=KTML_Bold=مخيم الهول حاضن فكر داعش والخطر المحدق في المستقبل -4-=KTML_End=
مراكز تأهيل أطفال داعش
قامشلو/ دعاء يوسف “أريد أن أصبح أخاً مجاهد، لأقتل الكفار”، بهذه الكلمات عبر طفل بعمر ثماني سنوات عن حلمه في المستقبل، شارحاً مدى تأثير فكر داعش المتطرف عليه أثناء تواجده في مخيم الهول، فيما تعمل مراكز التأهيل، التي افتتحتها الإدارة الذاتية على إعادة تنشئة هؤلاء الأطفال، بهدف الحد من ضياع مستقبلهم وتعرضهم للاستغلال.
تمثل قضية الأطفال، الذين تم إجلاؤهم من مناطق سيطرة مرتزقة داعش، تحدياً كبيراً للمجتمع المحلي والدولي، حيث تتضمن الكثير من الإشكاليات الإنسانية والقانونية والأمنية والسياسية، بالإضافة إلى المخاطر التي يشكله بقاؤهم في المخيمات، في بيئة مهيأة لانتشار الفكر المتطرف والجرائم.
فيما تواصل الكثير من نساء داعش، وخاصة فيما تسمى بالمهاجرات، العمل على استراتيجية تحويل مخيم الهول إلى دويلة لداعش، ويواصلن فيه زيادة النسل، والتلقين العقائدي للأطفال، في مساعٍ لإعادة إحياء داعش، عبر العديد من الوسائل، أخطرها إعداد جيل جديد من جيش داعش المستقبلي.
وفي مسعى من الإدارة الذاتية لإخراج هؤلاء الأطفال من بؤرة الإرهاب، قامت بافتتاح مراكز لتأهيل أطفال داعش، حيث تعمل هذه المراكز على دمج هؤلاء الأطفال وتأهيلهم، ومن ثم إخراجهم من البيئة، التي كانوا يعيشون فيها، والفصل بينهم، وبين الأفكار، التي تُريد أمهاتهم زرعها في داخلهم، فالحل يكمن في دمجهم، وليس التخلص منهم، ومن هذا المنطلق تحاول الإدارة الذاتية تنشئة هؤلاء الأطفال بطريقة صحيحة تناسب أعمارهم.
مركز هوري
وقد أُسِّس أول مركز لتأهيل أطفال داعش؛ مركز هوري عام 2017 في بلدة تل معروف التابعة لناحية تربه سبيه، وهو عبارة عن مدرسة مغلقة يضم الأحداث، الذين تم تجنيدهم من مرتزقة داعش للمشاركة في العمليات القتالية، والإرهابية، كما استقبلت المدرسة الأطفال البالغين القادمين من مخيم الهول؛ بهدف إعادة تأهيلهم، ودمجهم في المجتمع من خلال الدروس التعليمية المختلفة.
وخلال لقاء أجرته صحيفتنا مع إداري المركز بيّن لنا مدى صعوبة التعامل مع الأطفال المتواجدين في المركز، والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، فبالرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على افتتاح المركز، يجد أن تأهيل الأطفال يجري بصورة بطيئة جداً.
كما ويضم مركز هوري 19 جنسية مختلفة، وحسب الإدارة فإن أكثر الأطفال ممن يحملون الجنسية التركية، ويتلقى الأطفال الدروس التعليمية من سبعة معلمين، ويعطي المركز ست حصص، وهي: “الرياضة – الصحة – الخياطة – الإرشاد النفسي – العلوم العامة – الموسيقا – الحلاقة”.
فيما بين إداري مركز هوري أن الأطفال من ذوي الجنسية الأوروبية أقل تغيير للذهنية الداعشية، حيث قدر نسبة تغيرهم ب 20% بالمقارنة مع الأطفال من الجنسية المحلية، والقادمين من الشرق الأوسط، فقد كانت نسبة تغير أفكارهم 60% وعلل قائلاً: “الأطفال القادمون من الخارج جاؤوا من أجل عقيدة مزروعة في عقولهم، في مسعى لنشر الإرهاب، فيما كان هدف القادمين من دول الشرق الأوسط المال فقط، وقد التحق العديد من الأطفال بداعش بغية الحصول على المال”.
وتصل سعة المركز إلى 110 أطفال، وبهذا بيّن إداري المركز عن استيعاب المركز للأطفال: “في بداية الافتتاح كنا نستقبل الأطفال من جبهات القتال، ممن حملوا السلاح وتلقوا تدريبات عسكرية بين أطفال داعش، وفي الفترة الأخيرة استقبلنا البالغين من مخيم الهول، وروج، في مسعى لإعادة تأهيلهم أيضاً، إلا أن عدد الأطفال في المخيمات كبير، ومراكزنا لا تتسع لهم”.
