=KTML_Bold=دور الكُرد المُشرق في التاريخ الإِسلامي=KTML_End=
د. علي أبو الخير
=KTML_Bold=السيولة السياسية الإسلاميّة=KTML_End=
نهدف في هذا المقال إلى تعريف المواطن العربي بالقضية الكرديّة، والشعب الكردي ودوره في التاريخ الإسلامي، حيث يوجد تشويش على عقول العوام من المسلمين في النظر للشعب الكردي، لأن العوام لا يعرفون عن الكُرد سوى أن صلاح الدين الأيوبي كردي وهزم الصليبيين، ويستقون معلوماتهم من خطباء المنابر، أو من مصادر مغلوطة عن قصد أو خلاف ذلك، ولا يوجد لديهم معلومة عن الدور الكردي المشرق في تاريخ الأمة.
أما النُخب العربية، فلا تعرف عن القضية الكردية سوى أنهم يريدون الاستقلال، وبعض هذه النخب تدين الكرد لصالح القومية العربية، ومن هنا فلابد من تعريف القارئ والمواطن العربي بالكرد شعباً وتاريخاً وموطناً وطموحاً…
خلال التاريخ الإسلامي، كان العصر في كل العالم عصر الأديان لا عصر القوميات، وكانت توجد سيولة سياسية إسلامية، كما يرى الدكتور جمال حمدان أستاذ الجغرافيا، وهذه السيولة كانت تمنح المواطن المسلم حق التنقل والاستيطان داخل الأقطار الإسلامية، دون الشعور بالغربة أو فقدان الوطن، ومن ضمنهم الشعب الكردي بطبيعة الحال، فالكرد أمة عريقة في تاريخ المنطقة العربية والإسلامية، والعراقة هنا ليست مقتصرة على الوجود في المكان والزمان، لكنها مصحوبة بتأثير اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي، وتاريخ الأمة الكردية ممتد عبر الزمن والتاريخ، ولكنه كغيره من الشعوب في المنطقة تحول دينياً للإسلام، مثل الشام ومصر وإيران وتونس… إلخ من الشعوب التي تحولت للإسلام، وعندما دخل الإسلام الأرض الكردية، كان لهم دور بارز في النهضة الإسلامية.
=KTML_Bold=الإسلام في أرض الكُرد=KTML_End=
فتح المسلمون أقاليم الكرد عام 18 ﮪ، وانخرط الكرد في الإسلام، وظهر منهم عدداً من التابعين مثل ميمون الكردي أو ميمون بن جابان، وكان أحد حملة الحديث النبوي الشريف.
ولقد اعتمد الخلفاء العباسيين على عدد من كبار قادة الكرد، فقد ولّى الخليفة المعتمد على الله على الموصل علي بن داود الكردي، وفي عهد هذا الخليفة كان أمير الأهواز (خوزستان) هو محمد بن هزار مَرْد الكردي، وقد كان ابن هزار من جملة القادة الكرد الموالين للعباسيين بقوة حتى دخل في محاولات مستميتة لوأد ثورة الزنج في منطقة الأهواز لما هُزم على يد علي بن أبان قائد الزنج في هذه المنطقة كما كتب الأستاذ محمد شعبان أيوب في موقع https:azureedge.net/midan/intellect/history يوم 11-11-2019 ، كذلك كانت مناطق الكرد في ذلك العصر منطقة تماس وثغور بين الدولة العباسية وبين الدولة الرومية البيزنطية.
قد أبلى الكرد بلاءً حسناً في الدفاع بكل طاقتهم عن ديارهم عن كافة المسلمين في أوقات ضعف الخلافة العباسية، ففي عام 387ﮪ هاجم الجيش البيزنطي بلاد الشام، واستطاعت جيوشه التوغل حتى منطقة حمص التي كانت تتبع الدولة الفاطمية حينها، وحاصر حصن أفاميا، لكنّ حادثاً فردياً جرى في أرض المعركة غيّر من مشهد الهزيمة بالكلية، فيروي ابن أبي الهيجاء في تاريخه قائلاً: “كان ملك الروم قد وقف على رابية تُطل على ميدان المعركة.. فقصده كردي يُعرف بأبي الحجَر أحمد بن الضحاك السليل على فرس جواد، وعليه درع وخوذة، وبيده اليمنى خِشت (حديدة حادّة)، وجرى نحوه وقتله، وانتصر المسلمون على الروم فقتلوهم وأسروهم، وبات المسلمون غانمين مسرورين.
