=KTML_Bold=د. رضوان باديني: الآليات الدولية لحل الأزمة السورية والمسألة الكُردية=KTML_End=
لماذا يتم إستبعاد الأكراد من محادثات الأزمة السورية بالآليات الدولية؟
هذا التساؤل يلخص مغزى ومضمون دعوتنا لعقد لقاء إسعافي ينهض بالمسؤولية، ويكون ساحة لنقاش موضوعي جاد يفضي لإيجاد وسائل تذليل العراقيل والصعوبات لحالة إقصاء الكورد من مفاوضات الأزمة السورية والبحث في شروط تأمين مشاركة عادلة في المحادثات التي تتم بالآليات الدولية. وإنطلاقاً من قناعتنا بإمكانية إجراء مقاربة علمية دقيقة لتفسير وفهم دواعي هذه الحالة بشكل جماعي وتقدير الموقف لتفادي نتائجها الوخيمة على جميع أطراف الحركة الكُردية، نطرح رؤيتنا الأولية للمناقشة والتداول بين نخبة من الساسة والمثقفين والأكاديميين الكُرد في لقاءٍ سيتم تحديد زمانه ومكانه لاحقاً؛ وهي دعوة في نفس الوقت للتشاور والتعاون، وشحذ الهمم بين المعنيين والضالعين في البحث عن الإمكانيات والأدوات اللازمة لكسر الحظر المفروض على المكون الكُردي للمشاركة بمنصة مستقلة في الآليات المتبعة للمحادثات الدولية للأزمة السورية والتي تشكل المسألة الكردية جانباً هاماً منها. وهذه الرؤية تأخذ بعين الإعتبار المشاركة الخجولة للمجلس الوطني الكردي بوفد تابع، لا يملك القرار وغير مخوّل بطرح المسألة الكُردية، وهو ما أكد عليه مراراً وتكراراً العديد من الجهات الدولية والأممية، بما فيهم المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا.
إذاً الهدف الرئيسي من مناقشة هذا الموضوع هو وضع اليد، من خلال نقاش علمي وموضوعي بين مجموعة من النخب السياسية والأكاديمية، على الخيوط الرئيسية لأسباب عدم إدراج القضية الكردية على جدول أعمال الآليات الدولية المتبعة لإيجاد حل للأزمة السورية كمسألة مستقلة وقائمة بذاتها. ثم التحقق من دور القوى الثلاث: الدور المثبط لعامل التشتت والإنقسامات الداخلية داخل الحركة الكردية نفسها؛ والدور السلبي للمعارضة السورية (الإئتلاف)، ثم دور السياسة الشرسة للحكومة السورية في تلبد الصورة النهائية حول الموضوع وعدم بروز القضية للسطح كمسألة تستحق التداول في هذه الآليات الدولية. ثم أننا نهدف من هذا اللقاء الخروج بتوصيات ومقترحات يبنى عليها، نوجهها للجهات المقررة والمعنية، ونحدد الدواعي والمخاوف الناجمة عن ذلك في صفوف الحركة الكردية؛ وحتى يتم تلافي إشكالات الموضوع وتفتح السبل لكسب تأييد الأطراف الدولية وإستمالتها لجانب الحل الممكن واقعيا للمسألة الكُردية. وأخيراً نسعى لكشف أساليب تحايل بعض الأطراف على إجراءات عقد المباحثات المستهدفة حصراً تهميش الكُرد وإقصائهم من مناقشات حل الأزمة السورية وبشكل خاص مؤتمرات جنيف وآستانا وغيرهما.
