=KTML_Bold=سلوكيات الأحزاب والكتل السياسية 1=KTML_End=
(نهج سياسي أم.. عمالة أمنية)
(الحلقة الأولى)
#بير رستم#
لقد كثرت في الآونة الأخيرة المواضيع والمقالات التي تناولت سلوك حزب العمال الكردستاني _وهذا شيء طبيعي كونه أحد الفصائل والقوى السياسية الكوردستانية الأساسية_ وذلك إن كانت نقداً أو مدحاً، ذماً وشتماً أم وصفاً وإشادةً به وبكل تاريخه ونضالاته وحتى أخطاءه السياسية والتحالفية وفي مراحل معينة وعلى المستويين التكتيكي والاستراتيجي، وقد ذهب أكثرنا _حسب قراءتنا_ باتجاه المغالاة والتطرف ومن الجانبين؛ حيث مؤيديه وقعوا في مصيدة التمجيد والمدح المجاني في أكثر الأوقات، بل إلى نوع من حالة التأليه لكل ما يتعلق بالحزب من النهج والفكر إلى الرموز والسلوك والممارسة اليومية وهنا كانت الطامة الكبرى، فلا بد لمن يعمل أن يخطئ وكذلك فهناك الانتهازيون والمتسلقون وصائدي الفرص وهؤلاء وجدوا في الظروف الحالية الفرصة السانحة للتسلق وكسب المناصب والامتيازات. بينما منتقدي الحزب العمالي الكردستاني، هم أيضاً وبدورهم، وقعوا أسرى رد الفعل التشنجي والدفاع عن الذات والوجود، فالكوردي كأي شرقي لا يرضى أن يكون أنكيدو آخر.
وعندما نقول حزب العمال الكردستاني فبالتأكيد نعني بذلك كل تياراته وفروعه ومنظماته كمؤسسة حزبية سياسية وأيضاً عسكرية؛ حيث هناك فروعها وأحزابها وكريلاها ومؤسساتها المدنية والاجتماعية في الأقاليم الكوردستانية الأربعة وإن تسمت بأسماء متباينة ولكن الكل يعلم بأنها تعمل وتخضع لذات النهج والمدرسة الفكرية_السياسية ولكن ولعوامل وظروف أمنية وسياسية _ذاتية وموضوعية متعلقة بالأمن الإقليمي العام_ وكذلك لمرونة العمل السياسي والميداني وسهولة الحركة تم هذا الفصل الجزئي في الهيكليات التنظيمية مع الاحتفاظ بدور (قنديل) كقاعدة ومرجعية سياسية وعسكرية _وخاصةً بعد اعتقال عبد الله أجلان؛ زعيم الحركة وقائدها_ وذلك لكل تلك المنظمات والهيئات، وهذا ليس سراً نكشف الغطاء عنه، بل الجميع يعرف ويدرك هذه الحقيقة، الخصوم قبل الرفاق والأصدقاء وفي مقدمة أولئك العارفون بها تكون الحكومة التركية، فها هو (أحمد داوود أوغلو) رأس الدبلوماسية التركية يفصح عن ذلك، بل ويكررها المرة تلوى الأخرى في وسائل الإعلام.
وبالتالي فإن الفرع أو الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني في سوريا والذي يعرف بحزب الاتحاد الديمقراطي يعتبر حامل النهج والفكر السياسي لهذه المدرسة النضالية ضمن المنظومة الثورية لهذا التيار الكوردستاني وذلك مهما قيل وكتب عن استقلاليته وخصوصيته بهذا الإقليم الكوردستاني؛ حيث هناك _وكما يعرف كل مهتم بالقضية الكوردية_ ثلاث محاور أو تيارات سياسية عريضة في جسم وحراك المجتمع الكوردي وهم: التيار القومي الكلاسيكي المحافظ والذي يمتد بجذوره إلى بدايات القرن الماضي وذلك نتيجة تأثر المنطقة بالفكر التنويري الأوروبي وخاصةً أفكار الثورة الفرنسية 1789 م ومن ثم المنظرين القوميين لشعوب المنطقة العربية والتجربة الكمالية (مصطفى كمال أتاتورك) منظر ومؤسس الدولة التركية الحالية.
