=KTML_End=
الإحالات السياقيةُ، هنا، في رواية مجنونُ سَلمى، هي تلك التي تحيل إلى رواية إنهم ينتظرون الفجر، وقد رُمزَ إليها في هذه الدراسة ب(هناك)، كذلك ما يحيل إلى حياة الجَزَرِيِّ وسِيرتِه.
=KTML_Bold=3/2/1. الإحالة إلى إنهم ينتظرون الفجر:=KTML_End=
فهنا، في رواية مجنون سلمى حالةُ المرآةِ الخرساءِ الصامتةِ وعلاقةُ سَلمى بها، وحرصُها على ألّا تبوح بأسرارها الكثيرة والخطيرة لأحد، ثم انكسارُ تلك المرآة وتَهَشُّمُها، هنا، أحالت إلى حالة (الدُّمْيَةِ / دياري) الخرساءِ الصامتةِ، ورحلتها وعلاقتها مع نشتيمان حبيبةِ (آمد)، هناك، في رواية إنهم ينتظرون الفجر، مذ كانت نشتيمان في السادسة من عمرها، حين كان عَمُّها (كمال) يغتصبها، حتى كَبِرَتْ نشتيمان وشاركت في المعارك التي جرت في جزيرة بوتان، إضافة إلى وجودها في بيت مُحبِّها آمَدْ، في أثناء تلك المعارك، ثُمَّ دفنت (الدُّمْيَةُ / دياري) معها، وهي تخبّئ في صمتها الكثير من أسرار نشتيمان.
تأكيدُ (آمد)، هنا، على الحب الطبيعي بين الرجل (الجزريّ) والمرأة (سَلمى)، فيه إحالة إلى هناك، حيث عانى (آمَد) نفورَ نشتيمان الأمازونية من الذكور. وبذلك انوجد هناكَ خَطّانِ متوازيان لحُبَّيْنِ: حُبِّ الوطنِ (وتمثله نشتيمان) - حُبِّ الإنسانِ (ويمثله آمَد). أمّا هنا، في رواية مجنون سَلمى فقد ظهر خَطّان متوازيان لحبين أيضًا هما: حبُّ الإنسانِ متمثلًا في حُبِّ الجَزَرِيِّ سَلمى، وحُبِّ اللهِ متمثلًا في حُبِّ الجَزريِّ اللهَ، ثُمَّ تماهى الحُبَّانِ معًا في سياقٍ متداخل متضافرٍ قد يتعذَر الفصل بينهما.
هناك، كان (آمد) يمقت السلاح والحرب، وهنا، (آمد / مؤلفُ رواية مجنونُ سَلمى) يؤكد على رسالة الحُبِّ، أيِّ حبٍّ (إنسانيٍّ، إلهيٍّ، وطنيٍّ). فهناك، كان ثمة حَربانِ: حربُ السلاح في جزيرة بوتان، بين مقاتلين كُردٍ والجيش التركي، وحربُ المشاعر والعواطف التي تختلج في قلب (آمَدْ) تجاه نشتيمان. وهنا، في المكانِ نفْسِه، أيضًا حَرْبِانِ: حربُ الأمراء على عرش السلطة، وحربُ مشاعر حبِّ سلمى تختلج في قلب الجَزري، وقد رحلت عنه، في إحالة إلى مشاعر (آمَدْ) مؤلف رواية مجنون سلمى تجاه (نشتيمان) وقد رحلت عنه أيضًا. فهناك، أحبّ (آمَد) (نشتيمان)، ولم يظفر بها. وهنا، أحبّ الجَزَريُّ سَلمى، ولم يظفر بها. وكلاهما صعّدا حُبَّهما بطريقة إبداعية، حيث ألَّفَ (آمَد) روايةَ مجنونُ سَلمى، وألَّفَ الجَرَزِيُّ أجمل قصائدِ الحُبِّ عن سلمى، بل تسامى بمشاعر حبِّه إلى المقامات العليا في حُبِّ خالقِ سلمى.
