=KTML_Bold=الإبادة الثقافية ..الكورد أنموذجاً؛ مفهوماً وواقعاً مأساوياً=KTML_End=
#بير رستم#
الكورد كشعب وأمة وإحدى أهم وأكبر التجمعات العرقية البشرية والذي تعرض _وما زال_ لكل أصناف الإبادة الجماعية في المنطقة وبكل أشكالها وتلاوينها، يعتبر نموذجاً صارخاً عن الواقع والحالة المأساوية لما تمارس بحق بعض المكونات المجتمعية من سياسات عنصرية جينوسايدية ظالمة، حيث وعبر التاريخ الإنساني أندثرت الكثير من الحضارات والمجموعات البشرية وقد أنقرضت بعضها تماماً أو كادت أن تمحو من الوجود إن كانت في الغرب الأوربي والأمريكي أو في مناطقنا الشرقية وللتعرف أكثر على هذا الجانب المظلم في ثقافة وتراث وحياة المجتمعات البشرية ومسيرة التاريخ الإنساني، علينا أن نتعرف على بعض المفاهيم والمصطلحات الخاصة والمتعلقة بالموضوع؛ كالثقافة والأجناس البشرية أو الأعراق وكذلك قضيتي العنصرية والإبادة الجماعية والثقافية _للأعراق والجماعات البشرية المختلفة؛ دينياً أو إثنياً_ حيث تقول الموسوع الحرة بهذا الخصوص ما يلي؛ “العرق: مجموعة بشرية لها خاصيات مميزة” وكذلك وبخصوص الإثنيات والأعراق تقول: بأن “الإثنية هي مجموعة بشرية لها خاصيات مميزة تحدددها الثقافة المشتركة والهوية، وهي تربط اعضائها مع بعضهم بعضا، عادة على أسس مشتركة. ولها اعتراف الآخرين كمجموعة متميزه لها أسس مشتركة ثقافيه ولغويه ودينية، أو سمات سلوكية أو بيولوجية”.
وبالتالي ومن خلال العلاقة بين هذه المجموعات البشرية (الأعراق)، تنشأ نوع من الصراع والمنافسة على الوجود والنفوذ والسلطة والتي تؤدي في أكثر الأحيان إلى الحروب والإبادات العرقية والجماعية وفي حدها الأقل عنفاً؛ ممارسة سياسة الإضطهاد والعنصرية بحق الأعراق والشعوب المستضعفة.. وتقول الموسوعة في تعريف “العنصرية (أو التمييز العرقي) (بالإنجليزية: Racism) هو الاعتقاد بأن هناك فروقًا وعناصر موروثة بطبائع الناس و/أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما – بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق – وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية”.
وهكذا ونتيجةً للصراعات بين تلك المجموعات العرقية يمكن أن تشتد الصراعات في منطقة جغرافية ما لتصل إلى مرحلة ممارسة الجينوسايد والإبادة العرقية والجماعية بحق مجموعة بشرية ما _وبحسب الموسوعة_ فإن مصطلح الإبادة تطلق على “سياسة القتل الجماعي المنظمة _عادةً ما تقوم حكومات وليست أفرادًا_ ضد مختلف الجماعات” وهناك عدد من الإبادات التي حصلت في التاريخ البشري مثل؛ إبادة الهنود الحمر في أمريكا على يد الغزات الأوربيين وكذلك الإبادة النازية لليهود وما عرف بالهولوكوست وأيضاً إبادة الأتراك للشعب الأرمني 1915 وهناك إبادات في العصر الحديث مثل الإبادة الجماعية في كل من راوندا وبنغلادش البوسنة والهرسك.. وأيضاً العديد من الأمم والمجموعات البشرية الأخرى والتي تعرضت لهكذا جرائم إنسانية بحق الشعوب.
