ماريا بيتكوفا، صحافية بلغارية تغطي أحداث الشرق الأوسط، والبلقان، وأوروبا الشرقية.
عملت روسيا على إقامة علاقات رسمية مع حكومة إقليم كردستان العراق بفتح قنصلية لها في أربيل، بعد عامين من إقرار الدستور العراقي للعام 2005 الحكمَ الذاتي للإقليم الكردي في شمال العراق. كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران وتركيا -في ذلك الوقت- اللاعبين السياسيين والاقتصاديين الرئيسين في المنطقة الغنية بالنفط، التي تحتفظ باحتياطيات مؤكدة تبلغ نحو 45 مليار برميل (المرتبة العاشرة على مستوى العالم)، ونحو 2.8 إلى 5.7 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من أن روسيا لديها سجل حافل بعلاقات “تأريخية” مع القيادة الكردية (مصطفى البارزاني، والد رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني، الذي قضى 12 عاماً في المنفى في الاتحاد السوفيتي)، لكن يبدو أن هناك مساحة صغيرة لأداء دور رئيس هناك. وحينما أرسلت شركات الطاقة الروسية في بداية عام 2010 وفوداً للتحقيق في صفقات نفطية محتملة؛ أثار ذلك قلق الشركاء الغربيين لحكومة إقليم كردستان. ويرى دبلوماسي روسي سابق أن الخارجية البريطانية كانت قلقة جداً من ذلك.
وأعرب مسؤولون بريطانيون -في محادثات عام 2012- عن قلقهم من دخول الشركات الروسية إلى قطاع الطاقة الكردي لإمكانية أن تتسبب في متاعب تتمثل في منح حكومة إقليم كردستان دعماً سياسياً يتعارض مع الإجماع المشترك بين المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وتركيا، وإيران بأن الأكراد يجب أن يبقوا جزءاً من العراق.
وقد وقعت شركة الطاقة الروسية العملاقة (غازبروم) عقداً للتنقيب عن النفط وإنتاجه في حقلين بالإقليم، وبعد عام واحد فقط قام رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني بزيارة رسمية لموسكو استغرقت أربعة أيام، والتقى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التنفيذي لشركة غازبروم أليكسي ميلر.
وقد أثبتت مخاوف وزارة الخارجية البريطانية بعد أربع سنوات ما يبررها، بعد سلسلة من صفقات الطاقة التي أبرمتها شركة روسية أخرى للطاقة هي (روزنفت) في عام 2017 مع حكومة إقليم كردستان المثقلة بالديون، وأنقذتها من الانهيار الاقتصادي، وساعدتها على اكتساب نفوذ سياسي كافٍ لمتابعة استفتاء الاستقلال في 25 أيلول من ذلك العام، بالضد من نصيحة جميع حلفائها المقربين ومن ضمنهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها “روزنفت”، التي يُنظر إلى الرئيس التنفيذي لها (إيغور سيشين)، على أنه واحد من أقرب حلفاء بوتين السياسيين، ل”نجدة” حكومة أجنبية تعاني من ضائقة مالية وضغط سياسي، فقد ساعدت تلك الشركة -خلال السنوات القليلة الماضية- في الاستثمار بكثافة في فنزويلا المنكوبة بأزمة، على الرغم من خسارتها ملايين الدولارات في تلك العملية، وساعد استثمار روزنفت بنحو فعال حكومة الرئيس نيكولاس مادورو في بقاء روسيا حليفاً مخلصاً لفنزويلا الواقعة في “الفناء الخلفي الأمريكي”. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكرملين متهم منذ زمن بعيد باستخدام شركات الطاقة المملوكة للدولة كأدوات سياسية.
تبدو المكاسب الدبلوماسية الروسية، في الاقليم الكردي في شمال العراق، محدودة جداً بسبب عدم اليقين السياسي والعوائق التنظيمية والتقنية، ولم تحقق روزنفتأرباحاً تذكر بعد أن استثمرت أكثر من 4 مليار دولار في صفقات النفط والغاز، بحسب ما ذكرته مصادر لقناة الجزيرة.
فما الذي استفادته روسيا بعد عامين من إبرام صفقات روزنفت مع حكومة إقليم كردستان فيما يمكن تسميته بالمقامرة؟
“نجدة” #حكومة إقليم كردستان#
كانت حكومة إقليم كردستان في عام 2016 تعاني من أزمة سياسية واقتصادية حادة؛ بسبب الحرب ضد تنظيم داعش، وهو ما تسبب في انعدام الأمن وتحمل عبء مالي كبير، ولاسيما بعد انخفاض أسعار النفط في عام 2014؛ مما أدى إلى انخفاض الإيرادات، وتصاعد الخلاف مع بغداد حول الحق في تصدير النفط بنحو مستقل؛ وأدى ذلك الى خفض المدفوعات من الموازنة الاتحادية.
