=KTML_Bold=الأديب والناقد سليمان محمود: النقد ليس ضرباً من الحرب بين الناقد والمنقود 2=KTML_End=
حاوره/ محمود عبدو
“وجوه ثقافية” سلسلة حوارات ثقافية تسعى للتعريف بوجه من الوجوه الثقافية – ما أمكن- في حوارات ثقافية تناقش تجربة المثقف، وشخصيته، ودوره المعرفي، ضمن المناخ الثقافي والفني العام، وضيف هذا الحوار الأديب والناقد “سليمان محمود” ابن مدينة “قامشلو” في الشق الثاني من اللقاء عند تجربته ونتاجه، ورؤيته، وبصمته في المشهد الثقافي الكردي والعربي في المنطقة.
معنيٌ أنت، كما أعلم، بجهودك الجمّة والثرّة في رفد المكتبة الكردية بالكتب الهامة، والكتابات الجادة والإبداعية، فإلى أي درجة نجحت في ذلك؟
ربما لم أنجح حتى الآن، أو أنني أحبو في هذا الطريق. أنا لا أجيد القراءة والكتابة بالكردية، غير أنني غيور جداً على اللغة الكردية، ونوعية النتاج الكردي عموماً. مقارنة بمكتبات اللغات الأخرى من حولنا، لا زلنا فقراء جداً في رأيي، فنحن في حاجة إلى جهود جبارة في مجال الترجمات، والكتب النقدية أيضاً، وكذلك الدراسات الفكرية.
إن قلة الدراسات النقدية الجدية عن الأدباء الكرد ونتاجهم يرجع إلى أسباب كثيرة، لعل أهمها هو الكسل الفكري المسيطر على غالبية من يسمون أنفسهم نقاداً، ولذا فهم لا يرغبون في الكتابة إلا عن أديب سبق أن كتب عنه، لأن الأديب غير المدروس سابقاً يعد فيما يتعلق بهم عالماً جديدا، وعليهم الاعتماد على طاقاتهم وإمكاناتهم وحدها في اكتشافه، وتحديد معالمه وخصائصه، غير أن الكثيرين منهم يخشون السفر إلى العوالم الجديدة، ويرهبون المغامرة، ويفضلون العيش في تكايا مشيدة من أفكار مصطلحات جاهزة، تقدم لهم الخبز، والحساء، والكساء، والفراش، لذا لا نجد حتى الآن دراسة نقدية جيدة عن شاعر مثل جكرخوين أو ملايي جزيري.
أنا أعتقد أن الولادة الحقيقية للنقد عندنا يجب أن تبدأ من الارتباط بأدبنا المحلي، مهما تكن حاله ومستواه، غير أن سلوك نقادنا ينم عن موقف من يطالب الأديب المحلي بالتطور وحده، وبالوصول وحده إلى مرحلة النضج والكمال، وهنا أرى أن النقد يفقد دوره الطليعي، ويحبط قدرته على الإسهام في تطوير أدب ما زال يتعثر باحثاً عن أرض صلبة.
وما نشر من نقد يؤكد أن الناقد المحلي القدير لا وجود له، ثمة بدايات ولا شيء غيرها، بعضها يتصف بالجدية والدأب، وبعضها ولد ميتاً، ولكنه يملك موهبة الزعيق والجعجعة.
رتابة الحياة، ومتطلبات العيش الكثيرة، مثلما الكثيرون، هل أوقفت عندك الإبداع، أو أعاقته قليلا؟
هذا صحيح إلى حد ما، مع أنه غير مبرر كاف، فأنا محاضر في الجامعة، وعضو مركز الدراسات والحوار وأيضا عضو مكتب ديوان الأدب. إن عملي يستنفد كل طاقتي الجسدية، والفكرية كذلك.
والكتابة في العموم بحاجة إلى شيء من التفرغ والمزاج والاكتفاء المادي. ما يتبقى لدي من الوقت أمضيه في المطالعة والقراءة أكثر من ضياعه في كتابة عبثية لغاية الشهرة والمنافسة. أشعر أنه لا زال علي ديناً في عملية القراءة، ولم أسدده بعد، كما أن لي وجهة نظر في أن القراءة أهم من الكتابة في الوقت الحالي.
بصمة وهوية سليمان الثقافية، هل ما زالت ضائعة دون كتاب أو ديوان منشور؟
لا أظن أن هويتي ستكون حتماً مرتبطة بنتاج مكتوب. أعرف أشخاصاً طبعوا العديد من المجموعات الشعرية والقصصية والروايات، غير أنها لا تستحق القراءة ولا قيمة أدبية لها مطلقاً. لا مشروع محدد لي في الوقت الحاضر، علي أن أقرأ وأقرأ، ولكن مشاغل الحياة لا تسمح لي بالروي من هذا الظمأ مع الأسف، فالكاتب والشاعر في بلادنا مرهقان بين العمل اليومي لأجل اللقمة، وبين العمل الأدبي الإبداعي، الذي يتطلب وقتا وعافية جسدية ونفسية. لذا أحب أن أقتصد في الكلام عن نشر مواد لي لأنه من غير المفيد أن أعد بشيء ولا أحققه. لقد علمتني الأيام أن أتهيب جمهور القراء وأحن إليه في آن واحد. قد أبقى شاعراً دون نص أو ناثراً دون قصة تروى.
نصوص إبداعية للأديب سليمان محمود:
“هلُّمي
أيّتها المسافرةُ خلفَ ظلّكِ
نصطادُ الغيمَ،
ونفتّشُ عن بذور الكمأِ.
دعي عنكِ
سرابَ الأيام المُهمّشة،
ولنملأ قُدورَ أيامنا الهرمةِ
بأوراقِ السّماءْ.
اصغي إلى صمتي المُنفلتِ
على جذور الأشجار المنسيّة،
ولنمتثلْ
لمشيئةِ غُربتنا المُعتادة،
ولنمضِ نحوَ الأمكنةِ،
السّرابِ.
…..
ثمّةَ رعدٌ أكادُ لا أسمعهُ
ثمّةَ حديقةٌ
من كهرباءَ أدخلُها
ثمّةَ جلدي
قميصُ رجفةٍ الصّباحُ
يدخلُ في منزلِ المطرِ
ونحنُ لنا مقهانا
الذي من مطرٍ ندخُلُهُ
هذا الصّباح
لنا المطرُ مقهانا طَلقاً
إذاً
أنا أدعوكِ
إلى فنجانِ مطر.
……
وأنا الذّي لا أطيقُ نفسي
أكثرَ من ساعتين،
فكيفَ لكِ أن تطيقيني ثلاثاً!
أنتِ حزينةٌ
وأنا ليسَ لديّ شيء إضافيٌ
أبتاعُ به ابتسامةً لكِ
ولا شاشةَ تلفزيونٍ معطَّل
أرسمكِ داخلها!
أنتِ واحدةٌ
لكني لا أستطيعُ أن أعدَّكِ
على أصابعي
أصابعي التي بترَها العَدُّ!
مساءً هذا المساء،
تموجُ في عينيكِ قهوةٌ
وعلى شفتيكِ
بقايا ليلةِ الأمسِ.
مساءَ الخيرِ
للأصابع التي أشعلَتني
مساءَ الأنفاسِ،
تجعلُ من الغرفةِ رئةً!
الليلةَ
سأقطفُ من شجرِ ملامحكِ
وجهي
الليلةَ أنا معكِ
في خيانة القصائدِ
الليلةَ، سأرفعُ لكِ قلبي
طافحاً بمطرِ عينيكِ.
نخبُكِ.”[1]