وربما يكون شعبنا الكوردي هو الآخر أكثر الشعوب التي تعرضت لهكذا سياسات عنصرية وجرائم إبادة جماعية _بل ذاك هو الواقع_ وذلك عبر تاريخه الطويل في المنطقة؛ إن كانت في الفترة الإسلامية وما عرفت بالغزوات و”الفتوحات الإسلامية” إبان خلافتي أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب والهجوم البربري للجيوش الإسلامية على كوردستان وفارس بقيادة عياض بن غنم أو ما تلاها من حروب وغزوات وصولاً إلى العصر الحديث؛ حيث الأنظمة القومية العنصرية والسياسات الشوفينية والإبادات الجماعية وذلك إن كان في حلبجة والأنفال عموماً من قبل حكومة النظام العراقي البعثي الصدامي البائد وكذلك من سياسات الحكومات التركية الطورانية في شمالي كوردستان؛ حيث مجازر ديرسم وغيرها.. ومؤخراً ما يتعرض له شعبنا من هجمات بربرية وحشية من قبل ممن يعرفون بمرتزقة الدولة الإسلامية “داعش” وذلك في كل من شنكال وكوباني والتي هي ليس إلا إستمرار للغزوات الإسلامية وفي ذلك تقول كتب التاريخ ومنها موسوعة ويكيبديا بأن قد “تعرض الايزيديون عبر التاريخ الى 72 عملية ابادة استهدفتهم لاسباب دينية غالبا. تنوع قادة الحملات الاسلامية عبر السنين مع بقاء مضمون كل حملة ثابتا وهو القتل العشوائي وسبي النساء والاطفال واحراق المزارع والمدن فوق رؤوس ساكينها.
اقترنت الحملات بصدور فتاوى التكفير واستحلال القتل والسبي باسم الاسلام،[102] فكانت من أهم الفتاوى التي أباحت قتل الايزيديين فتوى احمد بن حنبل في القرن التاسع وأبي الليث السمرقندي والمسعودي والعمادي وعبد الله الربتكي المتوفي عام 1159.[103]ولعل فتوى أبو سعود العمادي (وهو مفتي الدولة العثمانية في عهدي سليمان القانوني وسليم الثاني) أحد هذه الفتوى، حيث قادت إلى سلسلة من الفتاوى التكفيرية بحق الايزيديين.[104] أباح العمادي في فتواه قتل الايزيديين وسبي نسائهم وذراريهم بعد ان وصفهم بانهم “أشد كفرا من الكفار الاصليين”[105] وعلل ذلك ببغضهم لامام علي بن ابي طالب واولاده الحسن والحسين”. مع العلم؛ معروف عن هذه الجماعة _الآيزيديين_ ودينهم وثقافتهم؛ التسامح والمحبة والتعايش الأخوي مع الآخرين ولم يسجل التاريخ يوماً بأنهم قاموا بالإعتداء أو العدوان على غيرهم .. وإن قصة علاقتهم وربطهم بالخليفة يزيد بن معاوية ومعاداة آل البيت والعلويين هي مجرد كذبة وحجة لقتلهم وإبادتهم كمجموعة ثقافية دينية متمايزة في المنطقة والعالم الإسلامي.
وهكذا فإن الإبادة الثقافية والتي تعرفها الموسوعة بأنها “مصطلح يستخدم لوصف التدمير المدروس لثقافات شعب أو أمة لسبب سياسي، اجتماعي، ديني، فكري، عرقي، أو عنصري” ينطبق تماماً على ما أرتكب من جرائم جماعية وممارسات جينوسايدية بحق الآيزيديين والكورد عموماً في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث التدمير المدروس والممنهج من قبل حكومات عنصرية حاقدة مارست القتل الجماعي لأسباب سياسية، دينية وعرقية بحق الشعب الكوردي وذلك بهدف القضاء على هذه الأمة العريقة من خلال ممارسة “الإبادة الثقافية” بحقه حيث وكما يقول الدكتور منير العكش في كتابه “أمريكا والإبادات الجماعية” بأن ((اللغة والدين هما خط الدفاع الأخير للهنود ولا بد من القضاء عليهما” بهذه العبارة التي قالها مؤسس مدارس الهنود الحمر في أميركا الكابتن ريتشارد هنري برات، يقدم الفصل السادس من الكتاب الآلية التنفيذية لكنعنة الآخر، انطلاقا من القاعدة المعروفة بأن اللغة والدين هما من المكونات الحضارية والوجودية لأي أمة، فالتوالي الجيني لأمة قد يعطيها القدرة على البقاء المادي في حين أن سلخها عن هويتها الثقافية يجعلها غير قابلة للتجديد والحياة والتطور وبالتالي تصبح أكثر قابلية للتبعية والتلاشي في ظل القوة الأكبر والأقوى ثقافيا حتى لو كانت تمتلك حضارة ما عبر التاريخ)).
