حاوره معد فياض
أعتبر المؤلف الموسيقي وعازف العود وسفير اليونيسكو، #نصير شمة# ، كونسرت (مدن النرجس) التي اقيمت على مسرح قلعة اربيل، برعاية شبكة رووداو، في حزيران 2019، واحدة من اجمل حفلاته الموسيقية، وقال:هذه الحفلة لا يمكن نسيانها بل هي واحدة من افضل الكونسرتات التي قمت بها وعزفت خلالها (مدن النرجس) وهي من مؤلفاتي طبعا. مشيرا الى ان:الجمهور الذي حضرها او شاهدها على شاشات الفضائيات او وسائط التواصل الاجتماعي يتذكرها ويطلب مني عزفها اينما أكون.
وقال شمة في حوار مع رووداو، خلال حضوره مهرجان السليمانية لموسيقى الشعوب الذي تم خلاله تكريمه من قبل رئيس جمهورية العراق السابق برهم صالح: ان الموسيقى هي افضل اسلوب للتعريف بحضارة بلد وثقافة شعب وتسهل الحوار مع الآخر، لهذا لا بد من ان نعلي من شأن الحوار حتى يفهم الجيل الجديد بان المسالة الانسانية هي اكبر من كل شيء وهي البعد الاعلى الذي تلتقي عنده الشعوب ولا يختلف حوله احد.
وكان نصير شمة قد اطلق مؤخرا مبادرةنداء الارض التي يحث فيها على زراعة الاشجار مذكرا بخطورة الوضع البيئي عراقيا وعالميا، وقال: حسب دراسات موثوقة فان العراق بحاجة الى زراعة 10 الى12 مليار شجرة، حتى تتنفس الاوكسجين الذي نحتاجه..لهذا لا بد من مبادرات شعبية لتحقيق هذا الامر والا فسوف تنقرض الحياة في البلد.
وفيما يلي نص الحوار:
رووداو: كيف وجدت اقليم كوردستان ومدينة السليمانية؟
نصير شمة: السليمانية اعادتنا الى سنوات الثمانينات عندما كنا طلبة ونزورها ونحيي فيها بعض النشاطات الثقافية، واليوم، مع مهرجانها (موسيقى الشعوب)، تستعيد هذه المدينة صورتها الحقيقية كعاصمة ثقافية لاقليم كوردستان العراق، وهذا اللقب تستحقه بجدارة، ذلك ان هذا المهرجان قدم تنوع موسيقي وثقافي لشعوب العالم، كما ان الانفتاح الذي لمسته وفي تقبل الآخر أزاح صورة ما حدث في السنوات الاخيرة في بعض مدن العراق الاخرى.. هذا حدث من خلال الحوارات والدراسات والشخصيات الفكرية والثقافية التي حضرت وتحضر الى اقليم كوردستان في السنوات الاخيرة، والحاضرة اليوم خلال هذا المهرجان، استطاعت ان تلقي بافكارها الناضجة جدا في مجال الحوار وتقبل الاخر وهذه انعكست على الجيل الذي يدير الاوضاع في السليمانية وباقي مناطق اقليم كوردستان، وهو جيل متعلم ومتنور، ونستطيع اليوم ان نفتخر بمدينة السليمانية التي تلاقي بغداد بثقلها الثقافي وتتواصل مع الاخر بعيدا عن اي ادعاءات قومية او عرقية او دينية او اي شكل من اشكال التمييز، بل ان الحوار مع الاخر يتم اعتمادا على ثقافته وافكاره وعلمه، وهذا ما لاحظت وجوده لدى الجمهور واصبح سمة في المجتمع الكوردستاني، وهذه نقطة مهمة جدا وفي غاية الايجابية وهي ان الانسان يتحرر من العقد القومية والعرقية والدينية والمذهبية ويذهب الى البعد الاكثر سعة وهو البعد الانساني.
رووداو: الا تعتقد ان تجذير الحوار الانساني هي احدى مهمات الموسيقى، لا سيما وانك من من اشتغل كثيرا على هذا الموضوع؟
نصير شمة: انا اؤمن بان هذه مهمتنا كلنا، مهمتنا جميعا وفي مقدمتنا الاعلام المؤثر جدا.. نعم نحن نعتز بثقافتنا جدا وبأزايائنا وموسيقانا، لكننا نعتز بالاخر ايضا، لا نرى انفسنا باننا أكثر اهمية من الآخر، ولا الدين او القومية هي الاهم ، كل هذا مهم في سياق لا يضر بالآخرين لهذا لا بد من ان نعلي من شأن الحوار حتى يفهم الجيل الجديد بان المسالة الانسانية هي اكبر من كل ما ذكرناه آنفا وهي البعد الاعلى الذي تلتقي عنده الشعوب ولا يختلف حوله احد.. الاختلاف يحدث عندما نذهب الى صغائر الامور، عندما يدعي احد بان دينه وقوميته ومذهبه ولغته هي الافضل.. لا نحن لسنا الافضل بل نحن بشر مثل غيرنا في اية منطقة في المعمورة، وما يميزنا عن الاخرين هو حجم عطائناوانسانيتنا ودورنا في التأثيرالايجابي انسانيا، وليس اكثر من ذلك.
