=KTML_Bold=مخيم الهول حاضن فكر داعش والخطر المحدق في المستقبل-6-=KTML_End=
قامشلو/ دعاء يوسف داعش الذي نشر الظلام والسواد والرعب، في متون تقلبات الأزمة السورية ردحًا من الزمن، دُمِّرت قوته العسكرية القائمة على الترهيب، والقتل والجبروت، وهُزم شر هزيمة في العراق وسوريا، لكن ظلت مخلفاته قائمة، المتمثلة في عوائل، وأسر مرتزقته المعتقلين في “مخيم الهول”، فأصبح المخيم مهداً وتنشئة لامتداد الفكر الإرهابي، يُنشّأ أطفاله وأشباله، كما يحلو لهم تسميتهم، على فكر داعش وطريقته، حتى غدا خلايا نشطة متشبعة بهذا الفكر، وكأنه متفجرات موقوتة، معلنا عن خطر عظيم يعم العالم إذا ما لم تعالج مشكلة هذا المخيم، خاصة بعد أن شهد في الآونة الأخيرة نشاطاً متزايداً لعائلات مرتزقة داعش، التي تُنبِئ عن إمكانية إحياء داعش مرة أخرى.
إرث ثقيل في مساحة صغيرة حوت ويلات تسع سنوات مضت من إجرام مرتزقة داعش، الذين ساموا الناس بالإرهاب والقتل، هو مخيم الهول، الذي ضم بقايا عناصره الإرهابية، وعوائلهم، ليصبح، كما وصفها التحالف الدولي بالقنبلة الموقوتة، التي يخشى العالم انفجارها في أي لحظة.
فمخاطر داعش قد عمت العالم أجمع، وبالرغم من هزيمته والقضاء على عناصره، لكن بعضا من خلاياه النائمة والموزعة وسط وأطراف البادية السورية والعراقية، تحاول الظهور من جديد، مستفيدة من شبكات اتصالاتها الواسعة، وما تمتلكه من أذرع خفية، تتوغل بالخفاء في المنطقة.
وصف المخيم
يقع مخيم الهول في بلدة الهول في سوريا، وتحديداً على مسافة 45 كم إلى الشرق من محافظة الحسكة على الحدود بين سوريا، والعراق، أُنشئ هذا المخيم بواسطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) في أوائل تسعينات القرن الماضي، لإيواء المهاجرين من العراق، والكويت، ولقد تم استقبال الآلاف من اللاجئين في المخيم، بعد غزو العراق في عام 2003، حيث أُعيد فتح أبواب المخيم مرة أخرى، إلا أنه مع مرور أربع سنوات تم إغلاقه مجدداً. وبعد الأحداث العسكرية، التي جرت عام 2013، وما تلاها، توقف المخيم عن العمل تماماً، وخاصة بعد أن سيطرت مرتزقة “داعش” على جزء من العراق بما فيها الهول، وفي 13 تشرين الثاني عام 2015 تمكنت الإدارة الذاتية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية من استعادة بلدة الهول، وتم إعادة تنشيط المخيم مرة أخرى في 21 نيسان 2016، ليصبح مركز تجمع عوائل مرتزقة داعش، ومجسماً صغيراً لما تسمى بدولة الخلافة، التي يسعى المرتزقة لإنشائها.
ومع سقوط بلدة الباغوز آخر معقل لمرتزقة داعش، حوى المخيم العوائل، التي تم إجلاؤها من المناطق المحررة، ففي عام 2019، وصل عدد اللاجئين إلى ما يزيد عن 73,000 شخص، وغالبيتهم من النساء، والأطفال الذين نزحوا بسبب الحروب، والنزاعات في العراق وسوريا، وفي الحرب ضد داعش، ويشكل اللاجئون العراقيون نصف قاطني المخيم، وربعهم من السوريين، كما أن ما يقارب من عشرة آلاف أجنبي يعيشون في منطقة آمنة داخل المخيم.
ينقسم مخيم الهول إلى “المخيم الرئيسي”، الذي يتألف من ثمانية أقسام، يعرف القسم باسم “القطاع” أو “الفيز”، وهي موزعة كالشكل التالي: اللاجئون العراقيون في القطاع “الأول، والثاني، والثالث، والسابع”، أما القطاعات التي تضم النازحين السورين هم؛ “الرابع، والخامس، والسادس والثامن”؛ بالإضافة إلى قسم “الملحق” الذي يضم رعايا أجانب “قسم المهاجرات” من 60 دولة مختلفة (غير السوريين والعراقيين).
مع جهود الإدارة الذاتية، ومحاولاتها لتفكيك هذه القنبلة الموقوتة، وصل عدد سكان المخيم في عام 2023 إلى 48,656 نازحاً، بينهم 7448 شخصاً من الأجانب، و17473 شخصاً من السوريين المهجرين، بالإضافة إلى 23724 شخصاً من العراقيين.
ويشكل الأطفال، والنساء غالبية سكان المخيم، فيما يقتصر تواجد الرجال على القطاعات السورية، والعراقية فقط، وخلال جولتنا في سوق المخيم شاهدنا أنه بالرغم من مرور أربع سنوات على هزيمة داعش، ما زالت أفكارهم ظاهرة على محيا عوائلهم.