و المشكلة تحتمل عدة فرضيات: فأما أن الجهات المقررة والمحددة لهذه الآليات لا تجد ضرورة تداول المسألة على جدول أعمال الآليات الدولية (جنيف، فيينا وآستانا وغيرها)، لجهلها أو تجاهلها أو فتور الإهتمام بمكابداتها؛ أو يتم تهميشها وإقصائها بسبب ضغوطات من الأطراف المؤثرة للعملية السياسية (المعارضة والحكومة والدول الإقليمية). إضف إلى ذلك أن موازين القوى المتداخلة بشكلٍ مستمر بين مجمل القوى الإقليمية والدولية المعنية لا تسمح بتشذيب تعقيدات المسألة الكُردية وتمريرها إلاّ كمسألة مساومات في صفقات مؤقتة بين الأطراف المتحكمة بزمام الأمور (بحكم إنتشارها وتمددها في الدول الإقليمية المعنية الأربعة الأهم في المنطقة). وهذه الفرضية تلغي قدرة اللاعبين الأساسيين (روسيا وأمريكا) بإجراء مفاضلة بينها وبين مصالحها الجمة في المنطقة. ثم نتناول حقيقة تأثير المتغيّيرات (المستقلة والتابعة) إما في الإنسداد التام للأبواب أمام تداول القضية الكُردية السورية كما في المرحلة السابقة، أو فتور الإهتمام بإمكانية إنفتاحها المسقبلي وجدوى إنتظارها على أبواب المفاوضات، وتبعات عدم إدراجها كبندٍ مستقل للمناقشة والتداول هنا وهناك.
الجهات المستفيدة من نتائج هذا اللقاء: ليس سراً على أحد أن الجهات الكُردية سواء السورية أو في الأجزاء الأخرى غير مهيئة لعقد مثل هذا اللقاء ولا تستطيع تأمين الشروط اللوجستية، أو الأمنية والموضوعية اللازمة لنجاحه وصيرورته. وليس سراً ايضاً بأن الساحة لم تشهد حتى الآن أية مؤتمرات حيادية وموضوعية من هذا النوع للتباحث في الخلافات والصعوبات والتحديات القائمة أمام حل المسألة الكردية السورية. لذا بإعتقادنا، سيتيح هذا اللقاء لمجموعة من المراقبين من الأطراف الداخلية والخارجية المعنية والمهتمة بالموضوع، للوقوف على رؤى جادة و موضوعية لإجراء مقاربات واقعية وفعالة لأدوات العمل والوسائل في جانب كبير من المسألة الكُردية والتي تشكل عقدة رئيسية في الأزمة السورية. ومن جملة المستفيدين تحديداً، للرؤى والنتاج الذهني لهذا اللقاء، هم:
جميع الأطراف الدولية المعنية بالبحث عن الحلول السلمية والتفاوضية في سوريا؛
جميع أطراف النزاع السوري والتي تبحث عن حلول مستدامة لسوريا مستقرة وآمنة؛
مختلف شرائح وفيئات وأحزاب المكون الكردي وتكتلاته المجتمعية داخل وخارج سوريا؛
تغيّيرات المشهد الميداني السوري وإنسداد آليات البحث عن حلول للمسألة الكردية
أدتْ التغييرات الهائلة في المشهد العسكري والميداني السوري في الآونة الأخيرة، إلى تغيّير مواقف العديد من أطراف الصراع وتبدل أدوارهم، وأنتجت معادلة جديدة للقوى المؤثرة على الأرض. كما أدى توسع نفوذ النظام السوري على مساحات واسعة من البلاد وتقليص مناطق المعارضة الإسلاموية المسلحة في مساحات ضئيلة ومحدودة، لإتاحة الفرصة للنظام وحلفائه لإرغام الجهات المتطرفة والمرتهنة للخارج بالقبول بالحلول الأمنية المفروضة بآليات آستانة والتي أصبحت رديفة لمؤتمر جنيف. هذا التقدم أرغم المجاميع المسلحة الكثيرة للإنصياع للقرارات المنبثقة عن آليات آستانة، بحيث جعلتها تتوارى خلف أدوار مستترة، ثانوية ومؤقتة، مفصلة لها من قبل الأطراف الإقليمية. أن تطبيق الخطط الروسية (مناطق خفض التصعيد) المقترنة بسطوة طيرانها الحربي أدت لزيادة تأثير آلياتها المستخدمة ببراعة لفرض حلول أمنية قبل السياسية وجر أهم دولتين إقليميتين متورطتين في الوحل السوري، تركيا وإيران لمشاريعها. وكما كان متوقعاً، تخلت تركيا في نهاية المطاف عن معاداة النظام وكشفت القناع عن نواياها ومآربها الحقيقية في معاداة الكُرد في سوريا أولاً وأخيراً؛ فقد زالت نهائياً كل الذرائع التي تحججت بها وأُثبتت للعالم أجمع بأن “قناع دعم المعارضة” لم يكن إلاّ حجة تتدخل بها للجم تطلعات الحركة الكردية في سوريا. وهو ما نشهده بوضوح كسمةٍ متلازمة بسياساتها الداخلية والخارجية- وهو وقف تقدم “قوات سوريا الديمقراطية” الذي أصبح شغلها الشاغل.