رووداو: في محاضرتك في(ملتقى السليمانية للثقافة والفن) التي اقيمت بالجامعة الاميركية في السليمانية، على هامش مهرجان موسيقى الشعوب، ذكرت باننا نتمتع بما اسميته ب جينات ما بين النهرين، ما هذه الجينات؟
نصير شمة: نحن كعراقيين محظوظين جدا..وضع تحت محظوظين عشرة خطوط لاننا ولدنا في مكان هو منجم للجينات المتلاقحة حضاريا وفيها ثمان حضارات عظيمة وكل حضارة ساهمت بالتطور الذي تعيشه اليوم البشرية في كل مكان بالعالم وهذا كلام بلا شوفينية بل فيه شعور بالمسؤولية، يعني انا لا اناقض نفسي، ان تعتز بما تملك وتعرف اين تقف هو غير ان يكون سلكوكك متعالي بما تملك، نحن نعرف ان عمرة الجينة هو 50 الف عام حتى تتغير، وهذه المدة لم تنهي مضى منها 5 الاف عام وما زلنا نحتفظ بجينات الحضارات السومرية والاكدية والبابلية والآشورية والعباسية وكل ما له علاقة بالتطور الحضاري وحتى يومنا هذا..هذه الجينات موجودة عندك وعند ابنائك وستبقى عند احفاد احفادك حتى لو ولدوا في دولة اخرى غير العراق هذا بحد ذاته مسؤولية وليست منة على الانسانية.
حفلة قلعة اربيل
رووداو: تتحدث باستمرار في وسائل الاعلام عن حفلة قلعة اربيل..هل تعتبرها متميزة الى هذا الحد؟
نصير شمة: نعم وجدا..كونسرت قلعة اربيل الذي اقيم برعاية ودعم من شبكة رووداو، كان حفلة متميزا والجمهور حتى اليوم يتحدثون عنه باعجاب كبير وكذلك عن قلعة اربيل باعتبارها اقدم مستوطن بشري .. ويطلبون في غالبية حفلاتي الموسيقية معزوفة (مدن النرجس) التي تابعوها عبر الفضائيات ووسائط التواصل الاجتماعي، وهو عنوان مؤلفتي الموسيقية التي عزفتها في حفلة القلعة، والنرجس الزهرة البرية التي تتميز بها كوردستان العراق وجباله ولهااهميتها في ثقافتنا وحياتنا الاجتماعية ..الموسيقى اسرع طريق للتأثير في الاخرين وتعريفهم بالمدن والثقافات الاخرى، وهذا ما حدث بعد حفلة قلعة اربيل اذ غالبا ما يسالني الجمهور العربي والغربي عن تاريخ هذه القلعة وعن موقع مدينة اربيل.
رووداو: انتشرت بيوت العود التي اسستها في العالم العربي..فمتى يكون بيت للعود في اقليم كوردستان؟
نصير شمة: كان اول بيت للعود في مصر 1998، ثم ابو ظبي 2008، والاسكندرية 2011، وبغداد 2018 والخرطوم 2020، ثم الموصل 2022 والرياض 2023، اما في اقليم كوردستان فقد تم طرح مشروع انشاء بيت للعود في قلعة اربيل، وبالفعل تم اختيار دار في قلعة اربيل لكن للاسف لم تتم متابعة الموضوع من قبل المختصين والمسؤولين هناك وانا بطبعي ابادر واقدم الافكار ولكن عندما لا اجد الطرف الاخر مهتم انسحب حتى ياتي الوقت المناسب للتنفيذ، واليوم نفكر ان يكون بيت العود في اقليم كوردستان في السليمانية ولا يوجد فرق بينها وبين اربيل.
الحزن والتأليف الموسيقي
رووداو: هل التأليف الموسيقي عند نصير شمة مرتبط بحالة وجدانية خاصة ام بوضع معين يرتبط بحدث ما؟
نصير شمة: في كل حفلة اتهيأ واعمل وكانني اعزف للمرة الاولى واقابل الجمهور لاول مرة، لا اعرف ان أؤلف وانا فرحان، دائما يجب ان يكون هناك ما يشغلني ويقلقني ويوجعني واتخلص منه في تناوله موسيقيا لاتحرر منه، واحيانا اكون حزين جدا واضع موسيقى مفرحة جدا حتى اهرب الى منطقة اخرى تاخذني اليها الموسيقى.
