=KTML_Bold=مخيم الهول حاضن فكر داعش والخطر المحدق في المستقبل-2-=KTML_End=
قامشلو/ دعاء يوسف
تعد نساء داعش القاطنات في مخيم الهول، امتدادا لفكر داعش الدموي، وحاملات أهدافه وغاياته، وهنَّ يشكلن خطرا أكثر من مرتزقة داعش، فالداعشيات يسعين لاستمرار فكر داعش داخل المخيم، وذلك من خلال تطبيق قوانين المرتزقة في المخيم، فبالرغم من هزيمة داعش جغرافياً، إلا أن النساء المنتميات إلى داعش جعلن المخيم بيئة شبيهة لما كان يفعله داعش أثناء سيطرته على المنطقة، وهنا مكمن الخطر.
إن مخيم الهول بات بيئة خصبة لتنامي التطرف والإرهاب، لمن يمكن تسميتهم ب “الجيل الجديد من داعش”، والتي ظهرت ملامحه بشكل واضح في التعامل الداخلي بين الأفراد، والنساء القاطنات داخل المخيم، وذلك في عمليات الاغتيال، التي قامت بها نساء متشددات بفكر داعش، بحق نساء أخريات كفَّرْنَ فكر داعش الإرهابي، فقد سعت نساء داعش إلى استمرار عمل المرتزقة، وتعزيز عوامل تموضعها داخل المخيم.
وقد يكون مشروع إقامة ما تسمى ب”الخلافة” قد دخل حيز الفشل، فيما تجرع عناصر مرتزقة داعش الهزيمة، فمقاتلوها إما اعتقلوا أو قتلوا، إلا أن مشروع داعش لم يتم زواله بعد، فالكثيرات من المرتزقات أو زوجات المرتزقة بصفوف المرتزقة الموجودات في مخيم الهول، ما زال إيمانهن بأيدولوجية داعش المتطرفة لم يتغير، وما زلن فخورات بالانتماء إلى داعش، ولا يشعرن بالندم على جرائمهن، بل يرتكبن المزيد داخل حدود المخيم.
كتائب الحسبة في المخيم
إن تجنيد النساء ضمن صفوف داعش، جاء مع انتشار داعش في المنطقة، ففي عام 2014، أنشأ “داعش” أول كتيبة مسلحة من النساء عُرفت باسم “لواء الخنساء” وضمّت ألف امرأة في صفوفها، وشاركت هؤلاء النساء في أكثر من 200 عملية إرهابية، ونفذن مهام الشرطة ضمن ما تسمى ب”دولة الخلافة”، وروّجن عقيدة داعش في مجتمعاتهن، واليوم بعد مرور أربع سنوات على دحر مرتزقة داعش في آخر معقل لها في الباغوز، تواصل بعض نساء مرتزقة داعش الموجودات داخل مخيم “الهول” أدوارهن في دعم واستمرار فكر داعش داخل المخيم.
حيث تشكّل زوجات مرتزقة “داعش” نسبة كبيرة من قاطني مخيم الهول، ولم يتوانَ “داعش” عن استخدام هؤلاء النساء كأحد موارده، ويعتمد المرتزقة على استخدام النساء في المخيم سلاحاً هاماً في إطار بناء جيل يسعى لأيديولوجيته التوسعية، في حين أن نسبة النساء في المخيمات، اللواتي يحافظن على عقيدة “داعش”، ويواصلن نشرها بشكل نشط غير واضحة، إلا أنها ليست قليلة، وعلى أوساط مكافحة الإرهاب العالمية؛ لما لهنّ من أهمية خطيرة وكبيرة في عملية إحياء داعش.
وفي إطار بقاء مخيم الهول تحت سيطرة أفكار مرتزقة داعش، فقد شكلت بعض هؤلاء النسوة وحدات الشرطة الدينية الخاصة بهنّ المعروفة باسم “الحسبة”، التي لا تتردد في تطبيق عقوبات قاسية، بما في ذلك القتل، والتهجم على عمال الإغاثة المحليين، والدوليين، وأيضاً على النساء في المخيم، اللواتي لا يطبقن قوانين داعش، وتعمل المنتسبات إليها بشكل سري وعلني.
فيما تتمثل عمليات هؤلاء النساء في المخيم بمراقبة النساء الأخريات، فلا يمكن أن ترتد النساء عن عقيدة داعش، وأفكارها المتطرفة، وتفرض هؤلاء النساء قسراً أيديولوجيا على نساء المخيم، وفي إطار هذا المسعى لترسيخ عقيدة “داعش” في المخيم، تشرف هذه النسوة على تطبيق الموجبات الدينية، ويُوضع كل من يرفض التقيّد بتعاليم التنظيم الدينية تحت المساءلة الشديدة منهن، وبناء على ذلك يفرضن: “ارتداء النقاب، وحظر التدخين، والرقص، والاستماع إلى الموسيقا، وكذلك تدريب أشبال الخلافة”.