هنا وهناك، أَنْسَنَةٌ للجَمادِ. فهناك لم تفارق (الدميةُ / دياري) (نشتيمان)، بل ماتت مثل صاحبتِها نشتيمان التي كانت تبوح لها بأسرارها وقصصها المرعبة. وهنا لم تفارق المرآةُ (سَلمى) حتى تزوجت ورحلت، ثم عادت بعد أعوام لتبثَّ المرآةَ لواعجَها من جديد، إلى أن تهشَّمت المرآةُ في إشارة إلى نهاية الآمال التي كانت تَعقِدُها على ما كانت تتوهَّمُه من خلال صورتِها المنعكسة في مرآةٍ متصدعة بالية، فقد بريقها ولمعانَها.
هناك التزم (آمَد) ضريحَ الجزريِّ إلى أن طلع الفجر المنتظَر، وانتهت رواية مجنون سلمى التي ألّفها (آمد) وكتبها (جان دوست)، حيث التزم الجزري بيته إلى أن مات.
هناك، في رواية إنهم ينتظرون الفجر، الكاتب والروائي جان دوست، والراوون / الساردون متعددون. أما هنا، في رواية مجنون سَلمى، فالكاتب جان دوست، أما المؤلف، فهو (آمد)، والراوون / الساردون =KTML_Bold=محدَّدون:=KTML_End=
أ) ساردٌ مجهول عليم بالمجريات كلِّها، في فصل (مقام الشرب) القسمين /1-2/ وجزء من القسم /3/. ثم في الفصل الأخير (مقام الصحو) في القسمين /5-6/.
ب) أمّا أحمد الجزريّ فإن دَوْرَه في السَّردِ يكون في الفصل الأول (مقام الشرب) في بقية القسم /3/ من خلال التذكُّر. وفي القسمين/6-8/. ويكون السرد على امتداد الفصل الثاني (مقام السكر) في الأقسام الستة، لأحمد الجزري وحدَه، لا يشاركه في عملية السرد أحدٌ. كذلك في الأقسام /1-2-3-4/ من الفصل الأخير (مقام الصحو)، يكون أحمدُ الجزريُّ ساردًا.
ت) أما سلمى فإن دورها في السرد يكون في الفصل الأول (مقام الشرب)، الأقسام /4-5-7-9/، وفي الفصل الثالث (مقام الصحو) القسم الأخير منه ومن الرواية وهو القسم /7/ حيث تسرد خبر موت ملا أحمد الجزريّ بلغة مشحونة بالألم والحزن.
3/2/2. الإحالة إلى حياة الجزري سيرته وشِعرِه:
في القسم /3/ من فصل / مقام السُّكر، اقترح عليه صديقه (محمد مِكسي / فقى طيران) (1590-1660م) أن يتخلى عن الكتابة باللغة الفارسية وينتقلَ إلى نظم الشعر بلغته الكُردية، ووعده أن يأتيه بكُنّاشة من (مِكس) فيها قصائد باللغة الكردية للأمير يعقوب بك المكسي. وفي القسم /5/ من الفصل نفسِه أعطاه صديقه (فَقى طَيْران) ديوان (الأمير يعقوب بك المِكسي) حاكمِ (درزين) وطلب منه أن يذوق عسل الكردية في ذلك الديوان، ومن حينها بدأ الجزري نظم الشعر باللغة الكردية، بل دعا القراء الكرد إلى قراءة شعره الذي يغنيهم عن قصد بلاد فارس لتلقي أشعار الشيرازيين، حيث قال:
گەر لؤلؤێ منثوور ژ نەظمێ توو دخوازی وەر شعرێ مەلێ بین تە بشیراز چ حاجەت
أحمد بن محمد شهاب الدين الجزري (نيشاني)...