وهكذا ولد التيار القومي الكوردي مع بدايات القرن الماضي _كما أسلفنا سابقاً_ وكانت حصيلتها مجموعة الحركات والانتفاضات التي شهدها الجغرافية الكوردستانية في مواجهة غاصبيها وقد توج هذا التيار في أعوام (1945_1946 م) بتأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كل من إيران والعراق _وعلى التوالي والتي تعرف اليوم بنهج البارتي_ كأحزاب قومية وأداة نضالية للمرحلة التاريخية. وبعد انهيار جمهورية مهاباد في عام (1947 م) وإعدام أكثر قيادات الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران؛ كونها كانت على رأس الجمهورية المنهارة، قاد هذا التيار السياسي العريض _وما زال يقوده_ الحزب الديمقراطي الكوردستاني (العراق) وقيادته التاريخية المتمثلة بشخصية الراحل (ملا مصطفى بارزاني) واليوم تتمثل بشخصية نجله الرئيس مسعود بارزاني؛ رئيس إقليم كوردستان (العراق). وهذا التيار بدوره له فروع وتنظيمات سياسية _وإن كانت تتمتع باستقلالية أكبر مما هو موجود عند التيار الأول_ وذلك في كل ساحات كوردستان وفي الإقليم الملحق بالدولة السورية فإن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) يعتبر أحد أجنحة هذا التيار السياسي في الحركة الكوردية.
أما التيار الآخر فقد ولد مع منتصف القرن الماضي، أي بعد الحرب العالمية الثانية وبعد انقسام العالم إلى معسكرين وحلفين؛ حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية القوة الجديدة والناشئة ومعها حليفتها الدول الأوربية الغربية والحلف الثاني هو (حلف وارسو) وكان بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق وإلى جانبها عدد من الدول الأوربية الأخرى. وبالتالي فقد تم تقسيم العالم والجغرافيات التي تعرف اليوم بالجنوب أو العالم الثالث بين هذين المحورين والحلفين، فليس بخافٍ على أحد تعريف المعسكر الثوري في العالم آنذاك؛ حيث كان يضم كل من الاتحاد السوفيتي نفسه والدول الاشتراكية وكذلك مجموع الأحزاب العمالية والشيوعية في البلدان الرأسمالية وإلى جانبهم الأحزاب وحركات التحرر في العالم الثالث وتحديداً أحزاب الحركات القومية ذات النهج الماركسي اللينيني.
وهكذا فلقد ولد التيار الثاني في الحركة الوطنية الكوردية من رحم الأفكار والنظريات الثورية الاشتراكية فقد وجدت تلك الأفكار رواجاً بين الجيل الجديد وبالتالي كانت بمحصلتها عدداً من الحركات والأحزاب التي خرجت من جسد التيار الأول القومي الكلاسيكي؛ (أي البارتي) وكان أبرزها الانشقاق المعروف بانشقاق (1966 م) في جسد الحزب الديمقراطي الكوردستاني (العراق) بدمشق وبقيادة الرئيس الحالي للجمهورية العراقية وزعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني وبهذا الاسم منذ ذاك الوقت، بالإضافة لعدد كبير من التيارات والأحزاب الأخرى وفي الأقاليم الأربعة من الجغرافية الكوردية؛ حيث شهدت سوريا ولادة الحزب اليساري الكردي بقيادة الراحل عثمان صبري ومن بعد الانشقاق عن الحزب الأم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا_البارتي) وكذلك وجدت ساحة كوردستان (تركيا) عدد من هذه الأحزاب الثورية ومن ضمنهم؛ حزب العمال الكردستاني.
والتيار الثالث في الحراك المجتمعي الكوردي اليوم، هو قيد التشكيل كتنظيمات سياسية وحزبية وليس كفكر ونظريات؛ كونها تعتمد على الفكر الإسلامي كرؤية سياسية لحل القضايا والمسائل الحياتية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية. وتشهد ساحة إقليم كوردستان (العراق) تحركاً ملحوظاً لهذه القوة السياسية الناشئة، وخاصةً بعد هذا الحراك الشعبي في المنطقة العربية والتي تعرف ب“الربيع العربي” ولربما نشهد المزيد من الفاعلية والتأثير لهذا التيار في بعض الساحات الكوردستانية ذات التربة الخصبة والمناخ الملائم للفكر الديني الإسلامي، ونحن نعلم كم حرصت الحكومات الغاصبة لكوردستان وفي الأقاليم الأربعة بأن تبقي المناطق الكوردية بعيدة عن التمدن وتكريس الحالة الدينية وذلك من خلال بناء المزيد من الجوامع والحسينيات؛ حيث يمكننا القول بأن في كوردستان هناك جامع بين جامع.. وجامع.