جرائم القتل داخل المخيم
وما يثير القلق، هو أن أنشطة خلايا مرتزقة داعش ممن نظمن أنفسهن سراً، لا تقتصر على العقاب والإدانة فقط، فحين تشتبه هؤلاء النسوة بانحراف قاطني المخيم الآخرين عن عقيدة “داعش” أو سعيهم إلى نشر أفكار سلبية عن داعش، تفرض عقوبات قاسية تشمل الجلد، والتعذيب، والحرمان من الطعام، وحرق الخيم، والقتل، حيث تنشط العديد من الخلايا رغم قيام قوى الأمن بالعديد من الحملات للقبض عليهنَّ.
فيما تزداد المخاوف من التهديدات، التي تمثلها ما تسمى ب”الجهاديات” المرتبطات بمرتزقة داعش، وجاء ذلك نتيجة؛ تزايد الهجمات، التي تجري بحق النساء الأخريات في مخيم الهول، فقد ارتفعت الجرائم، التي جرى توثيقها من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في المخيم منذ بداية عام 2022، إلى مقتل ما لا يقل عن 42 شخصًا في مخيم الهول، من بينهم عشرة رجال عراقيين، وستة رجال سوريين، بينهم حارس منظمة إغاثية يعمل ضمن المخيم، وأربع نساء عراقيات، و18 امرأة سورية، وطفل عراقي، وطفلة عراقية، وطفلتَان مصريتان.
والجدير بالذكر أن عمليات القتل الأخيرة داخل المخيم للطفلتين المصريتين، اللتين خالفتا معتقدات داعش وقوانينها، يتحمل مسؤوليتها نساء داعش المتطرفات المقيمات في الهول، في قسم “المهاجرات”، والمعروفات باسم زوجات داعش، اللواتي ينتمين إلى أكثر من 60 دولة، ولا تقتصر هذه الأعمال الإجرامية على قسم المهاجرات فقط، بل تشمل أقسام المخيم كافة.
إلا أنه منذ بداية عام 2023 لم تسجل أي حالة قتل ضمن المخيم، ليعود الهدوء الحذر إلى داخل المخيم بعد الحملة الأمنية الأخيرة لقوى الأمن الداخلي، وذلك حسب ما صرَّحت به إدارية مخيم الهول.
محاولات الهروب
في حين لا تكل، ولا تمل هؤلاء النسوة من محاولات الهروب بأي طريقة ممكنة، وتعد محاولة هروب 200 امرأة من مختلف الجنسيات مع أطفالهن، أكبر محاولة للهروب منذ افتتاح المخيم، فيما أبطلت قوى الأمن الداخلي العديد من هذه المحاولات، هربت العديد من النساء بعد دفع مبالغ طائلة، أو عن طريق الانفاق، التي وجدت داخل الخيام. كما أن قوى الأمن الداخلي شنت حملات أمنية وعمليات، بالتنسيق من قوات التحالف الدولي، على مدار الأعوام الماضية، وألقت القبض على عناصر شبكات تهريب البشر، بينهم نساء “داعشيات”، حيث قمن بتشكيل خلايا إرهابية لتهريب عوائل داعش، وقد نفذت حملات مداهمة بشكل متكرر، شملت معظم أقسام المخيم، وتشتبه في تورط نساء مؤيدات لمرتزقة داعش، يلعبنّ أدوار الوسيط مع خلايا نائمة لداعش تكون خارج المخيم، في عمليات التهريب، وتقديم الأموال لتغطي نفقات المهربين، ومد يد العون لعائلات عناصر مرتزقة داعش.
بالإضافة لعمليات الهروب المستمرة، هناك محاولات عدة من قبل خلايا داعش لاستعادة مخيم الهول، وقد أبطلت قوى الأمن الداخلي عدة هجمات للمرتزقة على المخيم أو السجون، والتي كان منها محاولة مرتزقة داعش في مطلع عام 2022 شنّ هجوم على المخيم بسيارتين مفخختين، في مسعى من داعش لتحرير المنتسبات منهن، اللواتي يمكن أن يشكلن نواة لخلايا إرهابية أكبر خارج المخيم.