وفي سياق اعترافه بأنه تلميذ في حجرة درس يعشق أميرة البلاد، أشار إلى الفروقات الاجتماعية بينهما، وفي ذلك إحالة إلى عشرات الأبيات التي عبَّر عن تذلُّلِه لها، ومنها:
ما ژ دیوانێ سەعادەت سەهكری شوبهێ مەلایی توو بناڤێ م گەدایی بكشینە قەلەمێ
جان ودلێ من ئەوە حۆریوەشێ من ئەوە پادیشاهێ من ئەوە ئەز ل دەرێ وێ گەدا
یارێ كو دی ئەم گەدا دەست بدەستێ مە دا ئەم ب سەمایێ برن رەقص و سەما ژێ وەما
في حديثه عن نحوله من شدة الحب والشوق: صرت نحيلًا مثل إبرة أحيك غصصي وآلامي بُردةً لُحمتها الشِّعر وسَداها الشوق إحالة إلى شعره، ومنه:
ژبەر حوببا تە لالم ئەز زعیفم وەك هیلالم ئەز
صیفەت گۆیین دكالم ئەز ڤبولبول را بئەفغانم
قال لتلميذه (فَقَه رسول): فالحب يا فقه رسول كيمياء والحب كيمياء تبدل القلوب من حال إلى حال وأنت قد تبدلت يا أحمد. الحب لا يخفى. أرى بريقه في عينيك.. إحالة إلى قول الجزري:
نوورە پور نادر وجوودە گەر چ ئەووەل نارو دوودە
بەرق لامعدت لكوودە حوب د قەلبان كیمیایە
وقال:
مننەت ژ خوەدێ كو ب عەبدێ خوە مەلایی ئكسیرا خەما عشقێ، نە دینار و درەم دا
وأيضًا عن تعريف الحب بأنه إكسير يطهّر القلب قال: الحب إكسير والقلوب معادن، إحالة إلى قوله:
قەلب ئەعیان دكرت حوب وە وجوود عشق ئكسیرە وە ئەم سیم و مەسین
حديث سلوى مع نفسها ومرآتها: أنا أعرف أن الآلام التي يتجرعها أحمد بسبب الهجران ستتحول إلى قصائد غزل بليغة أحال إلى قوله:
بنارێ فرقەتێ صوهتم ژ فەرقێ سەر حەتا پێدا
خەدەنگا غەفلەتێ نوهتم ژ بەرقا لامعا تێدا
هەچی فرقەت دی و هجران نەبێ من داغ وكەی لێ نە
ژبل دەربێ دهجرانێ فراقا رووع و جان كێ دا
كەسێ محنەت دی و فرقەت ڤەخواری جەرعەیا هجرێ
گری وان تێ ب حالێ من د ڤێ هجران و زەجرێ دا
إشارات كثيرة في مواطن متفرقة إلى حكايته مع حاسده (شمس الدين الفنكي) الذي نمّ عليه للأمير عن قصة حبه لسلمى، كما انتحل أشعار الجزري وادّعى أنها له:
ئەی مەلا نامێ تەیە خەمسەت عەشەر توو بشعرا نە تە گۆتی خوە دكی قەندو شەكەر
دورر ناسوفتە دهوونی مە نەدی مثلێ تە قەط نە د سەمتێ عەجەمێ دا نە د ئقلیمێ تەتەر
ئەڤ چ شعرو غەزەل و مەدح و ثەنایێ خوە دكی د جڤاتان وەﮪ دبێژی مە بطەعن و بخەبەر
ئەڤ چ تەقلید و شەطاطن چ بەطاطن تو دكی سەری ڤێرا دهەژینی بدوصەد ئاه و كەسەر
واستمرار الإبقاء على دور الفنكي كان بغرض النشويق الفني.
جاء في الرواية: لم يأبه أحد برقصته الشبيهة برقصة طائر نصف مذبوح يتمرغ في دمه، وهي إحالة إلى قول الجزري:
بداما موحبەتێ بەندم خەدەنگا فرقەتێ دل نوهت
بشوبه مورغ نیم بەسمەل د هەڤ وەرتێم د خوونێدا
وتضمنت الإحالات الداخلية إشارات إلى الشاعر الأمير يعقوب بك الكردي المكسي، وملا حامد الهكاري، وملا علي الأسعردي وغيرهم.
