$الخطاب العربي والقضية الكوردية (4)$
#بير رستم#
ومن المحسوبين على التيار الليبرالي وجماعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وذلك بعد أن زاوجوا بين التيارات الفكرية الثلاث؛ القومي واليساري والإسلاموي ليخرجوا إلينا بتوليفة جديدة من شخصية المفكر العروبوي – الإسلاموي أو ما يمكن أن نسميهم “بالقويسلاميون”– من القوميون اليساريون الإسلاميون – وهم يتحفوننا بين الحين والآخر بإحدى مقالاتهم والتي تحمل قدراً لا بأس به من الحقد والضغينة ومحاولة إلغاء الآخر أو على الأقل تخوينه وربطه بالمشاريع الغربية “الاستعمارية”، هو الشيوعي السابق والمعارض اللاحق؛ الأستاذ ميشيل كيلو. فهذا الرجل ومنذ فترة وبين الفينة والأخرى يقترب من المسألة الكوردية من خلال منظاره العروبوي والذي يجد في الآخر ونمو قوته خطراً عليه وعلى مشاريعه القومجية؛ وإننا لنتذكر مقال له في إحدى الدوريات اليسارية وإبان تحرير العراق من ديكتاتورية الطاغية صدام حسين وزبانيته، حيث تهجم فيه على القيادة الكوردية في جنوب كوردستان، أي كوردستان “العراق” وجعلهم طابور خامس في الجسم العربي وعملاء للغرب وإسرائيل، مما جعل بأحد الأخوة أن يرد عليه ويجعله نصف كيلو وذلك عوضاً عن الكيلو الذي يحمله كنسب ومكنى.
ولكن يبدو أن “حليمة” تعود بين الفترة والأخرى إلى عادتها القديمة؛ فها هو الرجل يحاول مرة أخرى أن يجعل من إقليم كوردستان “العراق”، هدفاً لسهامه المسمومة؛ فهو ينشر مقال له في نشرة “كلنا شركاء” ليوم 20-04-2006 وتحت عنوان “أين ذهب العرب” حول ما يسميه بالدرك الأسفل للانحطاط العربي، فيكتب: “واستهداف العرب ليس جديدا، فقد لاحظناه ككثيرين غيرنا من أبناء هذه الأمة وكتبنا عنه مرات عديدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، التي تلت فشل المشروع القومي الوحدوي وبروز حقبة من التمزق والتناحر طالت مكونات الأمة السياسية وأبنيتها المجتمعية في مختلف بلدانها، وأثارت الخوف لدى المخلصين من أبنائها، الذين لاحظوا تزامن هذا التطور مع ظواهر ثلاث مقلقة هي :
حركات تفكيك وانفصال طالت حدود وأطراف دول عربية عديدة، من شمال العراق إلى جنوب السودان فالصحراء المغربية، صاحبها..”.
نلاحظ بداية أنه هو الآخر لا يعترف بجغرافية كوردستان؛ فيكتب بدلاً عنها “شمال العراق” وليس هذا فحسب بل إنه يتوهم ويوهم القارئ بأن هذه الجغرافية؛ إقليم كوردستان “العراق” جزء من الخارطة والوطن العربي ويحاول “الأعداء”، أي الانفصاليون وبمساعدة الغزو الأمريكي مع جيوش التحالف ومن خلال “استهداف العرب” – والذي هو ليس بجديد عليهم – سلخه واقتطاعه. وهكذا يمكن القول: إن هذه الرؤية والتحليل هي ميزة وسمة مشتركة بين كل هؤلاء المغالين والمتطرفين من أصحاب الرؤوس الحامية والمعبأة بالقومجية اليساروية الإسلاموية، فهم مصرون على عدم رؤية الآخر والاعتراف به ويرون في كل تحركاته وفعله السياسي، مشاريع مريبة تستهدف كينونتهم العنصرية؛ وقد لاحظنا أن الأستاذ ميشيل بدء مقاله بهذه النقطة وذلك حينما كتب: “واستهداف العرب ليس جديدا، فقد لاحظناه ككثيرين غيرنا من أبناء هذه الأمة وكتبنا عنه مرات عديدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة”. إنها العقلية المؤامراتية، حيث – وكما قلنا – ترى في وجود الآخرين وتحالفاتهم تهديداً له. دون أن يجيبوا على سؤال، نعتقد إنه وجيه، لما هم من دون البشر مستهدفون بهذه المشاريع “المؤامراتية”، بل لما هذه الجغرافية والتي تسمى “بالوطن العربي” مستعدة وقابلة للتفكك والتجزئة، إن لم تكن في الأساس حاملة لأسباب الانفصال وذلك نتيجة لاحتلال وغزو جغرافيات أخرى، إبان الدولة الإسلامية وتوسعها على حساب بقية شعوب المنطقة وجعلهم مواليين وذميين فيها.