ورغم أن التفاهمات الدولية بين القوى الفاعلة في الملف السوري تنطوي على نوع من تقاسم النفوذ الضمني، الذي بموجبه تستمر “قوات سوريا الديمقراطية”- وعمادها “وحدات حماية الشعب” الكردية، بتلقي الدعم من أمريكا والتحالف الدولي ضد داعش، وهو ما يسمح لها بكسب المعارك العسكرية و بسط نفوذها على مناطق حيوية وإستراتيجية.. إلاّ أن ذلك للاسف ليس ضماناً بفرض نفسها على المفاوضات القادمة حول مستقبل سوريا، وهي التي غُيّبت عنوة عن المحادثات السورية- السورية طوال فترة مناقشات جنيف السبع السابقة. وليس في الأفق القريب مؤشرات تسمح بإزالة العقبات التي تضعها تركيا أمام مشاركتها في أية مفاوضات مستقبلية. أن التقدم الميداني لقوات سوريا الديمقراطية، تشكل ارقاً لتركيا بكل مكوناتها السياسية، أكثر مما جلبته لها سياستها السابقة من أرقٍ في “معاداة النظام السوري” طيلة السنوات السبعة الماضية. ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية تحظى برصيد جيد من تأييد الرأي العام العالمي، وهي الجهة العلمانية الوحيدة التي تملك كماً هائلاً من النساء المقاتلات في صفوفها، ورغم تركيبة قواتها المتنوعة قوميا وباعها الكبير في مقارعة الإرهاب الداعشي.. إلاّ أن الساسة الترك لا يتركون مناسبة لا يعلنون فيها معاداتهم لهذه القوات ورغبتهم الجامحة في سحقها وإبادتها. وها هي تضغط، عشية الجولة الثامنة لعملية جنيف، بكل أوراقها الجيوإستراتيجية، كثاني أكبر عضو (مساهم عددياً) في حلف الناتو، وتدفع بثقل مؤسساتها وعراقة علاقاتها مع الغرب وأمريكا في إتجاه وقف مساندة أمريكا لهذه القوات. والسؤال الآن: إلى متى تستطيع أمريكا والدول المتحالفة معها تحمل هذا الإبتزاز؟
تحصل هذه المحاربة بعناد غير مسبوق، في الوقت الذي تجري فيه الإستعدادت والترتيبات لشمول بعض المناطق الكردية المدارة من قبل “الإدارة الذاتية” الكردية في شمال سوريا كمنطقة “لخفض التصعيد” (منطقة عفرين) حيث تسند لتركيا مهام رئيسية فيها حسب تفاهمات الإتفاق الثلاثي الروسي –التركي-الإيراني!!؟؟
وفي مثل هذه الظروف الحساسة التي تسعى فيها الأسرة الدولية بوضع حد للكارثة السورية، وتجهد الأمم المتحدة لإعادة النشاط لآليات جنيف، لإيجاد حل سياسي تفاوضي، ينذر الأفق المسدود تركياً، أمام الأكراد، بهدر وضياع كل ما ضحوا به من دم ومال وطاقة في صد الإرهاب عن العالم المتحضر ليذهب هباءاً منثورا. أن تركيا التي تمنع عن قرابة 20% من “شعبها الكُردي” داخل تركيا بالتمتع بأبسط الحقوق القومية، تمنعه كذلك على الأكراد خارج حدودها وهي ماضية في هذا الغيّ منذ قرابة قرنٍ من الزمن بدون أن تستطيع مجمل الأسرة الدولية ولا المؤسسات الأممية القانونية والإنسانية بثنّيها أو وضع حدٍ لإضرارها على الشعبين التركي والكردي!؟ وحالياً تضع كل إمكانياتها كدولة جسيمة لمنع إنشاء أي إدارة كُردية في شمال سوريا ضمن حدود الدولة السورية؛ رغم معرفتها وإقرارها بما كابده الكُرد فيها من حرمانٍ وقهر ومنع حتى من أبسط الحقوق المدنية والسياسية، بما فيها التمتع بالجنسية السورية على مدى أكثر من نصف قرن.
