أكد السفير شريف شاهين مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، خلال مقال له، إن دروس التاريخ قد علمتنا أن الحرية تنال بالنضال والتضحيات حتى يتحقق حلم الشعوب في أن تنال حريتها، والكفاح المسلح للشعبين الفلسطيني والكردي هو السبيل الوحيد لصمود هاتين القضيتين.
وجاء في نص المقالة:
من رحم الإمبراطورية العثمانية نشأت أحق قضيتان سیاسیتان في المنطقة للشعبين الكردي والفلسطيني، فتحت مظلة الحكم العثماني للمشرق العربي والمنطقة، جرت محاولات مستميتة لإذابة القوميتان الكردية والعربية تحت القبضة الباطشة لهذه الإمبراطورية التي دار عليها الزمن دورته الأزلية، لترث المنطقة الإمبراطورية البريطانية التي سعت بداية إلى تشكيل دوله كردية بموجب #معاهدة سيفر# المبرمة فى 10 -08- 1920 ثم تخلت عنها بعد ثلاث سنوات بمعاهدة لوزان المجرمة في 24 -07 1923 لتؤسس رحلة تفتيت الكرد بين الدولة التركية و المملكة العراقية وإيران وسوريا، حيث لحقت الشمال بتركيا والجنوب بالعراق والشرق بإيران والغرب بسوريا وكما تشير وثائق الخارجية البريطانية إلى وقائع هذه الجريمة البالغة التعقيد، وفي ذات الوقت الذي منحت الحركة الصهيونية وعدا جائزاً بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بموجب وعد بلفور عام 1917 لتغض الطرف بعدها عن أبشع جرائم الاستيطان لأرض الشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية التي جرى تدريبها وتسليحها لاغتصاب أرض فلسطين وهكذا جرت تحت جسور الاحتلال أبشع مؤامرة لتقسيم المنطقة، و بعد ما يزيد عن ثمانية عقود لا زالت هذه الجريمة تتفاعل لتتفاقم من معاناة الشعبين .
لازالت تركيا التي تمارس سياسة ازدواجية المعايير تنكر على الشعب الكردي حقه في إقامة حريته وكيانه المعبر عن هويته وثقافته بكافة وسائل البطش و العدوان الوحشي على شعبه وأرضه، فيما ترفع الشعارات المساندة لقضية الشعبية الفلسطيني على الرغم من تحالفاتها التاريخية منذ إقامه حلف بغداد مروراً باتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع إسرائيل والتي عاونت الأخيرة على العدوان على كافة دول المنطقة كما في سوريا ولبنان والعراق وكانت بمثابة تهديداً مباشراً وصريحاً لأمن الدول العربية والحقيقة أن الدولة التركية المتخمة بالمشاكل الداخلية دائماً ما تلجأ إلى افتعال الأزمات الخارجية مع جيرانها للبحث عن حل لمشاكلها أو القفز فوقها، ولا مجال هنا لعقد مقارنة بين سياسات دوله إسرائيل وتركيا في افتعال الأزمات وممارسة العدوان الخارجي في محاولة يائسة لوقف عجلة التاريخ أمام عدالة قضيتا فلسطين و كردستان.
الإشارة إلى هذه السرد التاريخي ضروري ولازمة قبل الحديث عن ضرورة التوصل إلى حل عادل ونهائي لقضية شعبين يعانيان أبشع ممارسات القهر والفصل العنصري والاحتلال وتغييب الهوية وتفتيت شعبيها ما بين الدول والمخيمات وفى غياهب الأقطار البعيدة وتهجيرهم قسرياً.
وقد جاءت أحداث غزة في -07-10- 2023 لتعيد إلى الذاكرة العربية والدولية القضية الفلسطينية إلى الأذهان بعدما تعرضت لمؤمرة من التهميش ومحاولة المحو عبر سياسات إسرائيلية سعت إلى توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية الخليجية، ولازالت تركيا تمارس ذات السياسة عبر العدوان على الشعب الكردي في منطقة شمال وشرق سوريا وفي جبال قنديل شمال العراق محاولة إقامة منطقة عازلة على الحدود في محاولة منها لإجهاض التجربة الكردية الفتية لإقامة حكم ذاتي كردي في المناطق المحررة في شرق الفرات.
