$سلوكيات الأحزاب والكتل السياسية الكوردية (2)$
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 4947 – 2015-10-06
المحور: القضية الكردية
(نهج سياسي أم.. عمالة أمنية)
في الحلقة الأولى من مقالنا هذا، تناولنا الجانب التاريخي للتيارات السياسية الكوردية وأحزابها الرئيسية وتكتلاتها وألقينا بعض الضوء على بدايات انطلاقة كل منها وتكويناتها التنظيمية. أما في مقالنا الحالي فإننا سنتناول الجانب الفكري والأيدلوجي لهذه التيارات السياسية وبالتالي برامجها ومناهجها ورؤاها السياسية الأيديولوجية وكذلك تحالفاتها التنظيمية والسياسية، إقليمياً ودولياً، وهكذا الوقوف على المشاريع السياسية لكل فريق من هذه الفرق والكتل السياسية الكوردية مع حلفائهم الإقليميين والدوليين.. وبذلك نكون قد حاولنا الإجابة على السؤال المطروح من خلال عنوان المقال نفسه؛ ألا وهو: سلوكيات الأحزاب والكتل السياسية، نهج سياسي أم.. عمالة أمنية.
بالعودة إلى البدايات الأولى لنشوء كل تيار من هذه التيارات ومنابعها الفكرية ولإيديولوجية والمراحل التاريخية التي رافقتها يتبين لنا نمطية العقلية السياسية التي تقف وراء كل محور من هذه المحاور والكتل السياسية؛ حيث وكما قلنا في كتاباتنا السابقة، بأن بدايات القرن قبل الماضي ونتيجة لتأثير عصر التنوير والقوميات قي أوروبا وامتداداتها ونشوء عدد من الدول الأوربية على أسس ومبادئ الثورة الفرنسية، فقد شهدت منطقتنا أيضاً _وخاصةً في بدايات القرن التاسع عشر_ نهضة قومية للأثنيات والقوميات التي كانت رازحة تحت حكم الخلافة العثمانية وبمساعدة من الدول الأوربية فقد استطاعت مجموعة كبيرة من أعراق وشعوب الخلافة أن تنال استقلالها السياسي وبالتالي تكوين دولها وجغرافياتها السياسية ومن بينها المجموعة العربية.
والكورد بدورهم كانوا جزءً من الحراك السياسي العام والذي كان يشهده المنطقة؛ حيث تبلور الفكر القومي لدى النخبة المثقفة آنذاك وذلك نتيجة تأثرهم بمبادئ الثورة الفرنسية كغيرهم من أبناء الشعوب التي كانت تعيش ضمن الخلافة العثمانية، وهؤلاء شكلوا النواة والحركات الأولى للفكر القومي في المنطقة وهكذا كانت في المراحل اللاحقة عدد من الأحزاب والحركات السياسية لتلك الشعوب والتي طالبت بالحرية والاستقلال عن الخلافة العثمانية، ومن بين تلك الحركات كانت مجموعة من الجمعيات والحركات القومية الكوردية مثل (هيوا وخويبون.. وغيرها) والتي تكللت في مراحل لاحقة وتحديداً أعوام (1945_1946) بتشكيل الأحزاب والكتل السياسية؛ الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كل من إيران والعراق ولاحقاً الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا وذلك عام 1957م والذي يعرف ب(البارتي) في أيامنا هذه.
ثم كانت مرحلة اليسار والأفكار الثورية أو ما يمكن تسميته بالمرحلة الشيوعية وتأثيرات الفكر الماركسي اللينيني بقيادة دول حلف وارسو وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي السابق، فكانت من نتائجها عدد من الحركات الثورية اليسارية في المنطقة ومنها الأحزاب اليسارية الكوردية والتي خرجت من رحم التيار القومي الكلاسيكي أو ما يمكن تعريفه بتيار البارتي في الحركة الوطنية الكوردية. وهذا التيار؛ الثوري اليساري، يضم في توليفته عدداً من الأحزاب والكتل والتي تتمايز عن بعضها في درجة العنف الثوري فمنها من تنادي بالإصلاحات الثورية وبعضها الآخر لا تؤمن إلا بالعنف الثوري وعلى الطريقة الغيفارية كحل لكل القضايا والمسائل ومنها القضية القومية الكوردية. ويقود _اليوم_ هذا التيار ، حزب العمال الكوردستاني وأفرعها التنظيمية في كل ساحات كوردستان، ولكن هناك بعض القوى والأحزاب الكوردية الراديكالية والتي تندرج تحت أيديولوجية هذا التيار، لم تحسم أمرها بعد للقطيعة مع التيار القومي الكلاسيكي فتجد إنها تنوس وتتأرجح في تحالفاتها بين كل من التيار القومي المحافظ والآخر الثوري الماركسي أو الغيفاري ويمكن أن نقول: بأن الاتحاد الوطني الكوردستاني يمثل النموذج الأبرز لهذه الحالة.