=KTML_Bold=3/3. الإحالات الخارجية:=KTML_End=
وهذه قد تشتمل على إحالات تناصِّيَّة، حيث يفصح النص عن تقاطعات تاريخية مع الأدبين العربي والفارسي، بالإحالة إلى قصص مماثلة من نحو قصة مم وزين في التراث الكردي، ومجنون ليلى ومجنون لُبنى في الأدب العربي، وليلى ومجنون وشيرين وخسرو، وغيرهما في الأدب الفارسي، ثَمَّ تنكشف سِماتُ (الأدب المقارَن) من خلال الإشارة إلى نقاط التقاطع والربط والتلاقح والتلاقي التاريخيّة بين قصة مجنون سَلمى وقصصٍ اغتنى بها الأدبانِ العربيُّ والفارسيُّ على مرِّ العصور الأدبية، حيث استقى منهما الجَزَريُّ ما استقى وأضاف إليها من عبقريته وإبداعه وشعره فزادها خلودًا وجَمالًا وإبداعًا وعبقريةً. وفي مستوى الرواية وظَّفها كلٌّ من الروائيِّ (آمَدْ) المؤلِّفِ، و(جان دوست) الكاتبِ، اللذينِ قادا الأحداث على هذا المسار الغني بالإحالات إلى الثقافات الكردية والعربية والفارسية، وإلى التاريخ والجغرافيا.
=KTML_Bold=3/3/1. الإحالات الثقافية:=KTML_End=
جاء في الرواية: أقرأ أشعار الفرس وأتدرب على إتقان الكتابة بخط شِكِسْتە، وفي ذلك إحالة إلى نوع من الخط كان مستخدَمًا في عهد الصفويين الذين ظهر هذا الخط عندهم (ق 16-17):
كو كاتب دێم جەدوەل كت شِكِسْتە خەط موسەلسەل كت
ژیەك حەرفان موفەصصەل كت كیە ڤێ موشكلێ حەل كت
في طلبه من أبيه أربعة كتب، منها كتاب العَروض للفراهيدي إشارة إلى حماسته في اكتساب العلم والمعرفة والتعمق فيهما.
كما جاء في المتن إشارات إلى أعلامٍ كانوا أساتذة الجزري منهم (ملا حامد الهكاري، علي الأسعردي، الأمير يعقول بك الكردي المكسي). وكذلك حاسده والحاقد عليه ومنتحل قصائده (شمس الدين الفنكي).
في المتن إحالات إلى مصارد المعلومات التي وردت إشارات إليها في الرواية، منها: شرفنامه لشرفخان البدليسي، ديوان الجزري، ودواوين حافظ وسعدي الشيرازيين، ونظامي، والسهروردي القتيل، والقشيري، وابن الفارض، وابن عربي، وكتب الخليل الفراهيدي.
أما التصوف الإسلامي فقد كانت الإحالات إليه غزيرة وكثيرة، مثلًا الإشارة إلى رمزية الشمعة واحتراق الفراشة بنارها وكذلك طور سيناء والقبس النوراني: ستون عامًا وهذه الشمعة تحرُق قلبي وتضيء شَغافَه، لا تريد أن تنطفئ. تحترق كأنها عليقة طور سيناء تضيء واديه الأيمن وتجذب العائمين إليها في ليالي التيه ليأخذوا منها قبسًا أو يتفيّؤوا عليها. أليس الحبُّ نفسُه قبس من نار موسى أو نفسٌ من أنفاس الإله؟ إحالة إلى قصة النبي موسى في الآيات (7-8-9) من سورة النمل: إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ* فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. قال الجزري:
دل كەعبەیە مەولایە لێ نارێ كەلیم ئیسایە لێ
بانگێ أنا الحق دایە لێ هەم كەعبە و هەم طوورە دل
وقال:
پەروانەیا شەمعا گەشین زولفێن وە نازك راوەشین
شەوكێن ددلدا پێ خوەشین مەژ پەنجەیێن شێرانە رەقص
وذكر مقام قاب قوسين كذلك العنقاء، في إحالة إلى قوال الجزري:
محبووب بدل بت مە بئەڤراز چ حاجەت عەنقا بخوە بێتن فررو پەرواز چ حاجەت
كذلك وردت إشارات إلى وجود شعراءَ كرد قبل الجزري وفي عصره، من مثل: فقى طَيْران، ملا يعقوب بك الكردي المكسي، ملا حامد الهكاري، علي الأسعردي.