ومن الإجراءات، التي يتخذها مركز هوري للحيلولة دون فصل الطفل عن الأم، كما أطلعنا عليها إداري المركز: “إن الأطفال الذين يملكون عوائل ضمن المخيم، أو خارجه يتم التواصل بين الطفل وأسرته عن طريق الاتصالات أسبوعياً، كما أننا ننسق مع المخيمات لجعل الأطفال يلتقون بأمهاتهم، اللواتي يقمن داخل المخيم، فيما تخصص نصف ساعة كل شهرين، أو ثلاثة أشهر لهذه الزيارة”.
تغيير فكر داعش بطيء
ربما تغيير ذهنية هؤلاء الأطفال أكثر صعوبة لأنهم مؤمنون بأفكار المرتزقة، فيما يتظاهرون أنهم يتغيرون إلا أن تصرفاتهم تكشف عكس ذلك، وقد ذكر لنا مدير مركز هوري حوادث عدة حصلت من هؤلاء الأطفال: “خلال نقاش دار بيني، وبين أحد الأطفال، أخبرني أنه لم يرتكب أي جرم، هو فقط كان يحمل الرؤوس، التي قطعت ويضعها في الأكياس، وبالرغم من إعادة تأهيله لسنوات، لا يشعر بأي شفقه أو ندم على ما قام به بل يعده أمراً طبيعياً يعيشه، بالرغم من عمره الصغير”.
ولا تختفي المشاكل مع هؤلاء الأطفال داخل المركز، ففي حادثة مشابهة، رواها لنا إداري المركز: “أن الأطفال أرادوا قتل طفل، ودفنه فقط لأنه لم يصم في أحد أيام رمضان؛ بسبب مرضه، فيما يتشاور الأطفال على تعيين ومبايعة أمير سري لهم داخل المركز، ويطيعون أوامره، فيحلل ويحرم، ولا يمكن أن يتغيب أي طفل عن الصلاة، ومن ينم ولا يصلي، فقد يتعرض لضرب مبرح من الأطفال الآخرين”.
حاول هؤلاء الأطفال في عام 2020 الاستيلاء على المركز، وأخذ السلاح من الطاقم الأمني، في محاولة للهروب، وعن الحادثة تحدث الإداري: “لقد حاولوا مراراً الهروب، إلا أن هذه المحاولة كانت الأكثر نجاحاً من غيرها، ولذلك نشدد على الناحية الأمنية فنحن مسؤولون عن 110 أطفال كانوا في ساحات القتال سابقاً”.
ويوجد قسم من الأطفال غير مدركين الاستغلال الكبير الذي يتعرضون له، ومن جهة أخرى هناك الكثير منهم يريدون أن يستقبلوا حياة جديدة، بعيداً عن خطط المرتزقة، ويحاولون التغيير، وقد شاهدنا هذا التغيير من خلال الجولة، التي قمنا بها ضمن المركز فهناك معلمات تعطي الدروس للفتية، وهم يتقبلونها بالرغم من أن المعلمة غير مرتدية للباس الإسلامي، فيما انتشرت الآلات الموسيقية والعازفين في باحة المركز.
وما أكد على تغيير الأطفال وتأهيلهم في مركز هوري، لقاء أجريناه مع أحد الأطفال البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً، الذي انضم إلى مركز هوري منذ أربع سنوات، وقد أطلعنا عن رغبته في العودة لبلده لبدء حياة جديدة بعيدة عما تعلمه من مرتزقة داعش.
فيما اختتم إداري مركز هوري حديثه: “إن الأطفال دائماً تتساءل عن مصيرها، فدولهم لا تريد إعادتهم، وقد أخذت خمس دول، ستة أو سبعة أطفال فقط، وهذا العدد قليل بالنسبة ل 110أطفال، إلى جانب أننا بحاجة لمراكز أخرى لتأهيل الأطفال فهناك الآلاف من الأطفال في المخيمات بحاجة لتأهيل، وبالرغم من أن نسبة تأهيلهم بطيئة إلا أنها غير مستحيلة”.
فكر داعش متمكن في عقول الأطفال
وفي مركز روهلات في الحسكة، الذي أُسِّس في عام 2021، لفت نظرنا أطفال رسموا رشاشات، والأطفال ترتدي زي داعش، وتحمل السلاح، وخلال لقائنا مع العديد من الأطفال ضمن المركز ممن لم تتجاوز أعمارهم 11 عاماً، فقد أبدى جميعهم رغبته في العودة لمخيم الهول، ويضم المركز أطفالاً من ثلاث سنوات إلى 13 عاماً.