تضاف إلى هذه الغلاظة المفرطة في التعامل مع الكُرد تحديات إضافية آتية من الأطراف السورية الداخلية، نقصد بذلك التعنت الذي يشوب موقف أغلبية أطراف الإسلاموية والقومية المتطرفة، والتي ترفض في برامجها القبول بأي إعتراف حقوقي ودستوري بالمكون الكُردي وقضيته القومية العادلة.
وفي الوقت الذي تزدحم المآسي في أعين جميع السوريين على ما عاشوه من ويلات لا تعد ولا تحصى طوال السنوات السبع الماضية، لم تنبري أطراف العملية السياسية السورية بأجمعها عن فضيلة ذاتية واحدة تستند على الروية والحكمة لحل مشاكل بلدهم الداخلية بأنفسهم وبين أبناء البلد الواحد. ويستمر وضع هذا المكون التاريخي الثقافي الإجتماعي الهام في تاريخ سوريا القديمة والحديثة بدون إعتراف وإقرار بحقهم. و حسب الأجندات المعروفة وتأثيرات الدول الفاعلة عسكرياً ودبلومسياً في الملف السوري هناك أخطار حقيقية تتهدد الملف الكردي وهو الملف الذي يعرف بأنه “يكسب الحرب على الأرض ويخسر نتائجها على طاولة المفاوضات”
وهكذا عندما تطرح من جديد قضية بناء الوطن والإنسان؛ تفرض قضية رفع الاستبداد والإضطهاد الممارس بحق الكُرد حيويتها وأهميتها والتي وصلت اليوم لذروتها، و من المفيد بالمناسبة، التذكير بسمةٍ من سمات تاريخ هذا الشعب الطويل في مقارعة الظلم والقهر وهي أنه لم ولن يقبل بشرعنة إضطهاده ولن يرضخ للقوانين التي تحرمه من حقوقه وكرامته وحريته.
إذاً نحن إزاء بلورة “رؤية سياسية” نضعها أمام الرأي العام العالمي والأطراف الدولية المؤثرة والفاعلة في إجتراح الحلول المستقبلية لسوريا قبل الشروع بالحلول النهائية. وبتعيّيننا التحديات الجمة الذاتية والموضوعية ندعو كل الأطراف الخيّرة والمعنية بالسلام والأمن الإقليمي والعالمي للتعاون والتنسيق من أجل عدم تفويت الفرصة لحل المسائل الرئيسية التي عانت منها سوريا ولا ننجر لإجندات طراف واحد بعينه. ونعلن موافقتنا على ما أجمعت عليه الآليات الدولية حتى الآن والعمل في حل الأزمة السورية وفق تسلسل في تأمين المقتضيات التالية: دستور جديد، انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف ورقابة أممية. وبرأينا يمكن إجراء مقاربة لهذا الموضوع على الجوانب التالية:
أولاً، الجانب الكُردي:
يتنازع التمثيل السياسي الكردي في سوريا حالياً ثلاث مجموعات رئيسية: حركة المجتمع الديمقراطي (تف-دم)؛ المجلس الوطني الكردي في سوريا ENKS؛ التحالف الوطني الكردي في سوريا؛ حزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)
وبسبب تأثُر صيغة المطالب الكردية السياسية (المعلنة) بإعتبارات تكتيكية مُلجمة، وغياب مرجعية موضوعية موحدة شاملة، من المستحسن إشراك ممثلي منظمات المجتمع المدني والمثقفين المستقلين والمؤسسات العلمية والمهنية في إجتراح أي حل نهائي للمسألة الكردية في سوريا. ويمكن إجمال رؤيتهم في النقاط التالية:
يقبلون بالحل السياسي السلمي التفاوضي للأزمة السورية بمساعدة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية ويجمعون على إقرار الفدرالية كشكل حكم لمناطقهم وعموم سوريا، ويعلنون عن إستعدادهم المشاركة في بلورة مشروع وطني شامل بين كل المكونات السياسية والقومية والإسراع بتحقيقه وإنجازه؛
يعتبرون الإرهاب والتطرف الديني خطراً يهدد البلاد ويسعون، وبالتنسيق مع الأطراف الدولية المهتمة، لتوحيد كل القوى لمحاربته وإستئصال جميع أشكاله في مستقبل سوريا.