وبينما كان الإقليم الكردي يتأخر عن ركب الإنجازات الاقتصادية الكبرى بعد العام 2003، ازداد الغضب الشعبي كثيراً، وأثار الركود الاقتصادي وانخفاض الرواتب احتجاجات شعبية غاضبة في جميع أنحاء الإقليم.
وبعد أن وصلت الديون إلى ما بين 20 إلى 25 مليار دولار (أعلى بكثير من حجم اقتصادها)، بدأت الخيرات تنفد من جعبة حكومة إقليم كردستان لإنقاذ نفسها من الإفلاس؛ وهذا الأمر حدا بحكومة إقليم كردستان، في عام 2016 إلى تقديم أصول نفطية كبيرة إلى تركيا، مقابل إعفائها من مبلغ ديون بقيمة 5 مليارات دولار، فعلاً عن مليار دولار نقداً. وقد عرضت صفقات نفط كبرى للشركات الأمريكية، ولكن يبدو أن الأتراك والأمريكيين مترددين في تناول المعروض.
وقد توجه رئيس الوزراء نجيرفان البارزاني في شهر حزيران، إلى روسيا لحضور منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي، وهو الحدث الاستثماري الرائد للرئيس بوتين، والتقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لمناقشة “تطوير العلاقات في قطاع النفط والغاز”.
ثم حدث بعد سبعة أشهر، في 21 شباط من ذلك العام، أن انضمت شركة روزنفت إلى شركة غازبروم مستثمراً رئيساً في الأقليم الكردي، عبر توقيع صفقة بقيمة 2.1 مليار دولار مقابل نفط مدفوع سلفاً للمدة 2017-2019، وأصبحت أول شركة نفط رئيسة تقدم تمويلاً بهذه الصيغة؛ كل ذلك لأن حكومة اقليم كردستان كانت بحاجة ماسة إلى النقد.
يقول بلال وهاب – زميل معهد واشنطن في الولايات المتحدة- إن هذه الأموال قد ساعدت في تجنب كارثة مالية كبرى وإحراج دولي لحكومة إقليم كردستان عبر تمكينها من تسوية نزاعها مع شركة (دانة غاز وكريسنت بتروليوم)، قبل جلسة أخرى في محكمة لندن للتحكيم الدولي، كانت مقررة في صيف ذلك العام. ودفعت السلطات الكردية مليار دولار للشركات الإماراتية، وأعادت هيكلة المبلغ المتبقي البالغ 1.24 مليار دولار. وأشار وهاب إلى أن الصفقة قد وفّرت بعض الشرعية لعمليات تصدير النفط لحكومة إقليم كردستان، التي لطالما ادعت بغداد أنها غير قانونية ودون إذن رسمي منها.
ثم حضر نجيرفان البارزاني في الثاني من حزيرانمرة أخرى قمة سان بطرسبرغ، ووقع عدداً من الاتفاقات مع شركة روزنفت؛ مما مهّد الطريق لثلاث صفقات أخرى، بما في ذلك مشاريع بقيمة 400 مليون دولار لخمس مناطق للتنقيب في شمال غرب الإقليم الكردي.
وأعلنت حكومة إقليم كردستان في الثامن عشر من شهر ايلول -أي قبل أسبوع واحد فقط من موعد إجراء استفتاء الاستقلال- أنها وقعت عقداً مع الشركة الروسية لتطوير مشروع خط أنابيب الغاز في المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي باستثمار مخطط له بقيمة مليار دولار. ويقضي المشروع بإنشاء خط أنابيب بسعة 30 مليار متر مكعب سنوياً لربطه بشبكة الغاز التركية وتصدير الغاز الكردي في النهاية إلى أوروبا.
ثم أعلنت حكومة إقليم كردستان، بعد ثلاثة أيام من سيطرة القوات الموالية لبغداد على مدينة كركوك الغنية بالنفط، أنها باعت حصتها البالغة 60% في الشركة التي تدير خط أنابيب النفط في المنطقة لصالح شركة روزنفت، كجزء من شركة خط أنابيب كبرى بقيمة 1.8 مليار دولار.