أما الإشارات إلى الأدب العربي، فقد كانت كثير أيضًا، ومنها قول الحطئية المخضرم (665 م)، في الشعر:
الشعرُ صَعبٌ وطَويلٌ سُلَّمُهْ إذا ارتقى فيه الذي لا يَعْلَمُهْ
زلَّت به إلى الحضيضِ قَدَمُهْ يُريدُ أن يُعرِبَهُ فَيُعْجِمُهْ
ومنها أيضً عبارة أعذب الشِّعر أكذبه في إشارة إلى ابن طباطبا، و قدامة بن جعفر والأمدي. مقابل عبارة أعذب الشعر أصدقه في إشارة إلى ابن رَشِيق القيرواني، أبي سنان الخفاجي، أبي هلال العسكري، حازم القرطاجني، عبد القاهر الجرجاني.
وفي مقام السكر إحالة صريحة إلى ابن الفارض (سلطان العاشقين)، وترجمان الأشواق ل(سلطان العارفين) محيي الدين ابن عربي.
الإحالات إلى الأدب الفارسي كانت كثيرة أيضًا، ومنها ما جاء في الرواية من قوله: مثل الشيرازيَّينِ سعدي وحافظ، والعطار، جلال الدين الرومي وغيرهم. أغرمت بقصة يوسف وزليخا لمولانا الجامي، وكذلك بقصة مجنون ليلى (ليلى ومجنون) وشيرين وخسرو للشاعر نظامي گنْجَوي صاحب الكنوز الخمسة. شدتني قصص الحب التي تجري بين البشر حزنت لمصائر المحبين ومصارعهم.
كذلك الإحالات إلى القرآن، ومنها الآيات وقصص القرآن كقصة كلٍّ من النبيين (موسى وأيوب).وفي قوله: خذ الكتاب بقوة يا أحمد إحالة إلى (الآية 12) من (سورة مريم): يا يحيى هذ الكتاب بقوة.
ومنها ثماني إشارات صريحة إلى جبل جودي، كقول سلمى: مرآة فتحتُ عيني عليها وهي معلقة على جدار بجانب نافذة ينفتح مصراعاها على جبل الجودي الغارق في صمته الأزلي. وهي إحالات إلى الآيات القرآنية ذات الصلة بهذا الموضوع، منها: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [سورة هود: 44]. كذلك ما جاء في الرواية من قولِ: بل إنهم سحرة يُحَوِّلون الألم إلى شعر رقيق عذب كما حوَّل موسى النبيُّ عصاه إلى حيةٍ تسعى، ففيه إحالة إلى (الآية 45) من سورة الشعراء: فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. ومنها أيصًا الآية (34) من سورة (ق) المكتوبة على حافة المنديل الأبيض: ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود.
وفي نهايات الرواية إشارة إلى قصة النبي يوسف أيضًا.
=KTML_Bold=3/3/2. الإحالات التاريخية والجغرافية:=KTML_End=
غزرت في الرواية إحالات إلى تاريخ الإمارات الكردية وجزء من جغرافيا كردستان، فضلًا عن صراعاتِ الأمراءِ وورثتِهم على عرشِ الإمارةِ والسلطةِ ومكائدِهم واستقوائهم بالسلاطين بعضِهم ضدَّ بعضٍ، ومصرعِ الأمراءِ في حروب العثمانيين، يصاف إليها إشارات إلى حروب السلاطين، والحروب العثمانية – الصفوية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، في عهد حياة الجزري، حيث كانت الدولة العثمانية في أوج عزتها، ومنها أيضًا هجمات القزلباش وحملاتهم على الجزيرة، وأنواع من العملة النقدية ال(فلورين) التي كانت تستخدم في تلك الفترة.
