=KTML_Bold=د. محمود عباس: كردستان في الأروقة المظلمة=KTML_End=
أصبحت أكثر من فاضحة تجارة المقايضات السياسية، الممارسة من قبل الأنظمة المحتلة لكردستان، حول مصير الشعب الكردي واستفتائهم، تتناغم معهم تلاعب الدول الكبرى بالمصطلحات الدبلوماسية، والتصريحات البالغة حد التضارب، المعلنة مقابل المخفية وراء الكواليس، ويبتلعون أكاذيبهم، ويتغاضون عن خدعهم الساذجة في عرض إشكالية الأمة الكردية، كقضيتين منفصلتين:
أولاً، كقضية شعب كردي يفرض عليه الرضوخ للعيش في ظل السلطات الاستبدادية تحت صيغة الوطن. والثانية، على أن كردستان الوطن كظاهرة ستؤدي إلى خلق زعزعة وحروب لا نهاية لها في المنطقة!
وفي الحالتين ورغم الكذبة المفضوحة، والدعاية الأكثر من ساذجة، يستمر السكوت عليها من قبل الدول الحضارية، وتدرج ضمن منطق العلاقات السياسية، حيث العهر الدبلوماسي، والمصالح الدونية، وكأننا أمام نسخة عصرية عن معاهدة سايكس بيكو وبنكهة جديدة، أو لربما أبعد منها معاهدة قصر شيرين بين الصفويين والعثمانيين، في حضور أمريكي -روسي.
والتالي هي قائمة بالدول الأكثر تكالبا على كردستان كبضاعة، وبجعبتهم الأسعار وجداول المقاولات التي سيعرضونها في الأروقة الدبلوماسية والسياسية الدولية، أو لنقل وبدون تردد، في أسواق النخاسة الرائجة ضمن قصورهم الرئاسية وقاعات برلماناتهم:
1- أمريكا الدولة التي لم تجد أفضل من القوات الكردية في جنوب وجنوب غربي كردستان لتنفيذ مخططاتها وتطبيق استراتيجيتها في المنطقة، لدرجة تبينت للعالم وكأن كردستان طبعت باسمها، مع ذلك فالتصريحات المتضاربة ما بين البنتاغون ووزارة الخارجية، وسكوت البيت الأبيض تجعلنا في حيرة من موقفها، وعليه تكاثرت التحليلات، والتوقعات، من إمكانية أن يبيعوا كردستان مقابل عودة تركيا إلى حضن الناتو كالسابق، وبالمقابل البعض توقع تقليص الحجم العسكري الأمريكي في قواعدها ضمن تركيا وخاصة في إنجرليك، بعد أن تكتمل قواعدها الخمس في جنوب كردستان، ولا شك هذه احتمالية فيها الكثير من اللغط، من حيث المدة وحجم الدولتين، والصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين في الداخل الأمريكي، والخوف من خسارة ثاني أكبر قوة في الناتو، واحتضانها من قبل روسيا. وهناك احتمالات أخرى معروضة على أمريكا في هذا السوق، بفتح كل الأبواب الاقتصادية لشركاتها ضمن الدول المحتلة والمعترضة على كردستان مقابل التخلي عنها. وتبقى هنا عامل الوجود الإسرائيلي، وحيث لوبيها الداعم لقيام دولة متوقعة أن تكون حليفة لها في المنطقة، وقد لن تكون ضعيفة، سياسيا واقتصاديا وديمغرافية، كما وأن استراتيجيي السياسة الأمريكية لربما قد بلغوا مرحلة رؤية انتهاء صلاحية أوراق الدول الإقليمية، ويجدون في كردستان القادمة بديلهم وحليفة استراتيجية قوية بما ذكرناه من العناصر، ولفترة طويلة، بقوة خام كبيرة لا يستهان بها في الشرق الأوسط.
