$الخطاب العربي والقضية الكوردية (3)$
#بير رستم#
بداية لا بد من تقديم الشكر والامتنان للآنسة هدى حوتري وذلك لمشاعرها الطيبة والرقيقة تجاه المسألة الكوردية وتحديداً في كل من شمال وغرب كوردستان؛ أي في الجزئين الملحقين بتركيا وإيران، فهي تكتب في مقال لها تحت عنوان “أكراد العراق: لعنة الحلفاء” والمنشور في نشرة كلنا شركاء ليوم 26-4-2006 ما يلي: “تكاد تكون القضية الكردية من أنبل قضايا الشعوب في العالم ومن أكثر القضايا العادلة التي تستحق الإنصاف بعد أن تعرض غالبية الشعب الكردي في مناطق كردستان التاريخية لحملات منظمة من الاضطهاد والتمييز القومي مشابهة إلى حد ما تعرض له الشعب الأرمني قبيل إعلانه قيام الدولة الأرمنية الموحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي”.
ولكن وبعد هذه المقدمة الطيبة تعود الآنسة لتقف عند القضية الكوردية في جنوب كوردستان؛ أي الملحقة بدولة العراق الحديث، وذلك بعد تناسيها للجزء الملحق بالدولة السورية تماماً، وها هي تقول: “ولعل في التوصيف المذكور شيئاً من التعميم الذي لا يلامس التخوم والتفاصيل والقائمة وفق خارطة التوزيع الجغرافي والبشري لمناطق كردستان على المثلث العراقي الإيراني التركي”. وهكذا يمكن أن نقول بأن إحدى الغايات من مقال كهذا؛ هو طمس حقيقة أن هناك جزء من كوردستان قد ألحق بالدولة السورية وذلك حسب إتفاقية سايكس – بيكو، وعلى طول الحدود السورية من جهة والتركية العراقية من جهة أخرى.
لكن هذا ليس بمحور الموضوع وإنما وحسب قراءتنا لمقالها واستنتاجنا له، وخاصة ما يتعلق بإقليم كوردستان العراق، فإنها تريد التشويش عليها وربطها بمشروع غربي استيطاني وذلك عندما تكتب في سياق مقالها؛ “وزاد من معانات الشعب الكردي مجموع الأخطاء السياسية على المستويين التكتيكي والاستراتيجي التي حكمت تاريخياً سلوك قياداته التي ابتلي بها وتحديداً في مناطق شمال العراق حين بادرت القوى التقليدية إلى شق التحالف التاريخي والاخوة العربية الكردية فارتمت في أحضان المشاريع المعادية لوحدة العراق أولاً، والمعادية ثانياً لوحدة المصير المشترك الذي يجمع العرب والكرد في سياق نسيج يكاد يكون واحداً، وطغى على سلوكها السياسي نمط التقلب والتحالفات الخارجية غير النزيهة، وبالتالي دفعت بأخطائها السياسية مجموع الأكراد شمال العراق إلى أتون حروب الانتحار بديلاً عن خط العمل من أجل الحقوق القومية للأكراد في إطار عراق موحد. وفي المقابل لا يبرر القول المشار إليه السياسات العراقية المنفعلة التي تعاطت أحياناً مع القضية الكردية بلغة القوة ، مع أن الحالة الكردية في العراق نالت من حقوقها في الحكم الذاتي الكامل ما لم يحظى به أي من باقي مناطق كردستان التاريخية”.
إن ما ترمي إليه الآنسة هدى من خلال مقالها هذا هي نقاط وأهداف محددة، نستطيع أن نعددها بما يلي؛ فهي من جهة تريد أن توهم القارئ بأن الشعب الكوردي قد أبتلي بهكذا قيادات وتحديداً في جنوب كوردستان. وهي ثانياً تريد أن تقول: بأن هذه القيادات ارتكبت العديد من الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية بتعاملها واعتمادها على الغرب المعادي للعرب وبقية شعوب المنطقة بمن فيهم الكورد أنفسهم، بل هي “التي بادرت.. إلى شق التحالف التاريخي والاخوة العربية الكردية”؛ وهكذا تكون هذه القيادة قد خانت شعبها وخسرت قضيتها. وثالث الأثافي أنها تبرر للنظام العراقي جرائمها ومجازرها بحق الشعب الكوردي وذلك عندما تقول: “وفي المقابل لا يبرر القول المشار إليه السياسات العراقية المنفعلة التي تعاطت أحياناً مع القضية الكردية بلغة القوة ، مع أن الحالة الكردية في العراق نالت من حقوقها في الحكم الذاتي الكامل ما لم يحظى به أي من باقي مناطق كردستان التاريخية”. إذاً كل ذاك الجور والتنكيل من نظام عروبي – بعثوي لم يكن إلا عبارة عن “سياسة عراقية منفعلة” ولم يكن بطريقة ممنهجة ومخططة لها في دوائر القرار البعثي – الأمني العفلقي، وهكذا وبجرة قلم تحرف التاريخ؛ وتريد أن توهمنا بأن الكورد كانوا قد نالوا “الحكم الذاتي الكامل” في العراق ولكن وتنفيذاًً للمخططات الاستعمارية فإن القيادة الكوردية هناك ونتيجة لسلوكها السياسي المتقلب وتحالفاتها “الخارجية غير النزيهة” قد دفعت ب”مجموع الأكراد شمال العراق إلى أتون حروب الانتحار بديلاً عن خط العمل من أجل الحقوق القومية للأكراد في إطار عراق موحد”.