الوضع الأمني في المخيم
وبينت إدارية مخيم الهول “جيهان حنان” خلال لقاء أجرته صحيفتنا “روناهي” أن الهدوء عاد إلى المخيم بعد الحملة الأمنية الاخيرة، التي تحمل اسم “الإنسانية والأمن”، لقوات قوى الأمن الداخلي، كما بدأت المنظمات والجمعيات الإنسانية، والإغاثية مزاولة عملها ضمن المخيم: “في حال لم يتم إيجاد حل نهائي، ومناسب لوضع قاطني المخيم، ستكون هناك نتائج، وأضرار كارثية على المنطقة برمتها، وليس على مخيم (الهول) فحسب، فإن الفكر المتطرف لنساء مرتزقة داعش مازال موجودا، وتسعى لبناء جيل جديد أشد قوة، وهذا ما يجعلنا غير قادرين على القيام بعملنا بين خيام المخيم على أكمل وجه، وجاءت الحملة الأخيرة بعد 37 حالة قتل في المخيم”.
وأكدت أن “ذهنية التطرف” الموجودة لدى بعض سكان المخيم تشهد تزايداً، مستشهدة بالكميات الكبيرة من الأسلحة، ومستودعات الذخيرة داخل المخيم، والتي تم العثور عليها أثناء المرحلة الثانية من حملة “الإنسانية والأمن”؛ ما يهدد حياة 48 ألف مواطن داخل المخيم.
كما يواجه المخيم العديد من الصعوبات، فهو يفتقر إلى الخدمات الصحية، وكثيرا ما نضطر إلى أن نخرج حالات مرضية خارج المخيم للعلاج، ودخول صهاريج مياه للمخيم، وهذا يشكل تهديدا أمنيا للمخيم.
وترى جيهان، أن المخيم عبء، ولا يزال يشكل خطرا جسيما برغم محاولات الإدارة الذاتية تقليص عدد قاطنيه، لتكون قادرة على تغطية النواحي الخدمية، واسترسلت: “ما يزال مخيم الهول أخطر مخيم في العالم، يحوي عناصر خطرة، وخاصة الذين لا تستقبلهم دولهم، أما من استقبلته دولته فقد غادر المخيم، وبقي القسم الأشد خطراً”.
خطر مخيم الهول
ونوهت جيهان، أن “ذهنية التطرف”، والفكر الإرهابي لداعش ممارسان عند كامل قاطني المخيم، وبين مدة وأخرى تحدث جرائم قتل لاسيما في القطاعين السوري والعراقي، بالإضافة إلى حالة القتل الأخيرة لطفلتين مصريتين في قطاع المهاجرات: “إن عوائل داعش والمهاجرات يحملن فكر داعش المتطرف، وهذه العوائل تسعى إلى توريث هذا الفكر للأطفال لبناء جيل يحمل فكر داعش الإرهابي”.
وقد صرحت إدارية المخيم، أن العديد من الأطفال لا يتلقون تعليما تربويا داخل المخيم، وهذا يجعلهم يدورون في فكر داعش الإرهابي، وفي إحصائية أخيرة بلغ عدد الأطفال في المخيم، الذين تتراوح أعمارهم من سنتين إلى 17 سنة 30,745 طفلاً، والخدمات المقدمة لا تفي بالغرض: “وبحكم إن الأطفال لا يدخلون مدارس تعليمية، يظلون ينهلون من تعليم أمهاتهم، وهذا ما يجعلهم ضمن البيئة التربوية، التي يتلقونها من أمهاتهم، اللواتي ينشئنهم على فكر داعش المتطرف، وهذه التربية تجعل الأطفال متشبعين بفكر داعش”.
ومساحة المخيم كبيرة، والكثافة السكانية فيه ضخمة؛ وهذا يجعل تطبيق الإجراءات الأمنية داخل المخيم مقيدة؛ ما يتيح الفرصة لمرتزقة داعش بإعادة تنظيم صفوفها، وذلك بمساعدة قوى خارجية، وهذا ما كشفته حملات التفتيش، التي أجرتها قوى الأمن الداخلي في المخيم.
ورصدت عدستنا خلال تجوالنا في المخيم الإجراءات الأمنية المشددة على قاطني المخيم، فلاحظنا أن سكان المخيم يعيشون حالة ترقب وحذر من الزائرين، وقد دمرت المهاجرات السوق في المخيم، وقالت جيهان عن الأمر: “أن المخيم يعد قنبلة توشك على الانفجار، فبالرغم من عدم وجود حالات قتل هذا العام، سوى حالة واحدة، وتحدث في أغلب الأحيان حالات طعن، وضرب، وحرق لمراكز المنظمات داخل المخيم، بالإضافة إلى السرقة، وأثناء الحملات الأمنية إلا أنه ضبطت كميات كبيرة من الأسلحة، والعثور على أنفاق تكون لتهريب الأشخاص، ودخول السلاح للمخيم، وهذا دليل واضح للإعادة تنظيم صفوفهم من جديد، ولولا الحملة الأمنية الأخيرة لكان حدث مواجهة عسكرية داخل المخيم”.
وترى إدارية مخيم الهول، أن بطء عمليات استرجاع البلدان رعاياها، تجعل الأمر صعبا لتقليل خطورة الوضع في المخيم، واختتمت حديثها: “قد يستمر المخيم على هذا الحال إلى وقت طويل الأمد، ولذلك يجب أن نجد حلولاً سريعة، ودائمة، فبالرغم من أن بعض الدول أخذت رعاياها من المخيم، لكن العملية تسير ببطء شديد، ولذلك تظل أعداد الأشخاص كبيرة داخل المخيم، وتصبح عملية إجلاء الأشخاص من المخيم صعبة، ولن يتم التخلص من الخطر، الذي يشكله المخيم، ولو بعد خمس سنوات”.[1]