=KTML_Bold=الاجترار الإعلامي في المناطق الكردية في سوريا .. أقلام جديدة لا تنهل من دواة الخبرة=KTML_End=
عامر خ. مراد
يتصيد الصحفي مواضيعه عادة من وحي ما هو محيط به مع إضافة ما تتسم به شخصيته من رؤى وأفكار, دون إغفال دور الشخصيات الموجودة في المادة وأثرها في تشكيل بنية هذه المادة, وغالبا ما يطرح الصحفي موضوعا جديدا, سواء غير مطروق, أو مطروق ولكن بأسلوب مختلف, ويتجنب الصحفي الناجح تكرار المواضيع, أو طرحها دون جديد يغني هذه المواضيع المطروحة ويمضي بها نحو عوالم أرحب تقود القارئ نحو المزيد من الإطلاع.
ولكن لطالما لاحظنا صحفيين جدد يتطرقون لمواضيع مطروحة سابقا لنرى نسخة جديدة من تلك المواضيع وغالبا ما تكون نسخة غير متقنة الصناعة, ولا تحمل أي جديد, وهذا ما يحيلنا لأسباب كثيرة لهذا الأمر ومنها:
-ضعف الصحفي وعدم تسلحه بالمهارات والخبرة الصحفية الكافية, مم يؤدي به إلى النظر بعين واحدة للأمور متجاهلا جوانبا عديدة في غاية الأهمية عند اختيار أي موضوع, وغير مدرك أيضا لمدى أهمية عنصر الاختيار في عملية الخلق الصحفي للمادة.
-رغبة الصحفي في الشهرة المبكرة التي قد تلقي به أحيانا في متاهات لن يكون قادرا على النفاذ منها, وربما أدت به إلى خلط الأمور بما لا يدع المجال للشك لمعرفة ضعف هذا الصحفي ورغبته في حرق المراحل دون أن يكون حاملا لما يمكن أن تمنحه هذه المراحل من خبرات.
-عدم إيلاء أي اهتمام لمسألة التراكمية, التي تعتبر من القضايا المهمة في العرف الإعلامي, وغيرها من العلوم, فما فائدة طرح المواضيع دوما على أنها مواضيع حديثة والبدء من الصفر؟ أليس هناك قضايا تستحق منا أن نضيف لها من خبرتنا ونبدأ من حيث انتهى زملاء المهنة عندها؟ علما أن المراوحة في المكان هي من أخطر العلل التي يمكن أن تصيب الوسط الإعلامي وقدرته على إفادة المجتمع.
-تشجيع الجهات الإعلامية, الخبيرة منها وغير الخبيرة, لأسباب مختلفة تبدأ من المجاملة وتنتهي بأهداف بعيدة المدى, ونعلم أن الوسط الإعلامي ليس بخال من هكذا أشخاص ومؤسسات, وكذلك من هكذا قضايا إشكالية تشكل وبالا على الوسط الإعلامي.
الاختلاق لتجاوز العقبات
كل ما ورد ذكره من أسباب لا يعني أن الصحفي يكتفي باختيار الموضوع الأسوأ, بل يتعدى الأمر لطرح الموضوع بكثير من التصنع, واختلاق ” الحقائق ” غير الموجودة, واستخدام الأسماء المستعارة لأبطال أحداث وقصص لم يستطع الوصول إلى أبطالها الحقيقيين, وهنا يبدو الموضوع وكأنه حقيقة, رغم أن الصحفي الحقيقي هو الذي يحمل مادته الكثير من الأدلة الدامغة التي تنقذه عند الضرورة, ولكن للأسف فعملية الأسماء المستعارة ( المتعارف عليها في بعض القضايا الإعلامية), تفهم بأشكال خاطئة ولا تتضمن بدائلها في المادة, وهذا ما يجعل للأمر حدين أحدهما نافع والآخر مدمر للوقائع ولمهنية المادة الإعلامية, وعليه يصبح الصحفي مجرد محوّل لأي مادة خبرية, أو أي قصة أو مقالة رأي حتى إلى سيناريو يتطابق مع بعض الأنواع الصحفية, فتصبح المادة كالعنصر الغريب في خلطة غير موفقة التركيب, أول ما تسيء له هو المجتمع.
