=KTML_Bold=الأزمة السورية بين خيبة المؤتمرات وصراع الأقطاب=KTML_End=
إبراهيم بركات
منذ اندلاع الأحداث في سوريا، مرّت الأزمة السورية بالكثير من المراحل والمنعطفات، وعقدت بالكثير من المؤتمرات والمنتديات لمختلف أطياف المعارضة، لم تفضِ جميعها لطرح إي حل للأزمة، أو بوادر وقف تفاقمها، بل العكس جاءت بعضها لتزيد الطين بلة؛ ما أدى إلى مزيد من الإحباط بين الشعب السوري خاصة، الذي بقي في الداخل، نتيجة تدخل القوى الإقليمية والدوّلية في هذه المؤتمرات، ومسارات #الأزمة السورية# .
ولعل سلسلة المؤتمرات، التي عقدت في جنيف خير دليل على ما ذهبنا إليه، فمن المؤتمر الأول، الذي عُقد في 30-06-2012 وطرح الأمين العام للأمم المتحدة وقتذاك “كوفي عنان” نقاطه الستة لحل الأزمة السورية، والتي لم يتم تطبيق أية بند من تلك النقاط، وحتى عام 2017 عقدت ثمانية مؤتمرات، لم تستطع جميعها الإتيان ولو ببارقة أمل للشعب السوري بخلاصهم من محنتهم ومآسيهم اليومية.
أما فيما يتعلق بالقرار 2254 والذي صوت عليه مجلس الأمن الدولي في 18-01-2015 والذي نص على بدء محادثات السلام بين الأطراف المتنازعة في سوريا، مشيراً إلى أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلده عبر تشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات برعاية أممية، ومطالباً بالوقت ذاته وقف الهجمات ضد المدنيين فوراً، واعتبار هذا القرار الأرضية الأساسية لتحقيق الانتقال السياسي، وتالياً وقف النزاع في سوريا، “وهذا القرار هو مشروع قرار أمريكي”، لكنه بقي حبراً على ورق، رغم أن الأطراف كلها تطالب بتطبيقه، ولكل طرف غاياته وفق مصالحه.
أما مؤتمر آستانا ومساراته المتتالية، فهو أخطر المنصات المتعلقة بالأزمة السورية، لأنه عقد بدعوة ورعاية أطراف ساهمت بتأجيج الأزمة وتفاقمها، وساهمت بتدمير سوريا؛ “روسيا، وتركيا، وإيران، بالإضافة للجماعات المتطرفة المدعومة والممولة من تركيا، وكانت أغلب مخرجات مؤتمرات آستانا ترمي إلى مقايضات وتبادل مناطق النفوذ، ناهيك، وهذا أخطرها، منح النظام التركي الضوء الأخضر لاحتلال عفرين، ومن ثم سري كانيه، وكري سبي، وما تبع ذلك ما ارتكبه النظام التركي ومرتزقته من القتل، والخطف، والتشريد بحق سكان تلك المناطق، وتدمير معالمها التاريخية، وممارسة التغيير الديمغرافي في انتهاك صارخ لكل المواثيق والمعاهدات الدولية، وميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو إلى تحييد المدنيين في مناطق الصراع، فيما بقيت جلسات “اللجنة الدستورية”، والتي عقدت في جنيف منذ 30-10-2019، والمكوّنة من ممثلين عن حكومة دمشق من جهة، والمعارضة السورية من جهة أخرى، فبقيت تدور في الفراغ، وفي دوامة لامتناهية، خاصة في غياب ممثلين حقيقيين للشعب السوري، والامتناع عن دعوة ممثلين عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تحت ضغط النظام التركي، وتحكمه بمفاصل المعارضة السورية، وسياقات عملها، وتسويقه لاتهامات ضد الإدارة الذاتية، فتارة اتهامها بالإرهاب، وتارة بأنها إدارة انفصالية، وبالمحصلة لم تحقق الجلسات الثمانية للجنة الدستورية أية نتائج مرجوة، لأن كل طرف مشارك بهذه الجلسات يخضع للجهة الداعمة، وليس للشعب السوري لإنهاء مآسيه.
ورغم أن منطقة الشرق الأوسط تترنح على صفيح ساخن، وساحة صراع لقوى دولية تسعى كل منها للحصول على حصة الأسد في تقاسم النفوس.
فالنظام التركي لم يكف عدوانه على شمال وشرق سوريا معلناً حرب مفتوحة على أي كيان كردي، متحدياً ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، ولا يتوانى بارتكاب أفظع الجرائم والمجازر بحق الشعب الكردي، وعدوانه الأخير على شمال وشرق سوريا وتدميره للبنية التحتية فيها خير مثال على روحه العدوانية.
ناهيك عن الحرب الدبلوماسية، الذي يمارسه النظام التركي ضد أي تمثيل للأطر الكردية في شمال وشرق سوريا سواء الإدارة الذاتية، أو مجلس سوريا الديمقراطية في المحافل، والمؤتمرات الدوّلية للاتفاق على وضع حلول للأزمة السورية، فالعدوان التركي المعلن على كرد سوريا دبلوماسياً لا يقل شراسة عن عدوانه بواسطة الطائرات الحربية ومسيّراته وتدميره البشر والحجر.
وكذلك الحرب المشتعلة بين حركة حماس الفلسطينية، والتي تتخذ من مدينة غزة مركزاً لنشاطاتها وإسرائيل، والذي ذهب ضحية هذه المواجهات مئات من الضحايا والدمار من الطرفين، ووقود هذه المواجهات يبقى الشعب الذي يدفع ضريبة هذه المواجهات الدامية.