وهكذا فإننا نلاحظ بأنها نفس السياسية التي مورست _وما زالت تمارس_ بحق الكورد وفي مختلف العصور والأزمنة ومن قبل كل الحكومات التي حكمت بمصير شعبنا؛ إن كانت دينية أو قومية عنصرية شوفينية بحيث دفع بأحد أهم الباحثين الإجتماعيين في المنطقة وهو الأستاذ إسماعيل بيشكجي لأن يقول عن كوردستان بأنها “مستعمرة دولية” في إشارة إلى حالة العبودية والإستعباد والتبعية للقوى الأكثر قوةً في المنطقة؛ ثقافياً وسياسياً وحتى إجتماعياً حضارياً وبالتالي محاولة صهر وذوبان الكورد في بوتقة الشعوب الأقوى _والإستعمارية_ في كوردستان. طبعاً الإبادة الثقافية لشعبنا لم تتوقف عند الحروب والأنفال والمجازر الجماعية وإن كانت تلك هي الوجه الأكثر بشاعةً ودموية، بل تعدى إلى محاربة كل ما يتعلق بالجانب الفكري والثقافي واللغة مباشرةً وعلى الأخص مع المرحلة الأخيرة وفترة الدول والحكومات القومية والسياسات العنصرية والتي جاءت بعد مرحلة الإستعمار الغربي للمنطقة وتقسيمها بموجب إتفاقيات سايكس _ بيكو 1916 ولوزان 1923 وغيرها من المعاهدات والإتفاقيات التي تناولت وضع المنطقة بين القوى الإستعمارية آنذاك؛ أي في بدايات القرن الماضي حيث كان من نتائجها تقسيم كوردستان أيضاً وبين أربعة دول غاصبة وحاقدة على كل ما هو كوردي ومحاربته بكل السبل والوسائل ومنها قضية اللغة والثقافة؛ فكانت منع اللغة والثقافة الكوردية من الإحياء والنشاط والعمل عليها، ناهيك عن حرمان شعبنا وأبنائنا من التعلم بلغة الأم إلا فيما ندر من مراحل تاريخية وبذلك فهي عملت _وتعمل_ على الإجتثاث من الجذور كون “اللغة هي الوعاء لثقافة أي شعب .. والذاكرة تعني كل التراكم الثقافي لهذا الشعب خلال آلاف السنين” (أبوبكر القاضي – مناهضة الإبادة الثقافية في السودان).
وبالتالي فعندما تمنع شعب وأمة من تعلم وممارسة لغته وثقافته فأنت تريد أن تمحي ذاكرة ذاك الشعب وتمارس بحقه (الإبادة الثقافية) بأكثر أشكالها تعبيراً وتمظهراً في الواقع الحياتي اليومي لتلك الأمة، وقد مارست هذه الحكومات الغاصبة كل أشكال محاربة الثقافة الكوردية بما فيها تغيير وتعريب أسماء القرى والبلدات الكوردية وتبديلها بأسماء عربية أو تركية كجزء من محاربة كل نشاط ثقافي كوردي وكم من كاتب ومثقف قد تعرض للملاحقة والإستجواب والسجن بسبب نشاطهم في خدمة اللغة والثقافة الكوردية، بل إن محاربة هذه الأنظمة لطمس التراث الكوردي وصل لحد منع الغناء والفولكلور الكوردي وكذلك سرقة الكنوز التاريخية والأثرية والتي كانت تكتشف في مناطق كوردستان المختلفة ويتم عرضها في متاحف الدولة على إنها جزء من تراث الشعوب السائدة؛ إن كان العرب أو الفرس والترك وكم هناك من كنوز أثرية لشعبنا وأجدادنا وهي تعرض في متاحف الدول الأربعة الغاصبة لكوردستان على إنها جزء من حضارات تلك الشعوب. وهكذا فإنه يمكن إعتبار ما يمارس من قبل الحكومات الغاصبة لكوردستان هي تجسيد فعلي لسياسة “الإبادة الثقافية” بحق شعبنا وتاريخنا وتراثنا الفكري والثقافي وكأحد أهم المكونات الحضارية في منطقة الرافدين وميزوبوتاميا.. ناهيكم عن الحرمان من الحقوق السياسية والإجتماعية في ممارسة حياته الطبيعية ضمن جغرافية كوردستان وذلك بحكم سياسة الإستعمار، بل الإستعباد _حيث يمكن القول بأن كوردستان مستعبدة وليس فقط مستعمرة_ كون سياسية هذه الحكومات الغاصبة لكوردستان؛ أرضاً وشعباً وثقافةً تحاول أن تجعل من شعبنا عبيداً وموالي لها بحيث تجتث الجذور في عملية إبادة ثقافية جماعية لكل التاريخ والثقافة الكوردية.
[1]