عدم تقبل الدورات الفكرية
وأظهرت الحوادث المتكررة أن إيديولوجيا داعش لازالت موجودة ومنتشرة في “الهول”، فتحرص عوائل داعش على استمراريتها، وأفادت معلومات من أُسر داعش لنساء وقف المرأة الحرة ممن يقمْن بدورات تدريبية ضمن المخيم، “أنهنَّ قَدِمْنَ إلى سوريا من أجل نشر الجهاد ابتغاءَ مرضاة الله، وأن أيديولوجيا “داعش” لم تنته بعد، وأن أشبال الخلافة سوف يبنون الدولة الإسلامية من جدي”د.
وقد بينت لنا إدارية وقف المرأة في مخيم الهول على أن الوقف يقوم بإعطاء دورات فكرية بالإضافة إلى دورات التمريض، والخياطة، والكوافيرا.
منوهةً إلى أن أعداد النساء المنظمات لهذه الدورات التي تستمر لمدة شهر جيدة، إلا أن تقبلهن لما يعطى من محاضرات ضعيف وقد شرحت أسباب ذلك: ” أن تأثير فكر داعش عليهن كبير بالإضافة إلى أنه حتى لو تقبلت النساء المحاضرات، التي نقوم بإعطائها، يبقى الخوف من داعش، ونساء الحسبة هاجسا لهن دون أن يعترفن به”. وقام وقف المرأة خلال شهر من هذا العام بافتتاح ثلاث دورات تمريض، ودورة خياطة، وأيضاً إعطاء محاضرات فكرية، ومحاضرات صحية.
كما ذكرت إدارية وقف المرأة أن الأطفال لا يتقبلون فكرة انضمام أمهاتهم للتدريب: “فيقوم الأطفال برمي عضوات الوقف بالحجارة، والتهجم عليهن أثناء بعض الدروس، ففكرة إعطاء دروس خارج أفكارهم يعد جريمة، تستحق الإعدام بنظرهم”.
فقد زادت أن الدورات المعطاة مخصصة في القطاع السوري، والقطاع العراقي: “لم نستطع المحاولة مع المهاجرات؛ لأن طبيعتهن عدائية مع العضوات، وعدم قبولهن لتواجدنا في القطاع المخصص لهن، بالإضافة إلى ذلك خطورة التواجد بينهن، وذلك لعدم تقبلهم أي وجهة نظر خارج فكرهن”.
أرضية خصبة للتطرف
توضح إدارية وقف المرأة في مخيم الهول، أن العديد من النساء داخل المخيمات، قد أبدت قناعتهنَّ بالأفكار التي تمثل القواعد التنظيمية، والتشريعية، التي أُسست عليها مرتزقة داعش، والتي لم يستطع الوقف من خلال دوراته الفكرية تغييرها، وهذا ما يعزز الفرضية الخاصة باحتمال تدشين جيل جديد أو نسخة جديدة من المرتزقة بقوى نسائية لها علاقات بقيادات من خارج المخيم.
وتؤكد إدارية وقف المرأة أن العالم أمام خطر مستقبلي بعودة داعش بشكل أكثر خطورة، ودموية، أنه لم تجر أي عمليات للتأهيل النفسي أو السلوكي، وقالت: “خطورة فكر داعش لدى النساء لا تقل عن خطورة ذكور داعش؛ لأن الذهنية الداعشية ترسخت في عقول الجميع من غير استثناء سواء كانوا أطفالاً أو رجالاً أو نساء، وهذا ما تبين لنا خلال إعطاء المحاضرات، فمن الصعب التعمق معهنَّ بالحديث عن مبادئ المرتزقة أو أفكارها”.
واختتمت إدارية وقف المرأة الحرة في مخيم الهول: “الخيار الوحيد القابل للتطبيق من أجل ضمان عدم تحول مخيمات النزوح إلى تجسيد دائم لأيديولوجية داعش وممارساتها، هو عودة الرعايا إلى دولهنَّ، وخضوع النساء لإعادة التأهيل”.
وفي وقت سابق، أعلنت قوى الأمن الداخلي عن اعتقال العشرات من عناصر داعش بينهم نساء، وذلك بعد إطلاق عدة عمليات أمنية داخل المخيم، تم العثور فيها على كميات كبيرة من الأسلحة، والذخائر كانت مخبأة داخل مستودعات، وحفر تم إنشاؤها بوقت سابق، بالإضافة إلى العثور على نساء معتقلات داخل إحدى الخيام، كُن قد تعرضن للتعذيب على يد جهاز الحسبة النسائي، بعد اتهامهن بمخالفة قرارات المرتزقة، وتشريعاتهم.[1]