تزامنت كل تلك الصفقات مع التزام غير رسمي بتوفير دعم سياسي من قبل موسكو، بحسب الدبلوماسي الروسي السابق. وعلى الرغم من إعلان روسيا رسمياً موقفها المحايد تجاه الاستفتاء، إلا أن الكرملين أوضح بنحو غير رسمي أنه سيقف إلى جانب مسعود البارزاني، وهو ما أعطى بعضاً من الثقة للقيادة الكردية لمواصلة التصويت في 25 أيلول، على الرغم من التحذيرات الخطيرة من قبل بغداد.
إن حقيقة توقيع عدد من الصفقات وسط حالة من عدم اليقين وانعدام الأمن أمر لم يسبق له مثيل في الاقليم الكردي، وقد حدث ذلك بعد سيطرة أربيل على كركوك الغنية بالنفط (تمثل نحو 40% من صادرات النفط الكردي)، وأظهر أن روسيا بقيت وفيّة لالتزاماتها. كما أبلغ مسؤول كبير في حكومة إقليم كردستان قناة الجزيرة، قائلاً: “كانت أن روسيا أنقذتنا من هذا الوضع السياسي والاقتصادي الخطير”.
وعلى الرغم من أن ذلك أزعج حلفاء حكومة إقليم كردستان الأمريكيين والأوروبيين، إلا أن الدعم الروسي ساعد الإقليم على التغلب على عزلته السياسية الدولية في تلك المدة الصعبة، والبدء في إعادة بناء اقتصاده المدمر. وأدت المساعدة المالية التي قدمتها شركة روزنفت إلى تعزيز قطاع الطاقة في الإقليم؛ مما سمح بالتسوية مع شركة دانة غاز وشركة نفط الهلال للبدء في الاستثمار مرة أخرى في الإقليم الكردي، وتوسيع طاقته الإنتاجية من الغاز.
وكان لحكومة إقليم كردستان أيضاً نفوذ كافٍ لبدء المفاوضات مع بغداد، وأرسلت الحكومة العراقية في شهر آذار أموالاً لتسديد رواتب موظفي الاقليم لأول مرة منذ العام 2014.
مكاسب روسيا المراوِغة
بينما كانت حكومة إقليم كردستان تجني ثمار تلك الصفقات، لم يتحقق ايٌ من مكاسب روسيا وشركة روزنفت من هذا الاستثمار عالي المخاطر بالكامل. ليس هذا فقط، بل إنه أدى أيضاً إلى إثقال عملاق الطاقة الروسي بالديون في وقت كان فيه الاقتصاد الروسي قد خرج حالاً من ركود استمر لعامين، وبلغت الخسائر نحو 17 مليار دولار في العام 2017، ووصلت الديون بحلول العام 2018، إلى 55 مليار دولار؛ الأمر الذي أثار قلق المستثمرين.
ويبدو أن الإنجاز الرئيس لاستثمارات روزنفتفي الإقليم الكردي هو تأمين عقد خط أنابيب الغاز في شهر أيلول 2017.ويرى مسؤول من وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان أن دخول روزنفت إلى قطاع الطاقة الكردي يرتبط “بالغاز وليس النفط”. وقال المسؤول لقناة الجزيرة -في إشارة إلى مشروع خط أنابيب كان من المفترض أن يزود دول جنوب شرق أوروبا بمصدر بديل للغاز وتقليل اعتمادها على واردات الغاز الروسي-: “لقد أرادت روسيا فقط أن تحتفظ بحقها في تطوير خط أنابيب الغاز [إلى أوروبا]. ومع فشل نابوك جاءت روسيا، واللوم هنا يقع على الأوروبيين”.
تحتكر شركة غازبروم حالياً صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا. ويقول صالح يلماز -المحلل في موقع بلومبرغ إنتليجنس- إن روزنفت تسعى -عبر تأمين صفقة الغاز مع حكومة إقليم كردستان- إلى زيادة صادرات الغاز الخاضعة للسيطرة الروسية إلى أوروبا، ولتحدي غازبروم.
وأضاف يلماز لقناة “الجزيرة”: “إن جلب الغاز الطبيعي الكردي إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا ربما يكون أفضل رهان لروزنفت لمنافسة احتكار شركة غازبروم لتصدير الغاز، وهو أمر تضغط روزنفت وشركائها على الحكومة الروسية لإنهائه”.
إن امتلاك شركة روزنفت 30% من حقل غاز زوهر المصري في البحر الأبيض المتوسط، وهي صفقة أُبرمت في تشرين الأول 2017، بعد أسبوعين فقط من توقيع عقد حكومة إقليم كردستان، يعكس أيضاً هذه الطموحات. وعلى الرغم من أن كلتا الشركتين مملوكتان للدولة، إلا أنه يُعتقد أنهما مدفوعتان بمصالح القلة المتباينة داخل النخبة الاقتصادية الروسية.