واليوم.. فإن الجماعات الإسلامية تحاول أن تطرح نموذجها كبديل عن التيارين السابقين وخاصةً بعد التجربة الفاشلة للدول القومية في المنطقة والتي تحولت إلى ديكتاتوريات مطلقة وعلى الأخص النموذج العربي (الناصري والبعثي) وأيضاً فشل التجربة الشيوعية في العالم الاشتراكي؛ انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومتها الاشتراكية. وبالمقابل نجاح التجربة التركية _إلى درجةٍ ما_ كنموذج عن التيار الديني المعتدل، في مقابل النموذج الإيراني الأيديولوجي، والتي اعتمدت _أي تركيا_ البراغماتية بدلاً عن النهج الأيديولوجي الذي أسس له مؤسس الجمهورية التركية؛ مصطفى كمال أتاتورك والذي يعتبر الأب الروحي للحالة والنظرية العرقية التركية وذلك مع جمعية تركيا الفتاة كنهج فكري فلسفي للجماعات القومية التركية.
وهكذا استطاع الحكام الجدد في تركيا وخاصةً بعد مرحلة توركوت أوزال ومشروعه السياسي ومن ثم وصول الفريق الجديد من الساسة الترك؛ بدايةً حزب الرفاه والسعادة بزعامة نجم الدين أربقان وحالياً حزب العدالة والتنمية بقيادة كل من عبد الله غول، رجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو وذلك في كل من رئاسة الجمهورية والوزراء وأخيراً في رئاسة الدبلوماسية التركية كوزير للخارجية، حيث تمكنت العدالة والتنمية أن تنقل تركيا من السياسة القائمة على الحالة الأيديولوجية الشعاراتية (القومية العنصرية) إلى السياسة البراغماتية الذرائعية والتي حققت نجاحات كبرى وفي مجمل المجالات وخاصة على الصعيدين الداخلي المعيشي والخارجي الدبلوماسي وعلاقاتها مع دول الجوار. وهكذا.. وبعد تحقيق تلك النجاحات، نجد بأنه يتم _اليوم_ التسويق للنموذج التركي كبديل سياسي عن النماذج القومية السائدة في المنطقة.
وبالتالي هناك عدد من المشاريع السياسية والتي يتم رسمها والإعداد لها في عدد من عواصم القرار العالمي والإقليمي ولكل منها لاعبيها الأساسيين؛ أي أصحاب القرار والحل والربط، كما يقال، وكذلك الأدوات التنفيذية على الأرض. وهكذا فإن المنطقة تعاني من حالة الصراع بين هذه المشاريع والأجندات السياسية والتي يعمل كل فريق وتيار لتسيدها وتجسيده كواقع جيوسياسي ونموذجاً للدولة القائمة داخل جغرافيات الشرق أوسطية ومنها العربية، حيث النموذج القائم _في الحالة السورية_ دولة قومية أيديولوجية (حزب البعث كتيار أيديولوجي قومي عنصري) تعتمد الشعاراتية في مجمل سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وحتى ما تعرف بسياسة المقاومة والممانعة. وبالتالي العمل؛ أي القيادة السياسية في سوريا وبفرعيها (الناصري والبعثي) تاريخياً على جعل سوريا وطناً للشعب العربي، بل اعتبار سوريا شعباً وجغرافية وحضارةً ذات انتماء واحد؛ العروبة وبالتالي نفي الجغرافيات الأخرى (إقليم كوردستان) والقوميات والأعراق التي تعيش ضمن الجغرافية السياسية الحالية للدولة السورية مثل الكورد والتركمان والآشوريين والأرمن وغيرهم من الطوائف والمذاهب. وسوريا كدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية _بالتأكيد_ لا تعمل منفردةً، إن كان، في أزمتها الحالية أو في المراحل السابقة من حياتها وتاريخها السياسي، بل هي تعمل ضمن منظومة سياسية تعتمد الأيدلوجية والنظريات الفلسفية المقاومة كأساس ومرجعية فكرية في إدارتها لمجمل الملفات السياسية وعلاقاتها الدبلوماسية _نظرياً_ وبالتالي فإن هذه المرجعيات الفلسفية المقاومة، إن كانت دينية أو قومية أو شيوعية، فهي في المحصلة تلتقي على المستوى العملي والتطبيقي؛ حيث الجميع _داخل هذا التيار_ متفقون عل العنف الثوري كحل لمجمل القضايا والمسائل، إن كانت أتنية عرقية أو مذهبية دينية أو سياسية أيديولوجية.