2- روسيا، لربما تستخدمها كسلعة تتاجر بها مع أمريكا على أوكرانيا، أو الضغط على كوريا الشمالية في بعض الصفقات. أو التخلي عنها لتركيا مقابل صفقات تجارية أوسع من الغاز والنفط إلى الأسلحة، وتقارب سياسي أسرع، أو مقابل تقليص قوة الناتو على أراضيها، ولربما إزالة بعض القواعد العسكرية لأمريكا أو الناتو. ومثلها مع إيران، بأن تزيد من دعمها في تدخلاتها الإقليمية، أو في إنتاج الأسلحة النووية. وتفرض شروط على حكومة بغداد، كشراء الأسلحة، والسماح لشركاتها بالحصول على عقود استثمارية طويلة المدى، كعقود النفط والغاز، وغيرها، وهنا تبقى في الجانب الكردستاني مصالح لروسيا، منها عقد التنقيب وإنتاج الغاز مع حكومة كردستان ولفترة مدتها 20 سنة، وهي على الأغلب بداية لصفقات وعقود أخرى طويلة الأمد، قد تحل محل الشركات التركية والإيرانية، والتي تحصل من كردستان على سيولة مادية لا تقل عن 10 مليار دولار سنوياً، إلى جانب بأنها تجد في كردستان القوة التي ستكون أكثر فاعلية وصدقا من معظم دول الجوار في محاربة الإرهاب، والتكفيريين الإسلاميين الذين تتأذى منهم روسيا، وبعضها تظهر من ضمن مناطقها ذات الحكم الفيدرالي.
3- الدول الأوروبية، والتي كما ذكرنا في مقالنا السابق (القيامة بعد الاستفتاء) بأنها ورغم ثقافتها الحضارية، تبقى مصالحها الاقتصادية هي الراجحة في تحييد علاقاتها، وهذه المعادلة ستتأرجح مع الزمن، وستظهر أكثر جلية في المراحل القادمة، خاصة إذا تمكنت كردستان من الحفاظ على مكانتها كقوة بإمكانها إقامة كيان سياسي مستقل، وبجغرافية ذات إمكانيات اقتصادية تبهرهم، وفيما إذا أظهرت الجانب الديمقراطي في نوعية حكوماتها، والنظام الذي سيسود كردستان القادمة، وهل ستكون محل ثقة الدول الأوروبية أم لا، فهي وحتى الأن مصالحها أكثر من أن تتزعزع مع الدول الإقليمية مقابل كردستان، رغم ما يجري من تصعيد سياسي متضارب مع إيران وتركيا، فكردستان بالنسبة لأوروبا بضاعة قابلة الاستغناء عنها مقابل ما لها مع الدول الأخرى، لكن ستتأرجح لصالح كردستان فيما إذا ارتفعت وتيرة الخلافات بينهم وبين تركيا وإيران، وتبقى حكومة بغداد، والمأمولة منها حصول شركاتها على عقود طويلة الأمد للإعمار وشراء الأسلحة، وهذه معرضة للإخفاق، من حيث فساد شريحة السياسيين الحاكمين، والذين يتحكم فيهم حكومة إيران. مع ذلك يبقى الجانب المرجح للكفة الكردستانية، ثقافة الشعوب الأوروبية، ومدى قدرة الحكومات الكردستانية الحالية والقادمة على تطبيق الديمقراطية في ذاتها، ومن ثم البنية الاقتصادية الغنية بالثروات، وهنا علينا ألا ننسى دور اللوبي التركي الإيراني والعربي مقابل المهاجرين الكرد ولوبيهم الضعيف.
4- الدول المحتلة لكردستان، والتي بيدها صفقات عديدة:
أولاً، تركيا من السهل لها أن تتخلى لروسيا عن المعارضة السورية ودعمها اللوجستي لداعش، لتحييد رأيها، ولربما ستبتعد أكثر عن أمريكا والناتو، وستعقد صفقات اقتصادية وعسكرية أضخم، وفي الكفة الأخرى قد تعود إلى حيث ما كانت عليه مع أمريكا والناتو، وقد تجمد علاقاتها مع الحركات الفلسطينية وخاصة مع حماس وتعيد إحياء عقودها الاستراتيجية مع إسرائيل، وقد تضطر إلى المزيد من التنازلات لكل الأطراف، لأنها تدرك بأن كل ذلك لا تقارن بما ستخسره من جغرافيتها فيما إذا تلقت كردستان الدعم الأمريكي الروسي.
ثانياً، إيران، من السهل لها أن تتخلى حتى عن الحوثيين، للسعودية وأمريكا، وعن المنظمات الشيعية في السعودية، وعن حزب الله لإسرائيل وأمريكا، وستخفف الدعم لأفغانستان لأمريكا، ولا يستبعد أن تعقد صفقات نووية جديدة إذا دعت الضرورة، في حال وافقت أمريكا التخلي عن كردستان، وستعمق علاقاتها مع روسيا إلى أبعاد استراتيجية أبعد، فالقضية هي تفتيت إيران بأبعد من ظهور كردستان، لأن قادة أئمة ولاية الفقيه يعلمون بأنه هناك عدة شعوب أخرى تتكون منهم إيران الحالية، والعنصر الفارسي الذي طور المذهب الشيعي للحفاظ على فارسية إسلامية مبطنة، لن يكون سهلا لهم ترك القضية بهذه السهولة.