ومن جانب آخر يمكننا الحديث عن بعض المنظمات والمؤسسات المختصة ببعض القضايا, والتي تحاول تشجيع بعض الأقلام الشابة على تدوين بعض المواد التي تجلب لها مادة بموضوع وقضايا مختلقة تفيدها في تخصصها فقط لملء الفارغ من خانات مواقعها الإلكترونية, أو ترغب في جذب الانتباه لها عبر تصدير بعض المواضيع “المفبركة”, والتي تثير حفيظة المتابع, وكثيرا ما وجدنا بعض هذه المنظمات وهي تخوض غمار مواضيع ” خيالية ” بقصد تصيد التمويل, وبالطبع لن نعمل هنا على التعميم, لأن بعض هذه المواضيع بحاجة لطرحها بالفعل ولكن دون اللجوء للتهويل المبالغ فيه.
الظاهرة!
يعتاد الصحفي الجديد غالبا على استخدام مصطلحات يريد بها جعل موضوعه ذي أهمية من قبيل مصطلح ” الظاهرة ” غير آبه بما تعنيه هذه الكلمة من معان وما تحمله من أبعاد كمصطلح, فيبدأ بإيرادها كما لو أن موضوع مادته تحول إلى ظاهرة بالفعل, غير مدرك أنه في بعض أجزاء مادته تجاوز حدود ما وصفه بالظاهرة, أو أنه أخطأ وخانه التعبير لعدم مطابقة ما قيل مع ما وصف, كما أنه لا يدرك حجم الأثر السلبي على المجتمع من وراء تبني مصطلح ” الظاهرة ” في موضوع أو حدث أو قضية ما, فالظاهرة تعني تحولا أو بدايات تحول كبير يعصف بالمجتمع, وإذا كان ما هو مطروق من القضايا السلبية فنعتها بالظاهرة يفضي إلى زلزلة في الرؤى ويعصف بالكثير من القيم المادية أو المعنوية.
نتائج وحلول غير موفقة في طرحها
ولأجل كل ما سبق, سواء المرتبط منها بالصحفي من عدم خبرة أو تلك المرتبطة بتوصيف المواضيع توصيفا خاطئا, فإن الصحفي يقع في الكثير من المغالطات التي تؤدي به إلى استنباط نتائج متخيلة للفعل الذي تناوله, وبناء عليه يقترح حلولا, في بعض الأحيان, غير موفقة لأنها ترتكز على أسس غير سليمة عمليا, كل هذا يجعل من المادة الصحفية تحلّق أكثر في فضاءات التخيل واللاواقعية واللامنطقية, وتفقد المادة الكثير من مهنيتها.
كما أن المختص الذي تمت استضافته في المادة ليطرح رأيه يخرج إلى العموميات ويطرح أفكارا تستند لما حمله الصحفي إليه في استفساره, وفي المحصلة يقع هذا المختص في فخ المغالاة, والاضطرار أحيانا للتنظير البعيد عن الواقع أو الذي يتناول مواضيع أخرى ملاصقة إلى حد ما لهذا الموضوع.
بالطبع, لن يمضي بنا كل هذا الوارد أعلاه إلى الإنقاص من المحاولات الجادة لبعض الأقلام الشابة لخوض غمار عالم الصحافة المحفوف بالمخاطر والمطبات, ولكن يبقى الابتعاد عن التهويل وتناول المواضيع في حدودها القصوى ذي حدود يجب الحذر والتأمل مليا قبل اجتيازها, فعلى الصحفي الشاب أن يدرك أنه حر التحرك في فضاء معين وما أن تجاوزه لفضاء الخبرة ( المشروط والذي تم تحليله من خلال العديد من النظريات ) فعليه أن يكون متسلحا بهذه الخبرة, أو المعرفة التي يجب أن يعمل على اكتسابها بجد, فكل كلمة تلقى بين أسطر هذه المساحة الشائكة لها دلالاتها الخطيرة, ويجب درسها بشكل سليم لكي تخرج المادة الصحفية للنور بلا أي شوائب تمس المجتمع الذي خلقت الصحافة لخدمته.[1]