ومن خلال قصة حاسده شمس الدين الفنكي، وما عاناه الجزري بسببه وكذلك اختفاء (ولي نقشان) بسبب وشايات بعضهم عند الأمير شرف خان، وردت إحالات إلى قصة أبي الفتوح شهاب الدين يحيى السهروردي القتيل، من خلا شعر الجزري:
پور مەكە ئسراف د قەتل موباح سفك دم العاشق ما لا يُباحْ
عشق كو گها كی وە لەعقلێ خوە ما يفتك بالعاشق حُسْنُ الملاحْ
حَلَّ له القتلُ بشرع الهوى مَنْ كَشَفَ السِّرَّ وبالسِّرِّ باحْ
جاء في كتاب (الجزري شاعر الحب والجمال) ل خالد جميل محمد: كان الجزري على معرفة بما آل إليه كلٌّ منهما، (الحلاج والسهروردي) في سبيل الحبّ، ومن صور معرفته تلك أنه قال:
هۆستایێ عشقێ دل هەڤۆت سەر تا قەدەم هنگێ دسۆت
رەمزا (أنا الحق) هەر دگۆت باوەر بكن مەنصوورە دل
يكنّي بمعلِّم العشق عن الله، وب (منصور) عن حاله وقد بلغَ مقام الوحدة التي عبّر الحلاج عنها بقوله: (أنا الحق). وهو ما اعتُبر شطحاً صوفياً دفع الحلاجُ حياتَه ثمناً لذلك. ولعل في كلمة (منصور) توريةً، حيث يدل المعنى القريب على منصور الحلاج بقرينة (أنا الحق)، ويدل المعنى البعيد على الغلبة والنصرة، بقرينة ترديده رمز (أنا الحق) باستمرار.
أما السهروردي (أبو الفتوح شهاب الدين يحيى بن حبش) الذي قصدَ (حلبَ) وقُتِل في قلعتها، فإن مأساته لم تكن أقلَّ من مأساة الحلاج، حيث أمر (صلاح الدين الأيوبي) بقتله بعد وشايات من خصومه، دفعته إلى إرسال كتاب أمر فيه (الملكَ الظاهر) بضرورة قتل الشابِّ السهروردي الذي كان له من العمر ستٌّ وثلاثون سنة.. وقد وردت إشارات عند الجزري تلوِّح بمصير السهروردي أو تُذَكِّرُ به من خلال التلميح إلى (حلب) التي لقي فيها مصيرَه المؤلم، الذي وظَّفه الجزري للتعبير عن أحوال المحبِّ الحقيقي الذي لا تهدأ الروح منه إلا ب(سفك دم العاشق) سفكاً يوصله إلى محبوبه، ليبلغ غايته النهائية، بعد معاناة ومكابدة شديدتين، قال:
خدمەتا پیرێ موغان دیكت كەسێ مەقسوودە دل
شیشە و جاما زوجاجێ ئێ دڤێت دێ رەت حەلەب
أي[مَنْ كانت الخمرةُ مُرادَه يدخلْ في خدمة رئيس الخمّارين، ومَنْ يطلبِ الكأسَ والقدحَ الزجاجيَّ فلا بدَّ أن يذهبَ إلى (حلبَ)]. يبدو أنه يدل على شهرة حلب بصناعة الزجاج. ولعلَّه لا يقصد من (حلب) ذلك فحسب، بل أراد أن يقول إنها بعيدة تتطلب من المسافرِ تحمُّلَ مخاطرِ الطريق ومشاقِّ السَّفرِ وأهوالِ السلوكِ، أو أنها المكانُ الذي قُتِل فيه (السهروردي) وهو ما يزيد التأكيدَ عليه في البيت الذي فصَّلَ فيه الكلامَ بأن ثمنَ الطلب الغالي ليس بسيطاً، بل قد يكلف الإنسانَ رأسَه وحياتَه، فقال مستفهماً استفهاماً إنكارياً:
جەور هندی دێ كشینت هەر كەسێ تاووس دڤێت
گەوهەر و دوررا یەتیم بێ تەرك سەر تێتن طەلەب؟!