وهكذا نجد بأن هذا الحلف يضم إلى جانب سوريا كل من (إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا و.. غيرها) من الدول الأيدلوجية وذلك على الرغم من التباين الأيديولوجي فيما بين تلك الدول؛ فمنها الدينية وهناك الشيوعية اليسارية، وأما على مستوى الأحزاب والكتل السياسية في المنطقة فهناك حزب الله وتيار الثامن من آذار في لبنان وكذلك حماس فلسطينياً _ولكن وعندما تحول الصراع إلى صراع طائفي مذهبي؛ سني شيعي_ انتقلت حماس من ضفة لأخرى خوفاً على خسرانها لقاعدتها الشعبية (السنية). وكذلك وعلى الجانب الكوردي فإن التيار اليساري الثوري _حزب العمال الكردستاني_ سيكون حليفاً بالتأكيد لهذا المحور كونه جزء من التيار ذاته. ولكن.. ولكون الحالة الكوردية ما زالت تعمل لأجل الاستحقاق القومي، فقد رأينا خروج الكتلة الكوردية بجناحيه؛ المجلس الوطني الكوردي ومجلس الشعب في غربي كوردستان، وذلك من مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، ومن ثم توجههم لعاصمة إقليم كوردستان (العراق) كونها تمثل الحالة القومية للكورد في المرحلة الحالية.
وهناك المشروع أو المحور الآخر ؛ الأمريكي الأوروبي العربي (دول مجلس التعاون وكذلك دول الربيع العربي) وإلى جانبهم تركيا وآخرين وذلك على مستوى الدول، أما على مستوى الأحزاب والقوى السياسية فهناك قوى الرابع عشر من آذار في لبنان وفلسطينياً هناك منظمة التحرير وعلى الأخص (فتح) وكوردياً يمكن القول بأن المحور الذي تقوده قيادة إقليم كوردستان (العراق) يشكلون فريقاً ضمن تيار سياسي عريض تعتمد البراغماتية كأساس عملي في رؤيتهم للواقع والعلاقة مع مجمل القضايا والمسائل، إن كانت سياسية (داخلية خارجية) أو اقتصادية اجتماعية وكذلك في دبلوماسيتها وعلاقاتها مع الآخر وكنموذج عن الحالة يمكن أن نأخذ علاقة تركيا بإقليم كوردستان (العراق)؛ فمن العداء والخصومة نجد اليوم هناك تنسيق على المستوى السياسي الدبلوماسي لحل المشاكل والقضايا العالقة في المنطقة وفي مقدمتها بالتأكيد القضية الكوردية، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية؛ حيث يعتبر إقليم كوردستان أحد الشركاء الأساسيين في حجم التبادل التجاري بين البلدين، حجم صادرات تركيا لعام 2011م للعراق كانت بحدود 13 مليار دولار وكان أكثرها مع الإقليم.
إذاً يعمل كل فريق وتيار سياسي انطلاقاً من مرجعياتها الفكرية الأيدلوجية ومبادئها النظرية الفلسفية في رؤيتها للواقع السياسي العام وبالتالي تحدد مواقفها العملية وتحالفاتها التكتيكية والإستراتيجية وفقاً لتلك الرؤى والأيدلوجيات الفلسفية. وأخيراً.. يمكننا القول بأن النهج السياسي هو ما يحدد سلوكيات الأحزاب والكتل السياسية وليس العمالة الأمنية؛ كون التحالفات إجمالاً ومن بينها الأمنية هي تحصيل حاصل لمنهجياتنا الفكرية والسياسية واصطفافاتنا الأيديولوجية وإن تباينت انتماءاتها العقائدية بين الدينية والقومية والسياسية، فهي تبقى في المحصلة النهائية، حالة عقائدية فلسفية تُقيّم وتُقوّم سلوكياتنا وأخلاقياتنا وعلاقاتنا وتحالفاتنا السياسية وبالتالي تحدد النمطية العلائقية مع الآخر، حيث الثوري له شخصيته وسلوكه الحار.. ولن نقول الدموي وذلك إن كان لابساً قمصاناً سوداً أو حمراً.. وفهمكم كفاية.
وآخراً نقول: لننجز المرحلة القومية _نحن الكورد_ ومن ثم ندخل عوالم الثورات الاجتماعية ومنافساتنا على الاستحقاق النيابي لكل فصيل وتيار سياسي؛ هذا ما يقوله لنا المنطق التاريخي لصيرورة الأمم والشعوب.. وكذلك تجارب الجيران من الترك والعرب.
جندريسه_25-10-2012م
[1]