ويقول يلماز إن تطوير مشروع خط أنابيب الغاز في الإقليم الكردي قد يستغرق بضع سنوات في ظل ظروف مثالية، ولكن التوترات المستمرة في المنطقة، وحقيقة أنه لا يوجد طلب فوري، وعاجل على مثل هذه الصادرات من الغاز، فإن الأمر سيستغرق وقتاً أطول بكثير.
هناك عقبة رئيسة أخرى أمام إتمام ذلك، وإتمام الصفقات الأخرى التي وقّعتها روزنفت مع حكومة إقليم كردستان، التي رفضت بغداد الموافقة عليها منذ إبرامها.
وقد زعمت الحكومة العراقية منذ مدة طويلة أن حكومة إقليم كردستان لا تمتلك الحق في بيع النفط من جانب واحد، فيما أجابت أربيل على ذلك بالإشارة إلى أن المواد ذات العلاقة بالدستور العراقي يسمح لها باستغلال الموارد الطبيعية على أراضيها.
نجحت الحكومة العراقية المركزية في السابق في تقويض تجارة النفط لحكومة إقليم كردستان أكثر من مرة، حينما حكمت محاكم أمريكية وكندية لصالحها، وحظرت محاولات البيع. ورُفِعت دعاوى قضائية في كل من المحاكم الدولية والمحلية بغية منع حكومة إقليم كردستان من تصدير النفط عبر خط أنابيب كركوك-جيهان، وهو ما ساعد في نفور شركات النفط الكبرى من العراق بسبب التحديات التنظيمية.
لقد أدى عدم وجود اتفاق نهائي بين بغداد وإربيل حول مسألة تنمية موارد الطاقة وتحويل الإيرادات الى جعل الوضع الفعلي لصفقات شركو روزنفت غير مؤكد. وعندما سُئل عاصم جهاد، المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط العراقية، عن الموقف الرسمي للحكومة العراقية بشأن عقود روزنفت، ذكر أن “الحكومات الفيدرالية المتعاقبة كانت قد أبدت تحفظاتها ومعارضتها ورفضها لأنشطة حكومة إقليم كردستان عبر تصدير النفط و إبرام العقود، وأن هذه الحكومة تعتزم حلّ هذه المشكلة من خلال الحوار الجاد”.
ويفيد هوشيار علي -رئيس العلاقات الدبلوماسية في حركة التغيير الكردية المعارضة- بأن حكومة رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي -التي تدفع حتى الآن باتجاه التفاوض مع الأكراد- حكومةٌ غير مستقرة وتفتقر إلى كتلة برلمانية تدعمها، وأشار إلى أن انهياراً محتملاً لها قد يعرقل الجهود الحالية للتوصل إلى اتفاق مع أربيل وتقويض صفقات روزنفت.
وأضاف علي: “من أجل التوصل إلى اتفاق دائم بشأن مسألة النفط على وجه التحديد -وهي رفض بغداد لجميع الصفقات التي وقعتها حكومة إقليم كردستان مع الشركات الأجنبية- فيجب أن يكون لدينا أولاً قانون للنفط والغاز في بغداد، وبعدها يمكن حل جميع المشاكل في ضوء الدستور، والقبول أو رفض تلك الصفقات.”
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الكردية قد زعمت أن روسيا تتوسط بين أربيل وبغداد، إلا أن عدداً من المسؤولين والمراقبين المقربين قد أكدوا لقناة الجزيرة أن موسكو لديها تأثير سياسي محدود في العراق، بما في ذلك في الاقليم الكردي، لأن الولايات المتحدة وإيران هما الوسيطان القويان هناك، تليهما تركيا والمملكة المتحدة. وهذا الأمر يشير الى حقيقة أن صفقات روزنفت التي أنقذت حكومة إقليم كردستان، لم تكن كافية لزعزعة ميزان القوى الذي اتفق عليه البلدان اللذان قادا حملة الغزو عام 2003، وجيران العراق الأكثر نفوذاً.
وقد تجلّت محدودية النفوذ الروسي في العراق عبر الاتفاق المؤقت الذي توصلت إليه أربيل مع بغداد في منتصف شهر تشرين الثاني 2018، لإعادة ضخ كمية من النفط (100.000 إلى 500.000برميل يومياً) من حقول نفط كركوك عبر خط الأنابيب الكردي إلى تركيا، وهو اتفاق ضغطت الولايات المتحدة من أجل إبرامه، وذلك لوضع حد لاتفاق أبرمته بغداد مع طهران، في محاولة لتجنب استخدام خط الأنابيب الكردي. وقد وافقت الحكومة العراقية على شحن نفط كركوك عبر الشاحنات إلى مصافي التكرير الإيرانية في الشمال مقابل تسليم النفط الإيراني إلى موانئ العراق الجنوبية، وإن كان الامتثال التام للحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران يعني ضرورة إلغاء هذه الصفقة، فستضطر بغداد إلى استئناف الصادرات عبر خط أنابيب كركوك-جيهان.