وهكذا يمكننا القول بوجود ثلاث تيارات عريضة في جسد المجتمع والحركة الوطنية الكوردية بالإضافة إلى تيارات أخرى أقل تأثيراً وفاعلية؛ ككل من التيار الليبرالي وأيضاً المدني الحقوقي ومنظماته المجتمعية والإنسانية وذلك لكون هذه التيارات ترتبط بواقع المجتمعات المدنية الصناعية وما زال الواقع المجتمعي الكوردي لم ينتقل بعد من الحالة الإقطاعية الزراعية إلى المجتمع الصناعي البرجوازي وليس المدني الليبرالي.
وبالتأكيد فإن داخل كل من هذه التيارات السياسية هناك مجموعة من التنظيمات والأحزاب التي تشترك في سياساتها العامة لانطلاقها من منهجية فكرية واحدة ولكنها تختلف في بعض الجزئيات وكذلك في ولاءها لبعض الزعامات التاريخية ومنافسة زعامات جديدة ناشئة لها وأيضاً مدى حجم وقوة مراكز القرار والقوى الإقليمية والدولية وخاصةً بالنسبة للتيار الثاني الماركسي_اللينيني؛ حيث نجد داخل هذا التيار بالإضافة إلى التيار الماركسي التقليدي كالأحزاب اليسارية الكوردية ما هو أقرب إلى الحالة المدنية الوطنية _بشكلها المشوه، وذلك لكونها لم تنجز المنجز القومي بعد لكي تدخل المرحلة الوطنية وتعمل من أجلها_ ويمثل هذا التيار في وقتنا الحاضر الاتحاد الوطني الكوردستاني وحلفاءه.. وهناك كذلك ما أقرب إلى الغيفارية* ويمثل هذا الاتجاه الثوري _حالياً_ في الحركة السياسية الكوردية؛ حزب العمال الكوردستاني بكل تفرعاته وتنظيماته السياسية والعسكرية وفي جميع الساحات الكوردستانية.
واليوم ونحن نرى انقسام العالم مجدداً بين معسكرين ومشروعان سياسيان وكلٍ يحاول أن يفرض أجندته ومشروعه في المنطقة فبالتأكيد فإن الواقع الكوردي هو كذلك سوف يتأثر، بل يعيش هذا الانقسام وذلك بحكم اختلاف الأجندات السياسية لكل تيار ومحور سياسي ولكون العالم ونتيجة الثورة التقنية أصبحت قرية كونية صغيرة وأيضاً ولكون المجتمع الكوردي جزء من هذه القرية الكونية تنفعل وتتأثر بمتغيراتها، فكان لا بد له؛ المجتمع الكوردي وحركته السياسية أيضاً أن يعيشا هذا الانقسام العالمي وتشهد المناطق الكوردية بعض الانقسام والتوتر ولو بدرجاتٍ أقل حدةً. (وسوف نقف في الحلقة الثانية، من مقالنا هذا، على المواقف المتباينة والأجندات السياسية لكل من المعسكرين وحلفاءهما السياسيين في المنطقة وداخل الحركة الوطنية الكوردية).
جندريسه_11-10-2012 م
(*) غيفارية: نظرية سياسية يسارية نشأت في كوبا وانتشرت منها إلى كافة دول أمريكا اللاتينية، مؤسسها هو ارنتسو تشي غيفارا أحد أبرز قادة الثورة الكوبية، وهي نظرية أشد تماسكاً من الشيوعية، وتؤيد العنف الثوري، وتركز على دور الفرد في مسار التاريخ، وهي تعتبر الإمبريالية الأمريكية العدو الرئيس للشعوب، وترفض الغيفارية استلام السلطة سلمياً وتركز على الكفاح المسلح وتتبنى النظريات الاشتراكية. (قاموس الاصطلاحات السياسية).
[1]