$إقليم كوردستان في الخطاب العربي(5)$
#بير رستم#
(لا) نعلم من أين يستقي هؤلاء (منطقهم) هذا ولا كيف يفكرون وما هي الدوافع والآليات التي تحركهم وتكمن وراء غلهم وحقدهم الأعمى هذا على كل ما هو مغاير ومخالف لكينونتهم وآرائهم وقناعاتهم (الفكرية) الدينية المذهبية والإثنية العرقية وأيضاً الأيديولوجية السياسية. فتجد الواحد منهم وهو يحمل لقب الدكتور – وبالمناسبة لقد أزداد عدد هؤلاء (الدكاترة) الخلبيين في الآونة الأخيرة، بل نجد من هو طبيب ويضع أمام أسمه حرف الدال مع النقطة (د.) دلالة على أنه دكتور في أحد الاختصاصات وهكذا وبدون أدنى احترام للمسألة وللقارئ ولن نقول لنفسه؛ فهو يستولي على لقب ومهنة ليست له وبالتالي يدخلنا في متاهات لا حصر لها ويطرح من (الأفكار) والمسائل ما تتعجب لها وبلغة (سوقية) لا يرتقي إلى لغة البائعين المتجولين في أسواق الشرق الصاخبة والتي تتطلب الصراخ العالي لتسمع صوتك للآخر (المشتري).
صحيحٌ إننا قلنا لا نعلم من أين يستمدون مثل هذه الأطروحات والنظريات ولكن وبالعودة إلى التاريخ الإسلامي العربي وتحديداً بعد أن تمكنت الإمبراطورية الإسلامية من بسط نفوذها على رقعات شاسعة من جغرافيات الآخرين وبالتالي – وبقوة السيف والدم – دكت عروش السلاطين والإمبراطوريات الأخرى وأجبرت شعوبها على اعتناق الإسلام، بل جعلتهم موالي وأرقاء وعبيد لديها ولدى سادتها (الأشراف) من أبناء عدنان وقحطان وهكذا مارست عليهم كل أصناف الذل والهوان، مما أعطى للعنصر العربي مفهوم التفوق والسيادة على الآخرين والنظر إلى أولئك على أنهم أقل مرتبةً وشرفً وبالتالي (لا) يحق لهم ما يحق للعربي.
إذاً فإن لهذه العقلية الاستعلائية – (التفوقية)، لدى العنصر العربي، جذورها التاريخية والفلسفية والإنسان بطبائعه وغرائزه البدائية يتطلع إلى مسألة (التفوق) والريادة وحتى الهيمنة والسيادة على الآخرين وهو لا يتنازل عن هذا (الحق) الإلهي أو التاريخي الفلسفي بيسرٍ وسهولة؛ حيث التخلي عنها يعني فقدان الخصوصية والامتياز بالمعنى السلبي التسلطي للمفهوم والمصطلح. وما نشاهده اليوم من آراء وتحليلات حاقدة ورافضة لكل ما ي(سحب البساط من تحت أقدام هؤلاء) إلا تأكيداً على ما ذهبنا إليه؛ حيث يجدون صعوبة بالغة في تفهم مسألة صعود وبروز العناصر الغير عربية من كوردية، أمازيغية أو دارفورية وغيرها العديد من القضايا وذلك في الساحة الإقليمية أو الدولية.
وهكذا فإن هذه الأبواق العنصرية العربية والتي تحاول النيل من قضايا الشعوب والأعراق الأخرى (الغير عربية) وتنظر إلى تطلعاتهم لنيل استقلالها عن الهيمنة والسيادة العربية، على أنها حركات شعوبية (إمبريالية) غربية (معادية) للعرب ومصالحهم ووحدتهم ما هي إلى بقايا ذاك التراث الطويل من تلك الأحقاب والأزمنة التي هيّمن وساد فيها العرب وعلى رقعة جغرافية تمتد إلى حدود القارة الأوربية، بل ضمت جزءً منه بالإضافة إلى كل من آسيا ومعظم أفريقيا. حيث لا يمكن أن يفهم كل ترهات هؤلاء الأبواق خارج هذا السياق التاريخي المعرفي.
ومن ضمن الجوقة وهؤلاء الذين يحملون لقب (دكتور)، ذاك الذي عرّف عن نفسه باسم (د.عصام علي النعماني) حيث كتب هو الآخر في (صحيفة كتابات) – المتخصصة في شتم وسب الكورد أينما كانوا وكيفما كانوا – وذلك في عدد 09-05-2006 مقالاً بعنوان “ألا من مغيث : السفراء الأكراد يحتفلون ويرقصون على جثث العراقيين بسفارات العراق بمناسبة إعلان حكومتهم؟“. طبعاً ومن خلال النص يفهم أن القصد هو حكومة إقليم كوردستان (العراق) وليس الحكومة العراقية حيث يقول: أنهم يقومون بذلك “بمناسبة إعلان حكومة برزاني طالباني في شمال العراق“. هكذا وبكل صفاقة يتهم الكورد وسفراءهم بأنهم غير معنيون بالوضع الأمني وجثث الضحايا في العراق، بل وعلى ضوء ما يعلنه؛ بأن السفراء الكورد “يحتفلون ويرقصون على جثث العراقيين” وبالتالي فهم أيضاً يتآمرون مع القوى الظلامية والتكفيرية الإسلامية الإرهابية على العراق وشعبها وكأن الكورد ليس بعراقيين أيضاً وقد قدموا القرابين الكثر على هذا المذبح العراقي بما لا يقل عن إخوتهم العرب، بل ربما يزيد. والأكثر دراماتيكياً في هذه المسألة عندما يحاول أن يقول بأن الكورد كانوا عملاء و(رجال) صدام حسين ونظامه البائد وذلك عندما يلفق تهمة أخرى لهم وبأنهم كانوا يرقصون ويتمايلون “في حفلات ميلاد صدام حسين وميلاد حزب البعث!!!؟” وينسى (الأستاذ) بأن الكورد في العراق إلى جانب إخوتهم الشيعة هم أكثر من عانى من الطاغية وزبانيتها.
