=KTML_Bold=د. محمود عباس: ضلالة القوى الكردستانية=KTML_End=
سأذكركم بمؤامرة ليست بقديمة: في الأعوام الأولى من الصراع السوري، بثت مربعات السلطة الأمنية إلى داخل الحركة الكردية، السياسية والثقافية، مفهوم الصراع بين كرد(الداخل والخارج) لتوسيع هوة الخلافات بيننا، وإسكات صوت المعارضة السياسية الخارجية، فصدرت على أسسها صكوك الغفران، لكل من في الداخل، بأنهم وطنيون، والمهجرون أو المهاجرون من الكرد لا يحق لهم التدخل في الأمور القومية، أو القضايا الداخلية على أرض الوطن، وحكموا على جميع من في الخارج بعدم الوطنية، ورافقت الحملة الشعواء هذه الكثير من المصطلحات والكلمات التي أقل ما يقال عنها ساذجة، حتى أنهم تناسوا منطق عدم الشمولية في الحكم. وحينها نبهنا الإخوة في الداخل، وبينا لهم وباستقراء لمسيرة الأحداث، وبناء على معلومات، من يقف وراء الحملة الشعواء، والأغرب أن بعض السياسيين في الداخل سكتوا على مضض، والبعض حرضوا المجتمع لتأجيجها، وحينها أخذت منا مقالات عديدة ورسائل شخصية، ونداءات مفتوحة وخاصة، إلى أطراف حزبية منددين بها، ومن المؤسف أن بعض الأقلام الخيرة سقطت في خضم الخدعة، وكانت نتائجها مؤلمة. وللعلم أن آثارها لا تزال موجودة، وبعض الأطراف السياسية الكردية لم تتعافى منها حتى اللحظة، وخاصة المتحكمة بالسيطرة في الداخل، أو تلك التي لا تزال تتلقى نفس المفهوم من نفس الجهات الإقليمية، راضخة أو بقناعة ساذجة.
ونحن هنا لسنا بصدد إيقاظ الفتنة، بل ذكرناها لتنبيه الإخوة، وخاصة الأقلام الواعية قبل السياسيين، أن مؤامرة أخرى تعوم على السطح، أو زوبعة لا تقل عن المذكورة خباثة، وأوسع تأثيرا على الساحة الكردستانية، وهي تحريض غير مباشر لمهاجمة الشريحة السياسية والثقافية، التي تنأى الضلوع في الكارثة القومية والوطنية الجارية، والمجانبة للصراع المهلك، والمعالجة لها بحذر، والتي لا تسمح لذاتها بالسقوط في حلقات التلاسن والتخوين، مدركة منابع المؤامرة، فيتهمونها بالتخاذل أو بالجبن أو بالانتهازية في المواقف! أو في أقله يعاتبونها لاختيارها الموقف الحكيم، والتي تنحصر في التنبيه والإرشاد. بل ويتناسى بعض الإخوة أن جميع القوى الكردية المتصارعة تشترك في الضلالة، وأن الموقف الوطني، هو بالعمل على تقليل الخلافات وتهدئة الصراع بالطرق الحضارية، والتي لن تنتهي مادام هناك عدو يتحكم بمصيرها، وعليه فمن واجبنا أن نوجه شرور أقلامنا وانتقاداتنا لمنابع الفساد، وهي واضحة. ومن المؤسف ثانية، أن هؤلاء الإخوة يتناسون الآمر المسبب وينهشون في الأدوات.
لسنا هنا بصدد من المذنب ومن البريء، من أطراف الحركة الكردستانية، أو الحركة الكردية في سوريا، ولا نشك بأنه عند كل خلاف يوجد مذنب، والبراءة نسبية، لكنه، غير منطقي تطبيقه على مسيرة الحركات التحررية، فأبسط الخلافات بينهم تضعفهم، ولا تؤدي إلى صعود طرف على حساب الطرف الآخر، بل هذا النوع من الحكم في مراحل النضال التحرري تزيد من قوة الأعداء، وتميت الحركة التحررية، وكم من المرات استخدمت السلطات الاستعمارية والمحتلة هذا الأسلوب للقضاء على أكبرها قوة، ولدينا نحن الكرد العديد من هذه الأمثلة، فتاريخنا غارق وذاخر بها، وكأننا بطرق تآكلنا الداخلي الجاري، على أبواب تجديد لماضينا المأزوم، في هذه المرحلة العصيبة، وكلنا نعلم أنها أحد أهم العوامل التي أدت إلى عدم تحرير كردستان.