يدرك الروس أن وضع عقود روزنفت ما يزال موضع شك، وأن جهود الوساطة الأمريكية بين بغداد وإربيل تثير قلقهم؛ لأنهم يخشون على مصالحهم.
إن حقيقة أن حكومة إقليم كردستان قد فقدت سيطرتها على كركوك الغنية بالنفط، لم تخفض صادراتها إلى النصف تقريباً فحسب، بل إنها قلصت الإيرادات المحتملة لشركة روزنفت من حصة خط الأنابيب الذي تمتلكه، مثلما سلطت الضوء على مسألة تسديد مستحقاتها بالكامل. وقد أبلغ نيجيرفان بارزاني، في شهر آذار 2018، وسائل الإعلام أن أحد الشروط لاستئناف حكومة إقليم كردستان هو تحويل جميع الأموال من صادرات النفط إلى بغداد هو دفع الرسوم الجمركية إلى روزنفت لاستخدام خط الأنابيب.
أما الحقيقة فهي أن صفقة تشرين الثاني لم تتضمن بنداً لدفع رسوم جمركية لشركة روزنفت. ويشير ديلشاد شعبان -النائب السابق لرئيس لجنة النفط والغاز في البرلمان الكردي- إلى أن دفع الرسوم الجمركية بانتظار التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي بين أربيل وبغداد. ويقضي الاتفاق بين روزنفت وحكومة إقليم كردستان، على أن تحصل الشركة الروسية على دولار ونصف للبرميل الواحد، فضلاً عن دولار واحد للبرميل المخزن في الميناء وتكاليف إضافية أخرى.
وقد يكون من الصعب تحقيق صفقة روزنفتللرقع الاستكشافية الخمس في الجزء الشمالي من الإقليم الكردي. ويرى جوفاند شيرواني -خبير النفط والأستاذ في جامعة جيهان بأربيل- أن التنقيب عن النفط في الإقليم الكردي خطر جداً لأنه ليس هناك سوى القليل من الدراسات المتاحة عن المنطقة، وليس هناك ما يضمن أن شركة تستثمر مئات الملايين من الدولارات في رقعة استكشافية غير مؤكدة. وبدأت شركات كبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون، قبل توقيع رونفتمباشرة على هذه الصفقة، الانسحاب من الرقع الاستكشافية التي حققت عائدات مخيبة للآمال، وجرى التخلي عن 19 رقعة استكشافية بين عامي 2014، و2016.
ويبدو أن واحدة فقط من الصفقات التي عقدتها روزنفتفي عام 2017، قد بدأت في تحقيق بعض الإيرادات، وبدأت حكومة إقليم كردستان نقل النفط إلى الشركة الروسية بعد شهرين فقط من توقيع صفقة بقيمة 2.1 مليار دولار، ويُفترض أن يتم تصدير ما بين 15 إلى 25 مليون برميل سنوياً للمدة من 2017-2019. غير أن روزنفتوحكومة إقليم كردستان لم تعلنا أرقاماً دقيقة بشأن كمية النفط الكردي التي تم شحنه بالفعل، لكن سيرجي ألكساشينكو -نائب وزير المالية الروسي السابق- أفاد بدفع ما بين 50%-65% من مبلغ ال 2.1 مليار دولار نفطاً. ولم يتم التواصل مع روزنفت ووزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان للتعليق على ذلك.
ويبدو أن استثمار روزنفت في الإقليم الكردي في شمال العراق مقامرة محفوفة بالمخاطر -تماماً مثل فنزويلا-، ويعتمد نجاحه على تطور الوضع الجيوسياسي، الذي تعد الولايات المتحدة اللاعب الرئيس فيه، وقراراتها ستحدد مصير صفقات روزنفت.
وفي حال قررت واشنطن تصعيد حملتها ضد إيران، فإن العراق سيكون واحداً من ساحات القتال الرئيسة التي يمكن للإيرانيين أن يهاجموا فيها، وليس هناك شيء أسهل من زعزعة استقرار حكومة غير مستقرة، وتعبئة ميليشيات موالية لإيران مرة أخرى في البلاد.
المصدر:
https://www.aljazeera.com/indepth/features/russia-krg-gamble-rosneft-iraq-kurdistan-190409123038460.html.[1]