وهو لا يكتفي بهذه بل إنه يتباكى على زمن الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية المركزية، صاحبة الشعارات و الأطروحات النظرية القومجية، إن كانت ناصرية أو بعثية، فها هو يكتب: “دخلنا في حقبة جديدة معاكسة للحقبة التي جاءت باستقلالنا بعد الحرب العالمية الثانية، خسرنا خلالها الكثير من قرارنا الحر، وتخلينا عن حلم الوحدة القومية، وطوينا حقبة الرهان على الذات، وأحللنا برامج وسياسات محل تلك التي كانت تبلور مواقف ضاربة للأمة..”. بل إنه يضيف ويقول: “بينما صارت القطرية فضيلة بعد أن كانت رذيلة، وطرد اليأس الأمل من نفوس المواطنين، وتعززت عناصر التفكك والضعف والانحلال، وقابل الاستبداد الرسمي استبداد مجتمعي محا ما كان في بلداننا من تسامح ديني وسياسي”. ولا نعلم متى كان هذا التسامح الديني والسياسي، وتاريخ المنطقة تخبرنا بكل تلك الحروب والمآسي الدينية والعرقية، بل وحتى المذهبية وما هذه الفظائع والتي نراها اليوم في العراق وغيرها من بلادنا إلا امتداد واستمرار لتلك النزاعات والحروب بعد أن كانت قد لجمتها هذه الأنظمة الاستبدادية بقوة مخابراتها ومن خلال جمهوريات الرعب ومزارعها الخاصة، والآن أتت الظروف لتخرج هذه النزاعات ومرة أخرى إلى الساحة؛ فلا يمكن أن تحل المشاكل من خلال الاستبداد والقمع والتنكيل بالآخر، فلربما تتم تأجيل أو تأخير هذه القضايا ولكن لن تموت بالتقادم.
وبالتالي ما على دول المنطقة، عربية كانت أم غير عربية، إلا أن تعترف أن هناك جملة قضايا ومسائل؛ عرقية – سياسية ودينية – مذهبية وأيضاً مواضيع الحريات العامة وحقوق الإنسان ودولة المواطنة وإلى ما هنالك من هذه القضايا، والتي لم تحل بعد وليست قابلة للتأجيل، وإذا لم تحلها وذلك بالطرق السلمية والدبلوماسية فسوف تدفع بالمنطقة إلى المزيد من التوتر و لربما لحروب أهلية نحن جميعاً بغنى عنها. أما سياسة الإنكار ونفي الآخر وتخوينه وجعله وافداً على المنطقة، وكأن العرب ومنذ مولدهم من “سام” وهم يعيشون على هذه الأرض ناسين التاريخ والشعوب التي أقامت حضارات عظيمة على هذه الجغرافية وذلك قبل أن يعرف التاريخ أو الجغرافية “أقوام” وقبائل تعرف باسم العرب، فهو سيدفع الآخر إلى المزيد من التمترس خلف الهويات الماقبل الوطنية، من قبلية عشائرية ومذهبية دينية أو عرقية أثنية، وذلك كما يفعله الأستاذ ميشيل كيلو في مقاله هذا، عندما يكتب: “في هذه الحقبة، التي خضعت أطراف وطننا العربي فيها لعملية قضم منظم.. ونهشت أيد متنوعة الهوية والمطامع أوطانها وكيانها واستهدفتها بصفتها العربية، فهذا يطلق يطالب بجزء من العراق، وذاك يزعم أن القومية العربية حركة صهيونية.. ويا ليت الأمور توقفت هنا، فقد ظهر في نهاية المطاف قوم يريدون بعث الهويات ما قبل العربية، منهم.. ” وكأن الهوية العربية هي بداية التكوين والخلق وخاتمة الهويات والأعراق، ولاحظوا أيضاً تلك المرادفات والتعابير التي يستخدمها، من قبيل؛ قضم و.. نهش، وإنها لتعبر عن ثقافة هذا الرجل العدائية والبدائية المتوحشة ونترفع أن نقول الحيوانية.
وأيضاً يضيف: بأن “رأي واسع الانتشار” يقول: “أن شيعة العراق ليسوا عربا بل شيعة، وأن الأكراد أمة، والعرب مجرد أقلية سنية، فليس العراق عربيا وليس جزءا من الأمة العربية، بل إن أحد المنتمين إلى أقلية وفدت إلى سوريا في مطالع القرن قال إن هذه البلاد لم تكن عربية يوما، وأنها مجرد تجمع أقليات تتعايش مع بعضها البعض دون أن يشدها رابط أو يجمعها انتماء مشترك !”. نلاحظ أنه لا يكتفي بالقول: على أننا غرباء عن هذه الجغرافية وإننا نحاول أن ننهش فيها، بل ينفي عنا حتى صفة الأمة، ولا ندري على أية شروط وموازين أعتمد السيد كيلو وأخيراً ليكشف عن عبقرية فذة بحيث يستنتج: أن الكورد ليسوا بأمة، وبالتالي ليس لنا إلا أن نتسول بعض الشروط والمقومات من عند السيد ميشيل كيلو حتى يتكرم علينا ويجعلنا في مصافي الأمم والأقوام و إلا فلا يحق للكورد أن يطالبوا بحقوقهم وجعلهم مساوين لغيرهم من شعوب وأمم الأرض.