يقبلون بالعيش ضمن سوريا الموحدة، شرط أن تصان هويتهم القومية في إدارة ديمقراطية تؤمن المساواة السياسية دستورياً في سورية الجديدة، العلمانية والمتعددة القوميات، وبضمانات دولية.
ثانياً: المعارضة السورية:
يشكل موقف “إئتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية” الذي ورد في إتفاقه مع “المجلس الوطني الكرديENKS” بتاريخ (26-8-2013) في إستانبول بخصوص حل المسألة الكردية (16 بنداً) وتحديده سقف المواطنة و”اعتماد نظام اللامركزية الإدارية“، لتحقيق ” المساواة في الحقوق والواجبات لكل المواطنين” أقصى ما تم إنجازه والإتفاق حوله من الحقوق الكردية بين الأطراف السورية المعارضة. لكننا للأسف لا نجد أي أثر لهذا التعهد في الوثائق المحددة لأهداف وثوابت الإئتلاف أو أية عبارة أخرى تشير إلى هذا الإلتزام ب” اللامركزية الإدارية” أو إنعكاساتها خارج الوثيقة المذكورة. ورغم تحفظ الجانب الكُردي(ENKS) في الوثيقة نفسها على (البند الثالث) وإقتراح: ” صيغة دولة إتحادية، وسيعمل المجلس الوطني الكردي على تحقيق ذلك دون أن يشكل ذلك عائقا أمام انضمامه إلى الائتلاف“، لكن الكم الهائل من التصريحات والمواقف العملية المعادية للكُرد لعدد كبير من المسؤولين في الإئتلاف يُمحي حتى الإعتقاد بوجود هذه الوثيقة اليتيمة أو بجدوى الإعتراف الحقيقي بأي حقوق كردية في سوريا من قبل هذه المعارضة. وهكذا نجد أن جميع العبارات الإنشائية المحددة للشكل المستقبلي للدولة السورية تتفادى التعبيرات الحقوقية الدقيقة في تشخيص الوضع القانوني لحل المسألة الكردية. وعليه فأن الطرف الأهم في المعارضة السورية والذي يتصدر جميع المعارضات الأخرى، ويحظى بإعتراف المجتمع الدولي، لا يتجاوز مواقفه صياغات بغير مضمون دقيق للكلمات من قبيل “التأكيد على قيام سورية المدنية التعددية الديمقراطية” بينما في الواقع يتعاون مع الأطراف التي تخطط لإلغاء وجود المسألة من الواقع.
أما الجهات الأخرى من المعارضة المعنية فتفتقر حتى لتصورات دقيقة وصياغات تحظى بإجماع مكوناتها، وتبدو كل المواقف إرتجالية وضبابية وفي معظمها ترتهن لإجندات وتلاعبات خارجية. وهناك وجهات نظر أخرى متفاوتة، تقترب من وجهة نظر الإئتلاف مثل هيئة التنسيق لكن الأغلبية الساحقة من الأحزاب والكيانات السياسية فيها لا ترى وجوداً لهذه المسألة، أو أن حلها يقتصر على الدعوة لتحقيق “دولة المواطنين الديموقراطية”. أما الجماعات التي تنادي بالإسلام السياسي فلا يعنيها الأمر ولا تستحق فلسفتها المجترة المناقشة.