وهكذا ينكشف المستور والمخفي من مقال الآنسة هدى حوتري وكما يقال: “السم في الدسم”. أن الآنسة هدى لا تبرر للنظام العراقي كل مجازره وحروبه العرقية تجاه الكورد وغيره من مكونات العراق فقط، وإنما تحمل وزر هذه الحملات الإبادية للقيادة الكوردية. مع العلم إننا لا نبرر بعض الأخطاء التي وقعت بها القيادات الكوردية إن كان في جنوب كوردستان أو شمالها؛ وذلك باعتمادها على الأنظمة الغاصبة لكوردستان، ولكن هناك سؤال ونعتقد أنه مهم؛ فمن وما الذي دفع بهذه القيادات أن تطلب المساعدة من وراء الحدود وهي على يقين أن هؤلاء هم أيضاً من “الأعداء” والخصوم، أليس الموت والاختناق هي التي تدفع بالغريق إلى التمسك بقشة وهو يعلم علم اليقين إن خلاصه سراب بسراب.
قليل من الموضوعية والإنصاف أيها المثقفون القومجيون، فما زال الدم الكوردي طازجاً في حملات الأنفال وحلبجة، بعد أن جعل نظام الطاغية العراقية من كوردستان العراق منطقة عمليات عسكرية، لا يكتفون بقتل البشر فقط وإنما الشجر والحجر تعرض للقلع والهدم؛ تم تدمير أكثر من أربعة آلاف قرية كوردية في ظل ذاك النظام وقتل أكثر من مئة وثمانون ألف كوردي في حملات الأنفال ناهيك عن المجردين والمرحلين من مناطق سكناهم إما إلى الجنوب أو إلى المنافي ومن دون أن نتعرض لمسائل وقضايا التعريب والحزام العربي – الأمني كما حصلت في كركوك؛ بتغيير الطابع الديموغرافي للمدينة وتفريغها من الكورد وغيرها الكثير.. الكثير من المسائل التي تخزي جبين البشرية وليس فقط النظام العراقي، وكفانا هذه المقابر الجماعية والتي تكتشف يومياً كشواهد على مدى حقد هكذا نظام للحياة. وبعد كل هذا وتقولين: إنها “سياسة منفعلة” من جانب النظام العراقي؛ أي قراءة مغلوطة لتاريخ ما زال نعيشه ونعاني منه وأي إنصاف للحقائق وحق الآخر في الحياة.
وهكذا نستكشف تلك العقلية العروبية والكامنة وراء هكذا مقال؛ فهي عقلية تبريرية انتهازية بامتياز. وليكن في علمك يا “سيدتي” إن من مصلحة كورد العراق أن يبقوا ضمن عراق فيدرالي ديموقراطي حر، وهذه ليست تقية سياسية من جانب الكورد، وهم لا يعتمدون – وكما تدعين – تماماً على الأمريكان وإن تقاطع مصالح الاثنين في الوقت الراهن؛ بحيث جعلك تتوهمين بأن الكورد نسوا الروابط المشتركة بين مجموع شعوب منطقتنا وكأن الكورد هم من يغتصبون الآخر أرضاً وشعباً وليس هم المعرضون لفعل الاغتصاب من قبل “إخوة الدين والتاريخ”، فالذي يذكر بهذه الروابط حري به أن يدعو نفسه وقياداته السياسية إلى احترام تاريخ الآخر والمختلف عنه، وليس إلى تزوير هذه الحقائق التاريخية، كما فعلتها الآنسة هدى حوتري.
جندريس-2006
[1]