إن الكفاح المسلح للشعبين الفلسطيني والكردي هو السبيل والطريق الوحيد لصمود هاتين القضيتين فصمود القضية الكردية من صمود قضية فلسطين في وجدان كل عربي ومسلم وإن كانت القومية الكردية مضطهدة في منطقة تعج بالأزمات، فعلى الكيان العربي والإسلامي احتضان المكون الكردي بدلاً من تجاهل حقوقه أو مناصبته العداء فنحن أحوج ما نكون إلى التعاضد لتجاوز هذه المرحلة الخطيرة في الصراع العربي الإسرائيلي.
وفى هذا المقام لا يسعني إلا أن أعود إلى ما ذكره المفكر والباحث المصري الراحل الاستاذ / رجائي فايد و الخبير في الشؤون الكردية حينما ذكر في كتابه أوراق رجائي فايد والمسألة الكردية حيث قال: والعجيب أنه بالنسبة لأكراد العراق فإننا نحن العرب على اختلافنا، نتفق فيما بيننا أن الكرد يشعرون بالانتماء إلى الوطن الواحد والتاريخ المشترك وتؤلف بينهم اللغة والعقيدة الروحية و المصالح القومية والأهداف الوطنية، ولو تتبعنا حركة الأحداث في المنطقة خلال العقود الماضية من القرن الماضي والحالي للاحظنا مدى الخطورة المتفاقمة لهذه القضية على الأمن القومي العربي - نتيجة بقاء المشكلة الكردية دون حل.
وعليه فإن المتابع للأحداث المتلاحقة في المنطقة لا يغيب عن ذهنه الربط التلقائي بين القضيتين وعدالة المطالبة بحق الشعبين في إقامة كيانهما الوطني المعبر عن تطلعات الشعبين وهويتهما العقائدية والثقافية.
على المجتمع الدولي أن يصغي باهتمام بالغ إلى الأصوات العاقلة والمطالبة بحق شعوب المنطقة للعيش بأمن وسلام وحرية دونما قهر وبطش وعدوان تخطى حدود المنطق والإنسانية.
ومن هنا فإنني أطالب وبكل قوة أن يسعى المجتمع الدول إلى تطبيق القرارات الأممية المتعلقة بإقامة وطن فلسطيني مستقل تكون عاصمة القدس الشرقية والعمل على حل القضية الكردية والاعتراف بحق الشعب الكردي في إقامه كيانه الحر و المعبر عن إرادته الوطنية على أرضه التاريخية وكذلك أطالب بالحرية للقيادات التاريخية المعبرة عن صوت هذين الشعبين، فالحرية لعبد الله أوجلان المناضل و الثائر والمفكر الكردي وصوت العقل والضمير الإنساني جنباً إلى جنب مع الزعيم الفلسطيني مروان البرغوثي المغيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يقربه من ربع قرن والذى يعبر عن وحدة الشعب الفلسطيني.
إنني وبغير متجرد وكمراقب لمجريات الأحداث لا أستطيع الفصل بين العدوانين التركي والإسرائيلي. قد تختلف درجة العدوان باختلاف طبيعة الصراع وإن كان الاحتلال والقهر والظلم واحد في القضيتين، وإذا لم يتنبه المجتمع الدولي إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية لهذه القضايا، فإن أجيال من الشعبين ستواصل الكفاح المسلح وبشكل أكثر ضراوة من ذي قبل.
وختاماً فإن دروس التاريخ قد علمتنا أن الحرية تنال بالنضال والدم والتضحيات حتى يتحقق حلم الشعوب في أن تنال حريتها واستقلالها، الحرية لعبد الله أوجلان والحرية لمروان البرغوثي، وعاش نضال الشعبين الكردي والفلسطيني ولا بد من البحث عن حل عادل وسلمي للقضيتين الآن وإلا فإن الآتي سيكون أسواً بكثير مما يحدث الآن.[1]