=KTML_Bold=لماذا كل هذا التعويل الكردي على أميركا؟=KTML_End=
*شورش درويش
في هذه الأثناء، يتابع كرد سوريا باهتمام بالغ التصريحات الرسمية الصادرة عن واشنطن، ذلك أنه ثمة إجماع وما يشبه اليقين في أن الولايات المتحدة وحدها القادرة على وقف التهديدات التركية لمناطقهم.
بيد أن الكرد في عمومهم مسكونون بهواجس الخذلان الأميركي على ما تقوله تجارب سابقة، في مقابل تجارب مغايرة كان لأميركا دورها الحاسم في تقديم الحماية للكرد من آلات القتل التي تحيط بهم من كل صوب.
فقبل أن يعلن الكرد في كردستان الإيرانية قيام جمهوريتهم مطلع عام 1946، انتبهوا إلى صعود قوة جديدة ستكون الأكثر تأثيراً على مصيرهم لاحقاً، فكانت المسألة أقرب إلى اكتشاف أميركا كردياً، ذلك أنه وقبل مؤتمر يالطا عام 1945 الذي جمع إلى جانب ستالين وتشرشل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، جرى اجتماع أوّل عام 1943 في طهران للزعماء الثلاثة (قمة طهران)، الأمر الذي لفت أنظار كرد إيران مبكّراً لبروز قطب جديد لا يدمغه ماضٍ استعماري في الشرق الأوسط، فضلاً عن أنها البلاد التي سطّر رئيسها وودر ويلسون المبادئ الأربعة عشر، لا سيما المبدأ 12 الذي تحدّث عن حق تقرير المصير للشعوب في تركيا.
وقبل إنهيار جمهورية كردستان الديمقراطية (مهاباد) بثلاثة أشهر، طلب الرئيس قاضي محمد إلى النقيب الأميركي روزفلت المساعدة، أو على الأقل ألّا تعادي الولايات المتحدة المطالب الكردية، ولأجل أن تكون النظرة الأميركية منصفة لفت قاضي محمد عناية المسؤول الأميركي إلى أن مسعى الكرد إنما ينصبّ على إقامة كيان فيدرالي شبيه بذاك القائم في الولايات المتحدة، وهي العبارة التي سيكرّرها كرد العراق لاحقاً وكذا كرد سوريا الساعين إلى إدارة شؤونهم. بيد أن توسّم الرئيس الكردي خيراً بالأميركان سرعان ما تلاشى إثر تصريح سفيرهم في طهران جورج آلن المؤيد لإرسال طهران قواتها العسكریة إلى كردستان بوصفه “عمل صحيح وقانوني”.
في الجهة الأخرى من الحدود كانت واشنطن تؤيّد الثورة الكردية على نظام بغداد، مثّل ذلك نقلة جديدة للنضال الكردي التحرري، لكن واشنطن التي أيّدت الكرد عام 1974 سرعان ما بدّلت موقفها، وتركت الكرد لمصيرهم في مواجهة الترتيبات التي حصلت في اتفاقية الجزائر 1975 بين نظامي بغداد وطهران التي جاءت على نهاية الثورة الكردية، ولعل تعليق وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر آنذاك “لا يجب استبدال العمليات (المصالح) بالأنشطة الخيرية” يعكس الكثير من روح الانتهازية وتسبيق المصالح على المبادئ مهما بدت عظيمة وواعدة.
جاء الخذلان الأميركي الثاني لكرد العراق في العام 1991، إذ حمل خطاب جورج بوش الأب بعد قليل من دحر جيش صدام حسين وإخراجه من الكويت مقداراً من التشجيع على إسقاط النظام، وعليه قام شيعة الجنوب وكرد الشمال بانتفاضتيهما، والتي انتهت إلى هجرة كردية مليونيّة باتجاه تركيا وسوريا وإيران، لكن الضغط الأوروبي/ الفرنسيّ نجح في دفع الولايات المتحدة للقبول بصيغة “منطقة الراحة” عبر إصدار القرار (688) الصادر عن الأمم المتحدة وهي المنطقة التي تشكّلت عليها فيدرالية كردستان العراق لاحقاً.