[كلُّ مَنْ يطلب الطاووسَ لا بدَّ أن يتحمَّل ظُلمَ الهنديِّ، فهل تُحَصَّلُ الجواهر والدُّرَّة اليتيمة دون أنْ يضَحّي برأسه؟!]. وهو بذلك يؤكد استعداده لدفع ثمن بلوغ محبوبه مهما كان الثمن غالياً.
=KTML_Bold=3/3/3. الإحالات الاجتماعية:=KTML_End=
اغتنت الرواية بالإحالات الاجتماعية، من أعراف وعادات وتراث. ومنها (قطع سُرّة الوليد بالقلم ليكون طاليًا للعلم، أو بالخنجر ليكون مقاتلًا. ومنها تعاطي بعض الأمراء الموادَّ المخدِّرة كالحشيش، ومجالس البذخ والترف في حياة الأمراء. فضلًا عن التنوع الإثني والديني (الداية ساره فلّه المسيحية)، (الرجل اليهودي)، (القهرمانة ماهزاد من أيزدية جيل سنجار)، الماشطة نرجس السريانية. ومنها إشارات إلى الحوانيت، الأقمشة الهندية، السوق، الحربة الدمشقية، الصيد في نهر دجلة، اصطياد الغزلان والقطا والحُبارى على سفح جبل جودي، أنواع الألبسة، الجامع الكبير، قصر الأمير، المدرسة الحمراء وطلاب العلم، المرود والمُكْحُلة، الكُحْلُ الأصفهاني، مادة صۆراڤك. طرائق زفاف العروس وهداياها. غنى ماردين بالفنانين.
=KTML_Bold=3/3/4. الجانب الفني:=KTML_End=
إضافة إلى ماسبق من إحالات تمثل معظم الجوانب الفنية والأدبية في رواية مجنون سلمى فإن كَسْرُ التراتبية في السرد والساردين والزمن والأحداث والحوارات، كلها تبيّن أن خطَّ السرد شهد تنقلات متنوعة ومختلفة، زادت النصّ عنى وجمالية وفنية. يضاف إليها توظيف اللغة الشعرية على امتداد معظم السرد، ومن أمثلة ذلك:
بتداول أخبار عن الورثة وصراعاتهم والمكائد التي يحيكها الأخ لأخيه سعيًا لالتقاط جمرة الحكم من موقد الباب العالي في الآستانة.
ظهرت في السماء الصافية سنونوات كثيرات ترسم في الفضاء أقواسًا مثل رشحات من الحبر نفضها طالب على ورقة بيضاء.
لا أدري إن كان في الخيالِ الخيّاطِ سيحسن رتق ما تمزق في رداء الزمن أم سيضنيه التذكر وتستعصي عليه الوقائع.
بعد ساعة من الزمن وقبل أن يعود باقي التلاميذ عند أذان الظهر انصرفت الأميرة مع رفيقاتها. انصرفت بعد أن خطفت قلبي وجرّته كأسير جريح موثق بحبل الألم إلى عربة جَمالها الرباني.
لماذا تلقي أيها الإله الحكيم بهذا القلب الضعيف في أتون امتحان العشق مثل حطب جاف؟
القلب خيمة حمراء. خيمة صغيرة مثبتة بأطناب رفيعة واهنة وأوتاد قصيرة إلى تربة رخوة. كيف إذًا لهذه الخيمة أن تثبت حين يهب إعصار الحب؟
أنا أميرة، نعم يا مرآتي الرائعة أنا أميرة من أميرات بلاد الكُرد كما تعلمين. لكنني أنثى. والأنثى أيتها المرآة رقيقة هشة مثل جناح فراشة، لطيفة مثل بتلة زهرة وشفافة مثل لهب شمعة نحيلة. نسمة تبددها ونفخة تهز كيانها.[1]