$إقليم كوردستان في الخطاب العربي(3)$
#بير رستم#
“ولست أظن أن ما سيتبقى من الكيان العراقى سيكون معنيا بما يحصل على حدوده الشمالية, فماذا يهم من الأرض المفقودة اذا خرجت من يد كردى ينفث حقدا يوميا على كل ما هو عربى لتؤول الى تركى يحلم باستعادة جزء من مجد امبراطوريته البائدة؟“. بهذه الجمل ينهي المحامي سليمان الحكيم – ونعتقد إنه أسم مستعار – سلسة مقالاته والتي قام بنشره تباعاً في صحيفة كتابات الإلكترونية وذلك تحت عنوان “دور دول الاقليم فى المسألة العراقية – الأخيرة“. حيث قام بطرح رؤيته حول دور القوى والدول المجاورة للعراق وما تأثيرها على كل من الساحة الداخلية العراقية وأيضاً الساحة الإقليمية، وبالتالي مدى تدخل هذه الدول في الشأن العراقي “الداخلي” وتلاعبهم بمصير العراقيين ومصالحهم حتى وإن كان على حساب الدم العراقي المراق وهم يسبحون “فى مستنقع الدم الذى بات يغطى أرض العراق“.
لا نخفيكم إننا نتفق في العديد من المسائل والتحليلات مع الأستاذ سليمان في نظرته وتحليله للأوضاع الجيوسياسية والتي تمر بها المنطقة؛ منطقة الشرق الأوسط عموماً وعلى الأخص ما تشهده جغرافية “الهلال الخصيب وبلاد الشام“. ولكن وعلى الرغم من هذا التوافق في بعض هذه المسائل، فإننا نختلف معه في منطلقات أساسية وهي بالتالي تؤدي بنا أحياناً إلى الحالة التصادمية ولا نقول العدائية؛ ومن هذه المسائل الجوهرية، بل أهمها على الإطلاق، هو ما يلمح إليه في خاتمة مقالاته والذي أشرنا إليه، وذلك من خلال تلك الفقرة الأخيرة والتي أوردناها في بداية مقالنا هذا، حيث وبالعودة إليها نستشف تلك العقلية العروبية القومجية الكامنة وراء هكذا طرح سياسي وفكري.
فها هو يوهم للقارئ وكأن الشعب الكوردي ليس واحداً من المكونات الأساسية في المنطقة ويعيش على أرضه التاريخية، وذلك عندما يقول: “ فماذا يهم من الأرض المفقودة اذا خرجت من يد كردى ينفث حقدا يوميا على كل ما هو عربى لتؤول الى تركى يحلم باستعادة جزء من مجد امبراطوريته البائدة؟“. حيث أن هذا التأكيد على أنه ليس مهماً إن فقدت الدولة العراقية، ومن خلفه الشعب العربي، ذاك الجزء من “الأرض” في “شمال العراق” وأخذته الدولة التركية والتي تحلم بإعادة أمجاد “إمبراطوريتها البائدة“، فهي بالمحصلة الأخيرة لن تكون أرض عربية. وهكذا ودون رادع أخلاقي أو منطق سياسي موضوعي – وبداية – فهو يتنكر للحقيقة الكوردستانية كواقع جيوسياسي وتاريخي وأن الشعب الكوردي يعيش على أرضه التاريخية ولم يقم باحتلاله وسلبه، بل إنه هو الذي ما زال يرزح تحت حراب الدول التي استلبته تاريخاً وحضارتاً وجغرافية.
تلك كانت من ناحية ومن الناحية الأخرى وتأسيساً عليه فهو يقوم بمقارنة جد مجحفة بحق الواقع والتاريخ وذلك عندما يقوم بالمقارنة بين “الجلاد والضحية” ويصفهم بنفس النعوت والصفات؛ حيث عنده لا فرق بين “كردى ينفث حقدا يوميا على كل ما هو عربى” وبين “ تركى يحلم باستعادة جزء من مجد امبراطوريته البائدة“. وهكذا نفهم من السيد سليمان وكأن الكورد يمارسون الاضطهاد والقمع بحق الشعب العربي وهم الذين يتنكرون لكافة الحقوق القومية العربية وأن أرضهم وتاريخهم وثقافتهم تم استلابها على يد هؤلاء الكورد “الحاقدين“، وليس العرب والترك والفرس هم الذين استلبوا وما زالوا الهوية والجغرافية الكوردية.
وهكذا فإنه يسيء وبشكل سافر إلى قراءته والتي اتصفت بالموضوعية في الكثير من النقاط والمسائل، وذلك عندما يقترب من المسائل الجوهرية والمتعلقة بالحقيقة الكوردستانية، ولكن يبدو لنا ومن خلال الوقوف عند العديد من القراءات والتحليلات السياسية للمثقف والسياسي العربي عموماً؛ إنهم ما زالوا أسيري ثقافة الاستعلاء والعجرفة وامتلاك “الحقيقة المطلقة” وبالتالي إلغاء الآخر ونسفه، وللتأكيد على هذه المسألة فإننا نحيل القارئ الكريم إلى مجموعة المقالات والتي تنشر في مواقع الكترونية معروفة باتجاهاتها القومية اليسارية الإسلامية، وعندها سيكتشف مدى ديمقراطية وليبرالية هؤلاء المثقفون ودفاعهم عن حق الشعوب في تقرير مصيرها والعيش الكريم دون استعلاء أو إقصاء للآخر.
جندريس-2006
[1]