فيما نجد، أن الأزمة السورية بكل تداعياتها ومفاعيلها لم تعد تشكل الأولوية لدى القوى الدولية، ومراكز القرار العالمي لضرورة وضع حد لها، وحل هذه الأزمة، التي أرهقت كاهل الشعب السوري، وبات الشعب السوري ضحية المصالح والأجندات الإقليمية والدولية، ولم يشفع له ما أصابه من الوهن، والدمار، والقتل، والتهجير، فيما ما تسمى بالمعارضة السورية وخاصة “الائتلاف السوري” رغم تشرذمها مازالت رهينة مصالح النظام التركي وتأتمر بأوامره، فيما المجموعات التي تدعمها وتموّلها تركيا تحولت إلى مجموعة مرتزقة تقتات على تأجير بندقيتها متى تطلب منها النظام التركي ذلك.
من هنا نجزم، أن منطقة الشرق الأوسط أمام منعطف تاريخي ومنطقة صراع النفوس، وجميع الاحتمالات باتت واردة، بل وربما خرائط جديدة باتت قيد التنفيذ على الأرض.
في خضم كل ذلك، وما يكتنف المشهد برمته من الغموض، خرجت مجموعة تطلق على نفسها المجلس السوري للتغيير وتكتل السوريين، والتجمع الوطني الديمقراطي السوري، بعقد اللقاء السوري الديمقراطي، في برلين في 20 و 21 من هذا الشهر.
وما هو مستغرب بموضوع هذا اللقاء هو الدعوة له جاءت بتنسيق مع الأكاديمية البروتستانية في برلين، والأكاديمية البروتستانتية في لوكوم، حسب ما هو مكتوب ببطاقة الدعوة الموجهة للمشاركين، الذي يقارب عدد المدعوين 450 شخصاً، وفق ما ذكره أحد المشاركين في المؤتمر.
ما يطرح أكثر من تساؤل، وخاصة لأول مرة تقحم جهة كنسية نفسها لمثل هذه الأنشطة السياسية المعارضة، علماً أن بريطانيا هي مركز “الأم” للكنيسة البروتستانية في العالم.
وكذلك الشخصيات المدعوة والمشاركة في المؤتمر لا تمثل إلا ذاتها، بل أغلبهم أسماء جديدة لا تحمل أية رؤية وطنية خارج السعي لمصالح وغايات
شخصية مثل:
الدكتور صلاح وانلي، وحسان الأسود، وماجد حسين.
بالإضافة لشخصيات “مستقلة” مغمورة
محمد علي باشا، وأدهم باشو، وكندال رمو.
مع شخصيات انتهت صلاحيتها داخل ما يسمى بالائتلاف السوري المعارف الموالي لتركيا مثل:
جورج صبرا، وعبد الحكيم قطيفان، والصحفي أيمن عبد النور “المقيم في أمريكا، ويدير موقع كلنا شركاء” ومجموعة أخرى قريبة من الإخوان المسلمين حسب المراقبين لمسار التحضيرات للمؤتمر.
كما يسوّق لاسم شخصية “أدبية، روائية” مقيمة في أوروبا والمعروف بعدائها للإدارة الذاتية، بل شغله الشاغل نشر وبث سموم عدائه ونشر الأكاذيب الافتراءات بحق الحركة التحررية الكردستانية.
يسعى القائمون على المؤتمر تشكيل جسم سوري معارض بدعم من بعض الدول الأوروبية، وربما من الجهات النافذة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقاً للمعطيات الأولية، وعلى ضوء قراءة الواقع السوري في هذه المرحلة، المؤتمر سيولد ميتاً، وتبقى مخرجاته وقراراته إن وجدت حبراً على الورق.
في ظل غياب وتجاهل تام للقوى الفاعلة على الأرض، والتموضعات المتعددة والمتصارعة على الخارطة السورية في هذه المرحلة، وكذلك ومن خلال متابعة التحضيرات وأعمال للمؤتمر، تحاشى المشاركون الاحتلال التركي للمناطق والمدن السورية “عفرين، وسري كانيه، وكري سبي” وممارسته وبشكل متسارع التغيير الديمغرافي في هذه المناطق، والدعم اللامحدود الذي تقدمه تركيا للمجموعات التي تسيطر على إدلب وريفها. لذا من الصعوبة، إن لم نقل من المستحيل اختراق كل هذه المعطيات والعوامل، التي تفرض ذاتها على الأرض من خلال عقد مؤتمر “اللقاء” الذي لا يمثل الحد الأدنى لشعب السوري.
بل أتى هذا المؤتمر كبقية المؤتمرات السابقة، الذي لا يتعدى إنه تسويق لشخصيات ولمصالح الدوّل، وبعض الجهات، حيث أن الشعب السوري يظل في هذه المؤتمرات واللقاءات السياسية لا ناقة له فيها ولا جمل.
إن التحوّلات التاريخية، التي جرت في شمال وشرق سوريا منذ بداية عام 2014وما تحمله من إرهاصات وتجليات كفيلة بإنقاذ الشعب السوري من أزمته وإخراجه من محنته ومعاناته، وتالياً ولادة سوريا الجديدة عبر الحوار السوري السوري، الذي تشارك فيه أطياف المجتمع وشرائحه كافة، عدا ذلك تبقى طفرة في الخواء.[1]