فبسام طفل، لم يتجاوز ثماني سنوات، جاء إلى المركز منذ شهر واحد، يريد الانتقام لوالده الذي قتل، وتحدث عن حلمه: “أريد أن أصبح أخاً مجاهد، من أجل قتل الكفار، وأريد بناء الدولة الإسلامية”.
فيما لم يرغب مصعب بالعودة إلى تونس معللاً: “هنا أرض الشام، مهد الدولة الإسلامية”، ويرغب في العودة مع والدته إلى مخيم الهول، لأنه يجد الحرية هناك، ومصعب من الأطفال، الذين تجاوزوا السنة في المركز، وقد جاء ترحيله إلى دولته؛ ما جعله غاضباً.
حال الفتيات لا يختلف كثيراً، فتجدهن بالرغم من عمرهن الصغير يرتدين الخمار، ويرفضن الحديث مع الشباب، فيما رفضن الاختلاط مع مصورنا، فعند حديثه مع طفلة لم تتجاوز عشر سنوات غضب شقيقها، وأمرها بالابتعاد وتغطية وجهها، وخلال حديثنا مع مريم أحد عشر عاماً، وبالرغم من بقائها لسنة ونصف داخل مركز التأهيل، تفضل العودة إلى المخيم، فحسب قولها لنا: إنها لا تريد ترك “الأخوات”، وتريد أن تصبح طبيبة لتعالج المصابين و”الأخوات” أثناء الحرب.
فيما ترى حميرة طفلة روسية ثماني سنوات أن المركز جيد إلا أنها تفضل العودة إلى المخيم برفقة والدتها، وعللت: “نحن في سجن، وسنذهب إلى دولتنا الإسلامية قريباً”.
والجدير بالذكر مركز هلات لإعادة تأهيل الأطفال يعد فسحة لهم، فهو يأخذ الأطفال ممن يرافقون أمهاتهم في السجون لثماني ساعات، ويعطونهم الدروس والنشاطات الترفيهية، لذلك هذا المركز الفسحة الوحيدة التي يرتبط بها الطفل بالحياة بعيداً عن السجون.
الحاجة لتأهيل الأطفال من الجنسين
كما بينت إدارية مركز هلات، أن الأطفال خلال دخولها للمركز تكون انعزالية، وتكره الجميع، وأضافت: “في النهاية يظلون أطفالا، فبعد بضعة أيام يتأقلمون، ويلعبون معنا ويحبوننا، إلا أنهم لا يحاولون التغيير من الفكر المزروع في عقولهم، لأنهم يعودون لأمهاتهم اللواتي يحرضنهم علينا”.
وعن حادثة روتها أحد المعلمات، أن طفلاً لم يتجاوز السابعة طالب معلمته للقدوم إلى المخيم لقتلها، وترى من جانبها إدارية هلات، أن الأطفال بحاجة إلى التأهيل الصحيح، ومركز هلات يتسع ل 50 طفلاً، ولكن العدد قد يصل أحياناً إلى 100 طفل، وهذا ما يشكل عائقاً عليهم.
بينما تجد إدارية هلات، أن الأطفال تعيش صراع بين أفكار داعش، التي تغذيهم بها الأمهات، ومحاولة المركز جعلهم يعيشون طفولة طبيعية، ونوهت: “أن الحل الأمثل هو تأهيل الأمهات إلى جانب الأطفال، فالطفل يعيش ضمن بيئة مليئة بفكر التطرف، والقتل بسبب والدته التي عاشت مع المرتزقة لفترة طويلة”.
واختتمت إدارية مركز هلات حديثها، أنهم بحاجة لتأهيل جميع الأطفال فالطفل يتعرض للاستغلال من قبل فكر وذهنية داعش الدموية: “لا نستطيع استيعاب جميع الأطفال، وليس الأولاد فقط من بحاجة للتأهيل، إنما الفتيات أيضاً، فهن يسرن على نهج أمهاتهن ليكن المعلم لفكر التطرف”.
وبالرغم من إنشاء الإدارة الذاتية مراكز للتأهيل يعيش فيها قرابة مئتي طفل، تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة عشرة والثامنة عشرة، ولكن يبقى أن أعداد أطفال “داعش” تفوق هذا الرقم بعشرات الآلاف، وبالتالي لا يكفي وجود مركزين للتأهيل، والمركز يعد فسحة للأطفال المتواجدين في السجون بالقرب من أمهاتهم، أكثر من كونه مركزاً لتأهيل الأطفال.[1]