=KTML_Bold=د. محمود عباس: الكرد البديل الأفضل عن بشار الأسد=KTML_End=
لماذا الأنظمة العروبية، سلطات ومعارضة تعادي الكرد؟ سؤال كانت الأجوبة عليها في الماضي، كلاسيكية المفاهيم، وهي معروفة للجميع، الكردي قبل أعدائهم. تغيرت اليوم المعادلة، ويكاد يكون الجواب ضبابياً حتى عند القوى المعادية، والشريحة العروبية المتشعبة كالأخطبوط بين الشعب العربي، لأنهم يشعرون بأن قادمهم يزداد قتامة، وماضيهم “التليد” المليء بالحقد والكراهية تجاه الأخرين، يقترب من نهاياته، فلابد من الصراع لأجل البقاء، وأساليبهم الشاذة وتصريحاتهم تعكس هذه الحقيقة.
في الواقع المتلاحم، بين الباطن الذي شوه الثورة السورية، والظاهر الذي يمثلها المعارضة العروبية والمسلحة والانتهازيين السياسيين، أي الداخل الفاسد والخارج المبتذل، تكتمل جدلية التدمير الممنهج، ومنطق اللابديل بين الإرهابيين، مكان بشار الأسد، دفعا بالقوى الكبرى، أمريكا وروسيا وأوروبا، للتشكيك بجدوى حكومة انتقالية ديمقراطية، وحل سياسي لسوريا.
إلى جانب أن السلطة والمعارضة العروبية التكفيرية، بلغتا من الانحطاط الخلقي والفكري تجاه المجتمع السوري، والشعوب غير العربية، وجعلتا العالم تغض الطرف عن بشائعهما. وأمام هذه المشاهد اللاإنسانية والمتكررة يومياً، والصراعات الدونية على السلطة، على الأغلب لن يجدوا على الساحة السورية، شخصية أو قوة يمكن أن تترأس المسيرة في سوريا، أفضل من الحركة الكردية، والتي هي أبعد القوى عن الإرهاب، وأقربها على تقبل الفكر الحضاري، وتطبيق القوانين الإنسانية. والكرد يحتاجون إلى عاملين رئيسيين، الأول مساندة من القوى الكبرى، للحد من التدخلات الإقليمية، والثاني الاعتراف بهم كقضية وشعب على أرضهم الجغرافية التاريخية، ويتبدى حتى الأن بأنهم أنسب القوى التي سيسيرون سوريا كوطن للكل، فهم ثاني أكبر شعب جغرافية وديمغرافية، وحقوقهم ستكون كحقوق أي عربي وأية قومية أخرى في سوريا.
لا تكونوا منبعاً للشر، والإرهاب، مطلب البشرية ومنذ قرون من العالم الإسلامي، والعربي الافتراضي، مع ذلك لم يستكين العروبيون، ففرخوا منظمات، وأحزاب وسلطات نمت على الحقد وكراهية الأخر، تتفاعل فيما بينها إلى درجة الحقد على بعضهم، فخلفوا الأبشع في العالم. ففي مثال سوريا، ظهرت من تصاهرهم ولادات سريعة متتالية مشوهة خلقياً، وثقافيا، وسياسياً، بدءاً من المجلس السوري إلى الأكثرية في الإتلاف، ومن ثم أغلبية أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات، إلى هيئة التنسيق، وبعض المنصات الخلبية، وأغلب شخصياتها خطط لهم العمل في المعارضة، للحد من نمو المولود الثوري الذي حبا في الأيام الأولى من المسيرات السلمية.
معظم الأطراف المتقاتلة، أجزاء من كلية نظام متواتر، ساد سوريا على مدى عقود، وهو جزء من الأنظمة العروبية التكفيرية الإسلامية، يتحكمون بجغرافية الشرق الأوسط، ومنذ أكثر من قرن من الزمن. ومن طبيعة هذه الأنظمة، ومن بينهم نظام بشار الأسد وقبله والده، خلق معارضات فاشلة، مهترئة، لإعطاء مبرر ديمقراطي لديمومتها على السلطة، فمعارضتها قدمت ولا تزال تقدم لها خدمات مجانية، كالتبجح بالديمقراطية في الإعلام، مثل تلك التي تباهى بها قبل ثلاثة عقود حافظ الأسد المقبور، ورده بخباثة على الإعلامية الأمريكية المعروفة باربره والتر حول ديمقراطية سلطته، واليوم يكررها أبنه المجرم بشار متفلسفا بكلمات فيها تلال من السفاهة والحقد، ما يعجز الإنسان من وصفه.
والغريب هنا أن المعارضة بزعامة التكفيريين، والسلطة، ينخران بعضهما في العلن، وفي الباطن، أي في الواقع الفعلي يكمل أحدهم الأخر، ليس لأنهما على طرفي نقيض في المفاهيم أو الأفكار، أو أن أحدهم يدعي العلمانية والأخر الدينية، بل لأنهما معا يعاديان التغيير في البنية الاجتماعية والثقافية، والنظام السياسي والاقتصادي.