لم نجد مثالاً في التاريخ لحركة تحررية منتصرة بعد التآكل الداخلي، ونحن هنا نفرق بين الحركات الثورية التي كانت ضمن دول موجودة أصلا، مهمتها تغيير الأنظمة، أو الصراعات الإنسانية والتي وقفت عليها مصير مجموعات بشرية، كالموقف من الصراع بين البيض والسود أو الهنود الحمر في أمريكا، أو في جنوب أفريقيا، وبين الحركات التحررية لشعوب لا تملك وطننا، وتتصارع بين بعضها، وضمن عدة قوى ودول إقليمية معادية حتى الكراهية كشعبنا الكردي.
لا نشك لحظة، بأن التآكل أو الصراع الداخلي، ناتجة من سذاجة سياسية، وعدم قدرة على حل الأمور بمفاهيم حضارية، ولربما لعدم معرفتهم لتلك المفاهيم، يلجؤون إلى الأساليب البدائية في حل الخلافات، وهي ما تسهل على الأعداء بلوغ غاياتهم. ومن مهماتنا كحركة ثقافية توعية هذه الشريحة المتحكمة بالشارع الكردي، وليست تقوية قناعاتهم بأخطائهم، بتقسيم المجتمع الكردستاني، وبالتالي توسيع حدة الصراع، وتهيئة التربة الملائمة لمؤامرات الأعداء.
لا قدرة للقوى الكردستانية، في تسطيح مفاهيم العامة، وزج المجتمع والنخبة في صراعات كارثية ساذجة، بدون سند خارجي، ولا تملك الإمكانيات الكافية، لجذب هذا الكم من الكتاب والأقلام إلى خضم الصراع الداخلي المميت. لا بد وأن ورائها قوى إقليمية معادية للكرد، وتعرف كيف تتحكم بمقدراتهم، وتخترق مجتمعنا وتستغل البيئة المهيأة، وتخلق الجبهات، وتدفع بنا لتكوين الزوبعة المناسبة لأجنداتها، وهذه القوى تدرك ومنذ عقود الإمكانيات الخامة التي يملكها الشعب الكردي، ومدى خطورة حركته، إذا استطاعت استغلال ثرواتها بوعي وأسلوب صحيح، وعلى أساسه يعمل أعداؤنا، لتظل الحركة محاطة بضلالات صواب النهج والسيادة الذاتية، لئلا نصل إلى اجتماع حول القضية المصيرية، أو حتى اتفاق على نقاط معينة.
لا عتب على القوى الكردستانية، فهي في ضلالة، بعضهم عن قناعة لغايات حزبية ذاتية، والبعض أضعف من أن تتمكن من مواجهة هيمنة سلطات القوى الإقليمية، بل العتب على الأقلام التي تتناسى مهماتها، من النقد المنطقي، إلى توعيتها، وخلق الثقة بالذات لديها، وعلى الشريحة التي تتخلى عن واجباتها بالبحث عن الحلول المناسبة لإيصال هذه الحقيقة إلى المجتمع وإبعاده عن التآكل الداخلي، وتغوص مع الأطراف المتنازعة في تعميق الخلافات، وموجات التلاسن والتخوين، وعلى تلك التي لم تعد تجد نفعاً في: تنوير الأحزاب المتصارعة؛ وإرشادهم وتوعيتهم؛ وتركت منطق النقد المتوازن والحاد لكل الأطراف المؤججة للخلافات، وعدم مساعدتهم على الابتعاد قدر الإمكان عن القوى الإقليمية المتآمرة على الكرد.
ونتمنى من الإخوة الكتاب، ومن في الحركة الثقافية، أن تعيد حساباتها، وتدرس هذه المؤامرة بتأني، وحذر، من خارج الصراع الكردي، ومن يقف ورائها، ولماذا، وكيف يجب معالجتها؟ ولا نعني بهذا وقف الانتقادات لأي طرف، أو عدم تعرية أخطائها، وبدورنا سوف نأتي على بعضها، مثلما ذكرناهم بها مراراً.
ولب المعضلة، هي طريقة المعالجة، فأي خطأ ستجرنا أكثر إلى السقوط في هوة المؤامرة. فإننا على قناعة أن كل تصعيد وتوسيع في الخلافات فائدة للإعداء بشكل مباشر، فيجب تهدئتهم وتوعيتهم وفتح أعينهم على المؤامرة، خاصة وأن القوى المتحكمة بأمور الأحزاب المتقاتلة أوصلوهم إلى توازنات متعادلة في القوى السياسية والعسكرية، بحيث لن تكون لأي طرف الغلبة في المدى القريب، بل قد يؤدي الصراع إلى انتهاء كل الأطراف من على الساحة، وبالتالي فجميعنا إما سنخسر معاً أو سنربح معاً، فليعلم الجميع، بأنه لا نجاح لطرف كردي دون آخر، وبوضعنا الساذج الحالي المتصارع، ورغم أننا أدوات بيد القوى الإقليمية أو ربما الدولية، لنا القدرة على تغيير وجهة بوصلتنا في أية لحظة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة ألأمريكية[1]