ثالثاً، ولا يستبعد أن تتنازل إيران وتركيا لبعضهما عن قضايا عديدة، كتنازل صدام والشاه لبعضهما في اتفاقية الجزائر، أو مثلما حصلت في معاهدة قصر شيرين عام 1639 م بين الصفويين والعثمانيين، يوم تم أول تقسيم رسمي لكردستان، وستدرج، ضمن الصفقات، قضية جبال قنديل، وحزب العمال الكردستاني، وسيتم الضغط على سلطة بشار الأسد، وحكومة بغداد، مشلولتي الإرادة.
رابعاً، وخاصة الأخيرة، المعنية بالأمر، سلطة بغداد، والجارية وراء الدولتين، ستوافق على كل ما يطلبون منها، العنصر السني سيستلم أوامره من تركيا، والشيعة من ولاية الفقيه، ونعني البرلمان ورئاسة الوزراء، وسيلبون كل الإملاءات قدر الإمكان، وسيصدرون العديد من البلاغات، من الحصار الاقتصادي إلى الدعاية الإعلامية، وسيستمرون بطرح المصطلحات الساذجة، كالتي ظهرت بعد الاستفتاء، بأنه لا مشكلة لهم مع الشعب الكردي بل صراعهم مع سلطة الإقليم الكردستاني، ويتناسون أن نتائج الاستفتاء الشعبي بحد ذاته وضع حدا لهذه السخرية الإعلامية، والخدع السياسية.
خامساً، وتبقى هناك السلطة الإجرامية والتي لا تقل عنهم عداوة، المعروفة بتاريخها الأسود للعالم، ونقصد نظام الأسدين والبعث، ورغم نفاذ مخزونها الدبلوماسي، لكنها ستبقى معترضة، وستتبع إيران وما ستفرضه، أو تعرضه من أسعار، ومقايضات، وهي ومن الأن متفقة من خلال إيران وروسيا مع تركيا ضد كردستان، ولا شك أن المعارضة السورية العروبية التكفيرية ستتبع سلطة بشار الأسد، مثلما تنفذ الإملاءات التركية.
5- وعلى خلاف كل التوقعات، وتهديدات أردوغان الرعناء، وخباثة دبلوماسية أئمة ولاية الفقيه، وتصريحات العبادي العنصرية، يستبعد التدخل العسكري المباشر، ولا يستثنى تحرشات على مستوى معارك جانبية من قبل الدول الثلاث مع البيشمركة، كترهيب، وجس نبض الدول الكبرى، ويبقى بيد الدول الثلاث سلاح الحصار الاقتصادي، لكن هذه أيضا، ويمكن القول بأنه سيتم الاعتراض عليه من قبل المنظمات العالمية لأنها ستؤثر بشكل مباشر على مصالحهم، وستعرض الشعب بشكل مباشر إلى تجويع مخطط، وفي كردستان اليوم العديد من المنظمات الإنسانية، ومراكز الإعلام، ولهذا السبب وكخطوة استباقية قامت سلطات الدول الثلاث بنشر دعاية مسبقة، بأنهم لا يتقصدون الشعب وتجويعه بل يهدفون المسؤولين عن الاستفتاء، ويريدون الحد من التصعيد المؤدي إلى زيادة الصراع في المنطقة.
القضية الكردستانية بشكل عام، وجنوبها وجنوب غربها بشكل خاص، كما يقال، على كف عفريت، بحكم وجودها بين شعوب حكمتها وتحكمها أقذر الأنظمة العنصرية في العالم، وإحدى أكثرها حقدا وكراهية للأخر في التاريخ البشري، وأبعدها عن المفاهيم الحضارية، وأكثرها نفاقا على الديانة الإسلامية وقيمها، وهذه الصفات التي يفتخرون بها وبشكل غير مباشر في إعلامهم ستكون أحدى أسباب فشلهم ولربما انهيارهم في القادم من الزمن، وهي من الدعائم التي يجب أن تستند عليها الأمة الكردية، وشعوب كردستان لكسب الرأي العام العالمي والدول الكبرى، خاصة وقد تبينت للدول الكبرى مدى قدراتها، رغم وجودها كقوة يانعة، في دحر الإرهاب. مع ذلك وكسلطة سياسية، تطمح إلى الحضارة في منطقة تعبث فيها قوى الظلام، من المفروض أن تطبق الديمقراطية، وألا تكون نسخة عن الأنظمة المجاورة، والمحتلة لكردستان.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]