وإذا كان الكرد قد اكتشفوا الحضور الأميركي في المنطقة باكراً، فإن الأميركان بعد عقود من ذلك أعادوا اكتشاف أهمية دور الكرد في مسار الإطاحة بنظام بغداد، ففي واشنطن جرت عام 1998 المصالحة التاريخية بين الأخوة الأعداء، مسعود البارزاني وجلال الطالباني، وفي واشنطن أيضاً، وقبل قليل من غزو العراق، استقبل بوش الابن الزعيمين الكرديين، وكانت المحادثات مع وزير الخارجية كولن باول ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، لقاءات كاشفة لأهمية الكرد في رحلة إسقاط نظام صدّام.
ثمة تشابه بين حالتي كرد العراق وسوريا في لحظتين أسستا لما بعدهما، فقد صبّ إحجام الأتراك عن المشاركة في إسقاط نظام صدام في مصلحة الكرد، ولعل قول مستشار الأمن القومي الأميركي بول ولفوفيتز حول ندم تركيا اللاحق لأنها قالت “لا” للمشاركة جاء بمثابة النبوءة المحققة، وبالمثل قدّم إحجام تركيا عن مقارعة تنظيم “داعش” فرصة للقوى الكردية السورية لأن تصبح لاحقاً شريكاً موثوقاً للولايات المتحدة.
لم يكن لكرد سوريا أن يشعروا باحتمال منح واشنطن ضوءاً أخضر لأنقرة لشنّ عدوان برّي جديد، لولا ما أقدم عليه الرئيس الأسبق ترامب حين اقتطع جزءاً من لحم كرد سوريا ورماها لتركيا إبان غزو رأس العين/سرى كانيه وتل أبيض عام 2019، ثم التلويح لاحقاً بالانسحاب النهائي دون تأمين حلفائه على الأرض أو حتى التخلص النهائي من “داعش” وتركته في السجون والمخيّمات.
ورغم تزايد عدد الطلعات الجوية التركية المتكرّرة وقصفها لأهداف خدمية ومدنية وأخرى عسكرية، فإن حظوظ أنقرة في شن عدوان برّي تراجع في هذه الغضون، وبطبيعة الحال لم يكن كل ذلك بسبب معارضة إيران وروسيا وفرنسا وألمانيا للهجوم، بل لأن أميركا وعبر وزير دفاعها لويد أوستن عبّرت عن “معارضتها القوية” لمثل هكذا عملية.
والحال أن جملة واحدة صدرت عن واشنطن أبطلت الجهوزية التركية إلى حين، وأعادت شيئاً من الاستقرار للمنطقة، وأعادت تسيير الدوريات المشتركة بين قوات التحالف وقسد التي كانت قرّرت تعليق دورياتها.
وبعيداً عن الافتتان المجاني بقوّة واشنطن أو بتعظيم قدراتها والتقليل من دور بقية الفاعلين، وبعيداً عن نظرتي الخذلان والتعويل، فإن مصلحة واشنطن تتقاطع في هذا التوقيت مع مصالح سكان شمال شرقي سوريا وقسد، ذلك أن واشنطن أدركت أن “الشركاء الجيدين هم الشرط الأساسي لعمليات أمنيّة ناجحة” طبقاً لقول الصحفي ديفيد إغناطيوس، فيما يدرك كرد سوريا أن الضوئين الأخضر والأحمر هما رهن إرداة أميركا، وفي ذلك تكمن الإجابة حول لماذا يلتفت الكرد أبداً إلى واشنطن رغم المسيرة الحافلة بالخذلان؟.
المصدر: نورث بريس[1]