كوردستان؛ الدولة القومية. ..هي المطلب السياسي والتاريخي لشعبنا
#بير رستم#
تطرح اليوم في الساحة السياسية الكوردية أكثر من مشروع سياسي لحل المسألة الكوردية وحيث يقف خلف كل مشروع من المشاريع السياسية إحدى الكتل الكوردستانية الفاعلة في الساحة ومن خلال قراءة سريعة للتكتلات ومشاريعها سوف نجد بأن كتلة البارتي؛ الحزب الديمقراطي الكوردستاني (العراق) ومتفرعاته وحلفائه من القوى والأحزاب الكوردستانية أو الدولية هي صاحبة المشروع القومي التقليدي في بناء الدولة الكوردية القومية وإن كان على جغرافية الإقليم الكوردستاني الملحق بالدولة العراقية، لكن هناك الكثير من المعيقات والموانع الداخلية _حتى من بعض الأطراف الكوردستانية_ وكذلك الإقليمية ومصالح بعض مراكز القرار الدولي _وتحديداً أمريكا_ والتي تجبر قيادة الإقليم على تأجيل الإعلان عن الدولة/الحلم رغم أن إقليم كوردستان (العراق) ومن الناحية العملية هي دولة (غير معلنة) حيث لا تخضع للمركز بغداد في أي قرار سيادي لها وإن المسألة متوقفة على خطوة الإعلان عن الدولة وما نلاحظه؛ أن كلما كان هناك تمهيداً لإعلان مشروع الدولة الكوردية، تخلق العديد من المشاكل الداخلية والخارجية لإقليم كوردستان.
أما المشروع الكوردستاني الآخر؛ فهو مشروع العمال الكوردستاني القديم المتجدد والذي يتجسد في مشروع “الأمة الديمقراطية” ونظام الإدارات الذاتية والكانتونات حيث يرى بأن عصر الدولة القومية قد ولى وأن أفضل الصيغ السياسية لحل أزمة شعوب المنطقة هو العمل وفق نظام المجالس والكانتونات الديمقراطية وذلك على غرار نظام الكانتونات المعمول بها في أوربا الغربية، لكن يبدو أن الإخوة في منظومة المجتمع الديمقراطي لا يأخذون الفارق الحضاري بين مجتمعاتنا الشرقية والتي ما زالت تعاني من الفقر والتخلف والأزمات السياسية والصراعات المذهبية والعنصرية الإثنية وبين المجتمعات الغربية والتي قطعت أشواطاً بعيدة في بناء المجتمعات المدنية الديمقراطية. وبالتالي لا يمكن حرق المراحل وبناء نظام ديمقراطي مدني في واقع إجتماعي عنصري متخلف.. وكذلك فإن هذه المقولة تنطبق على أصحاب “مشروع دولة المواطنة” والتي يتبناه الإخوة في الإتحاد الوطني الكوردستاني وبعض التيارات الكوردية في الإقليم الكوردستاني الملحق بالدولة السورية حيث ما زالت فكرة المواطنة على أساس الإنتماء لجغرافيا وطنية فكرة غير سائغة ومقبولة لدى المواطن الشرقي عموماً والذي يجد إنتماءه الحقيقي إلى المكون الديني المذهبي والإثني العرقي وما نجده اليوم من صراعات طائفية وعرقية في مناطقنا إلا تجسيداً لهذه الإنتماءات الماقبل دولتية حيث ما زالت مجتمعاتنا تنتمي للثقافة القبلية الطائفية وإلى فكرة ومبدأ القوميات والتي _أي الدولة القومية_ ما زالت هي المخرج الحقيقي للعديد من الأزمات والصراعات والحروب الداخلية في الشرق والعالم عموماً.
وربما يقول البعض بأن عصر الدولة القومية قد إنتهى أو في زوال كما يتطرق إليه الدكتور أحمد نسيم برقاوي في مقالة له تحت عنوان (الفكر العربي وأسئلة الراهن) حيث يكتب؛ ربما “قائل يقول: إنك تتحدث عن العرب الأمة – الدولة في عصر يأذن بزوال الدولة القومية وهذا قول باطل بالمرة”. ويضيف د. برقاوي “إن الدولة القومية حتى الآن باقية فاعلة إلى أبعد الحدود لكن العلاقات الدولية هي التي تغيرت وهي التي تظهر الآن مفهوماً جديداً للسيادة القومية يقوم على حرية الفعل الاقتصادي – المالي خارج حدود الدولة القومية”. ولتوضيح الفكرة يكتب: “ولدينا مثالان ساطعان يدلان على استمرار الدولة القومية كحلمٍ إنساني. بعد البيريسترويكا وتحطيم جدار برلين عادت ألمانيا دولة قومية واحدة، لماذا لم تبق ألمانيا دولتين شرقية وغربية؟ ما الذي دفع الألمان لإعادة الدولة القومية الواحدة. وبعد تفكك الدولة السوفييتية المتعددة القوميات عادت القوميات لتكوين دولها حتى الصغيرة منها التي لا تُرى بالعين المجردة كأستونيا وملدافيا وليتوانيا.. وما زال الشيشان يطمحون لتكوين دولتهم القومية”. وهكذا يصل إلى الخاتمة والتي يقول فيها؛ “إذاً أمة كانت دولتين فصارت دولة – أمة ودولة متعددة القوميات تحولت إلى دول قومية. هذا جرى في نهاية القرن العشرين وليس في عصر القوميات، لكن سؤال الدولة – الأمة لم يعد مطروحاً فقط في حقل الوعي القومي بل في حقل المصالح الأساسية للبشر الذين يشعرون بالانتماء إلى هوية قومية”.
وبالتالي يخرج الدكتور أحمد برقاوي بالفكرة والنتيجة التي تؤكد على أن؛ “دون هذا _أي الدولة القومية (إضافة من كاتب المقال)_ لا يمكن الحديث عن علاقة مع العالم يكون فيها العرب فاعلين لا موضوع هيمنة”. وإنني أتفق تماماً مع قراءة الدكتور برقاوي؛ بأن عصر الدولة القومية لم تنتهي بعد وإن كانت الدوافع والأسباب والمهام الموكلة للدولة القومية قد طرأ عليها بعض التغيرات والتحوير لكن ما زالت الدولة القومية تحتفظ بكل حيويتها لدى الشعوب وخاصة تلك التي تعاني من التخلف والفقر والقهر والإستبداد العنصري القومي والمذهبي الديني، حيث أن هذه الشعوب تحتاج _بدايةً_ إلى تكوين هوياتها القومية العرقية داخل جغرافياتها السياسية في دول قومية خاصة بها ومن ثم وبعد إشباع هذا الجانب العاطفي الوجداني لدى شعوبنا _والذي يمكن تسميته ب”الغريزة القومية”_ يمكننا الحديث عن مجتمعات مدنية ديمقراطية وتحالفات فيدرالية وكونفدرالية ونظام كانتونات وأمم وشعوب ديمقراطية ..أما قبل إنجاز المرحلة القومية فبقناعتي كل حديث عن الأمم الديمقراطية هو كلام في العبث وقفز وحرق للمراحل التاريخية وإعادة للتجربة الإشتراكية الفاشلة داخل مشروع “الدولة الأممية”.
[1]