و(الرجل) لا يناور (ما يلف أو يدور) في هذه المسألة؛ مسألة سبب مأساة العراقيين وإسالة دمائهم في شوارعها، بل يتهم الكورد دون المكونات العراقية الأخرى؛ إن كانت عرقية أثنية أو دينية مذهبية أو قوى سياسية معينة. وهكذا وفي محاولة بائسة ويائسة يجعل من الضحية الجلاد وذلك عندما يقول في سياق خطابه القومجي العروبي ما يلي: “ألا يوجد بينكم من الأحرار الذين ينهون مآساة العراق الحالية, والتي سببها الإستفحال الكردي السياسي؟“. موجهاً نداءه إلى كل من “الشعب العراقي العربي (و) السياسيون العراقيون الشرفاء (و) الوطنيون النجباء (و) الشرفاء من الشعب الكردي” وأيضاً إلى الحكومة العراقية بشخص رئيسها؛ حيث يقول: “لقد وصل السيل الزبى يا أخي يا نوري المالكي“. وبالتالي فليس من حل إلا ما توارثه عن أسلافه العمريين (من عمر بن الخطاب) والمعاويين (من معاوية بن أبي سفيان) والحجاجيين (من حجاج بن يوسف الثقفي) وأيضاً العفلقيين (من ميشيل عفلق) وأخيراً الصداميين (من صدام حسين) أن يلجأ إلى أسلوبهم وطريقتهم في (حل) هكذا قضايا وذلك من خلال القتل الجماعي (الجينوسايد) والسبي والنفي والمقابر الجماعية و.. وهكذا ليحاول هو الآخر أن يجرب ما جربه غيره من (الحلول) بصدد المسألة الكوردية.
وإضافةً إلى التهمة السابقة؛ البائسة والملفقة بخصوص اتهام الكورد بأنهم السبب في مأساة العراقيين، نلاحظ ومن خلال نداءه السابق بأن العرب (كل) العرب هم بريئون بنظره وذلك عندما ينادي عليهم من خلال مقولة “أيها الشعب العراقي العربي” بينما الكورد هم بعيدون عن هذه البراءة وفي أحسن الأحوال هناك بعض الشرفاء منهم حيث يقول في جملته الندائية التالية ما يلي بخصوص ما نوهنا إليه: “أيها الشرفاء من الشعب الكردي” وهكذا فهو يوجه كلامه إلى هذا ال(بعض) من الشرفاء الكورد. والشيء الآخر والملفت في هذه المقولة أنه أسبق كلمة العراقي على العربي وذلك ليس تفضيلاً لعراقيته على عروبته بل لكي يوحي بأن (كل) العراق هو عربي شعباً وجغرافية وما الكورد إلا أناسٍ (مهجرين ومستوطنين) في جغرافية العراق (العربي) وليس هم بساكني جغرافيتهم الكوردستانية وهو يعرّف المنطقة الكوردية وجغرافيتهم – كما يفعل كل أصحاب هذه العقلية – ب(شمال العراق) وليس بكوردستان (العراق).
وبناءً على ما سبق فهو ينادي بوقف حدٍ ل“هؤلاء المرضى بحمى الإنفصال والشوفينية” – طبعاً هؤلاء الكورد وساستهم وسفراءهم – وكأن المسألة هي منة أو هبة منه أومن غيره من المغالين والمتطرفين العرب وغيرهم؛ أصحاب الرؤوس الحامية بالنظريات العرقية والمذهبية والتي لا تجد في الآخر إلا قاصراً تابعاً و(ذميياً موالياً) أو طابوراً خامساً عميلاً (لا) يحق له ما يحق لأصحاب (السيادة) والنفوذ وهم الذين يقررون للكورد وغيرهم من الشعوب والأعراق التي عانت من هؤلاء وسياساتهم العنصرية والشوفينية ما يجب أن يطالبوا به والذي لا يتعدى الموت كسقفٍ لمطالبهم – إن كان مادياً أو معنوياً – ف(الكردي الجيد هو الكردي الميت) بنظرهم وهذه تعطي صورة واضحة وجلية عن عقلية ونظرة هؤلاء ومدى (تفهمهم) لقضايا غيرهم من الشعوب والتي أوضحناها في مقدمة المقال.
أما مسألة العلاقة مع الأمريكان والإسرائيليين وإلى ما هنالك من الشعوب فنعتقد إننا جاوبنا على هذه المسألة في مقالاتٍ أخرى؛ ولكن ها نحن نؤكد مجدداً بأن من حق الشعوب أن تعمل وفق مصالحها و“الغريق يتمسك بقشة” وأيضاً ومن الأجدى بالنخب العربية السياسية والثقافية أن تسأل نفسها ولو لمرة واحدة: لما هذه الشعوب (المستضعفة) تمد يدها للقوى الخارجية – إن كانت تفعل هذا حقيقةً – وتنسى “الخبز والملح” و(العشرة) الطويلة وما المسوغ والمبرر لذلك، مع العلم إن العديد من الدول والحكومات العربية لها علاقات طيبة مع تلك القوى الخارجية، والتي على خلاف ذلك؛ أي ليس لها علاقات جيدة مع تلك الدول، تحاول أن تمد جسور تلك العلاقة معها وإن كانت على حساب مصالحها وفي أكثر الأحيان، إذاً فلما تحللون لأنفسكم ما تحرمونه على الآخرين يا (دكتور).
جندريس – 2006
[1]