=KTML_Bold=الجهاد الكُردي ضد الصليبيين=KTML_End=
في عصر السلاجقة برز العنصر الكردي من جديد، وكان يعطى إليهم مهمة حفظ الأمن في مناطق شمال العراق، فبعد وفاة السلطان السلجوقي طغرل بك سنة 455ﮪ، تم استدعاء رؤساء وزعماء مناطق العراق وكان منهم أبو الفتح بن ورّام مقدَّم أو زعيم الكرد الجاوانية لإعلامه بالمستجدات، وعضّد الكرد من الوجود السلجوقي التركي ودانوا له، بل أبلوا بلاءً كبيراً في معركة ملاذ كرد الشهيرة بين السلطان ألب أرسلان وبين البيزنطيين التي كانت السبب الأكبر في دخول الأتراك إلى بلاد الأناضول وانسيابهم فيها حتى خليج مرمرة على الجهة الآسيوية المقابلة للقسطنطينية، وقد أثنى كثير من مؤرخي الأتراك على الدور الذي قام به الكرد في هذه المعركة المفصلية في التاريخ الإسلامي مثل المؤرخ التركي عثمان طوران في كتابه “تاريخ السلاجقة وحضارتهم”، ويجعل كثير من الناس هذا الدور الكبير للكرد في هذه المعركة الخالدة.
ومن رحم السلاجقة خرجت الدولة الزنكية، حيث أدرك عماد الدين زنكي أهمية استقطاب القوة القتالية الكردية، وقد وظّفها بذكاء شديد في قتال الصليبيين وفي توسيع رقعة الدولة الزنكية، وأدرك عماد الدين زنكي أهمية استقطاب القوة القتالية الكردية، وقد وظّفها بذكاء شديد في قتال الصليبيين وفي توسيع رقعة الدولة الزنكية، وكان نور الدين يكلف أسد الدين شيركوه بالمهام العسكرية الكبيرة، فيعيّنه قائداً على الجبهة الغربية في منطقة حمص لمواجهة الوجود والنفوذ الصليبي في هذه المناطق.
كما ظهر أثر الكرد في المجال العلمي والقضائي، وكان على رأس هؤلاء القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري الكردي، وكان بمنزلة مستشار سياسي كذلك، بجوار علمه وعمله القضائي، ثم بلغ الكرد ذروة قوتهم وعظمتهم في عصر صلاح الدين الأيوبي والدولة الأيوبية من بعده وكلهم من الكرد، وقد حرص صلاح الدين على توحيد المسلمين في مواجهة الغزو الصليبي، ومن أجل ذلك حرص على استنفار المسلمين للانضمام إليه، فلبوا النداء، وتحقق النصر الكبير في معركة حطين، واستعادوا القدس في عام 583ﮪ.
=KTML_Bold=جهاد الكُرد ضد المغول=KTML_End=
على أن مجيء المغول مع نهاية عصر العباسيين إلى العراق والشام، جعل الكرد في مقدمة الأمم التي تواجه هذا الغزو المغولي في أطراف العراق، وقد بذلوا كثيراً من دمائهم، وفي ظل عصر دولة المماليك في مصر والشام، ظل للكرد دور في وحدات الجيش المملوكي، وإن أصبحت بصورة أقل نفوذاً مقارنةً بعصر الأيوبيين، وتلك سنة سياسة في كل الأحوال.
=KTML_Bold=جزاء سنمار للكُرد=KTML_End=
كانت أقاليم الكرد مسرحاً للصراع بين العثمانيين والصفويين طوال القرن السادس عشر الميلادي، حتى استطاع السلطان سليمان القانوني إخضاع العراق وأقاليم كردستان، وبعد صراعات طويلة بين الصفويين في إيران والعثمانيين، اتفق السلطان العثماني مراد الرابع والشاه الصفوي عباس الثاني على رسم الحدود بين الدولتين العثمانية والصفوية، ووقّعت الدولتان معاهدة عُرفت باسم معاهدة “تنظيم الحدود” تقاسمتا فيها كردستان، وبموجبها أصبحت الأجزاء الشرقية من الأقاليم الكردية تابعة لإيران، والأجزاء الشمالية والغربية والجنوبية تابعة للدولة العثمانية، وعُزّزت تلك الاتفاقية بمعاهدة أرضروم الثانية سنة 1847م، ثم باتفاقية تخطيط الحدود سنة 1913م، ثم بمعاهدة لوزان بعد الحرب العالمية الأولى سنة 1923م، وأخيراً بصكّ الانتداب البريطاني على العراق، وانقسم الوجود الكردي بين إيران والعراق وسوريا وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وحتى جورجيا، كما هو معروف.
وأخذ الكرد في النهاية جزاء سنمار، فقد توزع الشعب الكردي بين الدول، وعلينا تعريف التاريخ الحقيقي للكرد لكل الناطقين باللغة العربية، فالكرد لهم طوال تاريخهم جهاد وعلم وثقافة، وإذا كان المسلمون يعرفون حقيقة دينهم، عليهم إنصاف الشعب الكردي، خاصةً من المؤسسات الدينية، مثل الأزهر الشريف، الذي مازال فيه (رواق الأكراد)، يشهد لهم بالعلم وللأزهر بالروح… ها قد قلنا كلمتنا لله والعرب والتاريخ…[1]