رووداو: المعروف ان جمهور آلة العود نخبوي وليس جمهورا عاما، لكن جمهورك من نوع آخر، هو جمهور عام يحضر حفلاتك ويتابع مؤلفاتك حتى الصعبة منها، هذا ما حدث ويحدث في جميع حفلاتك الموسيقية؟
نصير شمة: انا اعتقد ان لكل انسان دور في الحياة وعليه ان يمارسه بافضل طريقة ويستثمره بدون ان يسيء للموسيقى، نعم مثلما ذكرت صديقي، هناك اعمال موسيقية صعبة لكن الجمهور العام يتابعها باهتمام. منذ دراستي في معهد الدراسات النغمية (الموسيقية) كنت ارصد علاقة اساتذتي، الذين حرصت على حضور حفلاتهم ، مع جمهورهم، واسجل مواقع الخلل في هذه العلاقة وادون ملاحظاتي. ووجدت ان اولى هذه المشاكل هي عدم الاحساس بالجمهور. انا اعتبر العزف امام الجمهور يمنحني طاقة ايجابية، وكذلك يستقبل مني الجمهور طاقة مماثلة، واستطيع التحكم بهذه الطاقة خلال بثها للجمهور..وادرك تماما انه اذا حدث سوء في التواصل مع الجمهور فسوف يتركون القاعة او ينشغلون بالموبايل..دراستي النفسية للجمهور حددت مساري وعلاقتي معهم وعلي ان اختار بين ان اخسر الجمهور او اكسبه وبالتاكيد انا اجتهد لكسبه للاستمتاع بالعزف وانا اشعر انهم سعداء ومتفاعلين مع موسيقاي.. الاحساس بالجمهور مهم جدا حتى وانا على المسرح ممكن ان اغير تسلسل البرنامج من اجل الحفاظ على الايقاع المتصاعد للحفل وهذا ما اقوم به دائما.
رووداو: ذكرت في اجابتك على السؤال السابق اساتذتك..من هم اساتذتك؟
نصير شمة: انا اعتبر اي موسيقي عمله وانجازه يصمد ويبقى لاكثر من عشرين سنة هو استاذ، حتى زملائي الذين كنت ادرس معهم او من الاجيال التي سبقتني هم اساتذة بالنسبة لي..اما اساتذة العود ففي مقدمتهم منير بشير وروحي الخماش وسلمان شكر الذي حالفني الحظ باللقاء به في لندن وبغداد، وسالم عبد الكريم وعلي الامام، وللاسف لم التق الاستاذ جميل بشير الذي رحل مبكرا.
موسيقى ومبادرات
رووداو: كيف توفر الوقت للتأليف الموسيقي واقامة الكونسرتات في انحاء مختلفة من العالم، وادارة مبادراتك الانسانية والبيئية؟
نصير شمة: هذا محور نقاشاتنا العائلية مع زوجتي الشاعرة لينا الطيبي التي ترى بضرورة تفرغي للتأليف الموسيقي وللحفلات الموسيقية ، فاقول لها مازحا لو اني ولدت في النمسا لما احتجت العمل على تطوير ساحاتها مثلما افعل مع ساحات بغداد ، ولو كنت قد ولدت بالمانيا ما كنت سانشغل بهموم النازحين وسكنهم وحياتهم لان ما عندهم مهجرين، هذا قدرنا كعراقيين .. العراق تم قصفه بكل انواع القنابل والصواريخ وجربت علينا كل انواع الاسلحة المحرمة والمحضورة في الحروب، ومنها اليورانيوم المخضب في البصرة. انا ارعى جمعية لمعالجة الاطفال واكتشفنا حالات نادرة في الموصل حيث يولد اطفال يعانون من وجود ثقوب في القلب وبنسبة كبيرة، كل 30 طفل ناخذهم للهند هناك 19 منهم من الموصل. اما مبادراتي البيئية فكل ما يحدث من مشاكل بيئية هي بفعل سوء استخدام الانسان للبيئة والارض بدأت ترفض ما يحدث فوقها وتلفضنا وتطردنا اذا بقينا هكذا لذلك بادرت بنداء الارض او ازرع شجرة بدأتها في الكوت ثم الموصل والنجف ثم السليمانية بمشاركة الرئيس برهم صالح، وارى ان واجب اي شخص اليوم هو ان يزرع شجرة او اكثر والا فسوف تنقرض الحياة على كوكب الارض. وليعلم الجميع بان العراق وحسب دراسات علمية بحاجة الى 10 او 12 مليار شجرة حتى نتنفس الاوكسجين الذي نحتاجه ، لكن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، اطلق مبادرة زراعة 5 مليون شجرة ووزارة الزراعة العراقية عاجزة بسبب قلة التخصيصات المالية عن توفير اكثر من 3 ملايين شجرة ..لهذا وصلت درجة الحرارة خلال هذا الصيف الى اكثر من 50 درجة مؤوية وستصل في الصيف القادم الى اكثر من 50مؤية، لهذا لا بد من مبادرات شعبية لزراعة الاشجار، وهذا ما اعمل عليه مع وزارتي التربية والتعليم العالي.[1]