ولكننا في هذا السياق لا يمكننا تجاهل أو نسيان المواقف السديدة والمشرفة لعدد من الكيانات السياسية والشخصيات المعارضة السورية والتي تتسم مواقفها بالرزانة والحكمة، والدفاع المستميت عن قضايا الوطن الجوهرية بشكلٍ علماني وبروحٍ ديمقراطية عالية، أهمها وأكثرها إنصافاً في التركيز على حقوق الكُرد “منصة آستانا السياسية” ورئيستها السيدة رندا قسيس.
ثالثاً، موقف الحكومة السورية: لأول مرة في تاريخها أعلنت دمشق على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم جهوزيتها في مناقشة تحقيق إدارة ذاتية داخل حدود البلاد. ويعتقد المراقبون أن أهداف دمشق من الإعلان عن منح إدارة ذاتية لأكرادها تحتمل سببين رئيسيين:
سد الطريق أمام التوجهات الخارجية للإدارة الذاتية والنظام الفيدرالي الذي أعلنه الأكراد من طرف واحد منذ عام 2016، وإحتوائها بدل ترك المجال لإستمرار علاقاتها مع الأمريكان ومجموعة دول التحالف الدولي ضد داعش. حيث إن القضية الكردية كانت المبرر الأساس للتدخل الأمريكي في سوريا. ومن خلال التفاوض والوصول الى اتفاق قانوني مع الأكراد يتم تمهيد الطريق لتحسين علاقاتها مع أمريكا
الحد من التدخلات التركية في الداخل السوري، بحيث لن تجد دمشق سداً منيعاً أفضل لصد الهجمات والتدخلات التركية من الكتلة البشرية الكردية المتواصلة الإنتشار على إمتداد الشريط الحدودي مع تركيا.
إستنتاجات على مستوى العلاقات الدولية:
بناءاً على ما تقدم ندعو الأطراف الدولية والجهات المعنية بالحل النهائي لأخذ هذه الحقائق بعين الإعتبار والعمل على:
التحقق من شمول الأكراد بالحلول الدولية النهائية وبآليات موضوعية ودون المساس بالتواجد الكردي على أرضه التاريخية مع الأخذ بالإعتبار السياسة الإستيطانية والتعريب الممارس بحقه في ظل النظام القائم حالياً؛ على أن يتم التعامل معه كمكون أصيل متساوي بالحقوق مع الأغلبية العربية ووفق قواعد وتوافقات ديمقراطية و الشرائع المعتمدة في حماية الحقوق القومية أو:
تأمين الحماية الدولية بطلب إنتداب ووصاية دولية، لأنه، إذا أخفقت الدولة في حماية مواطنيها من الإبادة الجماعية أو الإبادة الثقافية وأخفقت المساعي السلمية، فإن المسؤولية تقع على المجتمع الدولي.
وأخيراً، أقولها لمن يجد في نفسه المقدرة والإمكانية ويرغب في المشاركة في هذا النقاش بأننا ننطلق من القناعة بحقنا في الحياة وحقنا بتبوأ مكاننا الطبيعي بحرية وكرامة غير منقوصة بين مكونات سوريا الغد، سوريا التعددية، سوريا الديمقراطية والمتسامحة مع نفسها؛ سوريا التي تشبه نفسها وتتسع لكل أبناءها. أننا بحاجة لآليات سريعة ومرنة تنجز وتنتج تحاليل علمية وأطروحات دقيقة وخطة عمل لما ينبغي فعله الآن لإنجاح هذا اللقاء. وهذه فرصة لن تتكرر. الوسيلة الوحيدة التي تسمح بتغيير سياق المحادثات الدولية حول سبل حل الأزمة السورية ولحاقنا بها هو ظفرنا بآلية إسعافية تسمح بنقل صورة دقيقة لوضعنا المزري وصياغة مطالبنا الملحة وعدم تأجيلها والتواصل مع المؤسسات الدولية المعنية و أوساط الرأي العام ومراكز القرار ودول وشعوب العالم الحر. والإلحاح على المشاركة بالجولات المقبلة حول الحل النهائي للأزمة السورية. لا فائدة من الإنتظار ممن لا أمل فيهم. لا حياة مع اليأس.
ملاحظة: ننتظر آرائكم وإقتراحاتكم ومساهماتكم في الموضوع قبل الإعلان عن تاريخ ومكان عقد اللقاء.[1]