لا نشك أن هذه الجدلية كانت ستدوم، ربما لقرون قادمة، في الشرق الأوسط، والدكتاتوريات ستظل مهيمنة، لولا أن طفرة ثورية كادت أن تنبت، لكنها استهدفت، من قبل السلطة وبشراكة التكفيريين العروبيين والإسلاميين، للقضاء عليها. وكانت في مقدمة هذه الطفرة الحركة الكردية، والتي لو لم تخترق وبمؤامرات إقليمية لقادت الثورة السورية، وأتممت ما قامت به في آذار 2004م، يوم تآمر عليها نفس القوى المتصارعة على السلطة الأن، وهي ذاتها التي اتفقت بشكل مباشر حينها، وفي عام 2011م بشكل غير مباشر لضرب النهضة الفكرية الثورية، وتآمروا على ضرب الكرد من جهتين، جهة القضية الكردستانية، والوطنية السورية. ولهذا برزت شريحة من العروبيين يركزون على اتهام الكرد بالتعامل مع القوى الإقليمية ومن بينهم إسرائيل، في الوقت الذي كانوا يتنزهون في أحضان تلك القوى وتتغذى من فتاتها، أو يحلمون أن يخدموها أو يتفقون معها، وإسرائيل في المقدمة، ولن يتوانوا من أجل ذلك التضحية بالمجتمع السوري وكلية الوطن.
الصراع السوري يجري بين المكملين، طرفي الإرهاب، السلطة والتكفيريين، فاحتمالات إيجاد شريحة نقية من بينهم تكاد تكون معدومة، وإن وجدت فهي ترضخ لإملاءات من جميع الأطراف، وفي مقدمتهم القوى الإقليمية الغارقة في الصراعات المذهبية والقومية، والتي تبدع في تخريج المنظمات الإرهابية، وطرفي الصراع السوري بلغا حدود الانفجار الداخلي، بين الباطن والظاهر، فإما سيقضيان على بعضهما، أو سيضعفان إلى حد الرثاء، وعلى الأغلب استخدام الأسلحة الكيميائية وللمرة الرابعة إن لم يكن أكثر والأخيرة في (خان شيخون) بعد كل الضجة الإعلامية والدولية في عام 2013م حول ما جرى في الغوطة الشرقية، إلى جانب التصعيد المبتذل من الطرفين بحق المذاهب والشعب الكردي، تشبه سكرات موتهما.
ففي هذا الواقع المأزوم حد الهلاك، لا يوجد أي بصيص أمل فيهما، والقوى الكبرى، تضع جميع الاحتمالات، وتخرج في النهاية، بأنه لا بديل عن الاحتفاظ بالمجرم رئيسا، وشريحته حكومة، فالمعارضة أظهرت ذاتها أمام البشرية، ورغم كل ادعاءاتها بالدفاع عن المجتمع السوري أنها لا تقل خطرا عن بشار الأسد على المجتمع السوري وعلى سلامة العالم، وأول الاحتمالات هي أنها لن تتوانى في تفريخ منظمات إرهابية، على مقاس داعش أو في أقله القاعدة أو النصرة، أو نورالدين زنكي، أو ستمهد التربة الملائمة لنموها.
وهنا لا نستبعد أن تتجه الأنظار إلى الكرد، كشعب وحركة سياسية وعسكرية، الأكثر ملائمة لقيادة سوريا، سياسيا على الأقل، وبنظام فيدرالي كما اقترحه المجلس الوطني الكردستاني –سوريا منذ عام 2006م وتبنته فيما بعد كل الأطراف الكردية دون العربية منذ بدايات الصراع السوري، وعليه يظهر على أن الكرد هم الأنسب من حيث تقبلهم للمفاهيم الحضارية، والحد من الإرهاب، ومعادتهم للقوى التكفيرية سياسيا ودينياً. وما يحتاجه الكرد لحمل هذه المسؤولية، القليل من التفاهم فيما بينهم، والاتفاق على بعض النقاط التي لا خلاف عليه، كالنظام الفيدرالي لكلية سوريا، وفي المنطقة الكردستانية بشكل خاص، والمناطق التي لها خصوصياتها المذهبية أو العرقية. لا شك أن أول المعارضين سيكونون العروبيين، التكفيريين، قوميا ودينياً، علماً أنهم يدركون تماما أنه بدون الكرد وقيادتهم أو شراكتهم الرئيسة في الحكومة القادمة، سيجرون المجتمع السوري إلى الضياع الكلي، لهذا فإننا نطلب وننادي القوى العربية الوطنية التلاحم مع الكرد للحد من هؤلاء العروبيين، التكفيريين والقوميين معاً، والاشتراك معهم لإنقاذ سوريا من براثنهم، وشرورهم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية[1]