وللأسف إنه لا يكتفي بسياسة إنكار ونفي الآخر بل يقوم بتحقيره وتقزيمه، وذلك كما يفعل الكثيرون من المحسوبين على الحقلين الثقافي والسياسي وخاصة هؤلاء الليبراليون “القويسلاميون”. وإننا نقول لهم: إن خطابكم هذا لن تحل هذه القضايا بل ستزيد من هذه الضغائن والفتن والنار المشتعلة بين هذه الأطياف المختلفة، وذلك كمن يصب الزيت على النار، فمثل هذه الأطروحات أو الأحقاد أو النعوت والصفات الغير لائقة والتي لا نستحب أن يطلقها الآخرين علينا، وبالتالي فالأولى بنا أن لا ننعتهم بها، وكفانا فخراً أهوجاً واستعلاءً على الآخرين ونعتهم بالخونة والأقزام وغيرها من النعوت والتي نجدها غير لائقة بحق كاتب وسياسي قضى جل عمره في الحركة الشيوعية السورية؛ حيث إنه يقول في سياق مقاله ويكتب: “ولا ريب في أنهم يتعرضون (أي العرب والتوضيح من عندنا) لتهديد متعدد المصادر والقوى يريد اقتلاعهم من أوطانهم وتغيير هويتها وهويتهم. ومن يتأمل حملة الكراهية المنظمة التي تتهم مثقفي العرب بتأييد الديكتاتورية والاستبداد مقابل أموال تقدمها لهم النظم الحاكمة، وترميهم بالعرقية والتعصب القومي، وتتهم العربي العادي بالعداء للديموقراطية وللتقدم وللآخر، وترى فيه سليل أمة غازية معتدية احتلت المشرق والمغرب بقوة السلاح وتمارس اليوم الاستيطان في أراض ليست لها كالجزيرة السورية اسمها إلى اليوم ديار بكر وتغلب وربيعة وهي جميعها قبائل عربية، سيضع يده على معنى ما يجري، وسيدرك أن العرب تعامل اليوم كأمة دارسة، وأننا إذا لم نفتح أعيننا قبل فوات الأوان فقد نقتلع من أوطاننا، التي تتعاون عليها قوى عظمى وأقزام وفدوا البارحة إلى ديارنا وليس لديهم اليوم من همّ غير الانقضاض عليها”.
برافو أيها المناضل الشيوعي اليساري القومي الإسلاموي الليبرالي المدني والحاقد على كل الأقوام والثقافات والمبتلي بداء الاستعلاء والعنجهية والذي لا يرى في الآخر إلا أجيراً عبداً ذميياً موالياً – من الموالي وليس الموالاة – فلم يبقى للسيد ميشيل كيلو إلا أن يفتي فتوة “زرقاوية”؛ بقتلنا جميعاً أو رمينا – أيضاً – في البحر وهكذا يبقى “الوطن العربي” خالي من الشوائب والأقزام. فالجزيرة وحسب رؤيته ومنطقه القومجي هذا، أرض عربية منذ الخليقة وينسى أن هذه الجغرافية وبالفعل تعرض للغزو أو “الفتح” – سمي ما شئت فالمغزى واحد – الإسلامي ولم يتم إخضاعها بالكلمة الحسنة وإنما بفعل القتل والسلب وكانت تلك هي لغة العصر، وينسى أيضاً الحقائق على الأرض؛ على أن التوزيع الديموغرافي لها هي التي تحدد هوياتها وليست رغباته ومطامعه القومجية، ولا ندري هل غير الأستاذ ميشيل كيلو قناعاته عن الخلق والكون من إنسان علماني ماركسي – لينيني؛ يؤمن بأن البشرية ابتدأ وحسب نظرية دارون في الارتقاء من القردة إلى الإنسان، أم غير تلك القناعات أيضاً وأبدلها بمبادئ وقناعات الغنوشي والقرضاوي والزرقاوي بحيث أصبح يؤمن بالنظرية المقلوبة التوراتية – القرآنية والتي تدعي بانقلاب الإنسان ومسخهم إلى قردة وخنازير، وهكذا يكون قد مثل الخطاب “القويسلاموي” بامتياز والذي لا نحسده عليه. أما التسميات التي ذكرتها بالنسبة إلى الجزيرة؛ على أنها “ديار بكر وتغلب و وربيعة وهي جميعها قبائل عربية”، فإننا نحيلك إلى الكتب المدرسية الابتدائية في التاريخ وكيف تتم تعريب وتفريس وتتريك وتهويد وتكريد الأماكن والجغرافية وذلك حسب قوة الفعل السياسي وامتلاك السلطة وبالتالي الجغرافية والمسمى.
جندريس-2006
[1]